إدارة أزمة فواتير الكهرباء إلى أين؟!
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
لا صوت يعلو هذه الأيام فوق أصوات المشتكين من فواتير الكهرباء، والمطالبة بتخفيض قيمة تسعيرة الكهرباء في أرجاء البلاد، فقد تابعنا خلال الأيام الماضية أزمة ارتفاع الفواتير خلال فصل الصيف؛ إذ ضجّت منصات التواصل الاجتماعي، والتحقيقات والمقالات في الصحف المحلية، برصد نبض الشارع العُماني الذي عبّر عن امتعاضه من هذا الارتفاع غير المبرر- من وجهة نظرهم- لفواتير الكهرباء؛ سواء للمواطنين أو المقيمين طوال الشهور الماضية!
ويتضح ذلك جليًا لمن اطلع على مضامين هذه الرسائل التي تشير إلى وجود مشكلة؛ بل هذه المشكلة قد تحوّلت إلى أزمة حقيقة تحتاج إلى حل عاجل وتدخل سريع من صناع القرار في هذا البلد العزيز؛ فمجلس إدارة مجموعة نماء الذي يرسم سياسة الشركات المنضوية تحته، وكذلك الرؤساء التنفيذيون، على إطلاع بمعاناة المُتضرِّرين من تلك الارتفاعات في الفواتير، فقد فضّلوا هذه المرة الصمت وعدم مواجهة الرأي العام وجهًا لوجه، وذلك من خلال المؤتمرات الصحفية أو الحديث لوسائل الإعلام للدفاع عن الشركة التي تتعرض للنقد؛ إذ تجنب هؤلاء المسؤولون- الذين تفوق رواتبهم أضعاف ما يتقاضاه الوزراء- إقناع الجمهور بجودة خدمات الكهرباء، أو عدالة الأسعار، إن كانت كذلك.
اكتفت مجموعة نماء ببيانٍ صحفي لم يكن على مستوى الحدث، فكان المبرر هو عدم تحديث البيانات المتعلقة بالدعم الحكومي المتعلق بعدادين للمواطن الذي يملك عدة حسابات للكهرباء، وكذلك الفئة المستفيدة من الدعم الوطني والذين تنطبق عليهم الشروط المتعلقة بالدعم. وفي واقع الأمر الشركة تملك المعلومات المتعلقة بالمشتركين؛ سواء من يملكون عدادًا واحدًا فقط وهم القاعدة العريضة من الشعب، أو من يملك أكثر من حساب والذين يجب أن يحدِّثوا بياناتهم وتحديد أرقام الحسابات المتعلقة بهم وليس بعقارات الإيجار، فنحن نعيش ما يعرف بالحكومة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي اللذيْن ليسا ببعيد عن هذه الشركة الكبيرة التي تملك كوادر وطنية وخبرات فنية مُعتبرة، وكان يمكن لها بكل سهولة وضع النقاط على الحروف ومعالجة هذه القضية منذ البداية.
الذين ترتفع أصواتهم هذه الأيام من زيادة قيمة الفواتير، هُم من الذين يملكون حسابًا واحدًا فقط، والشركة تُدرِك ذلك، أمَّا المواطن الذي يملك منزلًا واحدًا فيمكن إضافته مباشرة إلى القائمة ويستفيد من الدعم الحكومي تلقائيًا (أوتوماتيكيًا) دون الرجوع إليه.
يبدو لي أنَّ من يتم اختيارهم لمجالس إدارات الشركات الحكومية بشكل خاص والشركات المساهمة العامة بشكل عام، وكذلك المديرين التنفيذيين الذين يتخذون قرارات تتعلق بمستقبل الوطن والمواطن، عليهم أن يكونوا على دراية تامة بأهمية قراراتهم وتأثيرها على المجتمع خاصة الطبقة الوسطى وأصحاب الدخل المحدود وما أكثرهم.
من هنا يجب تذكير المعنيين بمستقبل هذا الوطن، أن إدارة الأزمات تحتاج إلى أشخاص غير عاديين ومختارين بعناية، يتمتعون بإمكانيات عالية وخبرة فريدة في مجال حلِّ المُعضلات التي أُسندت إليهم؛ فتقديم الحلول الواقعية والمنطقية القائمة على الدراسات العلمية والتجارب المحلية والعالمية، غايةٌ أساسية للقائمين على تلك الملفات الساخنة المتعلقة بجيوب المواطنين وأوضاعهم المعيشية؛ فالهدف الأساسي لوجود قادة مدربين رؤساء تنفيذيين لشركات عملاقة مثل "نماء" لمواجهة التحديات، وتقديم الحلول الجذرية لهذه المشكلات التي تواجه المجتمع وتشكِّل قلقًا وتوترًا للناس، أو على الأقل التقليل من آثار تلك المشاكل وحلحلتها والعمل على تغيير مسارها إلى الاتجاه الصحيح. لا يمكن الانتصار على الأزمات والنجاح في حلها، إلّا بالمراهنة على خبراء سبق لهم أن درسوا برامج متقدمة، ودخلوا دورات متخصصة في هذا العلم الدقيق والفريد من نوعه، والمعروف بعلم "إدارة الأزمات".
