مجلس الشورى.. تطلعات وآمال
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
تنطلق بعد أسابيع قليلة انتخابات مجلس الشورى للفترة العاشرة ٢٣ - ٢٠٢٧، وقد شحذ المعنيون هممهم واعلوا سقف تطلعاتهم وحلقوا فوق السحاب بآمالهم، المترشحون للانتخابات الذين يأملون في مشاركة سياسية ناجحة وقدموا للمجتمع برامج انتخابية واعدة، أو الناخبون الذين يتطلعون إلى مجلس قوي يمثلهم، أو المنظمون الذين استعدوا لهذا الحدث الوطني المهم من وقت مبكر للوصول لنتائج انتخابية ناجحة.
لا شك أن المجتمع يُعوّل على المترشحين الجُدد في حمل الأمانة وتحمّل المسؤولية الوطنية ليس المناطقية أو العشائرية، مع السعي إلى تفعيل الاختصاصات والصلاحيات التي نص عليها النظام الأساسي للدولة وقانون مجلس عُمان وتطويرها واقتراح قوانين مكملة تُحسّن من أداء المجلس وتقوي مكانته بين السلطات العامة للدولة ليمسك مجلس الشورى بزمام المبادرة والمساهمة الفاعلة في إدارة شؤون البلاد والمشاركة في مختلف الملفات، حتى وإن واجه صعوبات أو عراقيل مع أطراف أخرى في الدولة، فالاختصاص حق دستوري والحقوق كما هو معلوم تنتزع ولكن بالحكمة والحوار البنّاء وليس بالصدام والبيانات.
وعلى المجتمع الذي اختار ممثليه في مجلس الشورى أن يواصل الدعم والمساندة ولا يكتفي بالانتخاب فقط مدفوعاً بالزخم الإعلامي للانتخابات وبأشياء أخرى، ثم يتراجع إلى الوراء، فصوتك أمانة ليس في التصويت فحسب إنما في مواصلة العطاء ودفع المشاركة السياسية لوجهتها الصحيحة.
على أفراد المجتمع أن يتعاونوا مع ممثليهم ويسهّلوا مهمتهم من خلال مدّهم بالمعلومات الصحيحة والمقترحات والأفكار الجيّدة التي تدعم نشاطهم وتقوي حجتهم وتؤكد على ميزة التعاون والشراكة بين مجلس عُمــان وبين الحكومة وبين المواطن لدعم القرار السياسي للدولة، ويكون من حق الناخبين بعد ذلك أن يقيّموا ممثليهم ويحاسبوهم بل ويسحبوا عنهم الثقة في الفترات التالية إن وجدوا فيهم ضعفاً أو تقاعساً عن أداء الواجب الوطني.
هذه هي المشاركة السياسية الحقيقية للمجتمع وليس مجرد التصويت ثم الاختباء وراء سواتر النقد الجارح والتشهير وتوقع النتائج السحرية وتحقيق المصالح الشخصية.
مجلس الشورى في فترته التاسعة بذل جُهدا يستحق معه الإشادة والشكر ومارس أغلب صلاحياته رغم المعوقات التي واجهته والتي نرجو أن يتغلب عليها ويجتازها في فترته العاشرة القادمة، وهي صلاحيات جدّيّة رغم أنها محصورة في مناقشة وزراء الخدمات دون غيرهم مع اتساع رقعة الجهات السيادية في الخارطة السياسية للبلاد دون نص دستوري يفصل في المسألة السيادية ويحدّد ما هو خدمي وما هو سيادي وأصبح كل ما يخص الجهات السيادية أو أغلب ذلك لا يصل لمجلس الشورى بما في ذلك القوانين واللوائح والأوامر الإدارية وهذا فهم مغلوط.
مع هذا تبقى هذه الحزمة من الاختصاصات والصلاحيات خطوة في الاتجاه الصحيح تحقق جانباً من طموح المرحلة الحالية وربما تحتاج من بعض الجهات إلى وقت لاستيعابها وتفعيلها للانتقال لمرحلة أكثر رحابة وحساسية، حيث لا تزال الصلاحيات الحالية تعمل بأقل من طاقتها نتيجة عوامل معروفة لعل من بينها ضعف المردود العملي المستند إلى دراسات علمية وبيانات دقيقة من مجلسي الشورى والدولة، وعدم وجود مراكز دراسات مستقلة تدعم نشاطات الأعضاء وتمكنهم من متابعة مختلف القضايا والملفات.
