الخليج الجديد:
2025-02-05@07:59:55 GMT

دورات الزمن في العالم الشرق أوسطي

تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT

دورات الزمن في العالم الشرق أوسطي

دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى

صارت الحاجة مطروحة لنظام إقليمي يواكب هذه التغييرات والظروف الواقعة فعلا والمتوقعة فى المنطقة.

ضرورة خلق دوافع للأطراف العربية لتحقيق تكامل إقليمى قوي فى الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا والفكر العسكرى والأمنى؟ المشوار طويل لكن ضرورى.

لا استقرار ونهوض بالشرق الأوسط إلا بإنهاء الارتباك وبؤر الاشتباك على الحدود الفاصلة بين دول النظام العربى ودول مشروع الشرق الأوسط الجديد.

اجتمعت على منطقتنا كوارث طبيعية وحروب أهلية وأعمال إرهاب وموجات جوع. تلحق بهذه الكوارث موجات عطش أو تهديد بقرب وقوعها وفلتان قمع واستبداد.

ينبغي توفير الفرص اللازمة لتجديد النظام العربى ليصبح مؤهلا للتعامل مع الكوارث وعوامل النحر الأخرى التى أضعفت قدرات النظام العربى القائم منذ أكثر من 70 عاما.

شعب سوريا الخلاق فى تاريخه الممتد عبر حضارات شتى هو ضحية طائفية مقيتة اختلطت بنزعات استبداد وصراعات إقليمية وأطماع دولية فى الطاقة ومصادر القوة والهيبة.

إنهاء الارتباك السائد والإرهاب وتبادل العنف أو السعى والخوف من استخدامه يتوقف على قدرة النظام العربى على استعادة إرادته المستقلة وقدرته على بث روح «قومية» فى شرايين الأمة وخطاباتها السياسية.

* * *

بأى حساب لم تكن الأسابيع الأخيرة مرحلة طيبة فى التاريخ الحديث للمنطقة التى نعيش فيها، وككل مراحل التاريخ يصعب جدا تحديد نقطة بداية هذه المرحلة وبطبيعة الحال يصعب أيضا وربما أكثر التنبؤ بلحظة نهايتها.

اجتمعت على منطقتنا وشعوبها فى هذه المرحلة الأخيرة كوارث طبيعية وحروب أهلية وأعمال إرهاب وموجات جوع. تلحق بهذه الكوارث موجات عطش أو تهديد بقرب وقوعها وفلتان قمع واستبداد.

يواكبها فى أحسن الظروف انحسار فى الديموقراطية وفى احترام الحقوق الإنسانية وإنكار متعمد أو رخيص لمبادئ سيادة القانون وانتشار البطالة بكل أشكالها. يلحق بها التضخم بكل صوره ودرجاته وينتشر الفساد. أفلتت دول أو قطاعات فيها وغطست دول أخرى بكاملها أو انفرطت.

* * *

اهتزت الأرض تحت مراكش، واحدة من أجمل وأروع مدن المغرب، سبقها فى تركيا وسوريا زلزال أشد عنفا وتدميرا، والزلزالان خلفا أعباء نفسية وبشرية ومادية ستكون من نصيب حلقات متعددة من أجيال لم تولد بعد فى البلدين.

مثل هذه الأعباء تنتظر أجيالا مماثلة، أى لم تولد بعد، فى دول فى المنطقة تهاونت فى إدارة اقتصاداتها فاقترضت فوق حاجتها وفوق طاقة سماح الدول الصديقة والمؤسسات الدولية وبعضها استمر يشجع لأغراض جيوسياسية لم تكن خافية.

* * *

فى ليبيا شن إعصار قادم من الشمال هجوما بالعواصف والأمطار والسيول على مدينة درنة القريبة من الحدود المصرية. بكل المقاييس كان الهجوم ضاريا لم تنج منه مسؤولية الفوضى السياسية الناشبة فى ليبيا.

اتهم حكام الغرب فى طرابلس حكام الشرق فى بنغازى، بالتقصير واتهموا معهم الفساد وظهر من خارج ليبيا من اتهم المؤامرة الدولية التى دبرت وخططت لنشوب إعصار توراتى مكمل بشكل ما لإعصار أبراهام.

وكما هى العادة فى هذا الإقليم العابر للحضارات العظمى يسرع البعض ليلقى بالمسئولية عن كارثة أو مصيبة على نصوص تاريخية أو دينية أو أسطورية قابلة لتفسيرات شتى.

