جريدة الوطن:
2024-11-24@08:45:33 GMT

ابنتي … أنا أهتم بك ولا أتسلط عليك

تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT

ابنتي … أنا أهتم بك ولا أتسلط عليك

ابنتي.. آهٍ لو تعْلَمِين ماذا تعنين لي؟ أنتِ امتداد لعمري، كُلُّ شيء تفعلينه يبهجني، ضحكتك تطربني كأروع معزوفة أسمعها فتسعدني وتهزُّ قلبي، صوتك الذي ينعش البيت وحتَّى صراخك وغضبك، أحاديثك قفزاتك اللطيفة تملأ البيت سعادةً وبهجة. نكتك وتعليقاتك الظريفة التي تجعلنا نضحك حتَّى تدمع أعْيُننا.
ابنتي… أنتِ إضافة جميلة في حياتنا، فبَيْتنا يمتلئ سعادةً وحياة بوجودك وحتَّى وجود صديقاتك اللاتي أحببتهنَّ لِحبُّك لهنَّ، بتُّ أفرح بزيارتهنَّ لك، فتملأنَ البيت حيويَّةً ومرحًا بروحكنَّ الشَّبابيَّة الجميلة المَرِحة، بل إنَّني أُحبُّ كُلَّ فتاة في سنِّك ألقاها في أيِّ مكان: ألقاها في طريقي أو في المُجمَّع التجاري أو في المطعم، فتجدينني أُلاطفهنَّ وأتجاذبُ معهنَّ الحديث؛ لأنهنَّ يذكِّرنَني بِك، فأنا أرى في وجْهِ كُلِّ فتاة في عمرك صورةَ وجْهِك الجميل.


