نوافذ: المترجِم ودوره المهم
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
في عبارة ذكية توحي بأهمية دور المترجِم الذي يتعدى مجرد نقل فكرة أو نصّ من لغة إلى أخرى إلى ما هو أبعد من ذلك؛ يقول الروائي الإسباني الراحل خافيير مارياس: «المترجم كاتب يملك امتيازًا يمنحُه فرصة إعادة كتابة رائعة فنيّة بلغته». إن دور المترجم هنا ليس تاليًا لدور المؤلف، وإنما يقف معه في المكانة نفسها نِدًّا لنِدّ، إنه يكتب حياة جديدة لنصّ المؤلف في لغة أخرى.
وفي تاريخ الأدب رأينا غير مرة كيف أن المؤلِّف وكتابه يكونان مغمورَيْن ومُهمَلَيْن مئات السنين حتى في لغتهما الأم، إلى أن يأتي مترجِم فّذ فينفض عنهما الغبار في لغة أخرى، ينطلق بعدها الكتاب المُترجَم إلى آفاق جديدة، وينتشر في كل لغات العالَم بما فيها لغته الأصلية. حدث هذا لكتاب «ألف ليلة وليلة» الذي ترجمه أنطوان جالان إلى الفرنسية فانطلق منها إلى العالم، بل وعاد إلى لغته الأم بقوة. وحدث لـ«رباعيات الخيام» التي ترجمها إدوارد فيتزجرالد فلقيت شهرة واسعة، وقيل - كما ينقل عبدالسلام بنعبدالعالي في كتابه «انتعاشة اللغة» - إن فيتزجيرالد «أعطى عمر الخيام مكانًا خالدًا بين شعراء الإنجليزية العِظام» رغم أن شعره الأصلي مكتوب بالفارسية! الأمر ذاته ينطبق على ترجمة الفرنسي شارل بودلير لأشعار الأمريكي إدجر ألن بو التي تفوقت على الأصل حتى قيل من باب الطرافة إن لـ«ألن بو» ديوانَ شعرٍ عاديًّا عندما تقرأه باللغة الإنجليزية، ومذهلًا إذا ما قرأتَه بالفرنسية! وهو ما يذكّرنا بمقولة الشاعر اللبناني بسام حجّار (والمترجِم كما لا ينبغي أن ننسى) عن أن «ما يسعى إليه القارئ إذا كان قارئّ شِعرٍ شغفًا هو شعرُ الترجمة لا ترجمة الشعر».
للمترجم إذن دور كبير في تطوّر الحضارة الإنسانية، ومع ذلك فإنه ليس كل القراء يدركون أهمية هذا الدور، إذْ يذهب المديح في كثير من الأحيان إلى المؤلف الأصلي، ولا أحد ينتبه للمترجِم. ظلّ المتلقي - كما يخبرنا عيساني بلقاسم في كتابه «الفكر الترجمي» - يظن طويلًا «أن المترجِم يفكّر له الآخرون وهو ينقل تفكيرهم، وما علِمَ أنه نقل فكرهم بفكره، وأحضر وجودهم بحوله، ولولاه ما كانوا، وما كانت ما أنتجتْه قرائحهم»، ويُضيف أن «الترجمة لها قوة الاستجلاب، حين تُحيي عملًا له آلاف السنين، فكأنه كُتِب البارحة، فهي حياة المعرفة، مهما تباعدت بها الأصقاع وغارت في التاريخ، ذلك أن الترجمة تحرر الفئة التي تقرأ من ضيق الأفق، وتتيح لها حرية معتقد وطريقة حياة تمتح من عوالم تمتهن البطولة والصراعات وتقرير المصير، ليعلم ناس الحاضر كيف عاش وفكّر أناس الماضي، نافذة اطلاع لا ترقى الذات إلا بها».
