السباق العسكري في عصر الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
يتبادر إلى أذهاننا المفهوم السائد أن العلم يقود البشرية إلى الازدهار، ويسهم في تطوير حضارتها، ويجعل البعض هذا المفهوم مسلّمة لا تزرع الشك بوجود أي جانب مظلم للطفرات العلمية غير المحكومة بقواعد الأخلاق؛ كون التطور العلمي يسهم في حل مشكلات كثيرة في حياتنا، ويمنحنا الأمل في حل ما صَعُبَ حله في ماضينا، إلا أن هذا المفهوم لم يعد مقبولا عند البعض بشكل مطلق؛ إذ يرى البعض أن العلم بطفراته المتنامية والسريعة -في بعض حالاته- يتحرك بتهور دون قيود وقواعد أخلاقية واضحة؛ فنجد العلم يتحرك وفق مصالح تجارية وسياسية تتجاوز في كثير من حالاتها المعايير الأخلاقية لصالح الأرباح المالية والهيمنة السياسية؛ فتحدّ من استقلالية العلم والعلماء وصرامة النظام الأخلاقي في المنهج العلمي؛ فبمجرد أن يفقد العلماء سلطتهم الأخلاقية فإنَّهم لا يملكون قرارتهم العلمية الأخلاقية التي يمكن لها أن توجّه العلم لمشروعاته الصميمة التي ترعى مصلحة الإنسان وقيمه؛ فيفقد العلم مفهومه السائد، ويكون أداة دمار شاملة كما سنرى في هذا المقال الذي سيتناول استعمالات الذكاء الاصطناعي في القطاعات العسكرية بشتّى أنواعها، وآثاره السلبية التي ينبغي الالتفات إليها وإدراك مخاطرها الوجودية قبل فوات الأوان.
سبق التطرق إلى بعض مخاطر الذكاء الاصطناعي -في مقال نشرته الأسبوع المنصرم- التي أصبحت واقعًا مقلقًا، وهذا النوع من المخاطر الذي تناولته الأسبوع الماضي كان فيما يخص تهديدات الأنظمة الذكية للخصوصية الفردية والأسس الأخلاقية للمجتمعات بعد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على تزييف المقاطع المرئية والصوتية، ونتائجها السلبية على الأفراد والمجتمعات، وما يمكن أن تسببه من آثار نفسية ومجتمعية سلبية، أما المخاطر الحالية والمتصاعدة بسبب وجود نماذج الذكاء الاصطناعي في القطاع العسكري وتوابعه؛ فهي تهديدات تتجاوز العامل النفسي والاضطراب السياسي والمجتمعي؛ لتمتد في تهديد حياة الإنسان ووجوده، ويمكن تقسيم هذه المخاطر إلى 3 مجموعات؛ فهناك تهديدات تتمثل في تطوير أسلحة حربية مباشرة -مثل الأسلحة النووية والصورايخ والدبابات والطائرات بأنواعها- تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتهديدات تتعلق بتمكين الذكاء الاصطناعي في صناعة أسلحة بيولوجية -تُستعمل سلاحا في حالة الحرب المباشرة أو غير المباشرة- فتّاكة، وتهديدات تتعلق بالأمن السيبراني وأمن المعلومات، وما يترتب عليه من تأثيرات اقتصادية وسياسية.
