جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-06@04:46:11 GMT

هل من يقرأ؟ هل من يسمع؟

تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT

هل من يقرأ؟ هل من يسمع؟

 

د. صالح الفهدي

تردُني كثيرًا هذه الأسئلة بعد أن أنشر مقالًا كتبتهُ: هل من يقرأ؟ هل من يسمع؟ وهي على غرار ما تقوله العرب: "لمن تقرأ زبورك يا داود" و "أنت تحدو بلا بصير" و"مطرب الحي لا يطرب" و"لا كرامة لنبيٍّ في قومه"، وغيرها من الأمثال.

أما دافعُ الأسئلة فهي أن لا شيء يحرِّكُ ساكنًا، ولا متغيِّر تغيِّره الكتابة، وجوابي الدائم على ذلك: بأنني وغيري لو آمنّا واقتنعنا بهذه الأسئلةِ والأمثلة لتوقّفنا منذُ أمدٍ بعيد، ولتركنا الحال كما هو دون أن نسكب له قطرة حبر واحدة!

الكتابةُ في حدِّ ذاتها معاناة لا يدركها إلّا من يشتغلُ بها اشتغال المخلص لها، المُدركِ أثرها، وهي عندي بعض الأحيان كالمشي في حقلِ ألغامٍ يتوخّى الكاتبُ فيه بحذرٍ شديد، لكننا قبلنا بهذه المعاناة لأنها قدرٌ وأمانةٌ!.

ثم ما المقابلُ في حالِ توقّف الكاتبُ عن الكتابةِ إن اقتنع بأنّه لا أحد يقرأ، ولا أحد يسمع؟ سيودِّعُ الكتابة جانبًا، وستأخذهُ الحياةُ في مناحٍ أخرى، حينها لا تكون الصحف إلا مجرّد أوراقٍ مبتسرةٍ من تقارير وأنباء، خاليةٍ من المقالات والآراء، وهي إن فقدت ذلك فإنّها فقدت لبّها وجوهرها فلا يعود لها تلك القيمة الجوهرية التي ترفعها قدرًا، وتعليها مقامًا.

نعلمُ يقينًا أن الكتابة مُجهدةً، وأنها لا تأتي إلا بالمشاق، لكن هذا قدرُ الكاتبِ الذي يريدُ الإِصلاح لمجتمعه، ونتائجُ الإصلاح لا تأتي بين عشيّةٍ وضحاها، فصناعة الوعي تحتاجُ إلى مجاهدةٍ واصطبارٍ عبر زمنٍ طويل، وتغيير العقول يحتاج إلى الجهد المبذول الذي لا يؤتي ثماره إلا بعد مدى بعيد.

ثم أننا نعلمُ أنّ هناك من يترصّدُ الأخطاء ممن يعنيهم الأمر و"من يتصيّد يجد" أما من يشيدُ فقليل، يجرِّدُ البعض الكتابة من فعلها المصلح، ليجعلونها سلاحًا هدّامًا، ولكن لا يكون الرد، وينسون فضل الكاتب على مجتمعه ويقتنصون لها الزلّات التي يمكنهم تأويلها على ما تمليهم نواياهم، وليس لهم إلا كما يقول المتنبي: 

كم تطلُبون لنا عيبًا فيُعجِزُكُم // ويكرهُ اللهُ ما تأتون والكرمُ

ما أبعد العيب والنُقصان من شرفي // أنا الثُريّا وذانِ الشّيبُ والهرمُ

أعظمُ تعزيةٍ للكاتب المُصلِح، المُحِب لوطنه هو أن غايته من الكتابة أن يصنع للحياةِ معنى آخر، ويصوغ عالمًا مختلفًا، وفي هذا يبقى آثره حتى لو لم يذكرهُ أحدًا.

