جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-29@05:40:53 GMT

هل من يقرأ؟ هل من يسمع؟

تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT

هل من يقرأ؟ هل من يسمع؟

 

د. صالح الفهدي

تردُني كثيرًا هذه الأسئلة بعد أن أنشر مقالًا كتبتهُ: هل من يقرأ؟ هل من يسمع؟ وهي على غرار ما تقوله العرب: "لمن تقرأ زبورك يا داود" و "أنت تحدو بلا بصير" و"مطرب الحي لا يطرب" و"لا كرامة لنبيٍّ في قومه"، وغيرها من الأمثال.

أما دافعُ الأسئلة فهي أن لا شيء يحرِّكُ ساكنًا، ولا متغيِّر تغيِّره الكتابة، وجوابي الدائم على ذلك: بأنني وغيري لو آمنّا واقتنعنا بهذه الأسئلةِ والأمثلة لتوقّفنا منذُ أمدٍ بعيد، ولتركنا الحال كما هو دون أن نسكب له قطرة حبر واحدة!

الكتابةُ في حدِّ ذاتها معاناة لا يدركها إلّا من يشتغلُ بها اشتغال المخلص لها، المُدركِ أثرها، وهي عندي بعض الأحيان كالمشي في حقلِ ألغامٍ يتوخّى الكاتبُ فيه بحذرٍ شديد، لكننا قبلنا بهذه المعاناة لأنها قدرٌ وأمانةٌ!.

ثم ما المقابلُ في حالِ توقّف الكاتبُ عن الكتابةِ إن اقتنع بأنّه لا أحد يقرأ، ولا أحد يسمع؟ سيودِّعُ الكتابة جانبًا، وستأخذهُ الحياةُ في مناحٍ أخرى، حينها لا تكون الصحف إلا مجرّد أوراقٍ مبتسرةٍ من تقارير وأنباء، خاليةٍ من المقالات والآراء، وهي إن فقدت ذلك فإنّها فقدت لبّها وجوهرها فلا يعود لها تلك القيمة الجوهرية التي ترفعها قدرًا، وتعليها مقامًا.

نعلمُ يقينًا أن الكتابة مُجهدةً، وأنها لا تأتي إلا بالمشاق، لكن هذا قدرُ الكاتبِ الذي يريدُ الإِصلاح لمجتمعه، ونتائجُ الإصلاح لا تأتي بين عشيّةٍ وضحاها، فصناعة الوعي تحتاجُ إلى مجاهدةٍ واصطبارٍ عبر زمنٍ طويل، وتغيير العقول يحتاج إلى الجهد المبذول الذي لا يؤتي ثماره إلا بعد مدى بعيد.

ثم أننا نعلمُ أنّ هناك من يترصّدُ الأخطاء ممن يعنيهم الأمر و"من يتصيّد يجد" أما من يشيدُ فقليل، يجرِّدُ البعض الكتابة من فعلها المصلح، ليجعلونها سلاحًا هدّامًا، ولكن لا يكون الرد، وينسون فضل الكاتب على مجتمعه ويقتنصون لها الزلّات التي يمكنهم تأويلها على ما تمليهم نواياهم، وليس لهم إلا كما يقول المتنبي: 

كم تطلُبون لنا عيبًا فيُعجِزُكُم // ويكرهُ اللهُ ما تأتون والكرمُ

ما أبعد العيب والنُقصان من شرفي // أنا الثُريّا وذانِ الشّيبُ والهرمُ

أعظمُ تعزيةٍ للكاتب المُصلِح، المُحِب لوطنه هو أن غايته من الكتابة أن يصنع للحياةِ معنى آخر، ويصوغ عالمًا مختلفًا، وفي هذا يبقى آثره حتى لو لم يذكرهُ أحدًا.

