تعد زيارة الرئيس السورى بشار الأسد إلى بكين هي الزيارة الأولى له منذ عام ٢٠٠٤؛ حيث وصل الأسد إلى مدينة هانغتشو بشرق الصين في ٢١ سبتمبر ٢٠٢٣، في زيارة تتضمن عدة دلالات، ولا سيما أنها لم تتكرر منذ ١٩ عاماً، فضلاً عن مؤشرات المنافع المتبادلة التي تحملها الزيارة لكل من سوريا والصين.
وكشفت الوكالة العربية السورية للأنباء عن أن مخرجات الزيارة تضمنت توقيع البلدين على اتفاقية للتعاون الاستراتيجي، وأن الرئيس السورى بشار الأسد والرئيس الصيني شي جينبينغ شهدا توقيع ثلاث وثائق للتعاون، من بينها اتفاق تعاون اقتصادي، كما شملت الوثائق الموقعة أيضاً مذكرة تفاهم مشتركة للتبادل والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية، ومذكرة أخرى حول السياق المشترك لخطة تعاون في إطار مبادرة "الحزام والطريق".


أولاً- أهداف سوريا من الزيارة 
تأتي زيارة الأسد إلى الصين في سياق رغبة سوريا بتخفيف العزلة الدولية المفروضة عليها؛ حيث جاء ضمن برنامج الزيارة حضور الرئيس السوري، ضمن أكثر من ١٢ من كبار الشخصيات الأجنبية، حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية، الأمر الذى من شأنه أن يساهم في عودة سوريا -وإن ببطء- إلى الساحة العالمية، وذلك بعد عودتها إلى الساحة العربية، من خلال المشاركة في قمة جدة، التي استضافتها المملكة العربية السعودية في ١٩ مايو الماضي.
وفي السياق ذاته، ورغم أن الصين تعد من أبرز الدول التي حافظت على علاقتها مع الحكومة السورية، عبر دعمها سياسياً واقتصادياً، منذ الأحداث السورية قبل ١٢ عاماً، إلا أن هذه الزيارة تأتي بهدف تأكيد التقارب السياسي والاقتصادي مع الصين، لأن دعم بكين لدمشق كان  غير مُعلن، كما هو الحال بالنسبة للدور الخاص بكل من روسيا وإيران. 
ومن جهة ثالثة، يسعى الأسد من خلال هذه الزيارة إلى طلب المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية، خاصة أن الصين كانت قد قدمت إنجازات ناجحة في مشاريع البنى التحتية في العديد من دول العالم، وتحديداً في أفريقيا، بما يؤهلها لكي يكون لها دور مميز في إعادة إعمار سوريا. إلا أن المؤكد في هذه الحال أن دخول الصين على خط إعادة الإعمار في سوريا سيكون له نتائج عكسية على القوى الفاعلة هناك مثل روسيا وإيران. 
وكذلك ترغب دمشق في تعزيز دورها بمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ حيث وقعت الحكومة السورية في يناير ٢٠٢٢، على اتفاقية الانضمام إلى هذه المبادرة ، والتي تعمل بكين من خلالها على توسيع نفوذها، عبر مشروعات البنية التحتية في المناطق النامية. ومن ثم يأتي تفعيل هذه الاتفاقية، كأحد أهداف زيارة الرئيس السوري إلى الصين، من منظور الاستثمارات الصينية في مشروعات البنية التحتية الخاصة بالمشروع الصيني، والذي يمر جزء منه عبر الأراضي السورية.
ثانياً- منافع الصين من الزيارة 
يأتي الاهتمام الصيني بتعزيز العلاقات مع سوريا في إطار الأهمية الاستراتجية لسوريا؛ حيث تتمتع سوريا بأهمية جيوسياسية بالنسبة إلى الصين، فهي تقع بين العراق، حيث يأتي حوالي ١٠٪ من النفط الذي تستهلكه الصين، وبين تركيا التي تُمثل نهاية ممرات اقتصادية ممتدة عبر آسيا إلى أوروبا.
وتبدو المحاولة الصينية في الانتقال من التعاون الاقتصادي المحدود مع سوريا، إلى نوع من الشراكة، من خلال الربط الطرقي والسككي، وربط خطوط الطاقة بين كل من الصين وإيران والعراق وسوريا، وهو المشروع الذي كان الرئيس السوري قد طرحه في عام ٢٠٠٢ كـاستراتيجية لتحويل سوريا إلى قاعدة لنقل الغاز، ومنطقة تجارة حرة تصل الشرق بالغرب، عبر ربط البحار الخمسة، وهو ما ترى فيه الصين مشروعاً يتوافق مع مبادرة الحزام والطريق. 
وكذلك، تعد هذه الزيارة تأكيداً عملياً على رغبة الصين في توسيع دورها وحضورها في منطقة الشرق الأوسط، عبر أكثر من بوابة، من بينها البوابة السورية. فإذا كانت محددات السياسة الصينية قد فرضت عدم الانخراط المباشر في المسألة السورية، إلا أنها ظلت على حال من التناغم مع الموقف الروسي الداعم للنظام السوري، خاصة في مجلس الأمن الدولي، انطلاقاً من اعتمادها على مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ثالثاً –دلالات الزيارة 
تكشف الزيارة عن رغبة سورية صينية في استغلال هذه العلاقات الآخذة في التطور فيما بينهما كورقة ضغط في مواجهة الغرب؛ ففي الوقت الذي تؤشر فيه زيارة الرئيس الأسد إلى الصين على أنها ذات مغزى سياسي، وأن الصين تحاول لعب دور سياسي أكبر في المنطقة، عبر البوابة السورية؛ يبدو أن بكين ترغب في أن تكون البوابة السورية بمثابة ورقة ضغط في مواجهة الغرب الذي يستخدم تايوان كورقة ضغط على بكين.
فمن الملاحظ أن بكين تحاول لعب دور أكبر في محاولات حلحلة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، كنوع من إسقاط التعامل الأمريكي مع هذه الأزمات على أنها ليست قابلة للحل، ومن ثم تحاول بكين الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، وإن بشكل غير مباشر، من خلال محاولتها أن يكون لها دور فعلي أكبر بالمفاوضات المتعلقة بمواضيع هامة في المنطقة.
كما تأتى الزيارة وسط تفاعلات دولية وإقليمية متغيرة ناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على حالة الاستقرار والأمن الدولى من ناحية، وما نتج عنها من اصطفافات دولية تدعم طرفى الصراع من ناحية ثانية، فضلاً عن حالة التعاطى الأمريكى مع القضايا الأمنية فى منطقة الإندوباسيفيك وإعلان الولايات المتحدة اعتبار الصين "مصدر قلق" يهدد بصورة مباشرة المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية الأمريكية فى المنطقة من ناحية ثالثة. 
وتشير بعض التقديرات إلى أن هذه الزيارة يمكن أن تكون بمثابة ثغرة كبيرة في جدار العقوبات الاقتصادية الغربية على سوريا؛ حيث أن وجود كتلة اقتصادية ومالية عالمية تشمل روسيا والصين وبقية دول بريكس جعل لهذه الدول آلية خاصة للتمويل والتجارة والعلاقات الاقتصادية تُستخدم فيها العملات المحلية، ما يجعلها تتصرف بطريقة مختلفة دون أن تخشى العقوبات الأمريكية أو الأوروبية.
وفي النهاية: يمكن القول إنه من الواضح أن الصين باتت تنتهج نهجاً دبلوماسياً جديداً، قائماً على الإصرار في مقاومة الإملاءات الأمريكية، خاصة في تطوير علاقاتها مع الدول التي تريد لها الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون معزولة عن التفاعلات على الساحة الدولية. إذ إن دخول الصين، في هذا التوقيت، على خط الأزمة السورية، يُشكل دعماً سياسياً قوياً لسوريا، في الوقت الذي يُعبر عن مدى أهمية المصالح المتبادلة فيما بينهما من المنظور الجيوسياسي والاستراتيجي، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي، وخصوصاً الشق المتعلق بمبادرة الحزام والطريق الصينية.
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: سوريا الصين الحزام والطریق زیارة الرئیس هذه الزیارة الأسد إلى إلى الصین أن الصین من خلال