نعم قد يبدو الأمر بأن لا أحد يقرأ أو يستمتع من أصحاب القرار الذي قد تعنيهم بعض القضايا التي نطرحها في كتاباتنا، لكن لا شكّ أن الكلمة الطيبة -كما أؤمنُ- قد تكفّل بها الله وجاء ذلك في محكم التنزيل الكريم في سورة إِبراهيم: "ألمْ تر كيْف ضرب اللّهُ مثلًا كلِمةً طيِّبةً كشجرةٍ طيِّبةٍ أصْلُها ثابِتٌ وفرْعُها فِي السّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلها كُلّ حِينٍ بِإِذْنِ ربِّها ويضْرِبُ اللّهُ الْأمْثال لِلنّاسِ لعلّهُمْ يتذكّرُون (25) ومثلُ كلِمةٍ خبِيثةٍ كشجرةٍ خبِيثةٍ اجْتُثّتْ مِنْ فوْقِ الْأرْضِ ما لها مِنْ قرارٍ (26)"؛ فالكاتبُ هو كالفلاح السائر في طريق يبذرُ جوانبها دون أن يلتفت خلفه، فإذا بهذه البذور التي تقعُ في أرض صالحة الزرع تنبتُ وتجدُ من يسقيها ومن يرعاها، ثم تثمر بعد حين، وقد رأينا آثار الكتابةِ (البذور) في أجيال مختلفة.

صحيحٌ أن الكاتب لا يحظى بما يجب أن يحظى به من القدرِ الذي قد يحظى به سفيهٌ مشهور، أو تافهٌ مغرور، أو جاهل مسعور، وبعضُ ذلك القدرِ للأسف يأتي ممن يفترضُ أن يوجِّهوا اهتمامهم لقدوات المجتمع، والمصلحين فيه لا الذين يسفِّهون أخلاقه، ويضيِّعون أعرافه! لكن ما يأتي من تقدير المجتمع للكتابةِ الرصينة التي تلامسه هو أعظم حظوةً، وأكبرُ أمارةً على التقدير، وفوق ذلك الثوابُ من الله العليِّ القدير.

مجتمعاتنا بحاجة إلى الكلمة المُصلحة، التي تحفظ لها كيانها، وتعيد إليها توازنها، وترسمُ لها توجهاتها، وتصونُ لها كرامتها وحريتها وحقوقها. هذه الكلمة هي التي يجب أن تستمر حتى لو لم تنصت لها الآذان التي يفترضُ أن تنصت لها، فهي لا تلبثُ حتى تخطّ أثرًا، وتصنعُ هالةً في مستقبلِ الأيام.

استمروا أيها الكتّاب، واكتبوا ليل نهار، فنحن لن ننهض بالسفاهةِ والتفاهة، وإنما بالإِصلاحِ الدائم، والوعي المستمر؛ فالكتابة هي السلاح الأقوى للتغيير وإن احتاج أمرُ التغيير إلى وقتٍ مديد، وجهدٍ جهيد.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أسرار من كواليس الفن.. الكاتب الصحفي عادل حمودة يتحدث عن أسرار حياة أحمد ذكي

في لقاء مميز على برنامج "معكم" الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي على قناة "ON"، استضافت الشاذلي الكاتب الصحفي عادل حمودة، حيث وجهت له تحية خاصة على اختياره مشاركة أسرار كتابه الجديد "في صحة أحمد زكي" عبر برنامجها قبل إصداره. هذا الكتاب الذي يتناول حياة الفنان الراحل أحمد زكي، يعد بمثابة نافذة جديدة تسلط الضوء على تفاصيل لم تكن معروفة من قبل عن حياته الشخصية والفنية.

و من خلال هذا الكتاب، يكشف عادل حمودة عن جوانب خفية من حياة زكي، بما في ذلك تأثير أدواره العميقة على حالته الصحية، وكيف كان يتعامل مع الضغوط النفسية الناتجة عن تجسيده للشخصيات المختلفة.

الكتاب يقدم أيضًا نظرة عميقة على مسيرة أحمد زكي الفنية، بدءًا من بداياته المتواضعة وصولًا إلى تحقيقه للنجومية، وكيف كان يتفانى في عمله لدرجة دفعه لإعادة المشاهد ودفع تكاليف المواد الخام من أجره الخاص لضمان تقديم أفضل أداء ممكن.

تأثير الأدوار على الصحة الجسدية


كشف حمودة أن تأثير الأدوار لم يكن نفسيًا فقط على أحمد زكي، بل جسديًا أيضًا. ففي فيلم "زوجة رجل مهم"، أصيب زكي بالتهاب في القولون نتيجة تجسيده الشديد للشخصية. هذا الاندماج العميق في الأدوار كان له تأثيرات سلبية على صحته، مما اضطره للذهاب إلى طبيب نفسي بعد كل فيلم يمثله.