نعم قد يبدو الأمر بأن لا أحد يقرأ أو يستمتع من أصحاب القرار الذي قد تعنيهم بعض القضايا التي نطرحها في كتاباتنا، لكن لا شكّ أن الكلمة الطيبة -كما أؤمنُ- قد تكفّل بها الله وجاء ذلك في محكم التنزيل الكريم في سورة إِبراهيم: "ألمْ تر كيْف ضرب اللّهُ مثلًا كلِمةً طيِّبةً كشجرةٍ طيِّبةٍ أصْلُها ثابِتٌ وفرْعُها فِي السّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلها كُلّ حِينٍ بِإِذْنِ ربِّها ويضْرِبُ اللّهُ الْأمْثال لِلنّاسِ لعلّهُمْ يتذكّرُون (25) ومثلُ كلِمةٍ خبِيثةٍ كشجرةٍ خبِيثةٍ اجْتُثّتْ مِنْ فوْقِ الْأرْضِ ما لها مِنْ قرارٍ (26)"؛ فالكاتبُ هو كالفلاح السائر في طريق يبذرُ جوانبها دون أن يلتفت خلفه، فإذا بهذه البذور التي تقعُ في أرض صالحة الزرع تنبتُ وتجدُ من يسقيها ومن يرعاها، ثم تثمر بعد حين، وقد رأينا آثار الكتابةِ (البذور) في أجيال مختلفة.

صحيحٌ أن الكاتب لا يحظى بما يجب أن يحظى به من القدرِ الذي قد يحظى به سفيهٌ مشهور، أو تافهٌ مغرور، أو جاهل مسعور، وبعضُ ذلك القدرِ للأسف يأتي ممن يفترضُ أن يوجِّهوا اهتمامهم لقدوات المجتمع، والمصلحين فيه لا الذين يسفِّهون أخلاقه، ويضيِّعون أعرافه! لكن ما يأتي من تقدير المجتمع للكتابةِ الرصينة التي تلامسه هو أعظم حظوةً، وأكبرُ أمارةً على التقدير، وفوق ذلك الثوابُ من الله العليِّ القدير.

مجتمعاتنا بحاجة إلى الكلمة المُصلحة، التي تحفظ لها كيانها، وتعيد إليها توازنها، وترسمُ لها توجهاتها، وتصونُ لها كرامتها وحريتها وحقوقها. هذه الكلمة هي التي يجب أن تستمر حتى لو لم تنصت لها الآذان التي يفترضُ أن تنصت لها، فهي لا تلبثُ حتى تخطّ أثرًا، وتصنعُ هالةً في مستقبلِ الأيام.

استمروا أيها الكتّاب، واكتبوا ليل نهار، فنحن لن ننهض بالسفاهةِ والتفاهة، وإنما بالإِصلاحِ الدائم، والوعي المستمر؛ فالكتابة هي السلاح الأقوى للتغيير وإن احتاج أمرُ التغيير إلى وقتٍ مديد، وجهدٍ جهيد.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نظرة على معاهدة نهر السند التي قد تشعل حربا بين الهند وباكستان

ألقت صحيفة "ذا نيوز إنترناشونال" الباكستانية نظرة قانونية على معاهدة تقاسم مياه نهر السند المبرمة بين باكستان والهند، التي أعلنت نيودلهي تعليق العمل بها في أعقاب هجوم شنه مسلحون يوم الثلاثاء في الشطر الهندي من كشمير، وأودى بحياة 26 شخصا.

وكانت الهند قد اتهمت على الفور باكستان بالوقوف وراء الهجوم الذي استهدف سياحا هنودا في أثناء زيارتهم أحد المعالم الطبيعية في بلدة بهلغام السياحية الواقعة في جبال الهيمالايا، وهو اتهام نفته إسلام آباد وطالبت بتحقيق محايد.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 26 أسئلة تشرح آثار وتداعيات تعليق الهند معاهدة تقاسم المياه مع باكستانlist 2 of 2اشتباكات محدودة بين باكستان والهند لليلة الرابعةend of list

وفي مقال نشرته الصحيفة، قال الكاتب حافظ إحسان أحمد خوخار -وهو محام ممارس في المحكمة العليا في باكستان- إن هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها الهند بتعطيل معاهدة مياه السند أو التخلي عنها من جانب واحد.

