سابعًا «بيع الأصول الحكوميَّة في المنشآت القائمة إلى القِطاع الخاص».
من الطبيعي أن تتولَّى الحكومات في بدايات نهضة دوَلِها وتأسيس بنيتها التحتيَّة ووضع اللبنات الأولى لنشاطات اقتصادها الحديث، البناء والإشراف وإدارة وتشغيل القِطاعات الخدميَّة والاقتصاديَّة والتنمويَّة بما فيها حتَّى، قِطاعات الفندقة والاتِّصالات والمياه والكهرباء… إلى آخر القائمة، فالبُلدان إبَّان انطلاق نهضتها لا تزال غير مهيَّأة لا تشريعًا ولا عملًا مؤسَّسيًّا، ولا قِطاعًا خاصًّا قادرًا على تَولِّي إدارة هذه المنشآت، كما أنَّ المُجتمع لَنْ يكُونَ أيضًا مستعدًّا على تحمُّل تكلفة وأعباء ونفقات خدمات غير مدعومة من قِبل الحكومة، ولكن بعد سنوات وعقود من العمل والبناء واكتمال قواعد وأساسات النهضة في عصرها الحديث، ووجود اقتصاد قوي وقِطاع خاصٍّ قادر على الاعتماد على نَفْسه دُونَ دعمٍ مباشر وسخيٍّ من قِبل الدَّولة، واستحداث مؤسَّسات تشريعيَّة ورقابيَّة قادرة كذلك على ممارسة دَوْرها في هذا الجانب، وكشف التلاعبات وأوْجُه الفساد وحماية المستهلك من الاستغلال والاستغفال، وبنية تشريعيَّة متكاملة تتواكب مع التقدُّم الذي تحقَّق، حينها تبدأ الحكومات في التخطيط الجدِّي ووضع السِّياسات والبرامج الخاصَّة بالبيع التدريجي لعددٍ من قِطاعاتها الحكوميَّة الخدميَّة إلى القِطاع الخاصِّ بغية خفض النفقات العامَّة وتجويد الخدمات، وذلك وفق أُسُس واشتراطات مُحْكمة تعتمد على:
• الرقابة الصَّارمة والإشراف المُتَّسم بالدقَّة والفاعليَّة من قِبل الحكومة والمؤسَّسات الرقابيَّة والمساءلة في متابعة عمليَّات وإجراءات الخصخصة، والانتقال التدريجي للقِطاعات المخصَّصة من الإدارة الحكوميَّة إلى القِطاع الخاصِّ التي يشملها التخصيص لحماية الحقوق العامَّة، وتحقيق مصالح جميع الأطراف وكشف أيِّ شُبَه فساد أو استغلال لقرارات التخصيص تَعُودُ بالمنافع لفئة ما، وضمان جودة الخدمة وبيعها للمواطنين بأسعار مقبولة.
• توفر بنية تشريعيَّة وقانونيَّة قويَّة تضبط عمليَّات بيع الأصول الحكوميَّة إلى القِطاع الخاصِّ، قادرة على تحقيق العدالة وحماية المال العامِّ وحقوق المستهلك، وإنزال العقوبات على أيَّة مخالفات وتجاوزات للقانون.
• ضمان نقل المعرفة والتكنولوجيا المتطوِّرة مصاحبة لانتقال القِطاعات التي شملها التخصيص إلى إدارات أكثر خبرة ودراية وقدرة وتخصصًا في إدارتها والعمل على تطويرها، والاستفادة من الخبرات العالَميَّة والتقدُّم العالَمي والتقنيَّات الحديثة في تجويد الخدمة وخفض الإنفاق؛ لكَيْ تبقى الأسعار في حدود قدرات المواطن.
• مراجعة الإنفاق الحكومي المخصَّص للقِطاعات التي تمَّت إحالتها إلى القِطاع الخاصِّ، وخفضه بشكلٍ تدريجيٍّ إلى أن تتمكَّنَ الشركات الحاضنة من الاعتماد على نَفْسِها وعلى الأرباح التي بدأت في جنيها، وذلك وفقًا لفترة زمنيَّة مُحدَّدة تخدم مصالح الحكومة والشركات على السَّواء، والتخلُّص من بعض الشركات التي تُحقِّق خسائر سنويَّة وتُكبِّد الحكومة أموالًا كثيرة، أو أنَّ الخزينة العامَّة للدَّولة تنفق عَلَيْها مبلغًا يقارب ما تتحصَّله مِنْها.
