هل من يقرأ؟ هل من يسمع؟
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
د. صالح الفهدي
تردُني كثيرًا هذه الأسئلة بعد أن أنشر مقالًا كتبتهُ: هل من يقرأ؟ هل من يسمع؟ وهي على غرار ما تقوله العرب: "لمن تقرأ زبورك يا داود" و "أنت تحدو بلا بصير" و"مطرب الحي لا يطرب" و"لا كرامة لنبيٍّ في قومه"، وغيرها من الأمثال.
أما دافعُ الأسئلة فهي أن لا شيء يحرِّكُ ساكنًا، ولا متغيِّر تغيِّره الكتابة، وجوابي الدائم على ذلك: بأنني وغيري لو آمنّا واقتنعنا بهذه الأسئلةِ والأمثلة لتوقّفنا منذُ أمدٍ بعيد، ولتركنا الحال كما هو دون أن نسكب له قطرة حبر واحدة!
الكتابةُ في حدِّ ذاتها معاناة لا يدركها إلّا من يشتغلُ بها اشتغال المخلص لها، المُدركِ أثرها، وهي عندي بعض الأحيان كالمشي في حقلِ ألغامٍ يتوخّى الكاتبُ فيه بحذرٍ شديد، لكننا قبلنا بهذه المعاناة لأنها قدرٌ وأمانةٌ!.
ثم ما المقابلُ في حالِ توقّف الكاتبُ عن الكتابةِ إن اقتنع بأنّه لا أحد يقرأ، ولا أحد يسمع؟ سيودِّعُ الكتابة جانبًا، وستأخذهُ الحياةُ في مناحٍ أخرى، حينها لا تكون الصحف إلا مجرّد أوراقٍ مبتسرةٍ من تقارير وأنباء، خاليةٍ من المقالات والآراء، وهي إن فقدت ذلك فإنّها فقدت لبّها وجوهرها فلا يعود لها تلك القيمة الجوهرية التي ترفعها قدرًا، وتعليها مقامًا.
نعلمُ يقينًا أن الكتابة مُجهدةً، وأنها لا تأتي إلا بالمشاق، لكن هذا قدرُ الكاتبِ الذي يريدُ الإِصلاح لمجتمعه، ونتائجُ الإصلاح لا تأتي بين عشيّةٍ وضحاها، فصناعة الوعي تحتاجُ إلى مجاهدةٍ واصطبارٍ عبر زمنٍ طويل، وتغيير العقول يحتاج إلى الجهد المبذول الذي لا يؤتي ثماره إلا بعد مدى بعيد.
ثم أننا نعلمُ أنّ هناك من يترصّدُ الأخطاء ممن يعنيهم الأمر و"من يتصيّد يجد" أما من يشيدُ فقليل، يجرِّدُ البعض الكتابة من فعلها المصلح، ليجعلونها سلاحًا هدّامًا، ولكن لا يكون الرد، وينسون فضل الكاتب على مجتمعه ويقتنصون لها الزلّات التي يمكنهم تأويلها على ما تمليهم نواياهم، وليس لهم إلا كما يقول المتنبي:
كم تطلُبون لنا عيبًا فيُعجِزُكُم // ويكرهُ اللهُ ما تأتون والكرمُ
ما أبعد العيب والنُقصان من شرفي // أنا الثُريّا وذانِ الشّيبُ والهرمُ
أعظمُ تعزيةٍ للكاتب المُصلِح، المُحِب لوطنه هو أن غايته من الكتابة أن يصنع للحياةِ معنى آخر، ويصوغ عالمًا مختلفًا، وفي هذا يبقى آثره حتى لو لم يذكرهُ أحدًا.
نعم قد يبدو الأمر بأن لا أحد يقرأ أو يستمتع من أصحاب القرار الذي قد تعنيهم بعض القضايا التي نطرحها في كتاباتنا، لكن لا شكّ أن الكلمة الطيبة -كما أؤمنُ- قد تكفّل بها الله وجاء ذلك في محكم التنزيل الكريم في سورة إِبراهيم: "ألمْ تر كيْف ضرب اللّهُ مثلًا كلِمةً طيِّبةً كشجرةٍ طيِّبةٍ أصْلُها ثابِتٌ وفرْعُها فِي السّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلها كُلّ حِينٍ بِإِذْنِ ربِّها ويضْرِبُ اللّهُ الْأمْثال لِلنّاسِ لعلّهُمْ يتذكّرُون (25) ومثلُ كلِمةٍ خبِيثةٍ كشجرةٍ خبِيثةٍ اجْتُثّتْ مِنْ فوْقِ الْأرْضِ ما لها مِنْ قرارٍ (26)"؛ فالكاتبُ هو كالفلاح السائر في طريق يبذرُ جوانبها دون أن يلتفت خلفه، فإذا بهذه البذور التي تقعُ في أرض صالحة الزرع تنبتُ وتجدُ من يسقيها ومن يرعاها، ثم تثمر بعد حين، وقد رأينا آثار الكتابةِ (البذور) في أجيال مختلفة.