 تجسيد الشخصيات التاريخية


وقال حمودة أن أحمد زكي لم يتوقف عند تجسيد الشخصيات العادية، بل امتد ليجسد شخصيات تاريخية هامة مثل الزعيم جمال عبد الناصر. اندمج زكي في هذه الأدوار لدرجة المرض، وكان لديه استعداد لإعادة المشاهد ودفع تكاليف المواد الخام من أجره الخاص لضمان تقديم أفضل أداء ممكن.

التفاني في العمل


وتابع حمودة أن أحمد زكي كان معروفًا بتفانيه الشديد في العمل، حيث كان يعيد المشاهد ويدفع من أجره الخاص لضمان تقديم أفضل أداء. وهذا التفاني والاندماج العميق في الأدوار جعله واحدًا من أبرز نجوم السينما المصرية، ولكنه أيضًا أثر على صحته النفسية والجسدية.

 التنمر والترشيحات الفنية


وتناول حمودة موضوع التنمر الذي تعرض له أحمد زكي في بداياته الفنية، وكيف تعامل مع الانتقادات القاسية التي واجهها نتيجة لملامحه السمراء التي لم تكن تتماشى مع صورة النجوم التقليديين في السينما المصرية. ورغم ذلك، تمكن زكي من تجاوز هذه العقبات ليصبح واحدًا من أعظم نجوم السينما المصرية.

جانب إنساني: قصة التبرع بالكلى


كشف حمودة عن قصة مؤثرة لرجل من صعيد مصر أراد التبرع بكليته لأحمد زكي. الرجل، الذي جاء لمقابلة الطبيب المعالج ليعرض تبرعه، وأصر على تقديم هذه التضحية رغم أن زكي لم يكن يعاني من مشكلات في الكلى. 

أحمد زكي والجانب الخفي من حياته


وأوضح حمودة أن أحمد زكي لم يكن مجرد فنان موهوب على الشاشة، بل كان شخصية معقدة تحمل الكثير من التناقضات. ورغم شهرته الكبيرة، عانى زكي من الوحدة والكثير من الضغوط النفسية، خاصة بعد نجاحاته الكبيرة، حيث كانت هذه النجاحات تضعه تحت مجهر النقد الدائم. ومع ذلك، كان زكي دائمًا يسعى لتقديم الأفضل لجمهوره.

تأثير أحمد زكي على الفن العربي


اختتم حمودة حديثه بتسليط الضوء على الإرث الفني الذي تركه أحمد زكي، مشيرًا إلى أن تأثيره على السينما العربية سيظل خالدًا. تمكن زكي من دمج العاطفة الحقيقية مع الأداء الفني الراقي، وأصبح رمزًا للإبداع والتميز في مجال التمثيل. ورغم الصعوبات الصحية والنفسية التي واجهها، أصر على أن يكون دائمًا في أفضل حالاته أمام الكاميرا، مما جعله أسطورة في عالم الفن العربي.

هذا اللقاء مع عادل حمودة يُعتبر شهادة حية على عبقرية أحمد زكي ومسيرته الفنية، ويكشف جوانب جديدة ومثيرة من حياته التي كانت دائمًا محط أنظار الجمهور، مما يجعل هذا الكتاب إضافة هامة لمحبي الفن والسينما.

الحلقة كاملة

مقالات مشابهة

  • أسرار من كواليس الفن.. الكاتب الصحفي عادل حمودة يتحدث عن أسرار حياة أحمد ذكي
  • في حوار من القلب.... الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الأمم اللاحمة
  • الشهري: ديالو يحتاج أحد يقرأ عليه .. فيديو
  • أوبن إيه آي تطلق ميزة كانفس للتعزيز استخدام تشات جي بي تي في الكتابة والبرمجة
  • لطفي لبيب يتحدث عن تجربته مع الكتابة في «الوطن»: الصحافة مهنة شاقة
  • سماح أبو بكر: فترة طفولتي أثرت فيا وشجعتني على الكتابة للوصول إلى الطفل
  • سماح أبو بكر: الكاتب الناضج هو من يكتب للطفل.. وأصدرت عدة كتب للأطفال
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. حتى في غيابك!
  • ماذا قال ‘‘خامنئي’’ لـ‘‘حسن نصرالله’’ قبل اغتياله ولم يسمع نصيحته!!