لجريدة عمان:
2025-11-19@14:20:15 GMT

السباق العسكري في عصر الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT

يتبادر إلى أذهاننا المفهوم السائد أن العلم يقود البشرية إلى الازدهار، ويسهم في تطوير حضارتها، ويجعل البعض هذا المفهوم مسلّمة لا تزرع الشك بوجود أي جانب مظلم للطفرات العلمية غير المحكومة بقواعد الأخلاق؛ كون التطور العلمي يسهم في حل مشكلات كثيرة في حياتنا، ويمنحنا الأمل في حل ما صَعُبَ حله في ماضينا، إلا أن هذا المفهوم لم يعد مقبولا عند البعض بشكل مطلق؛ إذ يرى البعض أن العلم بطفراته المتنامية والسريعة -في بعض حالاته- يتحرك بتهور دون قيود وقواعد أخلاقية واضحة؛ فنجد العلم يتحرك وفق مصالح تجارية وسياسية تتجاوز في كثير من حالاتها المعايير الأخلاقية لصالح الأرباح المالية والهيمنة السياسية؛ فتحدّ من استقلالية العلم والعلماء وصرامة النظام الأخلاقي في المنهج العلمي؛ فبمجرد أن يفقد العلماء سلطتهم الأخلاقية فإنَّهم لا يملكون قرارتهم العلمية الأخلاقية التي يمكن لها أن توجّه العلم لمشروعاته الصميمة التي ترعى مصلحة الإنسان وقيمه؛ فيفقد العلم مفهومه السائد، ويكون أداة دمار شاملة كما سنرى في هذا المقال الذي سيتناول استعمالات الذكاء الاصطناعي في القطاعات العسكرية بشتّى أنواعها، وآثاره السلبية التي ينبغي الالتفات إليها وإدراك مخاطرها الوجودية قبل فوات الأوان.

سبق التطرق إلى بعض مخاطر الذكاء الاصطناعي -في مقال نشرته الأسبوع المنصرم- التي أصبحت واقعًا مقلقًا، وهذا النوع من المخاطر الذي تناولته الأسبوع الماضي كان فيما يخص تهديدات الأنظمة الذكية للخصوصية الفردية والأسس الأخلاقية للمجتمعات بعد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على تزييف المقاطع المرئية والصوتية، ونتائجها السلبية على الأفراد والمجتمعات، وما يمكن أن تسببه من آثار نفسية ومجتمعية سلبية، أما المخاطر الحالية والمتصاعدة بسبب وجود نماذج الذكاء الاصطناعي في القطاع العسكري وتوابعه؛ فهي تهديدات تتجاوز العامل النفسي والاضطراب السياسي والمجتمعي؛ لتمتد في تهديد حياة الإنسان ووجوده، ويمكن تقسيم هذه المخاطر إلى 3 مجموعات؛ فهناك تهديدات تتمثل في تطوير أسلحة حربية مباشرة -مثل الأسلحة النووية والصورايخ والدبابات والطائرات بأنواعها- تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتهديدات تتعلق بتمكين الذكاء الاصطناعي في صناعة أسلحة بيولوجية -تُستعمل سلاحا في حالة الحرب المباشرة أو غير المباشرة- فتّاكة، وتهديدات تتعلق بالأمن السيبراني وأمن المعلومات، وما يترتب عليه من تأثيرات اقتصادية وسياسية.

