رأس برأس كوميديا سعودية محلية لا تشبه إلا نفسها
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
تتقدم السينما السعودية كل يوم بخطوات حثيثة عبر أفلام لازالت محدودة العدد، ولكن يقدم كل منها تجربة مختلفة، وبدأ مؤخرا عرض فيلم "رأس برأس" على منصة نتفلكس من إخراج مالك نجر، وتأليف عبدالعزيز المزيني.
ينتمي الفيلم إلى نوع الكوميديا السينمائي، وهو النوع الذي يمكن اعتباره سائدا إلى الآن في السينما السعودية، فحتى الأفلام التي تحاول الانتماء لأنواع أخرى يغلب عليها طابع الفكاهة في النهاية.
"رأس برأس"هو المشروع الأول بعيدا عن الرسوم المتحركة لكل من مخرجه ومؤلفه، اللذين تعاونا من قبل في عملين ناجحين على المستوى الجماهيري، وهما فيلم "مسامير" والمسلسل الذي يتناول نفس الشخصيات "محافظة مسامير". تكررت عناصر أخرى من هذين العملين في الفيلم الجديد، منها الممثلان عبدالعزيز الشهري ومالك نجر، وانسحب التأثير على الطابع البصري الخاص بالفيلم نفسه.
يفتتح الفيلم بمشهد كوميدي نعرف لاحقًا أنه "flash forward"، أي "مشهد سيتكرر بعد ذلك ضمن الأحداث"، وفيه نرى عملية تبادل لرهينة، لكنها تبوء بالفشل لأسباب لا نعرفها، ثم ننتقل إلى مدينة الرياض، وفيها نتعرف على "درويش" السائق في شركة سيارات فاخرة، ينقل المتزوجين حديثا، بينما يعاني بسبب رفض والد فتاته زواجه منها، و نتعرف، أيضا، على"فياض" رئيس قسم الصيانة، الذي يبيع أجزاء من سيارات الشركة سرا.
يدور الفيلم بالكامل في يوم واحد، وفيه يتوجه "درويش" للاستقالة، و"فياض" للحصول على قرار الفصل من العمل نتيجة لسلوكه الملتوي، ولكن ابن صاحب الشركة يقيل المدير، وفي قرار وليد اللحظة يعين "فياض" بدلًا منه، لاستغلال طبيعته المتلاعبة في تزوير أوراق حكومية تحتاج توقيع أي مدير، ويطلب منه بعدها أن يقل والده من المطار.
السائق الذي أرسله "فياض" يقل، بدلا من الوالد، رجلا آخر كبيرا في السن، وهو رئيس لإحدى العصابات الشهيرة باسم "الديمن"، وهنا تبدأ المغامرة الحقيقية، فكل من "فياض" و"دوريش"عليهما الآن نقل هذا المسن إلى حي "الذبيحة"، واسترجاع مدير الشركة.
الأمر ليس بهذه السهولة، فالحي الخيالي لا يبدو كما لو أنه يقع في الرياض، بل قادم من الغرب الأميركي مباشرة، ففيه كل السكان مجرمون سابقون أو حاليون، وكل الطرق لا تؤدي سوى للموت. تعتمد كوميديا فيلم "رأس برأس" على سوء الفهم المتبادل، حيث تقوم كل الشخصيات بأفعال غير منطقية بالنسبة لبعضها بعضا، لأنها لا تعرف حقيقة الطرف المقابل.
هذا النوع من الكوميديا يختلف عن كوميديا الإفيهات الغالبة على السينما المصرية، لأنه يعتمد بشكل أساسي على الديناميكية التي يصنعها مؤلف السيناريو والمخرج في توظيف الشخصيات بمواقف مضحكة وفي الوقت ذاته مقنعة بما فيه الكفاية للمشاهدين، وعلى الرغم من أن الفيلم ينتهج الهزلية الشديدة، فإن ذلك لم يجعل الشخصيات سطحية، بل بنى لكل منها أساسا وعرفنا على ماضيها قبل لحظة انطلاق الأحداث.
المشاهد الافتتاحية لكل شخصية عبرت عن مزاياها وعيوبها باختصار، وأهم سماتها، حتى لو كانت شخصية فرعية لها مساحة صغيرة مثل "أبو غدرة" النصاب من حي الذبيحة، ولقمان محب القطط والمتفجرات، وأضافت الاختلافات الكبيرة بين هذه الشخصيات مساحة واسعة للكوميديا.
