تعددت #الأحزاب وعمّ #الخراب
المهندس : عبدالكريم أبو #زنيمة
بداية لا بد من التأكيد أنه يستحيل بناء دولة مزدهرة ورائدة وتنمية مستدامة ومتطورة دون وجود بيئة سياسية ديمقراطية وأحزاب فاعلة في إدارة الدولة سواء كانت في السلطة التنفيذية أو في مقاعد المعارضة، فكلاهما يتممان بعضهما كما هو في الدول الديمقراطية ذات الحكومات البرلمانية التي تفرزها صناديق الاقتراع غير المزورة ، لذلك يسود فيها الأمن والاستقرار والرخاء وتتحقق بها التنمية بكل تفصيلاتها .
ظهرت الأحزاب السياسية الأردنية مع بداية عهد الدولة الأردنية ،وتطورت مع تطورها في المراحل الأولى ، لكن جرى الانقلاب عليها عام 1957 وزجّ بالكثير من قادتها والحزبيين والنشطاء السياسيين والمعارضين في المعتقلات وحُكمت البلاد حتى عام 1989 بالأحكام العرفية ، خلال هذه الفترة جرى ملاحقة وتشويه القوى السياسية والتنكيل بهم ” اعتقال ، حرمان من العمل ، حرمان من السفر ، معاقبة الأبناء والأحفاد والأقارب بجريرة آبائهم وذويهم ..الخ ” باستثناء جماعة الإخوان المسلمين الذين تحالفوا مع السلطة الحاكمة ، هذا القمع والملاحقة أضعف الأحزاب لكنها استمرت بنشاطها السري وحافظت على مصداقيتها واستقطابها للشارع الأردني وكانت أكثر تأثيراً وأقرب لنبضه مما هي عليه الآن .
بعد الانفتاح الديمقراطي عام 1989 علقت الآمال على التحول الديمقراطي والانتقال بالأردن إلى مصاف الدول البرلمانية الرائدة ، لكن إقرار قانون الصوت الواحد فيما بعد أحدث نكسة سياسية وشكل ضربة قاسية جدا لدور القوى والأحزاب السياسية ، ولوث البيئة السياسية برمتها ، هذا القانون هدف إلى تفتيت القوى السياسية وإلى تكريس الاصطفافات العشائرية والجهوية والفئوية والمناطقية وكان من نتائجه أن أفرغ الدور البرلماني من مضمونه الرقابي والتشريعي وحوله إلى خدماتي وجعل منه أداة جديدة بيد السلطة التنفيذية .
للأسف وأمام التحديات والمخاطر التي يواجهها الأردن نجد أن الأحزاب السياسية وبدلاً من أن تطور ذاتها وهياكلها التنظيمية وأدواتها وبرامجها ووسائل تواصلها للتأثير على الشارع والتفاعل معه نجدها قد انكفأت على نفسها وتقلّصت وتراجعت أنشطتها وأصبحت تابعة وغير متبوعة وانشغل الكثير منها بالخلافات الداخلية حتى تجاوزت نسبة الرفاق خارج أحزابهم اكثر من 50% لا لخلافات فكرية ولا لتجاوزات تنظيمية بل بسبب المصالح الشخصية والامتيازات وخاصة بعد المخصصات المالية الحكومية ، ومن المفارقات العجيبة أن البنية الداخلية لغالبية الأحزاب ونهجها وسلوكها لا تقل سوءاً عن سلوك وممارسات النظام السياسي الحاكم الذي تُطالب بأصلاحه ، فمن جهة تطالب بالديمقراطية وهي لا تمارسها داخل صفوفها وتطالب بتداول السلطة وهي نفسها تبايع أمين عام الحزب وحاشيته مدى الحياة ! كذلك تطالب بالمشاركة الشعبية وفرض سلطة الشعب وهي تتخذ قراراتها في قيادة ورأس هرم الحزب وتفرضها على قواعدها ، هي من تطالب الحكومات بتغيير الحرس القديم واستقطاب كفاءات مؤهلة ودماء جديدة ، وهي من تتمسك بمن هم على حواف قبورهم في المواقع القيادية للحزب ولجانه ، هذه الأخطاء والممارسات فوتت على الأحزاب فرص التجديد ومواكبة المتغيرات ونتج عنها انشقاقات وانقسامات داخلية واتهامات بين رفاق الحزب الواحد وصرفت الجهود عن متابعة قضايا وهموم الشعب والتواجد الفعلي في الشارع للتصدي للمخاطر ، وكلنا يتذكر عندما كانت هناك حراكات شعبية في الشوارع والساحات فضلت غالبية الأحزاب وقياداتها الغياب والتواري عن المشهد وإن تواجد البعض منهم فكانوا في الصفوف الخلفية للحشود .
للأسف فقد فشلت وعجزت الأحزاب ذات المرجعية الفكرية الواحدة من توحيد صفوفها ، وفشلت كذلك احزاب المعارضة من إعداد ورصّ صفوفها خلف برنامج إنقاذ وطني يخلص البلاد والعباد من الأوضاع المأساوية التي نعيشها ، هذه الأحزاب كل ما أنجزته خلال الثلاثة عقود الماضية هو سب وتقريح وذم الحكومة ، والنضال في ساحات الشاشات الاعلامية من خلف الميكروفونات وبيانات الشجب والتنديد ، حتى حفظ البعض منهم عن ظهر قلب موسوعة هذه البيانات !