بدأت مؤخرا تخرج للعلن العديد من المشروعات العسكرية التي تتبنى صناعة أسلحة حربية تعمل وفق خوارزميات الذكاء الاصطناعي -وما خفي أكثر مما أعلن عنه-، ودخل بعض هذه الأسلحة حيّز التطبيق العملي رغم أن وجود أنظمة الذكاء الاصطناعي في الأسلحة ليس حدثًا جديدا يتزامن مع صعود الذكاء الاصطناعي وانتشاره، بل سبق للولايات المتحدة الأميركية تطوير صواريخ حربية موجهة بواسطة الذكاء الاصطناعي، واستعملتها في هجومها على العراق فترة حرب الخليج الثانية -عملية عاصفة الصحراء- في بداية تسعينات القرن العشرين كما ذكر «ستيوارت راسِل» في كتابه «ذكاء اصطناعي متوافق مع البشر»؛ فحينها -مع بدء استعمال الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات العسكرية- لم تكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي محصورة داخل مراكز الأبحاث سواء السرية أو العلنية، بل كانت المؤسسات العسكرية والأمنية -في الدول الكبرى- تسعى للبحث عن سبل التطبيق لهذه الأنظمة في مجالاتها العسكرية. نأتي إلى حاضرنا -الذي لم يعد من السهل إخفاء كل التطويرات العسكرية في ظل عالم تتسارع فيه وتيرة انتقال المعلومة- الذي يشهد تطويرات عسكرية مخيفة تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي مثل الطائرات بدون طيّار «الدرون» التي يمكن لبعضها أن يحلّق لمسافات وساعات طويلة، ويحمل صواريخ، ويشنّ هجوما على أهداف أرضية، وتعمل خوارزمية الذكاء الاصطناعي على توجيه الطائرة وتحديد الأهداف المطلوبة عبر تقنيات تحليل الصور أثناء المسح الجوي المباشر أو عبر البيانات التي يتلقاها من الأقمار الصناعية، وكذلك عبر القدرة العالية في تمييز الأهداف وانتقائها وفق معايير محددة مسبقا أثناء مرحلة التدرب على البيانات. تأتي كذلك الصورايخ الموجّهة -وأخطرها القادرة على حمل الروؤس النووية- بواسطة الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورا من النسخ السابقة التي استعملت في نهايات القرن الماضي. أُعلنَ كذلك قبل فترة عن اقتراب تدشين دبابات ذاتية القيادة والهجوم تعمل عبر الذكاء الاصطناعي، وجنود آليين يعتمدون على أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويعملون محاربين بديلا عن الجنود البشر؛ لتقليل الخسائر البشرية للجيوش التقليدية (البشرية) التي تتكبدها المؤسسات العسكرية، وكذلك وجود نوع آخر من الجنود الذي يُمثّل التوأمة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي؛ حيث يكون الجندي -البشر- مزودا بأنظمة ذكية لمضاعفة قدراته في التحليل والمناورة العسكرية يشمل التحفيز الذهني والنفسي عبر ربط الدماغ بأنظمة ذكية توفر له هذه القدرات، وسبق الحديث في مقال سابق عن مشروع توأمة الإنسان والذكاء الاصطناعي. يشكّل هذا النوع من الأسلحة مخاطر تتجاوز حدود عملها العسكري؛ إذ من الممكن أن تتطور خوارزمياتها لتتجاوز المعايير الأخلاقية؛ فتكون الأهداف المدنية بجانب الأهداف العسكرية أهدافا أيضا لهذه الأسلحة الذكية التي تعمل على الإبادة البشرية -خصوصا الأنواع الفتّاكة مثل الأسلحة النووية- دون أيّ هوادة وخيارات بشرية تصل بأيّ مبادئ أخلاقية.

لا تقتصر الوسائل العسكرية والأسلحة في جانبها الآلي والناري بل تشمل الأسلحة البيولوجية التي استعملت من قبل بعض الجيوش والدول في حروب سابقة، وبوجود الذكاء الاصطناعي وقدراته الفائقة بوجود أنظمة حاسوبية ورقمية متقدمة مثل الحوسبة الكمومية التي تضاعف من قدرات الذكاء الاصطناعي التحليلية فإن القدرة والسرعة على ابتكار أسلحة بيولوجية خطيرة ستكون عالية مثل استحداث أوبئة فتّاكة سريعة الانتشار. ومن الوسائل العسكرية الأخرى التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعمل فيها أنظمة الأمن السيبراني التي يمكن أن تعمل وفق استراتيجية الهجوم والدفاع معا؛ فيستطيع الذكاء الاصطناعي شنّ هجوم سيبراني على أنظمة حاسوبية ورقمية مهمة -حتى مع وجود أنظمة تشفير قوية-؛ مما يؤدي إلى تعطيل أنظمة عسكرية حساسة، وأنظمة مالية وبنكية تشلّ اقتصاد الدول ونظامها المالي، وفي المقابل يمكن استعمال الذكاء الاصطناعي في توفير الحماية السيبرانية العالية عبر أنظمة البحث المستمرة عن أي ثغرات مخفية، ورفع كفاءات التشفير وتحديثه المستمر. يحمل المستقبل بشأن الصناعات العسكرية مفاجآته المخيفة بتضاعف شراسة الأسلحة، ومع بلوغ الذكاء الاصطناعي مرحلته العامة «الخارقة»، وتوفّر الأنظمة الحاسوبية الحاضنة مثل الحوسبة الكوانتمية؛ فإن هذه الطفرات الرقمية إن لم تجد لها حوكمة صارمة؛ ستقود البشرية إلى دمار غير معهود، وهذا ما حذّر منه علماء وخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي والأمين العام للأمم المتحدة قبل عدة أشهر.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بواسطة الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی التی یمکن

إقرأ أيضاً:

 "حاسبات الطائف" تتصدر.. الجازي آل عمر بطلة هاكاثون الذكاء الاصطناعي

حققت الطالبة الجازي بدر آل عمر، من كلية الحاسبات بجامعة الطائف، إنجازاً علمياً لافتاً، بعد أن قادت فريقها للفوز بالمركز الأول في هاكاثون الذكاء الاصطناعي، الذي أُقيم ضمن فعاليات مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط في الظهران إكسبو.
ووصفت آل عمر لحظة إعلان النتيجة بأنها ”لا يمكن نسيانها“، معتبرة أنها عكست ثمرة الجهد والالتزام.الجازي آل عمر
وأكدت لـ «اليوم» أن الجائزة تجسد شجاعتها وإصرارها على خوض مسابقات الابتكار وتحقيق مراكز متقدمة رغم شدة المنافسة.

