في ذكرى مولد النبي محمد
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
سالم بن نجيم البادي
أعلم أنَّ قلمي تغشاه هيبة وخوف حين يهُم بالكتابة عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، لأنَّ رسولنا الحبيب أكبر وأجلّ وأكرم وأعظم من أن تُحيط الكلمات بوصفه وهو فوق كل الكلام.
لم يُخلق مثله حتى الآن في صفاته وشمائله وأخلاقه وإنسانيته ورحمته وجمال شخصيته، هو السمو الإنساني والمعلم الأوحد للقيم الإنسانية، إنَّ الله تعالى تولى تهذيبه وتعليمه الله الذي ليس كمثله شيء، رباه فأحسن تربيته وأرسله رحمة وهدى ونورًا للعالمين، وقد كثرت الكتب التي تتحدث عن سيرته، أؤمن بأنَّ سيرته تتسع لآلاف الكتب وملايين الكلمات، سيرته لا يمل منها ولا يشبع، كل من كتبوا عنه أضافوا جديدًا وكشفوا بعض النقاب عن شخصيته الفذة حتى الأعداء وغير المسلمين لا يسعهم أبدًا إلا أن يظهروا الإعجاب والدهشة من شخصيته صلى الله عليه وسلم.
أكتب هنا بمداد قلبي وعبرات عيني وعواطفي وأشواقي ودفء مشاعري؛ إذ يسوقني حب غامر وإعجاب يتملكني بشخصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فلا أملك غير السجود، شكرًا لله الذي جعلني من أتباع هذا الرجل الإنسان، أقول الإنسان ويتبادر إلى ذهني فورًا رجل بسيط متواضع على عظمته، لقد اختاره الله نبياً نبيلاً من نبلاء ذلك العصر ومن أسرة حاكمة بمفهوم هذا اليوم، ويُعد سيد الأخلاق والمثالية والنفس الشفافة والوسامة، إنسانيته في أسمى معانيها، إنسان يتزوج وينجب أطفالًا يحبهم حبًا عظيمًا يلاعبهم ويلاطفهم، وكذلك يفعل مع باقي أطفال زمانه، إنسان لا يكبت عواطفه، أحبَّ زوجته الأولى خديجة، وتزوج لدواعٍ إنسانية.
محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله رحمة للعالمين، رحمة وسلامًا وسلمًا وإصلاح ذات البين وإصلاح المجتمع بمحاربة ما يعكر صفو الحياة البشرية، وعلى الناس جميعاً أن يعيشوا بسلام ويحبوا بعضهم بعضا، ويتبعوا الطريق المستقيم في إشباع رغباتهم، ويبتعدوا عن القذارة المادية والمعنوية، والعلاقات خارج نطاق الزواج ممنوعة تمامًا، إنه لطريق سيئ ونهايته مأساوية، قتل وخيانة واختلاط أنساب وضياع بشر في مواخير الرذيلة وأمراض وثأر وحياة التعاسة واقتراب من حياة حيوانية لا ضوابط ولا حدود لها.
وحين نريد الصمود في مواجهة عقبات الحياة ومتطلباتها الكثيرة نعلم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ثبت تمامًا وقاوم وصبر، حين عذب وكُذب وتم تشويه سمعته، قالوا إنه ساحر ومجنون وكذاب وسفيه، يتلقى التوجيهات من بشر مثله، وهو الذي أصرَّ على فعل ما أمره الله به حتى طردوه، وهو يُحاول إنجاز المهمة بكل عزيمة وإصرار، وعند الرحيل من بلده اتّبع خططًا محكمة، وقد اتخذ صاحبًا أمينًا، وسلك طريقًا مُغايرًا للطريق المعتادة، واختار مخبأ لا يخطر على بال أحد، سار متواضعًا مكتفيًا بزاد قليل، لم يكن خائفًا ولا مكتئبًا؛ بل راضيًا وصبورًا ومطمئنًا وواثقًا بالله ثم بنفسه، لم يكن يحقد على من طردوه، ولم يكن يشتم ويلعن ولا يغضب.
"لا تحزن إن الله معنا".. قالها لصديقه الوفي أبي بكر الصديق. وقبل ذلك، عاش محمد صلى الله عليه وسلم طفلًا هادئًا عاقلًا، غير أنه لم يكن مُعقدًا ولا مضطرب النفس بسبب موت أبيه ثم أمه وجده الذي رباه، ولا عاش حزينًا دائم البكاء والحزن والاكتئاب، إنها السكينة والهدوء النفسي والتميز عن سائر الأقران في مثل عمره، وكان الناس يحبون أن يتقربوا من هذا الطفل الوسيم الواثق من نفسه وتهواه قلوب كل المُحيطين به.