وأضاف أنه من الضروري دراسة التطورات الأخيرة المتعلقة بمعاهدة مياه السند وتعليق العمل باتفاقية شيملا الموقعة بين البلدين في 1972. وبرر البحث في تلك التطورات بسبب ما تضمره الهند من عداء مستمر تجاه باكستان، يتسم بانتهاكات متكررة للالتزامات الثنائية والدولية.

ويعتقد الكاتب أن المعاهدة والاتفاقية أساسيتان للعلاقة القانونية والجيوسياسية بين البلدين، مضيفا أنه بموجب القانون الدولي، فإن موقف باكستان مبدئي وقائم على أسس سليمة ويمكن الدفاع عنه.

إعلان

وتعد معاهدة مياه نهر السند، التي وقعتها الهند وباكستان عام 1960 مع البنك الدولي كضامن لها، ملزمة للطرفين.

وتتقاسم الدولتان، وفق المعاهدة، 6 أنهار، حيث خصصت السيطرة على الأنهار الشرقية (رافي وباس وسوتليج) للهند، بينما منحت حقوقا على الأنهار الغربية (السند والجيلوم وتشيناب)، مع مراعاة بعض القيود.

اتفاقية ملزمة

وأفاد المحامي الباكستاني -في مقاله- بأن الأهم من ذلك أن المادة (12) من المعاهدة تنص صراحة على أنه "لا يجوز إنهاؤها إلا باتفاق الحكومتين"، مما يجعل أي محاولة للانسحاب منها من جانب واحد باطلة قانونيا وغير مقبولة دوليا. واعتبر أن أي إجراء تقوم به الهند يوحي بانسحابها من المعاهدة يعد انتهاكا مباشرا لبنودها الصريحة ومبادئ القانون الدولي.

وأشار إلى أن المسؤولين الهنود أدلوا بتصريحات استفزازية في ما يتعلق بتحويل تدفق المياه المخصصة قانونا لباكستان، وهو ما اعتبرته إسلام آباد عملا عدائيا يرقى إلى إعلان حرب، حسب تعبير المحامي خوخار.

وأكد أن باكستان لديها عديد من السبل المتاحة بموجب القانون الدولي للطعن في سلوك الهند، مثل آليات تسوية المنازعات المضمنة في المعاهدة، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ومحافل التحكيم الدولية الأخرى.

وشدد على ضرورة أن تتبنى باكستان إستراتيجية قانونية استباقية للدفاع عن حقوقها المائية، بما في ذلك الاحتكام إلى ما ورد في الملحقين (و) و(ز) المتعلقين بتسوية المنازعات في المعاهدة. وأردف قائلا إن لباكستان أسبابا تبرر لجوءها أيضا إلى الأمم المتحدة ودعوة البنك الدولي لضمان الالتزام بأحكام المعاهدة.

ومضى إلى القول إن الهند أساءت استخدام اتفاقية شيملا لعقود من الزمن للحيلولة دون أن تحظى قضية كشمير بالاهتمام الدولي، وأن تظل في إطار طابعها الثنائي بين البلدين.

ومن وجهة نظر المحامي، فإن باكستان تقف على أرضية قانونية صلبة فيما يتعلق بمعاهدة مياه السند.

إعلان

مقالات مشابهة

  • البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها
  • ما هي الملحقات الأساسية التي يحتاجها كل مستخدم هاتف؟
  • ورشة حول الكتابة الصحفية بالجامعة القاسمية
  • مصدران مصريان: المحادثات التي تستضيفها القاهرة بشأن غزة تشهد تقدما كبيرا
  • ما هي الشبكة الكهربائية الأوروبية المشتركة التي شهدت تعطلاً اليوم؟
  • نظرة على معاهدة نهر السند التي قد تشعل حربا بين الهند وباكستان
  • من أمثلة المجتمعات التي ساندت الجنجويد بجانب القحاطة (..)
  • الكتابة للأطفال وجذب الانتباه بالصور والحبكة والأسلوب
  • خبيران في "أدب الطفل": الكتابة للأطفال تستلزم جذب الانتباه بالصور والحبكة والأسلوب
  • قصة قصيرة [ الجماجم التي صارت في واحد ]