• رفع كفاءة القِطاعات التي شملتها سياسات التخصيص، وتجويد أعمالها وتحسين خدماتها، وتطوير وضبط الشَّأنَيْنِ الإداري والمالي والتدقيق عَلَيْهما بما في ذلك الفصل بَيْنَ مهام وضع السِّياسات الاستثماريَّة والمتابعة والتقييم من جهة، ومهام الإدارة والتنفيذ من جهة أخرى، بما يَقُودُ إلى زيادة الربحيَّة مقارنة بالقِطاع الحكومي ومعالجة البذخ وتبذير المال العامِّ.
وتنظر المُجتمعات بشيء من القلق والتوجُّس إلى سياسات وقرارات الحكومات بيع «الأصول الحكوميَّة في المنشآت القائمة إلى القِطاع الخاصِّ»، وذلك لأسباب موضوعيَّة تتمثل في:
• الخوف من أن تؤدِّيَ خصخصة عددٍ من الأصول الحكوميَّة والتي ـ تُشكِّل جزءًا أساسيًّا من الموارد الوطنيَّة والمال العامِّ ـ تحت ضغط القروض وزيادة الإنفاق وتراجع الموارد إلى التفريط فيها بأسعار منخفضة لا تتناسب مع قِيمتها السُّوقيَّة.
• القلق من أن تَقُودَ الخصخصة إلى ارتفاع تكلفة الخدمات على المواطن، ورفع الدَّعم عَنْها وتراجع الجودة على عكس ما هو مؤمل، ومنع حدوث ذلك، مرهون بالرقابة والتشريع.
تُعرف الخصخصة على أنَّها «مجموعة متكاملة من السِّياسات والإجراءات، التي تكفل نقْلَ ملكيَّة وإدارة المشاريع العامَّة أو المشتركة إلى القِطاع الخاصِّ، من أجْلِ تحقيق التنمية بالاعتماد على حُريَّة المنافسة، وتشجيع المبادرات الفرديَّة، وتعبئة موارد القِطاع الخاصِّ، وإصلاح الجهاز الإداري للدَّولة، وتبسيط الإجراءات الحكوميَّة». وقَدْ بدأت الجهات المعنيَّة في سلطنة عُمان بالتفكير في خصخصة عددٍ من القِطاعات والمشاريع الحكوميَّة قَبل أكثر من ثلاثة عقود تقريبًا، وكان مجلس الشورى حاضرًا بقوَّة، في متابعة وتناول هذا الملف المُهمِّ، وقَدْ نبَّه مرارًا وتكرارًا إلى نُموِّ الإنفاق الحكومي الموَجَّه إلى قِطاعات تمَّ بَيْعُها إلى القِطاع الخاصِّ كقِطاع الكهرباء، على سبيل المثال، متسائلًا عن منافع الخصخصة إذا كانت تكلفة الدَّعم من الميزانيَّة العامَّة للدَّولة تسير في طريق النُّمو والارتفاع عكس الغاية المُحدَّدة؟ وفي دراسته «التخصيص، بيع الأصول الحكوميَّة في المنشآت القائمة إلى القِطاع الخاصِّ»، أكَّد المجلس على أهمِّية تحقيق أهداف التخصيص المتمثلة في «تحسين كفاءة استغلال الموارد الاقتصاديَّة، تنشيط الحركة الاقتصاديَّة والسُّوق المالي، إمكان تمويل مشروعات حكوميَّة جديدة من عائدات مبيعات الأصول الحكوميَّة، تعزيز الثقة المحلِّيَّة والعالَميَّة في المناخ الاستثماري في السَّلطنة، ورفع العبء المالي عن الدَّولة في حالة تخصيص المنشآت الخاسرة…». وقدَّم المجلس توصيات مهمَّة لمعالجة مثالب وأضرار الخصخصة التي أشار لها المقال في بداياته. فهل تحققت الأهداف أعلاه؟ وهل تمكنَّا من ضبط الإنفاق على القِطاعات المخصَّصة وتجويد خدماتها وتخفيض التكلفة على المواطن؟. عضو مجلس الشورى «توفيق اللواتي»، تناول بالتفصيل تجاوزات شركات الكهرباء والخلل المصاحب لأدائها، وأثار الكثير من التساؤلات والملاحظات المحذِّرة من الدَّعم المالي الحكومي المبالغ فيه لشركات الكهرباء، وارتفاع تكاليف التشغيل والإنتاج، وتناسل الشركات التي يتقاضى أعضاء إداراتها العُليا مكافآت ضخمة، وكبار الموظفين فيها رواتب وامتيازات خياليَّة، فيتمُّ «تحميل المواطن هذه الكلف»، وطالب بدمج وإلغاء عددٍ من شركات الكهرباء لتقليل كلفة الإنتاج، وتقليل الهدر ومكافحة الفساد، لافتًا النظر إلى أنَّ غايات تخصيص قِطاع الكهرباء «تجويد الخدمة التي تُقدِّمها الحكومة، وليس تحميل المواطن أعباء ماليَّة» جديدة، متسائلًا عمَّن هو «المستفيد من تسمين شركات الكهرباء؟» فلا يلام المواطن الذي ظلَّ سنوات يستغيث من الارتفاعات النامية لفواتير الكهرباء والمال، ولا تجاوب مع الأصوات العالية التي تضجُّ بها وسائل التواصل مدعومة بالأرقام والبيانات.