هو لا يشعر بالغرور ولا الكبر لأنه من قريش ومن بني هاشم أصحاب التاريخ العريق في الكرم والشجاعة والرئاسة وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، وحين بلغ سن الرشد كان رزينًا مبتعدًا عن كل ما يُشين مُلتزمًا بالأخلاق الفاضلة والسُّمو والرقي ينمو فتنمو معه بشريته الفذة.
والصادق الأمين لا يرتكب الحماقات والصدق من أعظم الصفات الحميدة، والكذب ذميم، والخيانة صفة وقحة في كل العصور والأوقات ولكل البشر.
هو المخلص في عمله في التجارة ورعي الغنم والعمل الشريف مهما كان وضيعًا في نظر أصحاب النفوس الضعيفة والمظاهر الخادعة.
والصادق الأمين يلجأ إليه الناس الضعفاء لطلب النصرة واسترجاع الحقوق ورفع الظلم وحفظ الأمانات، ولجوء الخائفين من سطوة أصحاب النفوذ الصادق الأمين يقصد لإيجاد الحلول للمعضلات الكبيرة، ولمنع نشوب الصراعات والاقتتال وقد انضم صلى الله عليه وسلم إلى حلف الفضول، لتحقيق العدالة ومكافحة الظلم وردع المعتدين وقطاع الطرق واللصوص المنتفعين بغير حق على حساب الآخرين الأقل حظًا في السلطة والنفوذ والمال.
يُعلِّمُنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نكون أقوياء في شخصيتنا، ندير أوقاتنا بعيدًا عن الضياع ونتجنب طرقًا عديدة قد لا توصلنا إلى شيء في النهاية، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وقبيل نزول الوحي عليه يفر من حياة الصخب إلى التأمل وانتظار التغيير الذي يأمله ثورة تصلح أوضاع المجتمع المعوجة، مثل الغلبة للأقوى، والعبودية والحروب العبثية من أجل توسيع النفوذ ومن أجل المال والقوة، وسيطرة المُعتقدات الزائفة على النفوس؛ لأنها موروث الآباء والأجداد رغم قسوتها وشذوذها عن سياق المنطق والعقل.
لم يكن يأمل في تغيير كل شيء بسرعة؛ بل يُريد ترسيخ أمور توافق إنسانيته مثل الكرم والنخوة والشجاعة والاستعداد للذهاب بعيدًا من أجل نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف والحرية والكرامة لجميع البشر.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فضائل شهر رمضان
من حكمة الله سبحانه أن فاضل بين خلقه زماناً ومكاناً، ففضل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، ففضل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور، فهو فيها كالشمس بين الكواكب، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة:185)، وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان) رواه أحمد.
وهو الشهر الذي فرض الله صيامه، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:183).
وهو شهر التوبة والمغفرة، وتكفير الذنوب والسيئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم، من صامه وقامه إيماناً بموعود الله، واحتساباً للأجر والثواب عند الله، غفر له ما تقدم من ذنبه، ففي “الصحيح” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه)، وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال أيضاً: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). ومن أدركه فلم يُغفر له فقد رغم أنفه وأبعده الله، بذلك دعا عليه جبريل عليه السلام، وأمَّن على تلك الدعوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فما ظنك بدعوة من أفضل ملائكة الله، يؤمّن عليها خير خلق الله.
وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) رواه الترمذي.
وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، ففي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتِّحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين)، وفي لفظ (وسلسلت الشياطين)، أي: أنهم يجعلون في الأصفاد والسلاسل، فلا يصلون في رمضان إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره.
وهو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها ومحبوباتها، ولهذا كان الصوم نصف الصبر، وجزاء الصبر الجنة، قال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر:10).
وهو شهر الدعاء، قال تعالى عقيب آيات الصيام: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة:186)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم) رواه أحمد.
وهو شهر الجود والإحسان؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم -كما ثبت في الصحيح- أجود ما يكون في شهر رمضان.
وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، والمحروم من حُرِم خيرها، قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر:3)، روى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِم الخير كله، ولا يُحْرَم خيرَها إلا محروم).
فانظر -يا رعاك الله- إلى هذه الفضائل الجمّة، والمزايا العظيمة في هذا الشهر المبارك، فحري بك -أخي المسلم- أن تعرف له حقه, وأن تقدره حق قدره، وأن تغتنم أيامه ولياليه، عسى أن تفوز برضوان الله، فيغفر الله لك ذنبك وييسر لك أمرك، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة، جعلنا الله وإياكم ممن يقومون بحق رمضان خير قيام.