الخطر الأكبر القادم يكمن بالأحزاب الموسمية النفعية ، هناك أصحاب نفوذ ممن تناوبوا مواقع المسؤوليات عبر العقود الماضية مدعومين أمنيا ويؤازرهم مشايخ الصيني شكلوا أحزابا بمسميات مختلفة يملكون كل أدوات وعناصر الوصول لقبة البرلمان ” تنفيعات وتعيينات ، أموال سوداء ، إعلام ووسائط ووسائل تواصل ، دعم وتسهيلات حكومية وأمنية ، نفوذ ..الخ ” ينشطون لخوض الانتخابات القادمة ،غالبية أو كل الكوتا الحزبية البرلمانية القادمة ستكون منهم ،هؤلاء سيعيدون تدوير الكثير من الوجوه التي أوصلت البلاد إلى هذا الخراب ولكن بوجوه وأقنعة برلمانية ! البرلمان القادم سيكون الأخطر – حيث ستُقرّ كل الإملاءات الخارجية وكل الخفايا والخبايا ولكن بصبغة ونكهة برلمانية حزبية شعبية يكون الخاسر الوحيد فيها الأردن شعبا وأرضا وهوية .
المهندس : عبدالكريم أبو زنيمة
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
إذا غابت الحكمة حضر الخراب
إذا غابت الحكمة حضر الخراب
حيدر المكاشفي
والله إن المرء ليحار في أمر بوم الخراب وغربان الدمار هؤلاء الناعقين مع الحرب وضد دعاة ايقاف الحرب ووقف الدماروالقتل ووضع حد للمعاناة المتطاولة التي يكابدها الناس جراء الحرب، فهذا البوم وهذه الغربان لا تملك شيئا غير النعيق والزعيق وتلويث الاجواء بإثارة الفتن والشحناء والبغضاء ونفخ كير الحرب المفضية للخراب والدمار والفرقة والشتات، ليس لديهم فكرا ناضجا يقدمونه ولا رؤية سديدة يطرحونها، ولا بديلا نافعا يحتجون به، ولا حكمة مفيدة ينطقون بها، انهم خلو من كل ذلك ما عدا مقدرتهم الفائقة على بذل الشتائم وابتذال القضايا وممارسة الخصومة بنذالة، ولا غرابة فكل إناء بما فيه ينضح، واناؤهم ملئ بالاحقاد والاحن والضغائن والغبائن العنصرية، ورؤوسهم خاوية من اية قدرات تحتاجها متطلبات قيادة البلاد بحنكة، وسياسة امور العباد باللباقة والكياسة وادارة الشأن العام بعقلية رجال الدولة المحترمين وليس عنتريات الموتورين والمتوترين والمهووسين والمهجسين، ولو سئلوا الآن ما بديلكم لوقف الحرب بدلا عن حافة الهاوية التي توشك البلد ان تتردي فيها، لحاروا جواباً نافعاً ولقالوا هي الحرب وكفى و(بل بس) مع انهم ليسوا من رجالها، وهذا لعمري انما هو فعل الغربان التي قال فيها الشاعر (لو كان الغراب دليل قوم مرّ بهم على جيف الكلاب)، انهم يريدون ان يقودوا الناس إلى هذا المصير، ثم من بعد ان ينداح الدمار ويعم الخراب يستمتعوا مثل البوم بالجلوس على الاطلال والخرائب والتمتع بالنظر لمشاهد الدماء والدموع والاشلاء والجثث، مصداقاً لقول الشاعر الشعبي (كايس للخراب تهدم ولا هماكا، رحمن العباد خيب جميع مسعاكا، يصرف ربنا شر الحروب واياكا) ولكنهم للاسف بعد ان اعمت العنصرية المنتنة والخصومة السياسية الفاجرة بصائرهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وهنا تصدق فيهم الآية الكريمة (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون إلا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)..
يكفي للانخراط في صفوف المنادين بوقف الحرب وانهاء معاناة السودانيين ومناصرتهم، انهم في هذه المرحلة على الاقل يفتحون كوة للتفاؤل بأن الحكمة الغائبة لابد ان تعود، فعندما غابت الحكمة نعق الغراب وحضر الخراب، وتزايد اعداد المطالبين بوقف الحرب وانهاء عذابات الناس يوما بعد يوم، تؤشر إلى أن من كانوا مغيبين بدأوا يدركون خطورة المماحكة والمخاطر الماحقة المحدقة بالبلاد، وهذا وحده سبب كاف ليناصروا دعاة وقف الحرب، فالاهم الان هو البحث عن الحكمة الغائبة حتى الآن واستعادتها، الحكمة المطلوبة لحل أيما مشكلة أو قضية عن طريق التفاوض والتراضي وليس أي أسلوب اخر غيرها، فتلك هي خبرة البشرية ودرس التاريخ وسنته الماضية، فلا أقل من أن نعتبر بها، ولهذا سنظل دعاة سلام ووئام وتلاق وطني، ولن نسعى بالفتنة مثل
(الفاتيات والحكامات) ندعو لشحن النفوس وشحذ الأسلحة لمزيد من القتل والدمار على غرار (وسّع قدها) حتى يعم الخراب كل الأنحاء والأرجاء، فحاجة البلاد الآن إلى حكماء يطببون جراحها وليس (حكامات) يزيدون حريقها..
الوسومحرب السودان مستقبل السودان وقف الحرب