ومن بين أهم المعوقات التي واجهها الأعضاء في الفترة الثامنة تلك المتصلة بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات الحكومية، وأصبح من الأهمية بمكان في الفترة القادمة أن تضع الحكومة يدها في يد مجلس عمان بغرفتيه (الدولة والشورى) ليقررا معاً وينهضا بالمصالح العليا للبلاد بعيداً عن تبادل اللوم والعتب، وأن يبذل كل طرف أقصى جهد ممكن لسد الفجوة وتقليص المسافة بينهما، والتي تسببت في تعطيل بعض المصالح والمشاريع الوطنية الهام
وإن كانت هناك من أمنيات نعلقها على السلطة السياسية للبلاد في الفترة القادمة فهي:
١- الغاء نظام العضوين والعضو الواحد للولايات الكبيرة والصغيرة واستبداله بنظام خمسة أعضاء لكل محافظة من أجل نتائج جيدة للانتخابات والقضاء على الفئوية والقبلية.
٢- دمج أمانتي مجلس الدولة ومجلس الشورى في أمانة واحدة بمسمى الأمانة العامة لمجلس عُمان وينتخب أمينها العام من بين أعضاء مجلس الشورى، وأن يترك لأعضاء مجلس الدولة انتخاب رئيسهم من بين الأعضاء المعينين، ولا يزيد أعضاء مجلس الدولة عن نصف أعضاء مجلس الشورى.
٣- أن يتم تغيير نظام الجلسات العامة بحيث تكون للوزراء الذين تتم دعوتهم للمناقشة منصة خاصة بهم في قاعة المجلس منفصلة عن المنصة المخصصة لرئيس مجلس الدولة أو رئيس مجلس الشورى، وهو نظام معمول به في جميع برلمانات العالم، لأن الجلوس في منصة واحدة يعطي رمزية أن رئيسي مجلس الدولة والشورى موظفان حكوميان لأنهم تعينا بمراسيم، وأنه لا يوجد فصل للسلطات في عُمان.
٤- أن يبذل مجلس عُمان أقصى طاقته ويضع ثقله كاملاً في تفعيل الاختصاصات التشريعية والمالية والرقابية التي كفلها له النظام الأساسي للدولة وقانون مجلس عُمان، وأن يقارع الحجة بالحجة الصحيحة والمعلومة الدقيقة بمثلها في حوار راقي مفيد مع الحكومة بعيدا عن الحدّية والانفعالات المصطنعة بحيث تكون هذه ثقافة برلمانية عامة يستفيد منها أجيال الشباب، ولا يكتفي المجلس بالوقوف عند عتبات السلطات الأخرى أو عند حدود النصوص الدستورية، عليه أن يعمل على تفسير النصوص بما يمكنه من توسيع نطاق صلاحياته وفتح مجالات أخرى للمشاركة السياسية وان يضع يده بيد القضاء الشامخ، ولديه من الكفاءات العلمية والقانونية والفنية ما يؤهله للقيام بهذا العمل.
٥- أن يعمل على إقناع الجهات ذات الاختصاص بأهمية تطبيق نظام الرقابة على دستورية القوانين في أسرع وقت ممكن، فلا يُتصوّر أن تكون هناك دولة مؤسسات ولديها دستور ولا يوجد نظام للرقابة على الدستورية يتولى حماية دستور الدولة من تغـوّل القوانين أو اللوائح والأوامر الادارية وما أكثرها، وأن يفك الاشتباك بين السلطات إن وُجد، ويحمي الحقوق والحريات العامة.