القليل من الفانتازياعلى الرغم من انتماء "رأس برأس" إلى الكوميديا الصريحة، فإنه يمكن تصنيفه بشكل فرعي في الفانتازيا ولو بصورة محدودة، يظهر ذلك في حي "الذبيحة" على وجه الخصوص، وهو مكان خيالي تدور فيه أغلب أحداث الفيلم، وله قوانينه الخاصة التي تختلف عن عالمنا الحقيقي، وتبدو شخصياته كاريكاتيرية لا تنتمي للمجتمع السعودي.
ولكن الأهم من طبيعة المكان والشخصيات هو كيف ظهر على الشاشة، وهو سر تميز الفيلم بالتأكيد، فتصميم ديكورات الذبيحة جعل الحي عالما منفصلًا بذاته، بمبانيه المتهالكة، وفندقه الغريب، والدكاكين التي تبيع منتجات لا يعرف أحد ماهيتها، وتبادل الرهائن الذي يتم في منتصف الشارع.
يتضح من هذا الديكور تأثر المخرج مالك نجر بعالم المخرج "ويس أندرسون" المعتمد بشكل أساسي على أسلوبية خاصة في تصميم الديكور، وتحريك الشخصيات داخله، ويظهر ذلك في مشهد الفندق، والموظف الذي يرتدي ملابس ذات لون بنفسجي، ويتصرف بمهنية مضحكة تتشابه مع ما قدمه أندرسون في فيلم "فندق بودابست الكبير" (The Grand Budapest Hotel)، فتبدو الكوميديا هنا مزدوجة، الأولى في الحوار المضحك تماما، والثانية متمثلة في سخرية الفيلم من هذا الفندق المهترئ مقارنة بفندق بودابست ذي المبنى الهائل باللون الوردي والبنفسجي.
أيضا تم استخدام الرسوم المتحركة داخل إطار الفيلم بشكل ذكي، لتوضيح الجريمة التي حدثت في الماضي وغيرت الذبيحة من حي عادي يقع في الرياض إلى هذا المكان المرعب.
لم تكن اللقطات المرسومة دخيلة على الفيلم، وإنما جزءا من النسيج الخاص بالعمل، وظهر فيها إبداع صناعه في استخدام شيء يجيدونه بالفعل، وتم توظيفه عل أنه بديل لمشاهد فلاش باك عادية تحتاج لاستخدام الممثلين مكياجا يظهرهم بأعمار أصغر، وتبدو في النهاية مصطنعة.
لم يخرج فيلم "رأس برأس" عن إطار الأفلام السعودية الكوميدية الرائجة الآن، ولكنه في الوقت ذاته خطوة للأمام بالنسبة لهذه السينما، ويدل على أن صناعها على الرغم من خبراتهم القليلة، فإنهم قادرون على تقديم أعمال منافسة على واحدة من أهم المنصات العالمية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رأس برأس
إقرأ أيضاً:
ما معنى الاحتفال برأس السنة الميلادية وما حكمه؟.. دار الإفتاء توضح
ما معنى الاحتفال برأس السنة الميلادية وما حكمه؟ سؤال يشغل ذهن البعض مع اقتراب نهاية عام 2024، واستقبال عام 2025 ميلاديا، فهل يجوز الاحتفال برأس السنة الميلادية؟ سؤال أجابته دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي.
معنى الاحتفال برأس السنة الميلادية وما حكمه؟قالت دار الإفتاء إن الاحتفال برأس السنة الميلادية مناسبة تتناولها مقاصد: اجتماعية، ودينية، ووطنية؛ فإنَّ الناس يودِّعون عامًا ماضيًا ويستقبلون عامًا آتيًا حسب التقويم الميلادي الـمُؤَرَّخ بميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، والاختلاف في تحديد مولده عليه السلام لا يُنَافي صحَّة الاحتفال به؛ فإنَّ المقصودَ إظهار الفرح بمضي عام وحلول عام، وإحياء ذكرى المولد المعجز لسيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، مع ما في ذلك من إظهار التعايش والمواطنة وحسن المعاملة بين المسلمين وغيرهم من أبناء الوطن الواحد، ومن هنا كان للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة عدة مقاصد، وكلُّها غيرُ بعيد عن قوانين الشريعة وأحكامها.
فأما المقصد الاجتماعي: فهو استشعار نعمة الله في تداول الأيام والسنين؛ ذلك أنَّ تجدُّد الأيام وتداولها على الناس هو من النعم التي تستلزم الشكر عليها؛ فإن الحياة نعمة من نعم الله تعالى على البشر، ومرور الأعوام وتجددها شاهد على هذه النعمة، وذلك مما يشترك فيه المجتمع الإنساني ككلّ، فكان ذلك داعيًا لإبراز معاني التهنئة والسرور بين الناس، ولا يخفى أن التهنئة إنما تكون بما هو محلّ للسرور؛ وقد نص الفقهاء على استحباب التهنئة بقدوم الأعوام والشهور؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 283، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك: بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه: أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة. انتهى] اهـ.