بدأت مؤخرا تخرج للعلن العديد من المشروعات العسكرية التي تتبنى صناعة أسلحة حربية تعمل وفق خوارزميات الذكاء الاصطناعي -وما خفي أكثر مما أعلن عنه-، ودخل بعض هذه الأسلحة حيّز التطبيق العملي رغم أن وجود أنظمة الذكاء الاصطناعي في الأسلحة ليس حدثًا جديدا يتزامن مع صعود الذكاء الاصطناعي وانتشاره، بل سبق للولايات المتحدة الأميركية تطوير صواريخ حربية موجهة بواسطة الذكاء الاصطناعي، واستعملتها في هجومها على العراق فترة حرب الخليج الثانية -عملية عاصفة الصحراء- في بداية تسعينات القرن العشرين كما ذكر «ستيوارت راسِل» في كتابه «ذكاء اصطناعي متوافق مع البشر»؛ فحينها -مع بدء استعمال الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات العسكرية- لم تكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي محصورة داخل مراكز الأبحاث سواء السرية أو العلنية، بل كانت المؤسسات العسكرية والأمنية -في الدول الكبرى- تسعى للبحث عن سبل التطبيق لهذه الأنظمة في مجالاتها العسكرية. نأتي إلى حاضرنا -الذي لم يعد من السهل إخفاء كل التطويرات العسكرية في ظل عالم تتسارع فيه وتيرة انتقال المعلومة- الذي يشهد تطويرات عسكرية مخيفة تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي مثل الطائرات بدون طيّار «الدرون» التي يمكن لبعضها أن يحلّق لمسافات وساعات طويلة، ويحمل صواريخ، ويشنّ هجوما على أهداف أرضية، وتعمل خوارزمية الذكاء الاصطناعي على توجيه الطائرة وتحديد الأهداف المطلوبة عبر تقنيات تحليل الصور أثناء المسح الجوي المباشر أو عبر البيانات التي يتلقاها من الأقمار الصناعية، وكذلك عبر القدرة العالية في تمييز الأهداف وانتقائها وفق معايير محددة مسبقا أثناء مرحلة التدرب على البيانات. تأتي كذلك الصورايخ الموجّهة -وأخطرها القادرة على حمل الروؤس النووية- بواسطة الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورا من النسخ السابقة التي استعملت في نهايات القرن الماضي. أُعلنَ كذلك قبل فترة عن اقتراب تدشين دبابات ذاتية القيادة والهجوم تعمل عبر الذكاء الاصطناعي، وجنود آليين يعتمدون على أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويعملون محاربين بديلا عن الجنود البشر؛ لتقليل الخسائر البشرية للجيوش التقليدية (البشرية) التي تتكبدها المؤسسات العسكرية، وكذلك وجود نوع آخر من الجنود الذي يُمثّل التوأمة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي؛ حيث يكون الجندي -البشر- مزودا بأنظمة ذكية لمضاعفة قدراته في التحليل والمناورة العسكرية يشمل التحفيز الذهني والنفسي عبر ربط الدماغ بأنظمة ذكية توفر له هذه القدرات، وسبق الحديث في مقال سابق عن مشروع توأمة الإنسان والذكاء الاصطناعي. يشكّل هذا النوع من الأسلحة مخاطر تتجاوز حدود عملها العسكري؛ إذ من الممكن أن تتطور خوارزمياتها لتتجاوز المعايير الأخلاقية؛ فتكون الأهداف المدنية بجانب الأهداف العسكرية أهدافا أيضا لهذه الأسلحة الذكية التي تعمل على الإبادة البشرية -خصوصا الأنواع الفتّاكة مثل الأسلحة النووية- دون أيّ هوادة وخيارات بشرية تصل بأيّ مبادئ أخلاقية.