* * *

لم تقتصر أوجاع الشعوب فى الإقليم على الكوارث الطبيعية، وبعض هذه الكوارث مشكوك فى انتسابه بالكامل إلى الطبيعة فللإنسان دور فى الإساءة إلى المناخ ودفعه نحو ارتكاب الكوارث الواحدة بعد الأخرى.

الإنسان أيضا مسئول عن كارثة سوريا والسوريين. شعب خلاق فى تاريخه الممتد والمتمدد عبر حضارات شتى هو الآن ضحية لطائفية مقيتة اختلطت بنزعات استبدادية وصراعات إقليمية وأطماع دولية فى الطاقة وفى مصادر القوة والهيبة.

الإنسان مسئول أيضا عن انكسار لبنان وانطفاء بعض أنواره وهجرة خير زهراته وتهريب ثروته النقدية وفرض تراكم النفايات كعلامة انكسار ومهانة وإعادة بعض كراسى السلطة إلى رجال الدين أو لممثليهم، بيروت الأجمل دائما فقدت بريقها وفقدت مكانتها عروسا للشرق الأوسط.

* * *

كان الأمل أن ينشأ السودان واحدا مكتملا ويبقى واحدا مكتملا. للأسف أصبح بفضل بعض أهله اثنين وهو الآن مرشح ليزداد عددا وضعفا. ثرواته مثل كل ثروات أفريقيا مطروحة للسرقة والنهب. شعبه توزع بجهود ووحشية بعض جيوشه على دول الجوار وفى معسكرات لاجئين أو تبعثر فى الصحارى وعلى الحدود.

يتحدثون بلا خجل عن مشروع دولة فى شمال السودان ترث أرضا سبق أن قامت عليها وسادت منها ذات يوم قبل آلاف السنين على أراضٍ شاسعة وشعوب وحضارات قديمة.

مرة أخرى يتدخل التاريخ ليعيد لنا صراعات نشبت بين شعوب تاريخية كان الظن أن القرون العديدة والحضارات الجديدة طوتها أو على الأقل كتمت صوتها.

* * *

أذكر، وفى ظنى أننى سجلت فى مكان ما بعضا من حديث جرى أمامى قرب نهاية عقد التسعينيات فى ندوة أقيمت فى بيروت. كان طرفا في الحديث رجل عرفت فيما بعد أنه فى حقيقة أمره خبير فى شؤون الشرق الأوسط لدى جهاز استخبارات غربى.

يومها طرح اعتقاده أن الشرق الأوسط، الإقليم الفريد فى تكويناته الطبقية والعرقية والطائفية، عاجز بنفسه عن تحقيق عدالة في توزيع مقاليد السلطة على جميع تشكيلات ومكونات المجتمعات الشرق أوسطية.

وأنه لا بد من تدخل «جراحي» من الخارج يعيد حقوق السلطة إلى أصحابها بحجة أن الطائفة التى احتكرت السلطة لقرون عديدة لن تسمح لطوائف أو أى قوى داخلية تغيير واقع الحياة السياسية والاجتماعية فى دول المنطقة.

فهم المجتمعون القصد ودخلوا فى حوار ممتد كشف في نهايته أن قوة خارجية تسعى للتدخل لإحداث هذا التغيير الجذرى في بعض مجتمعات الشرق الأوسط.

مرت سنوات معدودة وفى أثرها قامت قوى عسكرية مزودة بخبراء سياسيين، وبينهم الرجل الذى نقل فكرة التدخل الخارجى، بترتيب عملية غزو للعراق لتحقيق التغيير المنشود، وبالفعل ما يزال العراق يحاول التأقلم مع ظروف ومكونات مختلفة، سواء فى داخله أو على جميع حدوده الخارجية، جميعها بدون استثناء.

* * *

لهذه الظروف مجتمعة مع التغيير الحادث فى نظام توازن المكانة والهيبة والقوة فى النظام العربى، صارت الحاجة مطروحة لنظام إقليمي يواكب هذه التغييرات والظروف الواقعة فعلا والمتوقعة فى المنطقة.

المواكبة التى أتحدث عنها أقصد بها توفير الفرص اللازمة لتجديد النظام العربى ليصبح مؤهلا للتعامل مع هذه الكوارث وعوامل النحر الأخرى التى أضعفت قدرات النظام العربى القائم منذ أكثر من سبعين عاما.

