غاز المتوسط يجمع الفرقاء ويغير الجغرافيا السياسية والاقتصادية.. وهذه توقعات المستقبل
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
في الشهر الماضي، كانت هناك موجة من النشاط الدبلوماسي بين دول لا تتفق عادة: قبرص، ومصر، وإسرائيل، ولبنان، وتركيا.
فقد التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نيويورك برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرة الأولى في 19 سبتمبر/أيلول الجاري.
بالإضافة إلى ذلك، التقى نتنياهو مع رئيس قبرص ورئيس وزراء اليونان في نيقوسيا في 3 سبتمبر، وطار رئيس مجلس النواب نبيه بري بمروحية على بعد أميال من البحر في 22 أغسطس/آب الماضي.
وأعلنت شركة الطاقة الإيطالية العملاقة "إيني" عن خطط لاستثمار ما يقرب من 8 مليارات دولار في مصر.
يطرح تحليل نشره موقع "أوراسيا ريفيو" سؤالا مهما من رحم تلك التحركات النشطة، وهو: ما الذي ساعد على التقريب بين بعض هذه البلدان؟، ويجيب فورا: ببساطة، الغاز الطبيعي.
اقرأ أيضاً
كيف يمكن أن تعزز دول شرق المتوسط أمن الطاقة في أوروبا؟
تحول في الجغرافيا السياسيةويقول التحليل إن الاكتشاف المصادف لرواسب الغاز الطبيعي ذات الجدوى الاقتصادية في المناطق الاقتصادية الخالصة لإسرائيل ومصر وقبرص على مدى العقد ونصف العقد الماضيين إلى إحداث تحول في الاقتصاد السياسي والجغرافيا السياسية لشرق البحر الأبيض المتوسط.
فقد تحولت إسرائيل من دولة مستوردة صافية للوقود الأحفوري إلى مصدرة للغاز، وبات إنتاجها يكفي 75% من الاستهلاك المحلي، على الأقل، وتصدر كميات كبيرة من الغاز إلى مصر والأردن، وتناقش سبلا متعددة للتصدير إلى أوروبا وتركيا.
مصر أيضا تنتج الغاز لتلبية معظم احتياجاتها المحلية وللتصدير، لكن نمو الاستهلاك المحلي بشدة تسبب بأزمة انقطاعات كهرباء بالبلاد في العام الحالي، ولجأت القاهرة إلى تل أبيب التي ضاعفت من غازها المصدر إلى مصر لتجنيبها أزمة كبيرة.
اقرأ أيضاً
مركز الغاز.. مفتاح التعاون لإطلاق إمكانات ثروة شرق المتوسط
أوروبا تدخل على الخطومؤخرا، دخل الاتحاد الأوروبي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا لإحلال الغاز الروسي عبر الأنابيب في مزيج الطاقة لديه وتنويع مصادره من الغاز والنفط على مدى العقود المقبلة.
ويوفر البحر المتوسط مصدرا للغاز يمكن الوصول إليه بسهولة بالنسبة لأوروبا.
ويقول التحليل: لقد أصبح الغاز قوة رئيسية للتعاون بين الدول، فضلا عن المنافسة، في المنطقة دون الإقليمية. ولا تزال هذه الديناميكيات تتكشف، مع ظهور العديد من التطورات الدبلوماسية والاقتصادية الهامة التي أثرت على الدول الساحلية في الأشهر والأسابيع القليلة الماضية.
على سبيل المثال، عززت الجغرافيا الاقتصادية للغاز التحالف الجيوسياسي الناشئ بالفعل بين اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر ودول الخليج. كما أنها مكنت من إجراء المفاوضات والاتفاقات بين الأطراف المتحاربة ظاهرياً في لبنان وغزة.
خطوط الأنابيبلكن فورة الغاز في المتوسط تصطدم بمشكلات فنية واقتصادية تتعلق بتأسيس بنية تحتية قوية من خطوط الأنابيب لنقل الغاز من الدول المصدرة، مثل إسرائيل ومصر إلى أوروبا، مثل خط أنابيب "إيست ميد"، الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة، والذي يربط حقول الغاز الإسرائيلية بقبرص ثم باليونان وإيطاليا، قد مات في الماء، حيث سيكون لبنائه تحديات أمنية وفنية كبيرة، لأنه سيكون أطول وأعمق خط أنابيب في العالم. وقد لا يكون المشروع مجديًا اقتصاديًا، بتكلفة تقدر بأكثر من 6 مليارات يورو، إذا عادت أسعار الغاز إلى مستويات ما قبل عام 2021.