إقرأ أيضاً:

تنسيق مصري – سوداني للمساهمة في «إعادة الإعمار» بعد الحرب

استضافت القاهرة، الأحد، «ملتقى رجال الأعمال السودانيين»؛ لتعميق التعاون بين البلدين، وتنسيق جهود إعادة الإعمار في السودان بعد انتهاء الحرب بمشاركة الشركات المصرية، «الملتقى»، الذي عُقد في «الهيئة العامة للاستثمار» المصرية، ناقش «سبل دعم الاستثمارات السودانية بمصر، ودفع مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري». ووفق خبراء فإن «السودان يعوّل على الخبرات المصرية في ملف إعادة الإعمار».

ويشار إلى أن مصر استضافت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، «الملتقى الأول لرجال الأعمال المصريين والسودانيين»، وناقش حينها دفع «الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي؛ بهدف تقليل تأثيرات وخسائر الحرب السودانية، ودعم الأمن الغذائي بين البلدين».

وقدَّر رئيس القطاع التجاري بـ«الشركة المصرية - السودانية»، منجد إبراهيم، في نوفمبر الماضي، حجم خسائر السودان الاقتصادية بسبب الحرب بنحو «200 مليار دولار؛ نتيجة تدمير البنية التحتية والمنشآت». وقال: «خرج نحو 20 مليون فدان زراعي من الخدمة».

وعُقد الملتقى بمشاركة سفير السودان في القاهرة، عماد الدين عدوي، وممثلي عدد من الشركات السودانية العاملة في مصر. وحسب إفادة للهيئة، بحث الاجتماع «تعميق التعاون لدراسة متطلبات الشركات السودانية، الراغبة في إقامة مشروعات بمصر».