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
عصمت: إتاحة الكهرباء بجودة واستمرارية واستقرار ودعم وتطوير وتحديث شبكة نقل الكهرباء لاستيعاب القدرات المضافة من الطاقات المتجددة.
أكد الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة أن إتاحة الطاقة الكهربائية بجودة واستمرارية واستقرار من أهم الأهداف لخطة العمل خلال المرحلة الحالية، وأن استراتيجية العمل الخاصة بالتحول الطاقى والتوسع فى مشروعات الطاقة المتجددة وزيادة الاعتماد عليها والحفاظ على البيئة يجرى تنفيذها بالتوازي مع خطة شاملة لرفع كفاءة الشبكة الكهربائية وتحسين مستوى الأداء وخفض معدل إستهلاك الوقود، جاء ذلك خلال ترأس الدكتور عصمت للجمعية العامة العادية للشركة المصرية لنقل الكهرباء، بحضور الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، والتي انعقدت صباح اليوم بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية، لاعتماد تقرير مجلس الإدارة عن نشاط الشركة خلال العام المالى 2023/2024، والمصادقة على القوائم المالية والحسابات الختامية.
قال الدكتور محمود عصمت أن الوزارة تواصل العمل على تطوير الشبكة الكهربائية والتحول من شبكة نمطية إلى شبكة ذكية تكون قادرة على استيعاب القدرات التوليدية الكبيرة خاصة من الطاقات المتجددة، ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد مع ترشيد المكون الدولاري، مع الاهتمام بالمشروعات الاستراتيجية ومشروعات الإستصلاح الزراعى، مشيرًا إلى الجهود التى يبذلها قطاع الكهرباء لدعم شبكة النقل على الجهود المختلفة لتحسين كفاءة الشبكة وتقليل الفقد لتكون قادرة على نقل الطاقة الكهربائية المستدامة من كافة مصادر الإنتاج وفقًا للمعايير العالمية من خلال عمل مؤسسى يتبنى التشغيل الإقتصادى لمحطات الإنتاج وسياسات الجودة والإستخدام الأمثل للموارد والأصول والحفاظ على البيئة اعتمادًا على قدرات بشرية وتكنولوجية عالية الكفاءة وانجاز الأعمال بطريقة آمنة بما يحقق صالح المشتركين والعاملين ويحقق النفع العام.
من جانبها استعرضت المهندسة منى رزق رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لنقل الكهرباء تقريرًا أكدت فيه أن الشركة المصرية لنقل الكهرباء قامت خلال العام المالي 2023/2024 بتنفيذ ما كان مخططًا بنسبة كبيرة وبلغت الاستثمارات المنصرفة خلال العام حوالى 7،6 مليار جنيه، لإحلال وتجديد محطات وخطوط جهد عالى وفائق، واستكمال محطات وخطوط وكابلات جهد عالى وفائق وتوسع وإضافة جديدة لمحطات وخطوط وكابلات الجهد الفائق والعالى، وإنشاء وتطوير التحكمات الإقليمية، وكذلك تشجيع الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة وربطها بالشبكة، موضحةً أن اجمالى قدرات الطاقات المتجددة من رياح وشمسى ومائى التي تم تشغيلها أو تحت الإنشاء أو جارى إنهاء التعاقد عليها تبلغ مايقارب من ٢٢،٨ جيجاوات بالاضافة إلى مشرعات بطاريات التخزين للحفاظ على استقرار الشبكة القومية للكهرباء وذلك في إطار تنفيذ استراتيجية الطاقة للوصول بمساهمة الطاقات المتجددة إلى 42% من إجمالي الطاقات المولدة بحلول عام 2030،
أشارت المهندسة منى رزق إلى مشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار وحرص وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة على دعم وتطوير الشبكة الكهربائية الموحدة لجعل مصر مركزا إقليميا لتبادل الطاقة بين الدول ودعم مشروعات الربط الاقليمى القائمة مع (الأردن وليبيا والسودان) وكذلك مشروع الربط الجارى تنفيذه مع المملكة العربية السعودية، ومشروعات الربط الجارى دراستها بين (مصر /قبرص، ومصر / الأردن / هيئة الربط الخليجي، مصر / اليونان، مصر / إيطاليا)، مؤكدة التشغيل الإقتصادى للشبكة الكهربائية بمتابعة يومية من الوزارة ومن خلال قطاع التشغيل بالشركة المصرية لنقل الكهرباء والقطاعات المختلفة بالشركة القابضة والتنسيق مع قطاع البترول لإعداد أنماط تشغيل إقتصادية تحقق معايير الأمان بالشبكة الموحدة وخفض استهلاك الوقود، مشيرة إلى نجاح قطاعات التشغيل بالتحكم القومى في التعامل بمرونة شديدة مع الوقود المتاح لتشغيل المحطات للحفاظ على استقرار الشبكة الكهربائية مع الحفاظ على استقرار الشبكة القومية للغاز وبلغ إجمالي الطاقة المولدة خلال العام المالى 2023/2024 (229،1 ) جيجاوات ساعة بنسبة تطور مقدارها (6) %.