نعم أنتِ أثمن شيء وهبَه الله لي، وأكبر نعمة أنعمها الله عليَّ. وبدافع هذا الحُب الكبير، فمن الطبيعي أن أحافظَ عَلَيْكِ وأحميكِ، بقدر حُبِّي لك… أنا أحميك، بقدر حُبِّي لك… أنا أدافع عَنْكِ، بقدر حُبِّي لك، أخافُ عَلَيْكِ حتَّى من نَفْسِك، أخافُ عَلَيْكِ من عذاب الله ومن نار الآخرة، ومن غضبه عزَّ وجلَّ، فأريدكِ ملتزمة بتعاليم دِينِك، أخافُ عَلَيْكِ من المرض، فأريدك أن تعتني بصحَّتكِ، وأخافُ عَلَيْكِ من الفقر، ومن أن تكُونُي آخر الرَّكب في المُجتمع، فأريدك متفوِّقة في دراستكِ وفي عملكِ، وأخافُ على سمعتكِ بَيْنَ النَّاس، فأريدك أن تعرفي كيف تحْمِين نَفْسَكِ.
فما بالكِ تفسرين هذا الخوف النابع عن حُبِّي لكِ بأنَّه تسلُّط، ابنتي أنا أهتمُّ بِك، بكُلِّ شؤونك، لكنَّني لا أتسلَّط عَلَيْكِ، فما أنا إلَّا جندي مخلِص يرافقكِ أيْنَما أنتِ لِيذودَ عَنْكِ، فلماذا تفسِّرينَ حمايتي لكِ بأنَّها تسلُّط، فأنتِ أميرتي الغالية.
ابنتي… أنا أحبُّكِ ولا أتسلَّط عَلَيْكِ، فعِنْدما أمنعُكِ بكُلِّ السُّبل من الإفراط في تناول رقائق البطاطس، والشكولاتة، والباستا، والهامبرجر؛ لأنَّني أخشى عَلَيْكِ من السّمنة، ومن الآثار السلبيَّة على صحَّتك بسبب تناول هذه المأكولات غير الصحيَّة، فأنا لا أتسلَّط عَلَيْكِ وأتحكَّم في اختيارك لنَوْعِ الطَّعام الذي تأكلينه، بل أنا أخافُ عَلَيْكِ وأحثُّك على اختيار الطعام الصحِّي.
عِنْدما أسأل عَنْكِ عِنْد خروجك من المنزل، فأنهال عَلَيْكِ بالأسئلة، أين ذهبتِ؟ مع مَن أنتِ ؟ ومتى تعودين؟ فأنا لا أتسلُّط عَلَيْكِ، ولا أراقبك، بل أنا العَيْنُ الحارسة الحامية لكِ، أنا البال الذي يُشغلُ بِك منذُ خروجكِ من المنزل وحتَّى تَعُودي سالمةً. أخافُ عَلَيْكِ من حوادث السيَّارات، أخشى عَلَيْكِ من غدر أشرار البَشَر، وأخافُ عَلَيْكِ مِن كُلِّ شيءٍ حتَّى من الذي لا يخطر ببال أحد، كم أخشى أن أُشغلَ عَنْكِ فتقعينَ في مُشْكلة فلا تجدين مَن يُعينُك، فأظلُّ متأهبة جاهزة لمساعدتكِ حتَّى عودتكِ، بل إنَّ جنبي يجفى مضجعي، حتَّى أطمئنَّ بأنَّكِ في غرفتكِ وقَدْ أغلقتِ الباب عَلَيْكِ فأتنفَّسُ الصعداء، وأتصالح مع مضجعي.
عِنْدما أطلبُ مِنْكِ أن تحتشمي في لبسِكِ، وأن تقتصدي في زينتِكِ، فأنا لا أتسلَّط عَلَيْكِ، بل أنا أحميكِ من عيون الطامعين، فأغلق أبواب الشرور عَنْكِ لأحميَكِ من وحوش البَشَر.. فقديمًا قالوا «الوقاية خير من العلاج». فبخبرتي في الحياة أدركُ عواقب تلك الأخطاء في تصرُّفاتك وسلوكيَّاتكِ. لذا أوجهكِ للطريق الصحيح الذي لا يجرُّكِ للهاوية. أبَعدَ كُلِّ هذا الحُب الذي يسكُنُ أحشائي؟! أبَعدَ كُلِّ هذا الخوف عَلَيْكِ؟! أبَعدَ كُلِّ هذه الجهود التي أبذلها لحمايتك؟! أجدُكِ تضعينَني في قفص الاتِّهام؟ أنا اليوم أواجه تهمة التسلُّط عَلَيْكِ، وسلبي لحُريَّتكِ، وخنقي لسعادتك. أنا لستُ حزينة؛ كوني مكلَّفة بإعداد الحجج للردِّ على تلك الاتِّهامات، ولكن ما يؤلِمني ويُدمي قَلْبي أنَّكِ لَمْ تفهمي رسائل الحُب والرعاية التي كنتُ أرسلها لكِ عَبْرَ السِّنين، ولأنَّك لَمْ تسعدي بالحماية والرعاية التي كنتُ أحفُّكِ بها كما يحفُّ الطير صغاره؟! نعم… أعترف بأنَّني صدمتُ؛ لأنَّكِ لَمْ تقدِّري كُلَّ هذا الحُب والحنان والرعاية، كما يُقدِّر صغار الطيور آباءهم الذين يرعونهم ويحمونهم، وكما تُقدِّر صغيرة قطَّتنا رعاية أُمِّها وحنانها، يا لهْفَ نَفْسِي، أيكُونُ إحساس وتقدير الطيور والحيوانات لآبائهم أكثر من إحساس وتقدير البَشَر لآبائهم؟!!
نعم، أنا فرضتُ عَلَيْكِ حمايتي؛ لأنَّني أنا التي سأتحمَّل تبعات أيَّة أخطاء في تصرُّفاتكِ، وأنا التي سأتحمَّل معالجة الخسائر الناتجة عن أخطائكِ. نعم، أنا أمنعكِ من الخطأ كي لا تقعي فيه؛ لأنَّني أجنبُكِ وأجنِّبُ نَفْسي تبعات معالجة تلك الأخطاء، وثقي بأنَّني سأتألَّم وأُعاني أكثر مِنْكِ عِنْدما تقعين في مُشْكلة لا قدَّر الله.
ابنتي… يا أثمن حُبٍّ سكَنَ فؤادي!!! ثقي بأنَّني سأدافع عن نَفْسي لأخرجَ من قفص الاتِّهام، وسأرفع عَنْكِ حمايتي ورعايتي، ولكن عاهديني ألَّا تطلبي عوني إذا ما وقعتِ في مُشْكلة، وتحمَّلي أنتِ تبعات جميع تصرُّفاتكِ. ابنتي ها قَدْ غيَّرت منزلتكِ في قَلْبِي من ابنة حبَّها قَلْبي كُلُّه، إلى صديقة أُحبُّها وأتواصل معها، فأبحري في لجج الحياة بلا طوق نجاة، وقوِّي ساعدَيْكِ لِتواجهي عتيد أمواج المياه، أمَّا أنا فقد ألْقَيْتُ الحبل على القارب وجلستُ في استراحة محارب، استراحة بلا نهاية.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
najanahi@gmail.com
Najwa.janahi@