وإذ نستذكر - بمناسبة احتفال العالم باليوم العالمي للترجمة الذي يوافق الثلاثين من سبتمبر من كل عام - هذا الدور المهم للمترجِم فإنه يحدونا الأمل أن نرى في سلطنة عُمان ذات يوم مركزًا وطنيًّا كبيرًا للترجمة، يجمع شتات المترجِمين، ويعمل على تدريبهم وتنظيم عملهم، ويضطلع بنشر الكثير مما كتب عن عُمان في لغات العالم، علاوة على دوره في نقل ثقافات وآداب العالم إلينا.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فعالية اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف بجامعة ظفار
نظمت جامعة ظفار فعالية ثقافية بمناسبة "اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف"، بمقر المكتبة في الحرم الجامعي، وذلك بحضور الشيخ سالم بن مبارك الشنفري، عضو مجلس أمناء جامعة ظفار، وبحضور الدكتور عامر بن علي الرواس رئيس جامعة ظفار وجمع من الأكاديميين والطلبة.
وألقى علي بن بخيت العوائد مدير المكتبة كلمة استعرض فيها أهداف الفعالية وأهمية دعم الثقافة المعرفية وحقوق المبدعين، وشكر فيها إدارة الجامعة على دعمها اللامحدود لتوفير المصادر والمراجع العلمية المنتقاة وتشجيع المؤلفين في الجامعة والاحتفاء بهم وإبراز مواهبهم وأعمالهم.
كما اعتادت المكتبة أن تُشرك في كل عام إحدى كليات الجامعة في هذه الاحتفالية؛ فشاركت كلية الهندسة هذا العام بتقديم ورقة عمل بعنوان "مستقبل صناعة الكتب في ظل الذكاء الاصطناعي" قدمها الدكتور ياسر علي عرب، أستاذ مساعد بقسم الهندسة المعمارية بكلية الهندسة، تناول فيها تأثير التكنولوجيا الحديثة على قطاع النشر وتحولات القراءة الرقمية، حيث خلصت إلى عدد من التوصيات منها للناشرين بتبني التكنولوجيا بوعي، والاستثمار في تدريب الكفاءات، والتركيز على الجودة، وكذلك للمؤلفين باستكشاف الأدوات الجديدة كمساعدين مع الحفاظ على الأصالة، وللقراء بأهمية الوعي بتأثير الخوارزميات والتكنولوجيا على ما يقرؤون ويستهلكون.
وفي الختام، قام راعي الفعالية عضو مجلس الأمناء، والدكتور عامر بن علي الرواس رئيس الجامعة، بتكريم مؤلفي الكتب الحديثة في الجامعة والمشاركين في فعاليات الحفل، فقد دأبت الجامعة سنويًا على تكريم مؤلفي الكتب الجديدة على مؤلفاتهم، تقديرًا لهم على إسهاماتهم الفاعلة في النشر والتأليف، حيث تم تكريم 13 من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة نظير جهودهم القيمة وإثراء مكتبة الجامعة بتلك المراجع المهمة وعددها 17 كتابًا.
وفي نهاية التكريم، قام الدكتور عامر بن علي الرواس رئيس الجامعة بتقديم هدية تذكارية للشيخ سالم بن مبارك الشنفري عضو مجلس الأمناء راعي الفعالية، كما قام راعي الفعالية بافتتاح قاعة عرض الكتب والمراجع المميزة من مجموعات المكتبة التي تم تنظيمها بالتعاون مع كليات الجامعة ومركز الدراسات التحضيرية للاطلاع عليها في الطابق الأول من المكتبة.
وتستمر المكتبة سنويًا في توفير العديد من الإصدارات الحديثة، وذلك بمشاركة أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة من جميع كليات الجامعة، مشكورين في اختيار الكتب ضمن سلسلة من الإجراءات لضمان انتقاء العناوين المرجعية المميزة دعمًا للتخصصات المطروحة في الجامعة، وكذلك الارتقاء بالجانب الثقافي لمجتمع الجامعة والمجتمع المحلي.