جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-24@05:04:32 GMT

رسالة محبة إلى أهلنا في السودان

تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT

رسالة محبة إلى أهلنا في السودان

 

حمد الحضرمي **

 

ما يحدث مع إخواننا وأهلنا في السودان من حرب وقتال واقتتال فيما بينهم، لهو أمر محزن ومُؤلم ويُدمي القلب؛ لأنه قتال لأجل السُلطة والكراسي، وقد دمَّر البلاد وقتل الأبرياء وشرَّد الناس، وجعلهم يعيشون في خوف وقلق، وغاب الأمن والأمان، وعلينا جميعًا أن نكون مع إخواننا وأهلنا في السودان مُصلحين، لأنَّ الإصلاح بين الناس منظومة دينية واجتماعية سديدة، يقول المولى عزَّ وجلَّ "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا" (الحجرات: 9) فإن حدث القتال ونشب بين فرقتين من المؤمنين فينبغي الإصلاح بينهما، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، حيث الأخوة الإسلامية والمودة والإخاء الذي يجمعهم كإخوة في الله مؤمنين.

والرجوع إلى الشريعة مطلب أساسي لعلاج المشكلات والاحتكام إلى لغة العقل والحوار، لا لغة القتال والتناحر والفرقة والخصام.

ومهمة الإصلاح يضطلع بها أصحاب العقول الواعية والصدور الواسعة وأهل الحكمة والبصيرة القادرون على الحل والربط، ولا يضطلع بها أصحاب العقول الجاهلة والصدور الضيقة، وأهل الفتنة والعصبية، المتهورون السفهاء، أصحاب المصالح الشخصية، من أجل متاع الدنيا الزائل. فلابد من إبعاد سماسرة الحروب والقتال، الذين يستثمرون الأموال في سفك دماء الأبرياء، ولا يقيمون أية حُرمة للقيم والأخلاق الإنسانية العظيمة، والوضع والحال مع إخواننا وأهلنا في السودان الجريح يحتاج إلى شخصيات لديها إمكانيات عالية من الحلم والصبر والحكمة والبصيرة وفن التفاوض والحوار والإصلاح بين النَّاس.

ولا شك أن المؤمنين قد تنشأ بينهم خلافات ونزاعات وحروب، فهم ليسوا ملائكة ولا معصومين، ولكن الأمر يتطلب عندما يحدث النزاع أو القتال بين المؤمنين التدخل للإصلاح بينهم من أجل استئصال الفتنة وتنقية القلوب من الضغائن، والرجوع إلى الحق والفضيلة والبعد عن التمادي في الظلم والباطل والجور، وعدم فتح المجال لشياطين الإنس والجن، الذين غايتهم الدمار والخراب والضياع والفتنة والقتال، حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، ويرجع الإخوة في السودان لسابق عهدهم إخوة يحب بعضهم البعض ويحرص كل شخص منهم على الآخر. وعلينا الإصلاح بين إخوتنا وأهلنا في السودان، ولا نتذرع عن فعل الخير لأي سبب من الأسباب، وصدق الشاعر إذ يقول:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس

وعلى أصحاب الحكمة والبصيرة من الدول الشقيقة والصديقة التدخل للإصلاح بين القائدين البرهان وحميدتي، من أجل رأب الصدع بينهما، وتصفية الأجواء ونزع الحقد من الصدور، وتقوية الروابط بينهما، ونشر الفضائل وتجاهل العيوب، لأن الناس بصفة عامة تقع في الأخطاء والخطايا، وعلينا النظر وتعميم الجانب الإيجابي ورؤية النصف المليء من الكأس لا النصف الفارغ، حتى نصل لحل يوقف القتال بين إخواننا وأهلنا في السودان "والصلح خير"؛ لأنَّ الإصلاح بين فرقتين متخاصمتين، غايته تقوية للمجتمع الإسلامي، وإشاعة جو الأمن والأمان والسلم الاجتماعي، وهو عمل إنساني عظيم.

وعلينا تقوية جبهتنا الداخلية وتماسك مجتمعاتنا بكل مكوناتها وترك النزاع والخصام والفرقة والشقاق، وهذا لن يتحقق إلا باجتماع كلمتنا وتوحيد صفوفنا واتحادنا، وأن يكون الاتحاد قائمًا على العدل والعدالة والإنصاف والحق والفضيلة والقيم النبيلة، ليتحقق التقدم والازدهار والنهضة والتنمية والعمران، قال تعالى "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103).

إنَّ الفرقة هلاك، والجماعة نجاة، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بأن يتمسكوا بالقرآن والسنة ويجتمعوا عليهما ونهاهم عن التفرق والنزاع، فالتمسك بحبل الله هو سبب للنجاة والسلامة، والموصل إلى رضا الله، وعلينا الاعتصام به ولزوم جماعة المسلمين، وهذا اللزوم هو الوسيلة الفعالة لتقوية المجتمع الإسلامي وبناء الفرد والجماعة على قاعدة صلبة، والجماعة هي سفينة النجاة أما الفرقة فهي التهلكة الأكيدة، قال الله تعالى "وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (آل عمران: 105).