أكدت المهندسة منى رزق تنفيذ برامج الصيانة لمحطات محولات الجهد الفائق والعالى بنسبة 99%، ولكابلات الجهد الفائق والعالى بنسبة 100%، وللخطوط الهوائية للجهدين الفائق والعالى بنسبة 97% وشمل التشغيل الأمثل شبكات الجهد الفائق والعالى من خلال الإستغلال الأمثل لمحطات المحولات وخطوط نقل الكهرباء والكابلات بإعادة توزيع الحمال عليها والمحافظة على حدود تحميل المهمات بالشبكة القومية في الحدود المسموح بها وتحديث وتطوير النظم وأجهزة الوقاية بالشبكة القومية للوصول لأعلى مستوى من الحماية والإنتقائية والحساسية وتحسين الجهود ومعامل القدرة بالشبكة الموحدة وبلغ إجمالي المكثفات المركبة بسعة (7075،57) ميجافار، وإجمالي الممانعات بسعة (3690) ميجافار، وتم التشغيل التجريبى لمركز التحكم القومى الجديد بالعاصمة الإدارية وتحديث مركز تحكم القاهرة ومن المخطط أن يقوم المشروع بمراقبة أداء وتشغيل عدد (207) محطة محولات على مستوى القاهرة الكبرى وبلغت نسبة تنفيذ المشروع 87% وبلغت نسبة تنفيذ مشروع تحديث مركز تحكم القناة 100% لمراقبة أداء وتشغيل عدد (104) محطة محولات وإنشاء مركز تحكم الدلتا لمراقبة أداء وتشغيل عدد (107) محطة محولات في عدد 6 محافظات بمنطقة الدلتا، وتم الإنتهاء من تشغيل مركز تحكم بنبان للتحقق من جودة الطاقة المنتجة من المحطات طبقًا لكود ربط المحطات الشمسية بالشبكة، ومراقبة وتسجيل كميات الطاقة الكهربائية المنتجة والتنسيق مع المركز القومى للتحكم في الطاقة لتشغيل محطات الطاقة الشمسية وتبذل الشركة جهودًا كبيرة لخفض الفقد الفني في شبكات الجهد الفائق والعالى والتى بلغت نسبته خلال العام المالى2023/ 2024 ( 3.38%).
اختتم الدكتور محمود عصمت أعمال الجمعية، مؤكدا على الجهود التى تبذلها الشركة المصرية لنقل الكهرباء لدعم شبكة النقل على مستوى الجمهورية لتحسين كفاءة الشبكة وتقليل الفقد وزيادة قدرتها على استيعاب الطاقة المولدة والقدرات المضافة من الطاقة المتجددة في إطار استراتيجية القطاع مع ضمان الاستدامة، موضحًا استمرار العمل لتنفيذ مشروعات تدعيم شبكة النقل سواء من خلال إنشاء خطوط نقل كهرباء حديثة أو تدعيم الخطوط القائمة وإنشاء محطات محولات جديدة أو توسعات لمحطات محولات موجودة بالفعل، وخاصة تدعيم شبكات نقل الكهرباء بالصعيد والمحافظات الأكثر احتياجًا، مؤكدًا تطبيق أحدث معايير الجودة والنظم التكنولوجية الحديثة لتشغيل الشبكة وتحقيق الاستقرار والاستمرارية والاستدامة للتغذية الكهربائية، والاهتمام برفع كفاءة الكوادر البشرية والتدريب على أحدث التكنولوجيات فى مجالات الكهرباء والطاقه ونقل الخبرات.