علامة فارقة


أوضحت آل عمر أن مشاركاتها المتعددة وطموحها المستمر للوصول إلى المركز الأول، جعلا هذا الفوز ”علامة فارقة“ في مسيرتها، خاصة بعد الاحتفاء الكبير الذي لاقته من كلية الحاسبات ومجتمعها التعليمي في جامعة الطائف.
وشددت على أن تكوين الفريق كان خطوة جوهرية، مؤكدة أن النجاح لم يكن لجهد فردي، بل لروح الفريق الواحد والهدف المشترك.
وكشفت أن فكرة مشروع ”بروكسي“ لاقت اهتماماً كبيراً من لجنة التحكيم، لقدرتها على تقديم حلول عملية قابلة للتطبيق في مجالات الصناعة والهندسة، بفضل المزج بين التقنية العميقة والفهم الهندسي المتخصص.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الجازي آل عمر (

أخبار متعلقة القنصلية الهندية: غرفة تحكم 24 ساعة لمتابعة تطورات حادث حافلة المدينة المنورةالقيادة تهنئ ملك المغرب بذكرى استقلال بلادهتنوع الخبرات


أشارت آل عمر إلى أن قوة الفريق نبعت من تنوع التخصصات والخبرات، حيث ضم أعضاء تعاونت معهم سابقاً، مثل المهندس عبدالرحمن ضُليمي بخبرته في ريادة الأعمال، إضافة إلى أعضاء تم اختيارهم بدقة عبر ”لينكدإن“ لمهاراتهم في الذكاء الاصطناعي والتقنية مثل نوران آل ضيف في الذكاء الاصطناعي، وإيمان خضر في التقنية.
ولم يكن هذا الفوز هو الأول، حيث لفتت الجازي إلى أنها دائمة المشاركة في الهاكاثونات، وحققت سابقاً المركز الثالث في هاكاثون ”روشن“، مؤكدة أن طموحها لم يتوقف واستمر حتى تحقق هذا الفوز الكبير.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الجازي آل عمر

مهارات جديدة


اعتبرت آل عمر أن كل مشاركة تضيف لها مهارات جديدة، أبرزها العمل الجماعي تحت الضغط، واتخاذ قرارات دقيقة في وقت محدود، وتعزيز مهارات التواصل وإدارة المهام بين تخصصات متعددة.
ووجهت رسالة لزملائها الطلاب، دعتهم فيها إلى الجرأة في خوض التجارب وعدم الخوف من الخروج من منطقة الراحة، مؤكدة أن ”الفرص الحقيقية كلها موجودة خارج هذه المنطقة“.
وعبّرت عن تقديرها العميق لدعم أسرتها، موجهة شكراً خاصاً لجدّها الأستاذ الدكتور سعيد آل عمر، الذي وصفته ب ”قدوتها الأولى“ في الصبر والاجتهاد، كما شكرت جامعة الطائف على توفير البيئة والفرص التي مكنتها من تحقيق هذا الإنجاز.

مقالات مشابهة

  • من الدفاع إلى الذكاء الاصطناعي .. تفاصيل الاتفاقيات السعودية الأميركية
  • الذكاء الاصطناعي يُعيد تعريف الثروة!
  • الذكاء الاصطناعي وإنتاج «الهراء»: دعم لموجات التضليل التجاري والإعلامي
  • رغم تعطل مواقع عالمية… أنظمة الحكومة الأردنية تعمل دون أي تأثر
  • هذه هي الأسلحة البعيدة المدى التي تستخدمها أوكرانيا لضرب عمق روسيا
  •  "حاسبات الطائف" تتصدر.. الجازي آل عمر بطلة هاكاثون الذكاء الاصطناعي
  • الدعم النفسي في عصر الذكاء الاصطناعي
  • التلغراف: داعش يستخدم الذكاء الاصطناعي في تجنيد عناصره
  • جلالة القائد الأعلى يُنعم بوسام عُمان العسكري لعددٍ من كبار الضباط بالأجهزة العسكرية والأمنية
  • سباق جامعة زايد العسكرية للجري والدرّاجات الهوائية يسجل نجاحات متميّزة