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ع ن دما

إقرأ أيضاً:

موسى والصبي…. الغنى والبركة

قصة وعبرة…
موسى والصبي…. الغنى والبركة

جاء صبيّ يسأل موسى أن يغنيه الله، فسأله موسى عليه السلام:هل تريد أن يغنيك الله في الثلاثين. عاما الأولى من عمرك، أم في الثلاثين عاما الأخيرة؟
فإحتار الصبي وأخذ يفكر ويفاضل بين الإختيارين، ثم إستقرّ إختياره على أن يكون الغنى في الثلاثين. عاما الأولى من عمره، وكان سبب إختياره أنّه أراد أن يسعد بالمال في شبابه. كما أنه ليس بوسعه أن يضمن من أنه سيعيش إلى غاية الستون عاما، كما أنه خاف ممّا تحمله الشيخوخة من مرض وهزال وعياء. فدعا موسى عليه السلام الله تعالى أن يستجيب لهذا الفتى، وفعلا أغناه الله وأصبح فاحش الثّراء.وصبّ الله عليه من الرّزق الوفير، وصار الصّبي رجلا، وكان يفتح أبواب الرزق لغيره من الناس، وكان يساعد الناس ليس بالمال فحسب بل بإنشاء تجارتهم وصناعاتهم وزراعاتهم، كما أنه كان يزوّج غير القادرين،ويعطي الأيتام والمحتاجين، وتمرّ الثلاثون عاما الأولى، وتبدأ الثلاثون عاما الأخيرة، وينتظر سيدنا موسى الأحداث، لكن تمر الأعوام والحال هو الحال، ولم تتغيّر حياة الرجل ولم يقلّ ثراه، فإتجه سيدنا موسى عليه السلام إلى الله يسأله بأن الأعوام الثلاثون الأولى قد إنتقضت ، فأجاب الله: وجدت عبدي يفتح أبواب الرزق لعبادي، فإستحيت أن أقفل باب رزقي عليه.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • 11 تطبيقاً على هاتفك.. تتجسس عليك
  • 5 أشياء عليك تجنبها في بيئة العمل.. تقلل من طاقتك الإنتاجية
  • موسى والصبي…. الغنى والبركة
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • بايدن يحاول استعراض مهاراته في كرة السلة… لكن لياقته لم تساعده.. فيديو
  • لعقل قوي.. 9 عادات سلبية عليك التخلص منها
  • حسين فهمي للفنانين الجدد: «متخليش حد يأثر عليك».. فيديو
  • هجوم من وهاب على وليد جنبلاط: عليك إقفال هذا الملف
  • تسع عادات خبيثة تضعف العقل وتركيزه.. عليك التخلص منها
  • رونالدو : عليك الاحتراس عندما تتحدث عن الهلال.. فيديو