لقد تجنّبتُ الكتابة في موضوع ارتفاع أسعار الفواتير منذ البداية، لكون مجموعة كبيرة من كُتّاب الرأي قد سبقوني في تناول الموضوع بمهنية عالية وقدموا الخلاصات المفيدة لمعالجة هذه الأزمة؛ حيث توجهت معظم توصيات هؤلاء الكُتّاب إلى مجلس الوزراء الموقر، لتشكيل لجنة محايدة للتعرف على نقاط الخلاف بين المواطنين والشركة المذكورة، ولكن هناك مستجدات طرأت؛ دفعتني للعودة إلى هذه القضية الساخنة. السبب الأول: هو رد أحد أصحاب المعالي الوزراء، وهو من الذين لهم علاقة بهذا الملف، والذي أثار جدلًا واسعَ النطاق بين أروقة المنصات الإلكترونية، وأعاد هذه الأزمة إلى الواجهة من جديد، وكذلك من المواطنين المرتادين للمجالس العامة من المهتمين بهذا الموضوع الحيوي، فكان يُفترض من المسؤولين في الجهات الرسمية تهدئة الخواطر، ومعالجة مُسبِّبات الأزمة وآثارها على الناس.
أما السبب الأهم والدافع الأول لكتابة هذه السطور فهو رفع هذا الالتماس إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- الذي هو أحرص النَّاس على شعبه وأكرمهم مع المحتاجين من الفقراء، من خلال التوجيه نحو تخفيض أسعار الكهرباء وعودة الدعم الحكومي إلى وضعه السابق قبل خطة التوازن المالي التي كانت ضرورية في وقتها.
لقد استبشرت عُمان- من أقصاها إلى أقصاها- خيرًا هذه الأيام بالأخبار السارة والمفرحة، والمتمثلة في انخفاض الدين العام للبلاد إلى أقل من 37% خلال السنوات القليلة الماضية، وكذلك رفع وكالتي فيتش وستاندر آند بورز التصنيف الائتماني للسلطنة إلى (BB+) بفضل انخفاض الدين العام وتحسن المالية العامة للدولة وتحقيق فوائض مالية، وما كان ذلك ليحدث إلّا بفضل من الله وقائد هذا البلد العظيم وحكمته في إدارة أمور البلاد، والتفاف الجميع حول القيادة الرشيدة التي نجحت باقتدار في الخروج من أزمة الديون.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كيف يعيد دونالد ترامب إحياء الأسطورة الأمريكية المتعلقة بـ الحدود؟
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريراً ناقشت فيه كيفية استغلال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسطورة "الحدود" في الخطاب السياسي الأمريكي، مستحضراً روح التوسع التاريخي للولايات المتحدة لتبرير طموحاته الجيوسياسية وتبرير انتهاكاته المختلفة للمعايير الأخلاقية، مثل محاولته ضم غرينلاند.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه وفي 4 آذار/مارس، وخلال خطاب أمام الكونغرس، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة تهديدية قال فيها: "إلى شعب غرينلاند الرائع"، هذا "الإقليم الكبير جدًا" الذي يحتاجه الأمريكيون "لأمنهم الدولي": "أعتقد أننا سنحصل عليه بطريقة أو بأخرى، سنحصل عليه. سنضمن لكم الأمن، وسنجعلكم أغنياء، وسنرفع غرينلاند إلى مستويات لم تكونوا تتخيلونها من قبل".
وأشارت الصحيفة إلى أن الطموحات التوسعية المتكررة لترامب سواء تجاه غرينلاند، أو كندا أو قناة بنما يمكن تفسيرها من خلال مبررات اقتصادية وجيوسياسية واضحة. لكن هذه الطموحات تتصل أيضًا بخيال وطني قديم: أسطورة "الحدود"، التي تجعل من أمريكا دولة لا تتوقف عن توسيع أراضيها.
ترامب وأسطورة الحدود
وذكرت الصحيفة أنه من الصعب تخيل شخصية أبعد عن أسطورة "غزو الغرب" من دونالد ترامب، الذي وُلد مليارديرًا في نيويورك ويمتلك شقة فاخرة في قمة ناطحة سحاب، وكان معروفًا حتى ذلك الحين بتركيزه على تعزيز الحدود الجنوبية للبلاد بجدار.
ومع ذلك، صرح ترامب في خطاب تنصيبه: "روح الحدود مكتوبة في قلوبنا"، مؤكدًا أن "دعوة المغامرة الكبرى المقبلة" تدوي في أعماق نفوسنا. وأضاف أن أسلاف الأمريكيين حولوا مجموعة صغيرة من المستعمرات على حافة قارة شاسعة إلى جمهورية قوية تمتد على آلاف الكيلومترات عبر أرض وعرة.
