في الشهر الماضي، كانت هناك موجة من النشاط الدبلوماسي بين دول لا تتفق عادة: قبرص، ومصر، وإسرائيل، ولبنان، وتركيا.

فقد التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نيويورك برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرة الأولى في 19 سبتمبر/أيلول الجاري.

بالإضافة إلى ذلك، التقى نتنياهو مع رئيس قبرص ورئيس وزراء اليونان في نيقوسيا في 3 سبتمبر، وطار رئيس مجلس النواب نبيه بري بمروحية على بعد أميال من البحر في 22 أغسطس/آب الماضي.

وأعلنت شركة الطاقة الإيطالية العملاقة "إيني" عن خطط لاستثمار ما يقرب من 8 مليارات دولار في مصر.

يطرح تحليل نشره موقع "أوراسيا ريفيو" سؤالا مهما من رحم تلك التحركات النشطة، وهو: ما الذي ساعد على التقريب بين بعض هذه البلدان؟، ويجيب فورا: ببساطة، الغاز الطبيعي.

اقرأ أيضاً

كيف يمكن أن تعزز دول شرق المتوسط أمن الطاقة في أوروبا؟

تحول في الجغرافيا السياسية

ويقول التحليل إن الاكتشاف المصادف لرواسب الغاز الطبيعي ذات الجدوى الاقتصادية في المناطق الاقتصادية الخالصة لإسرائيل ومصر وقبرص على مدى العقد ونصف العقد الماضيين إلى إحداث تحول في الاقتصاد السياسي والجغرافيا السياسية لشرق البحر الأبيض المتوسط.

فقد تحولت إسرائيل من دولة مستوردة صافية للوقود الأحفوري إلى مصدرة للغاز، وبات إنتاجها يكفي 75% من الاستهلاك المحلي، على الأقل، وتصدر كميات كبيرة من الغاز إلى مصر والأردن، وتناقش سبلا متعددة للتصدير إلى أوروبا وتركيا.

مصر أيضا تنتج الغاز لتلبية معظم احتياجاتها المحلية وللتصدير، لكن نمو الاستهلاك المحلي بشدة تسبب بأزمة انقطاعات كهرباء بالبلاد في العام الحالي، ولجأت القاهرة إلى تل أبيب التي ضاعفت من غازها المصدر إلى مصر لتجنيبها أزمة كبيرة.

اقرأ أيضاً

مركز الغاز.. مفتاح التعاون لإطلاق إمكانات ثروة شرق المتوسط

أوروبا تدخل على الخط

ومؤخرا، دخل الاتحاد الأوروبي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا لإحلال الغاز الروسي عبر الأنابيب في مزيج الطاقة لديه وتنويع مصادره من الغاز والنفط على مدى العقود المقبلة.

ويوفر البحر المتوسط مصدرا للغاز يمكن الوصول إليه بسهولة بالنسبة لأوروبا.

ويقول التحليل: لقد أصبح الغاز قوة رئيسية للتعاون بين الدول، فضلا عن المنافسة، في المنطقة دون الإقليمية. ولا تزال هذه الديناميكيات تتكشف، مع ظهور العديد من التطورات الدبلوماسية والاقتصادية الهامة التي أثرت على الدول الساحلية في الأشهر والأسابيع القليلة الماضية.

على سبيل المثال، عززت الجغرافيا الاقتصادية للغاز التحالف الجيوسياسي الناشئ بالفعل بين اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر ودول الخليج. كما أنها مكنت من إجراء المفاوضات والاتفاقات بين الأطراف المتحاربة ظاهرياً في لبنان وغزة.

خطوط الأنابيب

لكن فورة الغاز في المتوسط تصطدم بمشكلات فنية واقتصادية تتعلق بتأسيس بنية تحتية قوية من خطوط الأنابيب لنقل الغاز من الدول المصدرة، مثل إسرائيل ومصر إلى أوروبا، مثل خط أنابيب "إيست ميد"، الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة، والذي يربط حقول الغاز الإسرائيلية بقبرص ثم باليونان وإيطاليا، قد مات في الماء، حيث سيكون لبنائه تحديات أمنية وفنية كبيرة، لأنه سيكون أطول وأعمق خط أنابيب في العالم. وقد لا يكون المشروع مجديًا اقتصاديًا، بتكلفة تقدر بأكثر من 6 مليارات يورو، إذا عادت أسعار الغاز إلى مستويات ما قبل عام 2021.

