من أوروبا لآسيا.. زيادة طلب الحلفاء على القيادة الأميركية
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
لا يترك المفكرون الأميركيون أي فرصة تمر دون طرح سؤال متكرر يتعلق بإمكان استمرار وديمومة القيادة الأميركية للعالم. مناسبات مثل ذكرى أحداث 11 سبتمبر، أو مناسبة انتخاب رئيس غريب الأطوار على شاكلة دونالد ترامب، أو وقوع تطورات عالمية من العيار الثقيل مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، أو استمرار الصعود الصيني عسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا.
تراجعت ثقة حلفاء واشنطن الأوربيين عبر المحيط الأطلنطي، كما تراجعت ثقة حلفاء واشنطن الآسيويين عبر المحيط الهادي، أثناء سنوات حكم الرئيس السابق دونالد ترامب. وطالب ترامب هؤلاء الحلفاء بلعب دور أكبر في معادلة العلاقات الإستراتيجية التي تجمعهم بواشنطن، وطالبهم بطريق غير لائقة بدفع ثمن توفير الحماية الأميركية لدولهم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولم يتردد ترامب في انتقاد حلف شمال الأطلسي (الناتو) ولم ير أي ضرورة لوجوده. كما بدأ ترامب خطوات فعلية لسحب آلاف من جنود بلاده المتمركزين في ألمانيا كجزء من الترتيبات العسكرية لحلف الناتو. ودفع اتفاق ترامب مع حركة طالبان إلى الانسحاب من أفغانستان دون التنسيق أو التشاور مع حلفاء واشنطن حتى تلك الدول التي كان لها جنود يقاتلون جنبا إلى جنب مع القوات الأفغانية.
بدأت واشنطن عقب انتهاء حكم ترامب في يناير 2021 في تبني بدء خطوات فعلية لترميم علاقاتها مع حلفائها التقليديين. وعملت، ولاتزال، إدارة بايدن على التنصل عمليا من إرث ترامب المتمثل في مبدأ "أمريكا أولا"، وتبنت سياسة "أميركا عادت" من خلال التركيز على استعادة الدور الأميركي في إدارة الشؤون العالمية من خلال آلية العلاقات والمنظمات الدولية المتعددة الأطراف. وقد انعكس ذلك في تحركات بايدن المبكرة للانضمام مرة أخرى إلى اتفاقيات باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، وإعادة تأسيس القيادة الأميركية في قضايا دبلوماسية المناخ. كما أتاحت جائحة كوفيد-19 لبايدن فرصة لإعادة تأكيد الدور القيادي العالمي لأميركا.
في الوقت ذاته، هرع حلفاء أميركا الأوربيون ومن بعدهم الآسيويون إلى واشنطن من أجل التأكيد على أهمية القيادة الأميركية في الساحة الأوربية بعدما بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، واتبعت آسيا نفس السيناريو بعدما بدا واضحا طبيعة الأنشطة الصينية العدائية في منطقة بحر جنوب الصين.
أوروبيا، فقد حفز غزو روسيا لأوكرانيا الإجماع والتماسك داخل الناتو الذي لم نشهده منذ نهاية الحرب الباردة، وتعهد بايدن بالتدخل حال تهديد روسيا الدول الأعضاء بحلف الناتو، وتبنى الرئيس الأميركي إستراتيجية ثلاثية الأبعاد يأمل معها بوقف التصعيد الروسي أو تركه عند حدوده الدنيا. وتشمل هذه الإستراتيجية فرض عقوبات أليمة على روسيا، ودعم الوجود العسكري في دول الجوار الأوكراني عن طريق تمركز آلاف الجنود الأميركيين في بولندا وليتوانيا ورومانيا، وغيرهم، إضافة لتقديم السلاح والدعم العسكري المباشر للقوات الأوكرانية بما زادت قيمته عن 50 مليار دولار حتى الآن. ويؤكد بايدن للشعب الأميركي ضرورة الحفاظ على توازنه المتمثل في تعزيز الدعم الغربي للصراع بأوكرانيا مع تجنب اندلاع حرب مع روسيا القوة النووية، كما احتاج إلى تذكير الأميركيين لماذا يجب الاستمرار في إرسال مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب إلى كييف. وعاد بايدن ليؤكد في كلمته قبل أسبوع أمام الأمم المتحدة أن "روسيا وحدها هي التي تتحمل المسؤولية عن هذه الحرب. وروسيا وحدها هي التي لديها القدرة على إنهاء هذه الحرب على الفور. وروسيا وحدها هي التي تقف عقبة في طريق السلام، لأن ثمن السلام الذي تطلبه روسيا هو استسلام أوكرانيا وأراضي أوكرانيا وأطفال أوكرانيا".