أيضا يسعى صناع السياسات إلى تجنب الانغلاق على المشاريع الكبرى مثل خطوط الأنابيب التي لكي تكون قابلة للاستمرار، تحتاج إلى امتلاك عقود توريد طويلة الأجل.
اقرأ أيضاً
التنقيب في شرق المتوسط.. خلية نشاط لها ما بعدها
الغاز المساليعتبر الغاز الطبيعي المسال أكثر مرونة، حيث يمكن تصديره إلى أي مكان عن طريق السفن ولا يرتبط بخطوط الأنابيب.
ومع ذلك، فهي تتطلب مصانع تسييل على جانب المصدر، ومحطات إعادة تحويل إلى غاز على جانب المستورد.
ومحطات التسييل الوحيدة العاملة في شرق البحر الأبيض المتوسط هي تلك الموجودة في إدكو ودمياط، على الساحل المصري، ويبلغ الحد الأقصى لإنتاجها حوالي 17 مليار متر مكعب سنويًا (بلغت صادرات الغاز الطبيعي المسال من مصر 10 مليارات متر مكعب في عام 2022).
وترغب الشركات العاملة في المياه الإسرائيلية والقبرصية في الحصول على قناة لتصدير الغاز الطبيعي المسال لا تعتمد على مصر، لعدة أسباب، مثل القلق بشأن تحويل مصر الغاز لتلبية الاحتياجات المحلية؛ وخيار التصدير مباشرة إلى المستهلكين الأوروبيين وغيرهم من المستهلكين دون المرور عبر الكيانات الاحتكارية المدعومة من الدولة المصرية.
وتواجه الشركات أيضًا مشكلات كبيرة فيما يتعلق بسداد الديون والمستحقات في الوقت المناسب من جانب مصر.
لذلك، تدرس شركة "شيفرون" وشركاؤها، أصحاب التراخيص والمشغلون في حقل ليفياثان، أكبر حقل إسرائيلي، إمكانية إنشاء مصنع عائم لتسييل الغاز الطبيعي (FLNG) فوقه.
ومثل هذا المصنع، الذي يتمتع بقدرة على التسييل والتصدير يتراوح بين 3 إلى 6 مليار متر مكعب سنويًا، يمكن أن يخدم أيضًا حقل "أفروديت" التابع للشركاء على الحدود البحرية لقبرص مع إسرائيل.
هناك أيضًا فكرة بديلة، تتمثل في بناء منشأة تسييل برية في قبرص، أو محطة للغاز الطبيعي قبالة قبرص، مرتبطة بالحقول الإسرائيلية.
اقرأ أيضاً
لبنان.. التنقيب عن النفط والغاز على ساحل المتوسط في سبتمبر
دخول شركات خليجيةوكدليل آخر على الأهمية الإقليمية الأكبر لغاز شرق البحر الأبيض المتوسط، يقوم اللاعبون الرئيسيون في الخليج باختراق السوق.
وتشارك العديد من الشركات الخليجية في سوق الغاز والنفط المصري. وتجري شركة النفط الوطنية في أبوظبي، "أدنوك"، وشركة "بريتيش بتروليوم" مفاوضات منذ مارس/آذار لشراء 50% من شركة الغاز "نيوميد" الإسرائيلية، التي تمتلك 45% من حقل غاز ليفياثان و30% من "أفروديت".
وتمتلك "مبادلة أبوظبي" 11% في تمار الإسرائيلية.
وتمتلك شركة "قطر للطاقة" 30% من امتياز قانا الذي يتم استكشافه في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية.
اقرأ أيضاً
وزير الطاقة الإسرائيلي يبحث في مصر زيادة إمدادات الغاز بشرق المتوسط (صور)
أفول الوقود الأحفوري ويرى التحليل أن شرق البحر المتوسط جاء متأخرا إلى الاقتصاد الريعي للوقود الأحفوري، فالرأي العام والنخبة فيما يتعلق بالحاجة إلى إزالة الكربون، فضلاً عن ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وصدمات العرض المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية وتخفيضات إنتاج أوبك +، تدفع معظم الاقتصادات المتقدمة إلى الاستثمار بشكل أكبر في مصادر الطاقة المتجددة والحديث عنها.وقد أثر ذلك على رغبة المستثمرين الدوليين في الدخول في مشاريع كبرى جديدة في مجال الوقود الأحفوري، مثل خطوط الأنابيب، كما أثر على حقيقة أن خطوط الأنابيب تجعل البلدان في حالة اعتماد طويل الأجل على موردين محددين.