أيضا يسعى صناع السياسات إلى تجنب الانغلاق على المشاريع الكبرى مثل خطوط الأنابيب التي لكي تكون قابلة للاستمرار، تحتاج إلى امتلاك عقود توريد طويلة الأجل.

اقرأ أيضاً

التنقيب في شرق المتوسط.. خلية نشاط لها ما بعدها

الغاز المسال

يعتبر الغاز الطبيعي المسال أكثر مرونة، حيث يمكن تصديره إلى أي مكان عن طريق السفن ولا يرتبط بخطوط الأنابيب.

ومع ذلك، فهي تتطلب مصانع تسييل على جانب المصدر، ومحطات إعادة تحويل إلى غاز على جانب المستورد.

ومحطات التسييل الوحيدة العاملة في شرق البحر الأبيض المتوسط هي تلك الموجودة في إدكو ودمياط، على الساحل المصري، ويبلغ الحد الأقصى لإنتاجها حوالي 17 مليار متر مكعب سنويًا (بلغت صادرات الغاز الطبيعي المسال من مصر 10 مليارات متر مكعب في عام 2022).

وترغب الشركات العاملة في المياه الإسرائيلية والقبرصية في الحصول على قناة لتصدير الغاز الطبيعي المسال لا تعتمد على مصر، لعدة أسباب، مثل القلق بشأن تحويل مصر الغاز لتلبية الاحتياجات المحلية؛ وخيار التصدير مباشرة إلى المستهلكين الأوروبيين وغيرهم من المستهلكين دون المرور عبر الكيانات الاحتكارية المدعومة من الدولة المصرية.

وتواجه الشركات أيضًا مشكلات كبيرة فيما يتعلق بسداد الديون والمستحقات في الوقت المناسب من جانب مصر.

لذلك، تدرس شركة "شيفرون" وشركاؤها، أصحاب التراخيص والمشغلون في حقل ليفياثان، أكبر حقل إسرائيلي، إمكانية إنشاء مصنع عائم لتسييل الغاز الطبيعي (FLNG) فوقه.

ومثل هذا المصنع، الذي يتمتع بقدرة على التسييل والتصدير يتراوح بين 3 إلى 6 مليار متر مكعب سنويًا، يمكن أن يخدم أيضًا حقل "أفروديت" التابع للشركاء على الحدود البحرية لقبرص مع إسرائيل.

هناك أيضًا فكرة بديلة، تتمثل في بناء منشأة تسييل برية في قبرص، أو محطة للغاز الطبيعي قبالة قبرص، مرتبطة بالحقول الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً

لبنان.. التنقيب عن النفط والغاز على ساحل المتوسط في سبتمبر

دخول شركات خليجية

وكدليل آخر على الأهمية الإقليمية الأكبر لغاز شرق البحر الأبيض المتوسط، يقوم اللاعبون الرئيسيون في الخليج باختراق السوق.

وتشارك العديد من الشركات الخليجية في سوق الغاز والنفط المصري. وتجري شركة النفط الوطنية في أبوظبي، "أدنوك"، وشركة "بريتيش بتروليوم" مفاوضات منذ مارس/آذار لشراء 50% من شركة الغاز "نيوميد" الإسرائيلية، التي تمتلك 45% من حقل غاز ليفياثان و30% من "أفروديت".

وتمتلك "مبادلة أبوظبي" 11% في تمار الإسرائيلية.

وتمتلك شركة "قطر للطاقة" 30% من امتياز قانا الذي يتم استكشافه في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية.

اقرأ أيضاً

وزير الطاقة الإسرائيلي يبحث في مصر زيادة إمدادات الغاز بشرق المتوسط (صور)

أفول الوقود الأحفوري ويرى التحليل أن شرق البحر المتوسط جاء متأخرا إلى الاقتصاد الريعي للوقود الأحفوري، فالرأي العام والنخبة فيما يتعلق بالحاجة إلى إزالة الكربون، فضلاً عن ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وصدمات العرض المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية وتخفيضات إنتاج أوبك +، تدفع معظم الاقتصادات المتقدمة إلى الاستثمار بشكل أكبر في مصادر الطاقة المتجددة والحديث عنها.

وقد أثر ذلك على رغبة المستثمرين الدوليين في الدخول في مشاريع كبرى جديدة في مجال الوقود الأحفوري، مثل خطوط الأنابيب، كما أثر على حقيقة أن خطوط الأنابيب تجعل البلدان في حالة اعتماد طويل الأجل على موردين محددين.