أيها الإخوة في السودان الشقيق: أنتم شعب طيب كريم، وإخوة في النسب والقرابة وبينكم صلة رحم قد رعاها الإسلام لمكانتها السامية الجليلة، فيا أحبابنا وأهلنا في السودان عليكم الاعتصام بالله، "وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ" (الحج: 78)؛ فالاعتصام بالله نجاة في الدنيا والآخرة، ويتوجب إغاثة المتضرر، لأن تقديم العون والنصرة لمن يحتاج إليها سلوك إسلامي أصيل وخلق رفيع تقتضيه الأخوة الصادقة حتى يعيش أهلنا في السودان طيبين كرام، مرفوعي الهامة، واثقين من الله ثم من أنفسهم بأن الخير قادم، ومحبتهم للسودان وأهلها هي الهدف والدافع. وإذا سقطت الحواجز النفسية وانبسطت النفوس وخلصت النية في المؤاخاة والتآخي تحل المودة محل القطيعة والمحبة محل الكراهية، وتنحل جميع المشكلات ليعيش السودان وأهله في سعادة ومحبة.

ومن منَّا لا يحب السودان وأهله الطيبين الكرام، أصحاب القلوب البيضاء، إنها رسالة محبة أبعثها من القلب من سلطنة عُمان، سلطنة المحبة والصداقة والسلام، أبعثها إلى أهلنا في السودان، وأقول لكم بكل صدق ومحبة أوقفوا القتال والسير في الاتجاهات التعصبية الخاطئة التي تعشعش في أوساط بعض القادة والمسؤولين أصحاب القرار وهم في مكابرة من أمرهم، ولا تسمحوا لأصحاب الأفكار الهدامة بتشويه سمعة السودان وشعبه الأصيل، ووحدوا صفوفكم وكلمتكم، وكونوا يدًا واحدة، ولا تلتفتوا إلى المشككين والجبناء والمخربين وأصحاب النعرات الجاهلية، وتخلصوا من نقاط الخلاف والضعف والوهن والثغرات، التي تتسبب في عدم اجتماعكم وتصالحكم، وتجاهلوا الذين لا يريدون إلا الخراب والدمار للسودان وشعبه، وهم لأهل السودان غير محبين، لأنَّ قلوبهم سوداء، وتعصبهم يعميهم عن اكتشاف الحقائق، ولا يحبون ولا يرغبون أن يعيش السودان وأهله في محبة وسلام.

أوقفوا القتال من اليوم، واجلسوا على طاولة الحوار من الغد، ولا تسمعوا للذين لا يريدون الخير لكم، ولا تسمحوا للذين يريدون وقوع الفتنة بينكم، وراجعوا مواقفكم وعالجوا الأخطاء السابقة وانتصروا على المصالح الشخصية، واتركوا الماضي القاسي والتعصب والعصبية العمياء، وانظروا بتفاؤل إلى القادم والمستقبل وسيروا إلى الأمام، وعليكم باختيار الرجال المخلصين أصحاب الحكمة والبصيرة؛ لأنَّ استمرار القتال بينكم عواقبه وخيمة، وتتزايد أخطاره ومضاعفاته يومًا بعد يوم. ولا تتركوا فرصة اليوم تمر عليكم دون الجلوس والحوار وترك التعصب للجماعات، وتسامحوا وحققوا العدل والعدالة ولا تستجيبوا لأصحاب القلوب القاسية وأمراء الحروب والدمار والخراب، وانحازوا إلى السودان دولة وشعبًا.

 وتمسكوا- يا إخواننا وأهلنا في السودان- بالقيم والأفعال الحميدة النبيلة، وحاربوا الظلم والباطل والجهل والتخلف، ولا تسقطوا في أوحال الإثم والشقاء والتعصب والعصبية، ولا تأخذكم حمية الجاهلية الأولى واحذروا منها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث "ليس منَّا من دعا إلى عصبية، وليس منَّا من قاتل على عصبية، وليس منَّا من مات على عصبية"، وابتعدوا عن الجماعات العنصرية العرقية، لأنها وثيقة الصلة بالتعصب والعصبية، وعليكم نشر المحبة بينكم ومبادئ الشورى والقيم الأخلاقية والإنسانية والتسامح الاجتماعي، وتصافحوا وتسامحوا بمحبة وود لتعيش السودان دولة مستقرة، ويعيش شعبه وأهله في أمن وأمان ومحبة وسلام.

علينا جميعًا التوجه إلى رب السماء بالدعاء، فيا مجيب دعوة المضطرين، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، يا رب إن الأيام والأشهر تمضي وتدور، والحرب والقتال بين السودانيين لم يتوقف، وتتوالى المصائب وتشتد البلاءات عليهم، فيا رب أنت قريب ممن دعاك ورجاك، فنرجوك يا الله أن تصلح شأن إخواننا وأهلنا في السودان، وتؤلف بين قلوبهم وتجمعهم على قلب رجل واحد، بهدايتك ولطفك ورحمتك التي وسعت كل شيء، وأنت أرحم الراحمين.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

محلل عسكري إسرائيلي: ترامب لن يسمح بعودة القتال في قطاع غزة

أكد محلل عسكري إسرائيلي أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أغلق القصة، ولن يسمح للجيش الإسرائيلي بالعودة إلى القتال في قطاع غزة، منوها إلى أنه أعلن سابقا أنه يريد إغلاق الحروب بدلا من فتح حروب جديدة.