وأما المقصد الديني: فهو يوافق مولد نبي من أنبياء الله تعالى وهو سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، ولمولده منزلة وقدسية خاصة في الإسلام؛ فإنه المولد المعجز الذي لا مثيل له في البشر؛ حيث خُلِقَ من أم بلا أب، قال تعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]، وقد صاحب مولدَه من الآيات الكونية والمعجزات الإلهية ما لم يتكرر في غيره؛ حتى ذكروا أن الله تعالى أجرى النهر في المحراب للسيدة البتول مريم عليها السلام، وأوجد لها التمر في الحال من جذعٍ يابس في الشتاء في غير وقت بدوِّ ثمره؛ كي يطمئن قلبها وتطيب نفسها وتَقَرَّ عينها، بعد ما ألجأها ألم الولادة والطلق إلى جذع النخلة تستند إليه وتستتر به، وبهذا يُرَدُّ على منكري الاحتفال بمولد سيدنا عيسى عليه السلام متعلِّلين بأنه في غير وقته؛ لأن بدوَّ التمر إنما يكون في الصيف وهو وقت تأبير النخل، لا في الشتاء، متناسين أن الإعجاز الإلهي قد احتف بهذا المولد المبارك المجيد في زمانه وأوانه، كما حف به في ملابساته وأحواله.
حكم الاحتفال برأس السنة الميلاديةوالفرح بيوم مولده المعجز هو أمر مندوب إليه؛ فإن القرآن الكريم قد خلّد ذِكْرَه بتفاصيله في سورة مريم، وأمر حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم بتذكُّرِه فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 16-33]، والمسلمون يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، وهم كما يفرحون بمولد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يفرحون بأيام ولادة الأنبياء والرسل أجمعين، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنهم أكبر نِعم الله تعالى على البشر، والأيام التي وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيامُ سلام وبركة على العالمين، وقد نص الله تعالى على ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيى عليه السلام: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 15]، وقال على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33].
كما أن في الاحتفال به امتثالًا للأمر القرآني بالتذكير بأيام الله تعالى وما فيها من نعم وعبر وآيات؛ قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5].
حكم مشاركة غير المسلمين في الاحتفال برأس السنة الميلاديةفإنّ مِن أيام الله التي تستلزم الشكر عليها ويُشرَع التذكير بها: أيامَ ميلاد الأنبياء عليهم السلام، وفي هذا ردٌّ واضح وبرهان لائح على من يمنع الاحتفال بذكرى يوم المولد تحت دعوى أنه يوم لا يتكرّر، وهذا باطل؛ لأنه يستلزم تعطيل الأمر الإلهي بالتذكير بأيام الله؛ إذ الأمر بالتذكير بها هو في حقيقته أمرٌ بتجديد تذكرها، ومن بداهة العقول أن تجدد الذكرى التي مضت لن يكون في ذات يومها، بل في يوم لاحق عليها؛ ضرورة أن المعنى الشخصي لا يبقى زمانين ولا يقوم بمحلين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع شكرًا لله تعالى على نعمة إيجاده صلى الله عليه وآله وسلم واحتفالًا بيوم ميلاده الشريف؛ فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» رواه مسلم.
وأما المقصد الوطني: فهو عيدٌ لشركاء الوطن من غير المسلمين، وقد أقرّ الإسلام أصحاب الديانات السماوية على أعيادهم؛ كما جاء في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْمُ».
والشراكة في الوطن تستلزم التلاحم والتشارك بين أفراده حتى لو اختلفت أديانهم ومعتقداتهم، وقد جاء الشرع بعوامل استقرار الأوطان؛ فإن الوطنية معنًى كليٌّ جامع يحوي العديد من حلقات الترابط الإنساني؛ كالجوار، والصحبة، والأخوة، والمعاملة، ولكل رابطة حقٌّ تصب مراعاتُه في صالح استقرار الأوطان والتلاحم بين أهل الأديان، وقد حثت الشريعة على كل حق منفردًا، وكلما زادت الروابط والعلاقات كلما تأكدت الحقوق والواجبات، فإذا اجتمعت هذه الروابط كلها في المواطنة كانت حقوقها آكد وتبعاتها أوجب.
وشددت بناءً على ذلك: فالاحتفال برأس السنة الميلادية الـمُؤَرَّخ بيوم ميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال جائز شرعًا، ولا حرمة فيه ما دام أنّ ذلك لا يُلزِم المسلمين بطقوسٍ دينيةٍ أو ممارسات عبادية تخالف عقائد الإسلام.