وبالتالي فإن المنتجين الجدد يخاطرون بامتلاك أصول عالقة، أي بقاء الغاز في الأرض عندما ينقطع الطلب.

ولذلك فإن دول شرق البحر الأبيض المتوسط مهتمة جدًا بإيصال غازها إلى الأسواق في أسرع وقت ممكن، وقد تعزز هذا الاتجاه فقط من خلال القفزة في أسعار الغاز على مدى العامين الماضيين.

المصدر | أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غاز المتوسط البحر المتوسط شرق المتوسط العلاقات التركية الإسرائيلية الغاز الطبیعی خطوط الأنابیب شرق المتوسط اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

إنفوجرافيك.. مصر تعزز من خدمات توصيل الغاز الطبيعي للمواطنين

تحرص الدولة المصرية على التوسع في الاستثمارات المتعلقة بقطاع الطاقة، وتبني أفضل الممارسات العالمية لضمان استدامة الموارد وتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية من مصادر الطاقة المتعددة، حيث تتسارع الجهود بشكل خاص لزيادة إنتاج مصر من الغاز من خلال تنمية الحقول القائمة وحفر آبار جديدة ورفع كفاءة البنية التحتية، بما يضمن تقديم التسهيلات اللازمة والمتعلقة بتوصيل الغاز الطبيعي إلى منازل المواطنين، وبذل كافة الجهود الممكنة لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهلهم وتلبية احتياجاتهم والاستجابة لمطالبهم.

في هذا الصدد، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، تقريرًا تضمن إنفوجرافيك يسلط الضوء على تعزيز مصر خدمات توصيل الغاز الطبيعي للمواطنين، بعد تلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة.

مصر تعزز من خدمات توصيل الغاز الطبيعي للمواطنين

وأشار التقرير إلى عودة نظام تقسيط تكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل مع فاتورة الاستهلاك الشهري على 7 سنوات، وذلك استجابة لشكاوى المواطنين ولتخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهلهم.

واستعرض التقرير مؤشرات إنتاج وتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل، موضحًا أن نسبة زيادة عدد الوحدات السكنية التى تم توصيل الغاز الطبيعي لها وصلت إلى 163.2%، حيث بلغت 15 مليون وحدة سكنية في سبتمبر 2024، مقابل 5.7 مليون وحدة سكنية عام 2014.

ويأتي هذا في حين، أظهر التقرير أن نسبة زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بلغت 13%، حيث وصل الإنتاج إلى 59 مليار م3 عام 2023/ 2024، مقابل 52.2 مليار م3 عام 2013/2014.

كما تطرق التقرير إلى أعمال تطوير حقل ظهر، موضحًا أن حجم الاستثمارات في أنشطة الحقل بلغ أكثر من 677 مليون دولار عام 2023/2024، بينما جاري الإعداد لحفر بئرين جديدين في الربع الأول من عام 2025.

فيما أكدت شركة إيني، أن حقل ظهر يمثل أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وقد تم اكتشافه وتشغيله في وقت قياسي، ليؤكد دور مصر الاستراتيجي في صناعة الطاقة العالمية.

اقرأ أيضاًالرئيس السيسي يستقبل رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي والوفد المرافق له

وزير الإسكان ومحافظ مطروح يتفقدان تنفيذ أعمال الطرق والمرافق بمنطقة شمس الحكمة

كلية الطب بالقوات المسلحة تنظم المؤتمر الطبي الأول بعنوان «فن الطب المتكامل»

مقالات مشابهة

  • مساحتها 2.5 مليون دونم وهذه تفاصيلها.. انطلاق الاعمال بمدينة سكنية "كبيرة" في بغداد
  • توقعات «الأرصاد» لطقس نهاية الأسبوع: انحسار الأمطار مع استمرار انخفاض الحرارة
  • خبير طاقة: مصر تضخ الحياة في قطاع الغاز الطبيعي
  • الغاز الطبيعي الأميركي يقترب من أعلى مستوياته في عام
  • الشتاء قادم في أوروبا.. وتقلب أسعار الطاقة آت أيضا
  • مباحثات ليبية فرنسية حول سير العملية السياسية والاقتصادية في ليبيا
  • عاجل| وزير البترول: أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مبشرة للغاية
  • إنفوجرافيك.. مصر تعزز من خدمات توصيل الغاز الطبيعي للمواطنين
  • إنفوجراف.. مصر تعزز من خدمات توصيل الغاز الطبيعي للمواطنين
  • مصر تعزز من خدمات توصيل الغاز الطبيعي للمواطنين