وقال المحلل الإسرائيلي آفي أشكنازي في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، إننا "دخلنا بشكل رسمي عصر دونالد ترامب، وأصبح الرئيس القديم الجديد يجلس مرة أخرى في البيت الأبيض"، مضيفا أن "ترامب يأتي مع أجندة واضحة، وقد حدد أهدافا للتنفيذ".

وتابع أشكنازي بقوله: "يسعى ترامب لتعزيز الاقتصاد الأمريكي وتعزيز الأنظمة الصحية والتعليمية والبنية التحتية، وتعزيز الحوكمة والأمن داخل المدن الأمريكية، وبعد ذلك يرى أن الصين هي المشكلة الخارجية الكبرى للولايات المتحدة، ويوجه نظره نحو موارد العالم من قناة بنما إلى خليج المكسيك وبالطبع إلى الفضاء الخارجي".

وشدد على أن "ترامب أوضح أنه جاء لإنهاء الحروب، وليس لفتح حروب جديدة. جاء ليصنع السلام، نقطة. مع كل الاحترام للمخلصين في السياسة الإسرائيلية، ومع كل الاحترام لوحدة الائتلاف تحت قيادة نتنياهو، هم لا يظهرون في جدول عمل رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب".



وأردف قائلا: "فلنضع الأمور في نصابها: صاحب البيت الجديد لن يسمح للجيش الإسرائيلي بالبقاء في لبنان بعد 26 من الشهر في الساعة 04:00 صباحاً. كما أنه لن يسمح لحزب الله بالعودة إلى ما كان عليه. إيران ستضطر لتغيير مساراتها، ولكن بما أنه لا يريد فتح حروب، فمن المشكوك فيه أن تقصف الطائرات الأمريكية المنشآت النووية، ومن غير المرجح أن يمنح إذنًا لإسرائيل للقيام بذلك".

ولفت إلى أنه "فيما يتعلق بغزة، القصة مغلقة. ترامب لن يسمح لإسرائيل بالعودة إلى القتال المكثف. كما أنه ينوي السماح بتغيير الحكومة داخل القطاع. الرافعة لذلك في يد السعودية وقطر ودول الخليج التي ستطلب تمويل إعادة إعمار القطاع بشكل شامل: بناء عشرات الآلاف من المباني، الطرق، والبنية التحتية للطاقة والمياه والصرف الصحي".

وذكر أن "ترامب يحتاج إلى الهدوء في الشرق الأوسط، ويحتاج إلى استقرار المنطقة، من خلال بناء جبهة واسعة من الدول السنية المعتدلة مثل السعودية، مصر، الأردن، الكويت، الإمارات، البحرين وغيرها... مع كل الاحترام لائتلاف نتنياهو، ومع كل الاحترام للمخلصين في حكومة إسرائيل، ترامب لن يسمح لهم بتخريب خطته للشرق الأوسط الجديد".

وختم قائلا: "إسرائيل مطالبة الآن، بحق، باتخاذ بعض الإجراءات المنقذة للحياة والمهمة لأمن الإسرائيليين. أولاً، يجب أن تعمل بقوة في الضفة الغربية ضد محاولات إيران إقامة كتائب الإرهاب في شمال الضفة، وفي جنوب جبل الخليل. ثانيًا، يجب تشكيل وتثبيت الحدود اللبنانية والسورية. وبالنسبة لغزة، يجب على إسرائيل إغلاق هذه القصة بطريقة تجعل غزة غير قادرة على مفاجأتنا عسكريًا أبدا".

مقالات مشابهة

  • رسالةُ امتنان وافتخار
  • أخبار غزة.. إسرائيل قد تواجه صعوبة في استئناف حربها ضد حماس
  • الجيش السوداني: قوات الدعم السريع أحرقت مصفاة الخرطوم
  • سلام: رفع حظر السعوديين من القدوم الى لبنان سيكون رسالة للعالم
  • يلماز: سعداء بعودة التواصل الجوي والتمكن من احتضان إخواننا السوريين عبر هذه الرحلات، والخطوط الجوية التركية ستعيد ربط دمشق بالعالم بأسره
  • خالد الجندي: الإيمان وحده لا يكفي دون العمل لحمايته
  • منى عبد الغني تكشف تفاصيل تحضيرها للجزء الثاني من «قلع الحجر»
  • محلل عسكري إسرائيلي: ترامب لن يسمح بعودة القتال في قطاع غزة
  • نجل سالم الدوسري: فضل من الله محبة الجماهير لوالدي .. فيديو
  • اللواء م يونس محمود: المسيرات وإجرام الجنجويد