لا تقتصر الوسائل العسكرية والأسلحة في جانبها الآلي والناري بل تشمل الأسلحة البيولوجية التي استعملت من قبل بعض الجيوش والدول في حروب سابقة، وبوجود الذكاء الاصطناعي وقدراته الفائقة بوجود أنظمة حاسوبية ورقمية متقدمة مثل الحوسبة الكمومية التي تضاعف من قدرات الذكاء الاصطناعي التحليلية فإن القدرة والسرعة على ابتكار أسلحة بيولوجية خطيرة ستكون عالية مثل استحداث أوبئة فتّاكة سريعة الانتشار. ومن الوسائل العسكرية الأخرى التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعمل فيها أنظمة الأمن السيبراني التي يمكن أن تعمل وفق استراتيجية الهجوم والدفاع معا؛ فيستطيع الذكاء الاصطناعي شنّ هجوم سيبراني على أنظمة حاسوبية ورقمية مهمة -حتى مع وجود أنظمة تشفير قوية-؛ مما يؤدي إلى تعطيل أنظمة عسكرية حساسة، وأنظمة مالية وبنكية تشلّ اقتصاد الدول ونظامها المالي، وفي المقابل يمكن استعمال الذكاء الاصطناعي في توفير الحماية السيبرانية العالية عبر أنظمة البحث المستمرة عن أي ثغرات مخفية، ورفع كفاءات التشفير وتحديثه المستمر. يحمل المستقبل بشأن الصناعات العسكرية مفاجآته المخيفة بتضاعف شراسة الأسلحة، ومع بلوغ الذكاء الاصطناعي مرحلته العامة «الخارقة»، وتوفّر الأنظمة الحاسوبية الحاضنة مثل الحوسبة الكوانتمية؛ فإن هذه الطفرات الرقمية إن لم تجد لها حوكمة صارمة؛ ستقود البشرية إلى دمار غير معهود، وهذا ما حذّر منه علماء وخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي والأمين العام للأمم المتحدة قبل عدة أشهر.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بواسطة الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی التی یمکن
إقرأ أيضاً:
رئيس الجامعة الأمريكية: يجب استخدام الذكاء الاصطناعي في دعم التفكير الابداعي
قال الدكتور أحمد دلال، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إنه يجب أن يدعم الذكاء الاصطناعي التفكير العلمي والإبداعي ولا يحل محله مع مراعاة أولويات بلادنا في التنمية المستدامة.
جاء ذلك خلال جلسة الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم العالي ضمن فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر جامعة القاهرة الدولي الأول عن الذكاء الاصطناعي، المقام اليوم الأحد، داخل الحرم الجامعي.
ونوه رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة بضرورة إعادة تعريف النزاهة الأكاديمية وتعديل طرق تقييم الطلاب والحفاظ على البعد الإنساني في التعلم.
وقال رئيس الجامعة الأمريكية إننا في البلاد العربية نحاول اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي لانه ظاهرة انتشرت في مجتماعاتنا وفي العالم ونحاول ان نتعامل معها بمسؤولية.
استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين وسائل التدريسوأضاف أنه يجب علينا التعامل مع الذكاء الاصطناعي لتحسين وسائل التدريس والبحث العلمي، مشيرًا إلى أن بلادنا تواجه تحديات متعلقة بموثوقية البيانات لأن البلاد الغربية غالبا ما تغفل بيانات دول الجنوب، وأن التحدي الأكبر يكمن في القدرة على صناعة الذكاء الاصطناعي وليس فقط استهلاكه.
ونبه رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى أنه إذا لم يكن لدينا قدرة على إنتاج الذكاء الاصطناعي وفهمه سنبقى دائما في ركب اللحاق بالتطور الكبير الذي يحدث في العالم.
وحول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتاهيل طلاب الجامعة، قال دلال إن الجامعة الأمريكية منذ 2023 بدات في تقديم برامج لتدريب الطلاب والأستاذة على الذكاء الاصطناعي بأدوات مشتركة باستعمال مسئول، بالإضافة إلى وضع وسائل تقييم مختلفة للطلاب.
وكشف دلال عن وجود برامج لتدريب الموظفين على الذكاء الاصطناعي بالجامعة الامريكية، لافتا إلى
أنه من الضروري أن يكون لكل جامعة حد أدنى من المعرفة للذكاء الاصطناعي في كل المقررات.
واشار إلى ان الجامعة الأمريكية تعمل الآن على تطوير برامج من هذا النوع، وأن الذكاء الاصطناعي يحتاج للاستمرار في التطوير تقديم خطط في عدد متزايد من المقررات في الجامعة، لافتا إلى وجود عشرات الدورات في ذلك وان الجامعة تسعى لزيادتها.
ونبه رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى أنه يجب ان نوفر برامج متخصصة في تطوير المقررات من خلال توليد الذكاء الاصطناعي وبناء الكفاءات والقدرات الخاصة فيه.
وأضاف رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة أن بلادنا لا تشارك بشكل فعال في إنتاج المعرفة، مؤكدا أنه يجب المساهمة في إنتاج هذه المعرفة وأن يكون لدينا متخصصين في الذكاء الاصطناعي، والعمل بشكل متضافر لكي نلحق بركب التطور في الذكاء الاصطناعي.