وفي 14 كانون الثاني/يناير، نشر إريك تيتسل، نائب رئيس مركز تجديد أمريكا، مقالًا في مجلة "World"، حيث وضع اقتراح ترامب بشأن غرينلاند في تقاليد "المستكشفين الذين يواجهون المصاعب في السعي وراء حياة أفضل". وقال تيتسل في مقاله: "لسنوات طويلة، كانت السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة مدفوعة بمطلب السيطرة على مصيرنا من محيط إلى آخر. ترامب يعيد إحياء هذه الروح".
أسطورة الحدود والتاريخ الأمريكي
ووفقا للصحيفة؛ تعتبر "نظرية الحدود" التي وضعها المؤرخ فريدريك جاكسون تيرنر في 1893 أحد الركائز الأساسية في الفهم الأمريكي للهوية الوطنية. حيث يعتبر أن استعمار الحدود الأمريكية كان حاسمًا في تشكيل ثقافة الديمقراطية الأمريكية وتميزها عن الدول الأوروبية.
ويعرض تيرنر الغرب وأوروبا كقوى متعارضة، حيث يسعى الأول نحو الحرية، بينما الثاني يسعى للسيطرة عليها. مشيراً إلى أن "الديمقراطية الأمريكية لم تولد من حلم نظري؛ لقد وُلدت من الغابة وزادت قوتها كلما وصلت إلى حدود جديدة".
وافترضت فرضية تيرنر أن التحليل التاريخي يتجاوز ليأخذ طابع الأسطورة منذ طرحها: "الغرب هو منبع الشباب السحري الذي يعيد شباب أمريكا"، كما قال في خطاب له عام 1896، إلا أن أسطورة الحدود قد تم استبدالها بصورة قوية أخرى ناتجة عن الحرب العالمية الثانية، مثل أمريكا زعيمة العالم الحر".
الحدود كاستراتيجية سياسية
وأفادت الصحيفة أن جون كينيدي، في خطاب تنصيبه كمرشح ديمقراطي في 1960، استخدم صورة "الحدود الجديدة"، للإشارة إلى مجالات العلم والفضاء، وقضايا السلام والحرب، والفقر.
وفي عام 1993، قال الرئيس بيل كلينتون "الاقتصاد العالمي هو حدودنا الجديدة". من جانبه، استخدم ترامب هذه الصورة في أبسط صورها، كما يراها ريتشارد سلوتكين: أمريكا التي ازدهرت من خلال التوسع غير المحدود والبحث عن الطاقة الأحفورية.
وكتب المؤرخ غريغ غراندين في مجلة نيويورك تايمز. "يبدو أنه يعلم أن القومية الغاضبة والمنطوية على نفسها التي سمحت له بالوصول إلى السلطة قد تكون مدمرة ذاتيًا".
وفي عام 1787، كتب جيمس ماديسون: "وسّعوا الأراضي، وسوف تضعفون التطرف السياسي وتمنعون الصراع الطبقي"، فيما قال توماس جيفرسون في 1805: "كلما كانت أمتنا أكبر، قلّ تأثير النزاعات المحلية".
ترامب رجل الحدود
وأضافت الصحيفة أن ترامب، الذي يعيد صياغة صورته من خلال أسطورة الحدود، يستخدم هذه الصورة لتبرير خروجه عن القواعد الأخلاقية والقانونية.
كما تلاحظ عالمة الاجتماع أولينا ليبنيك، فإن تضمين ترامب في هذه الأسطورة حوّل غموضه الأخلاقي إلى دليل على أصالة بطل الحدود، حيث يتم تصوير "رجل الحدود" كرمز للاستقلال والفردية.
لكن هذه الصورة تتجاهل الحقيقة التاريخية بأن التوسع في الغرب تم بفضل دعم حكومي، من خلال بناء السكك الحديدية وحماية الجيش. ورغم ذلك، لا تزال هذه الصورة تجد صدى في بعض الأوساط، مثل وادي السيليكون، حيث يموّل رجال الأعمال مشاريع تهدف إلى الهروب من القيود المفروضة من قبل الديمقراطيات الليبرالية.
نحو حدود جديدة: الفضاء
ونوهت الصحيفة إلى أنه بالنسبة لترامب، فإن غرينلاند تمثل مجرد بداية نحو "حدود" جديدة، وهي الفضاء. وقد صرح في خطابه الافتتاحي: "سنتبع مصيرنا المحتوم حتى النجوم"، في إشارة إلى عقيدة "القدر المتجلي" التي استخدمها الأمريكيون في القرن التاسع عشر لتبرير الاستعمار الأبيض لأمريكيا الشمالية، وألهمت سياسات أدت إلى إبادة السكان الأصليين.
واختتمت صحيفة "لوموند" تقريرها بالتأكيد على قول ريتشارد سلوتكين أن فكرة ترامب تظل ثابتة: "من غرينلاند إلى كندا، ومن غزة إلى الفضاء؛ نستولي على هذه الأرض البدائية، وسنجعلها جنة، كل ما عليكم فعله هو طرد السكان الأصليين منها".
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)