٦- أن تبادر الهيئة البرلمانية إلى المساهمة في نشر ثقافة الديمقراطية والمشاركة السياسية الصحيحة في المجتمع العماني الشاب، وتقديم توعية وطنية ميدانية حول العمل البرلماني، فقليل هم الناس الذين يعلمون بعض مهام واختصاصات مجلس عمان، وكثيرون الذين لا يعرفون مجرد أين تقع هذه المؤسسة الدستورية وما هي مكانتها في النظام السياسي العماني.
٧- أن يقوم المجلس ببحث مستقبل الجاليات والعمالة الموجودة في السلطنة وتحديد حقوقها وواجباتها، والمساهمة في مراقبة تدفقها الهائل بعد أن أصبحت تشكل أكثر من 45% من إجمالي السكان وما يزيد عن 62% من سكان العاصمة مسقط، والسماح فقط بقدوم الكفاءات التي تضيف قيمة حقيقية للدولة وللمجتمع.
أخيراً نقول أنّه على أعضاء مجلس الشورى القادمين أن يشحذوا هممهم العالية ويشغلوا مولدات الطاقة المتجددة لديهم ويفعّلوا الاختصاصات المتاحة للمجلس ولا ينشغلوا بالبحث والمطالبة بصلاحيات اوسع ليرموا الكرة في مضرب غيرهم، فما هو موجود من صلاحيات يفي بالمطلوب، الى ان يثبت الاعضاء قدرتهم على تحمل مهام أوسع في فترات قادمة.
وان يبتعدوا تماما عن تجاذب الصلاحيات مع أعضاء المجالس البلدية ويتعاونوا معهم للمصلحة العامة، فلكلٍّ مجاله وميدانه.
د. صالـح المسكري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجلس الشورى مجلس الدولة أعضاء مجلس من بین
إقرأ أيضاً:
وحدة السودان بين تعددية الجيوش والمليشيات وتعددية المراكز الجغرافية السياسية
وحدة السودان
بين تعددية الجيوش والمليشيات
وتعددية المراكز الجغرافية السياسية
ساحة الإعتصام-بورتسودان-نيالا-نيرتتي-كاودا
*ياسر عرمان*
إختفت الخرطوم كمركز للسلطة السياسية والقيادة والسيطرة العسكرية للمرة الأولى منذ أن نجح كتشنر في غزو السودان في عام 1898، وبفضل سياسات الإنقاذ وإسلامييها وعنف الدولة المتطاول ضد القوميات والريف ما عادت القوات المسلحة والدولة المحتكر الوحيد للسلاح وأصبحت تعددية الجيوش والمليشيات وصناعتها على قفا من يشيل.
غياب الجيش الواحد يعني بالضرورة غياب البلد الواحد فإذا أردنا بلادا واحدة فلنسعي لجيش واحد فلا تنمية أو ديمقراطية أو إستقرار أو أمن في بلد جيوشها ومليشياتها أكثر من جامعاتها ومستشفياتها!
في مايو 2019 بعد قيام الثورة كتبت مقالا عن أن تعددية الجيوش هي قضية الثورة الأولى ودون معالجتها ستُهزم الثورة والدولة ، واليوم أضحت تعددية الجيوش والمليشيات مرتبطة بحياة كل إنسان ووجود الدولة نفسها، ولا يفوقها في الأهمية الا معاجلة الكارثة الإنسانية ووقف الإنتهاكات وحماية المدنيين، وهي نفسها نتاج فساد الترتيبات الأمنية وحرب الجيوش والمليشيات.
اليوم فإن الدولة قد إنهارت والمجتمع قد تشتت وتراجع الناس عن أحلامهم الكبيرة إلى مكافحة خطاب وممارسة الكراهية ومن الحقوق السياسية إلى الحقوق الطبيعية وعلى رأسها حق الحياة وحق الإقامة في المنزل الآمن، ومطلب المواطن الأول هو وقف الحرب وأولوياته هي الأمن والطعام والسكن والعلاج وكل إستراتيجية سياسية يجب أن تُبني على ما ينفع الناس وصون مصالحهم وتحقيق مطالبهم.