وعدّد الرئيس التنفيذي لـ«الهيئة العامة للاستثمار» المصرية، حسام هيبة، مجموعة من الفرص الاستثمارية التي توفرها بلاده، من بينها «الاستثمار في المناطق الحرة جنوب مصر بقنا وأسوان»، عادّاً أنها «توفر ميزة تنافسية مكانية للاستثمارات السودانية، لارتباطها بإمدادات المواد الخام، والصناعات الوسيطة من السودان»، مشيراً إلى «برامج تشجيعية مخصصة، لدعم شباب رجال الأعمال السودانيين».

السفير السوداني في القاهرة، رأى انعقاد «الملتقى» في القاهرة، «ركيزة أساسية في تعميق التعاون الاقتصادي، وربط المستثمرين السودانيين بالفرص الاستثمارية المتاحة في مصر»، مشيراً إلى أهمية «تنسيق جهود إعادة إعمار السودان على أيدي الشركات المصرية، التي تتمتع بدعم من قيادات البلدين، وتمتلك سابقة أعمال ببلاده».

وأشار السفير السوداني في القاهرة إلى «ترتيبات لعقد الملتقى الثاني لرجال الأعمال المصريين والسودانيين في أبريل (نيسان) المقبل، بالسودان».

مدير وحدة العلاقات الدولية بـ«المركز السوداني للفكر والدراسات الاستراتيجية»، مكي المغربي، رأى أن «نجاحات الجيش السوداني الأخيرة، وكذلك استرداده بعض المناطق التي كانت تسيطر عليها (قوات الدعم السريع)، تدفع للتفكير ودراسة ترتيبات مع بعد الحرب، وعلى رأس ذلك جهود إعادة الإعمار»، مشيراً إلى أن «اتفاقات التعاون بين القاهرة والخرطوم تعطي ميزة تنافسية أمام الشركات المصرية للمساهمة في إعادة الإعمار».

ويتوقف المغربي مع «اتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين مصر والسودان»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «التفعيل الكامل للاتفاقية سيسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي، بتوسيع الاستثمارات المشتركة، وزيادة معدلات التبادل التجاري بين البلدين».

ووقَّعت مصر والسودان عام 2004 اتفاقية «الحريات الأربع» التي تنصُّ على حرية التنقل، والإقامة، والعمل، والتملك بين البلدين.

ويُشكِّل انعقاد «ملتقى رجال الأعمال السودانيين» في مصر، «خطوة إيجابية لدفع جهود التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين»، وفق رئيس لجنة العلاقات الخارجية بـ«جمعية الصداقة السودانية - المصرية»، محمد جبارة، مشيراً إلى ضرورة «استثمار قدرات وإمكانات البلدين لتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي».

و«تبلغ قيمة الاستثمارات السودانية في مصر نحو 240 مليون دولار، في مقابل مليار دولار استثمارات مصرية بالسودان»، بحسب رئيس جهاز التمثيل التجاري، يحيى الواثق بالله، مشيراً خلال «ملتقى رجال الأعمال السودانيين»، الأحد، إلى أن «حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ عام 2023 نحو 1.4 مليار دولار». (الدولار الأميركي يساوي نحو 50.24 جنيه في البنوك المصرية).

وأضاف جبارة لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك فرصاً صناعية واستثمارية يمكن أن تتكامل فيها جهود القاهرة والخرطوم، مثل التصنيع الغذائي»، لافتاً إلى إمكانية «الاستفادة من البنية الصناعية في مصر، بنقل المواد الخام من السودان، وإعادة تصنيعها وإنتاجها»، عادّاً أن ذلك «يعود بالنفع على البلدين».

الشرق الأوسط  

مقالات مشابهة

  • تهجير الفلسطينيين تحت غطاء إعادة الإعمار.. غضب عربي بسبب تصريحات ترامب
  • تمويل إعادة إعمار سوريا.. مقدرات وطنية ومنح عربية
  • تنسيق مصري – سوداني للمساهمة في «إعادة الإعمار» بعد الحرب
  • إعادة إعمار غزة بين الآمال وتحديات الواقع
  • الأمم المتحدة: 42 مليون طن من الركام في غزة
  • الأمم المتحدة: نحو ثلثي مباني غزة دُمر وهناك 42 مليون طن من الركام
  • حقيقة عودة ماهر الأسد إلى سوريا .. تفاصيل جدل الدقائق الثلاث حول شقيق الرئيس المخلوع
  • حماس: أرغمنا المحتل الإسرائيلي على فتح أبواب زنازينه للأسرى الأبطال
  • الأمم المتحدة: عملية إزالة 42 مليون طن من الأنقاض بغزة معقدة
  • مضايقات بكين تدفع الفلبين لتعليق إجراء مسح في بحر جنوب الصين