صحيحٌ أن الكاتب لا يحظى بما يجب أن يحظى به من القدرِ الذي قد يحظى به سفيهٌ مشهور، أو تافهٌ مغرور، أو جاهل مسعور، وبعضُ ذلك القدرِ للأسف يأتي ممن يفترضُ أن يوجِّهوا اهتمامهم لقدوات المجتمع، والمصلحين فيه لا الذين يسفِّهون أخلاقه، ويضيِّعون أعرافه! لكن ما يأتي من تقدير المجتمع للكتابةِ الرصينة التي تلامسه هو أعظم حظوةً، وأكبرُ أمارةً على التقدير، وفوق ذلك الثوابُ من الله العليِّ القدير.
مجتمعاتنا بحاجة إلى الكلمة المُصلحة، التي تحفظ لها كيانها، وتعيد إليها توازنها، وترسمُ لها توجهاتها، وتصونُ لها كرامتها وحريتها وحقوقها. هذه الكلمة هي التي يجب أن تستمر حتى لو لم تنصت لها الآذان التي يفترضُ أن تنصت لها، فهي لا تلبثُ حتى تخطّ أثرًا، وتصنعُ هالةً في مستقبلِ الأيام.
استمروا أيها الكتّاب، واكتبوا ليل نهار، فنحن لن ننهض بالسفاهةِ والتفاهة، وإنما بالإِصلاحِ الدائم، والوعي المستمر؛ فالكتابة هي السلاح الأقوى للتغيير وإن احتاج أمرُ التغيير إلى وقتٍ مديد، وجهدٍ جهيد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
شكوى بحق الكاتب الجزائري كمال داود.. أفشى سر مريضة في روايته الفائزة (شاهد)
أعلنت محامية جزائرية أنها رفعت شكويين ضد الكاتب الجزائري-الفرنسي كمال داود وزوجته الطبيبة النفسية بتهمة استخدام قصة إحدى مريضاتها في رواية "حوريات" التي نال عنها أخيرا جائزة غونكور الأدبية العريقة في باريس.
وقالت المحامية فاطمة بن براهم لوكالة فرنس برس: "بمجرد صدور الكتاب تقدمنا بشكويين ضد كل من كمال داود وزوجته عائشة دحدوح الطبيبة العقلية التي عالجت الضحية" سعادة عربان، والتي ظهرت في قناة جزائرية تتهم الكاتب باستغلال قصتها في الرواية من دون إذن منها.
وأضافت المحامية أن "الشكوى الأولى باسم المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب"، و"الثانية باسم الضحية"، مشيرة إلى أن المدّعين لم ينتظروا فوز الكتاب بجائزة غونكور أوائل الشهر الحالي لتقديم الشكوى، وإنما فعلوا ذلك مباشرة بعد صدور الكتاب في آب/ أغسطس.
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
وقالت فاطمة بن براهم: "تقدمنا بالشكويين أمام محكمة وهران، مكان إقامة كمال داود وزوجته، بعد أيام من صدور الكتاب، لكننا لم نرد الحديث عنهما حتى لا يقال إننا نشوش على ترشيح الكاتب للجائزة".
وأكدت المحامية المعروفة في الجزائر أن موضوع الشكويين يتعلق بـ"إفشاء السر المهني، فالطبيبة أعطت كل ملف مريضتها لزوجها، وكذلك قذف ضحايا الإرهاب ومخالفة قانون المصالحة الوطنية" الذي يمنع نشر أي شيء عن فترة الحرب الأهلية في الجزائر بين 1992 و2002.
وقبل أيام، ظهرت سعادة عربان في قناة تلفزيونية محلية لتؤكد أن قصة رواية "حوريات" تروي نجاتها من الموت بعد تعرّضها لمحاولة القتل ذبحا إبان الحرب الأهلية.
ولم يردّ الكاتب كمال داود على هذه الاتهامات، لكن دار "غاليمار" الفرنسية الناشرة لأعماله نددت الاثنين "بحملات تشهير عنيفة مدبرة من النظام الجزائري" ضد الكاتب منذ صدور روايته وفوزها بأكبر جائزة أدبية في فرنسا.
وقال أنطوان غاليمار في بيان: "في حين أن رواية حوريات مستوحاة من أحداث مأسوية وقعت في الجزائر خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، إلا أن حبكتها وشخصياتها وبطلتها خيالية بحتة".
وأضاف رئيس دار النشر "بعد منع الكتاب ودار النشر من المشاركة في معرض الجزائر للكتاب" خلال الشهر الحالي، "جاء الآن دور زوجته (وهي طبيبة نفسية) التي لم تزوّد (زوجها الكاتب) بتاتا بأي مصدر لصياغة الحوريات، ليُمسّ بنزاهتها المهنية".
وتحكي الرواية التي جرت بعض أحداثها في وهران، قصة شابة فقدت القدرة على الكلام بعد تعرضها لمحاولة القتل ذبحا في 31 كانون الأول/ ديسمبر 1999، خلال الحرب الأهلية التي أسفرت عن 200 ألف قتيل بحسب أرقام رسمية.