آسيويا، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تبنت بكين نهجا عسكريا ودبلوماسيا أكثر عدوانية في جنوب شرق آسيا. كما أن تكرار بيكين للتحركات العسكرية الاستفزازية بقرب المناطق البحرية التابعة لتايوان، إضافة لرفض جيران بيكين لفرض الهيمنة الصينية عل مناطق وجزر بحر جنوب الصين. كما جدد الصعود والسلوك الصيني المخاوف التاريخية لدى اليابان وكوريا الجنوبية.
وبعد وصول بايدن للحكم، كانت إحدى مهامه الأولى هي البدء في إعادة بناء العلاقات عبر المحيطين الهادئ والهندي. ولجأت الفلبين وفيتنام، كل على حدة، لتطوير علاقات التحالف العسكري مع واشنطن، وسمحت مانيلا لواشنطن باستخدام قواعدها العسكرية، والقيام بتدريبات عسكرية لمواجهة الاستفزازات الصينية. كما رفعت فيتنام علاقتها بواشنطن إلى درجة مستوى الشريك الإستراتيجي الشامل، وهو أعلى مستوى من الشراكة الدولية التي يمكن أن تجمع فيتنام بدولة أجنبية. وقبل ذلك عملت واشنطن على ترتيب لقاء ثلاثي مع اليابان وكوريا الجنوبية فيما وصفه البعض بنواة "الناتو الآسيوي". وقبل ذلك أسست واشنطن لتحالف ثلاثي "أوكوس “ (AUKUS) مع أستراليا والمملكة المتحدة، وأسست كذلك التجمع الرباعي (QUAD) مع الهند، وأستراليا، واليابان.
وقال بايدن في كلمته أمام الأمم المتحدة إنه "عندما يتعلق الأمر بالصين، أريد أن أكون واضحا ومتسقا. نحن نسعى إلى إدارة المنافسة بين بلدينا بشكل مسؤول حتى لا تتحول إلى صراع. لقد قلتُ “نحن نؤيد الحدّ من المخاطر، وليس فك الارتباط مع الصين”. وتعهد بايدن بمقاومة العدوان والترهيب والدفاع عن القواعد العالمية، من حرية الملاحة إلى التحليق الجوي إلى تكافؤ الفرص الاقتصادية التي ساعدت في الحفاظ على الأمن والازدهار لعقود من الزمن.
في النهاية، تعتقد المدرسة الفكرية الأميركية أن "العالم ينتظر من الولايات المتحدة أن تقود العالم وأن تحل مشكلاته، لذا فعليها أن تمهد الطريق لقيادة العالم في العقود المقبلة، وأن حل مشكلات العالم يتطلب مؤهلات وإمكانيات ودورا تستطيع أميركا فقط أن تقوم به".
وعلى الرغم من وجود تيار فكري يؤمن بأن زمن الأفول الأميركي قد بدأ بالفعل، فإن الأزمات العالمية الكبرى تعيد الاعتبار للقيادة الأميركية كما تشهد بذلك القارة الأوربية وجنوب شرق آسيا.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القیادة الأمیرکیة
إقرأ أيضاً:
“حين يرقص الكبار… تسقط أوروبا!”