إن الإغاثة قبل السياسة والعملية الإنسانية قبل العملية السياسية بل هي مدخل لها، والبحث عن حق الحياة قبل البحث عن السلطة، كل ذلك يتحقق عبر عملية متكاملة وكحزمة واحدة تبدأ بهموم المواطن وحمايته وتنتهي بإكمال الثورة وبناء الدولة، والعملية السياسية مرتبطة بتحقيق وقف الحرب أولاً كي تُعالج إنهاء الحرب ومخاطبة أسبابها وأولها تعددية الجيوش والمليشيات.
*تعددية المراكز الجغرافية السياسية:*
برزت مراكز جغرافية سياسية جديدة وأخرى قديمة بعضها كبير وورث مظاهر الدولة ومركزها القديم والبعض الآخر يعبر عن أحلام ومطالب إقليمية أو قومية في ظل غياب الخرطوم، وواقع الأمر فإن السودان اليوم يضم مراكز متعددة، وهنالك بورتسودان ونيالا أو الضعين ونيرتتي وكاودا- على سبيل المثال لا الحصر- ومن يدرك المجهول فينا والقادم نحونا!
*وحدة القوى المدنية المركز الغائب الحاضر:*
المركز الغائب والحاضر والذي يمثل إرادة الشعب والتغيير الغلابة والتي لا غالب لها-مركز ثورة ديسمبر- ومقره الجغرافي وعاصمته هي ساحة الإعتصام المغدور في قلب الخرطوم، وهو في قلب كل ثائر وثائرة وضمير حي، وهو مركز يضم أكبر وأوسع كتلة جماهيرية تمثل التنوع السوداني الإجتماعي والجغرافي والسياسي والثقافي، وهو إمتداد للثورات السودانية المتراكمة في الريف والمدن منذ ثورة 1924، وعمر هذا المركز 100 عام ويطمح لبناء سودان جديد فالسوريون اليوم يتحدثون عن سوريا الجديدة، ومن جمهورية النفق وساحة الإعتصام يطل هذا المركز من خلف حُجب الحرب، وسيثبت المستقبل إن الثورة أبقى من الحرب.
وحدة مركز الثورة المدني في الريف والمدن هو الضامن لوحدة النسيج الإجتماعي ووحدة السودانيين والسودانيات ووحدة السودان. وعلى قوى الثورة المدنية جميعها أن تنتظم في جبهة معادية للحرب حتي تُعيد توازن القوة في مواجهة تعددية الجيوش والمليشيات وأن لا تتوزع بين حاملي السلاح بل أن ترفض الحرب على هُدى كتاب الثورة المنير، وإن تشتتها سيطيل أمد الحرب ويؤدي إلى حلول هشة.
لابد من جيش واحد مهني يُنهي عصر تعدد الجيوش والمليشيات ويُدشن عصر القبول بالتعددية السياسية والإجتماعية والثقافية كعملة وحيدة، ولابد من بناء الخرطوم الجديدة كمركز يحترم إرادة مكونات وأقاليم السودان في وحدة لا إنفصام لعراها قائمة على الإرادة الحرة وفي ظل مواطنة بلا تمييز ونظام ديمقراطي وعدالة إجتماعية وبترتيبات دستورية جديدة.
*قوى الثورة ليست بطلاء لحلول قسمة السلطة:*
المزاج الإقليمي والعالمي يقرأ من قاموس ودليل الحلول السريعة لقضايا الحرب، وهي إتفاق الأطراف المتحاربة على قسمة السلطة، ولأن حرب السودان تأتي على خلفية الثورة وعلى خلفية إلتزام المنظمات الإقليمية والدولية بإستعادة الحكم المدني الديمقراطي فإن أصحاب الحلول والوجبات السريعة يسعون إلى إستخدام قوى الثورة كطلاء على حائط قسمة السلطة، وإستخدام تشتت قوى الثورة كذريعة لإستخدام ما تيسر من طلاء، وإن لم يفي بالغرض فبعض الموز يكفي ولا يضر!
إن وحدة قوى الثورة هي التي يُمكن أن تمنع الحلول الهشة وتُولد الحلول المستدامة حتي لا يُستخدم بعض المدنيين على طريقة "كف العين" في قسمة السلطة.
26 ديسمبر 2024