وبالتالي فإن المنتجين الجدد يخاطرون بامتلاك أصول عالقة، أي بقاء الغاز في الأرض عندما ينقطع الطلب.
ولذلك فإن دول شرق البحر الأبيض المتوسط مهتمة جدًا بإيصال غازها إلى الأسواق في أسرع وقت ممكن، وقد تعزز هذا الاتجاه فقط من خلال القفزة في أسعار الغاز على مدى العامين الماضيين.
المصدر | أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غاز المتوسط البحر المتوسط شرق المتوسط العلاقات التركية الإسرائيلية الغاز الطبیعی خطوط الأنابیب شرق المتوسط اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية تقترب من تحقيق مكاسب أسبوعية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تقترب أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية من تحقيق مكاسب أسبوعية حيث تكافح السوق مع استنفاد المخزونات وتشديد الإمدادات بعد فقدان التدفقات الروسية عبر أوكرانيا.
وتم تداول العقود الآجلة القياسية بالقرب من 50 يورو للميجاواط/ ساعة اليوم الجمعة؛ حيث ان العقود في طريقها لإنهاء الأسبوع أعلى بنحو 5٪. وسيكون هذا هو المكسب الأسبوعي الثالث على التوالي، حتى مع أحجام التداول الضئيلة بسبب عطلة رأس السنة الجديدة.
وتحوم أسعار الغاز الأوروبية بالقرب من أعلى مستوى لها في 14 شهرًا، بعد أكثر من عامين من مرور المنطقة بأزمة طاقة.
وجاء وقف تسليم الغاز الروسي في جميع أنحاء أوكرانيا في يوم رأس السنة الجديدة مع استنفاد مرافق التخزين بأسرع معدل منذ ما قبل الأزمة.
كما يتحول الطقس إلى أكثر برودة؛ مما قد يؤدي إلى مزيد من السحب من مخزونات المرافق الشاسعة تحت الأرض وهي ممتلئة الآن بنحو 72 % مقارنة بـ 86٪ في نفس الوقت من العام الماضي.
وفي حين أن هناك خطرًا ضئيلًا من حدوث نقص فوري في أوروبا، فإن صورة العرض الضيقة هذا الشتاء من المقرر أن تجعل التخزين أكثر صعوبة قبل موسم التدفئة المقبل. وقالت فلورنس شميت، استراتيجي الطاقة الأوروبي في رابوبنك ان ارتفاع الطلب على الغاز الذي سيتم تخزينه سيبقي الأسواق مرتفعة في الأشهر المقبلة.
وأضافت ان القارة تتعرض الآن بشكل متزايد لتقلبات السوق حيث أصبحت أكثر اعتمادًا على الغاز الطبيعي المسال العالمي؛ ليحل محل النقص الذي خلفته نهاية تدفقات الغاز الروسي عبر أوكرانيا.
وتتزامن تحركات الأسعار أيضًا مع انقطاع في مصنع Hammerfest LNG النرويجي، الذي أوقف العمليات حتى 9 يناير بسبب عطل في الضاغط.
وتقود أي اضطرابات في مصانع تصدير الغاز الطبيعي المسال العالمية الى زيادة تقلبات الأسعار.
من جانبه، قال جيمس واديل، رئيس الغاز الأوروبي والغاز الطبيعي المسال العالمي في Energy Aspects انه لا يزال توازن الغاز العالمي ضيقًا مع القليل من المرونة لاستيعاب أي آثار كبيرة لتشديد السوق لذلك من الممكن رؤية الأسعار ترتفع بشكل كبير في الأسابيع المقبلة.
من ناحيتها، ذكرت مجموعة "سيتي جروب" إنه على المدى الطويل، يجب أن تنخفض الأسعار في نهاية المطاف حيث يجب أن يأتي المزيد من العرض، بما في ذلك من روسيا عبر أوكرانيا، إلى السوق. وأضافت "ندرك عدم القدرة على التنبؤ بنتيجة المفاوضات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة والجغرافيا السياسية والعلاقة بين روسيا وأوكرانيا، لكن الحوافز الاقتصادية تشير إلى استئناف العرض في نهاية المطاف".