“حين يرقص #الكبار… تسقط #أوروبا!”
بقلم: د. #هشام_عوكل أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية
“هل أوروبا اليوم أمام فرصة أخيرة لصناعة مصيرها، أم أن #قطار #التاريخ قد غادر المحطة ولم يترك لها حتى مقعداً شاغراً؟”
في عالم #السياسة، لا مكان للمجاملة حين تدور #رقصة_الكبار.
ها هي الولايات المتحدة تتفاوض مع إيران وروسيا، تغلق الأبواب خلفها، وتترك أوروبا على العتبات، تنتظر المجهول
وكما قال ديغول يومًا:
“أمريكا لا تملك أصدقاء، بل أدوات.”
تغييب أوروبا عن المفاوضات الكبرى لم يعد تفصيلًا دبلوماسيًا، بل سياسة أمريكية مقصودة.
واشنطن ترى القارة العجوز عبئًا أكثر منها حليفًا، بينما تتعامل مع الملفات الساخنة مباشرةً حيث يكون الحسم أسرع والربح أوضح.
أما حلف الناتو، ذاك الجسد العتيق، فلا يعيش إلا على أنفاس الرئة الأمريكية.
مطالبة واشنطن برفع الإنفاق الدفاعي إلى 5٪ من الناتج القومي ليست نداء شراكة، بل تحذير انسحاب وشيك.ولو انسحبت أمريكا، لن يبقى من الحلف إلا الذكرى.
وكما لخصها ونستون تشرشل بمرارة:
“لا أصدقاء دائمون، لا أعداء دائمون… بل مصالح دائمة.”
وفي مواجهة هذا الخواء، يتكرر الحلم الأوروبي الخجول ببناء جيش موحد.
لكن الواقع أكثر قسوة: فرنسا تفكر، ألمانيا تحسب، بولندا ترتجف، ودول البلطيق تصلي ألا تضطر إلى حمل السلاح وحدها.
في هذا السياق، يطل بوتين بهدوء اللاعب المخضرم، عارضًا “التفاوض مع أوكرانيا بلا شروط.”
ليس حبًا في السلام، بل براغماتية المنتصر.
يتقاطع عرضه مع رغبة أمريكية خفية في إنهاء حرب تستنزف الخزانة والهيبة.
وأوكرانيا، كالعادة، آخر من يُستشار، وأول من يُضحى به.
يبدو وكأن واشنطن وموسكو، رغم العداء المعلن، توصّلتا إلى فهمٍ غير مكتوب:
أغلقوا هذا الملف… لنلتفت جميعًا إلى التحدي الحقيقي.
ذلك التحدي الذي لم يعد يحمل اسم موسكو… بل اسم بكين.
فالشرق الأوسط، بكل أزماته المزمنة، لم يعد أولوية أمريكية. لا فلسطين ولا اي قضية ساخنة بالشرق الاوسط ” تفاوض كبار “
الضربات الخاطفة للحوثيين، والمواقف الباردة من النزاعات الإقليمية، ليست إلا رسائل واضحة:
“انتهت مهمة الإطفائي… وبدأ سباق السيطرة.”
المارد الصيني لا يحتاج إلى قاذفات؛ يكفيه أن يغزو بالمصانع، بالموانئ، وبشبكات التكنولوجيا التي تسري كالسم في شرايين العالم.
الصين لا تهتف، لا تهدد… بل تبني وتصبر وتنتظر
الخاتمة
“هل أوروبا اليوم أمام فرصة أخيرة لصناعة مصيرها، أم أن قطار التاريخ قد غادر المحطة ولم يترك لها حتى مقعداً شاغراً؟”
“وهل يمكن لقارة فقدت زمام المبادرة أن تستعيد دورها… أم أن العالم الجديد لا ينتظر من يتلكأ خلفه؟