المواكبة يمكن أيضا أن تأخذ شكل إقامة نظام إقليمى آخر، شرق أوسط جديد مثلا تجتمع فى ظله جميع التفاعلات القائمة بين جميع دول الشرق الأوسط، أى الدول العربية ودول جوارها كتركيا وإيران وما يستجد بتدخل قوى دولية.

* * *

لا أمل في استقرار بالشرق الأوسط ونهوض جماعى إلا بإنهاء حال الارتباك الراهنة نتيجة تعدد بؤر الاشتباك على الحدود الفاصلة بين دول النظام العربى والدول المكونة لمشروع الشرق الأوسط الجديد.

إنهاء الارتباك السائد وأعمال الإرهاب وتبادل العنف أو السعى والخوف من استخدامه يتوقف على قدرة النظام العربى بشكله الراهن على استعادة إرادته المستقلة وقدرته على بث أو إعادة بث روح «قومية» فى شرايين الأمة وخطاباتها السياسية وقدرته على خلق دوافع لكل الأطراف العربية لتحقيق تكامل إقليمى قوى فى الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا وفى الفكر العسكرى والأمنى، فيها جميعا أو فى واحدة بعد الأخرى. المشوار طويل ولكن ضرورى.

*جميل مطر كاتب ومحلل سياسي

المصدر | الشروق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العرب العنف الإرهاب جوع عطش الشرق الأوسط النظام العربي كوارث طبيعية الشرق الأوسط هذه الکوارث

إقرأ أيضاً:

منى أحمد تكتب: قيثارة السماء الخالدة

خمسون عاما على رحيلها ولكن صوتها سيظل حاضرا، فقد سكنت بإبداعها الروح والعقل والوجدان العربي الذى توراثت عشقه الأجيال وتبقى أم كلثوم حالة خاصة جدا تماثل فى الإبهار والإعجاز والخلود رسوخ الأهرامات ومكانة إِبداعية لم يستطع أحد أن يقترب منها. 

شيئان ثابتان لا يتزحزحان فى الشرق الأوسط ،الأهرامات وأم كلثوم فعندما يحين موعد حفلتها الشهرية ليلة الخميس الأول من كل شهر منتصف القرن الماضي ،كانت الحياة تتوقف وتخلو الشوارع من المحيط إلى الخليج ،فى القاهرة كما فى الدار البيضاء وتونس وبيروت ودمشق والخرطوم والرياض وبغداد، الجميع  ملتفا حول الإذاعة المصرية يستمعون إلى أم كلثوم.

تفتح الستار وتطل من ورائه الساحرة بحنجرتها الذهبية فتنتفض الصالة ضجيجا، تحية لها  ثم الصمت في حرم الجمال جمال ،عندما تشدو أداؤها  يآسر كل فرد على حدة ويخلق حالة توحدا كاملا بين المسرح والحضور، تتأرجح بين الشجن والنشوة وسحرمن نوع خاص.

ومثلما كان صوتها اِستثنائيّ كان جمهورها يشبهها بهيئته المميزة فكان يستعد لحضور حفلاتها بالملابس الرسمية  وكأنها مراسم ملكية فهم فى حضرة سيدة الغناء العربى.

أنه وهج اِمرأة فاقت في هيمنتها على الشعوب حدود السيطرة ,هي الوحيدة التى أستطاعت أن تجمع العالم العربي على إختلاف مذاهبه وطبقاته تحت راية إبداعها فصنعت المستحيل وكسرت الحواجز الجغرافية بل والسياسية نعم السياسية.
ففي عام 1967 كان برونو كوكاتريكس مالك صالة الأوليمبيا قد سارعلى نهج الاِنفتاح على الموسيقى الشرقية,وأثناء زيارته للقاهرة قبل حرب67ولقائه بوزير الثقافة المصري د.ثروت عكاشة أقترح عليه اِستَضافَة الأوليمبيا لأم كلثوم.

بالفعل ذهب كوكاتريكس إلى فيلا أم كلثوم فى الزمالك, يقترح عليها إقامة حفلين خريف 67 يومى 13و15 نوفمبر 1967, إلا أنه فوجئ بطلبها آجرا لم يدفع لفنان عالمى حتى تاريخه,وهو ما كان محل خلاف لكنه فى النهاية رضخ لطلبها ,فهى أيقونة الشرق التى يجتمع على حبها الملايين من المحيط للخليج.

حدثت نكسة67 وكانت أجواء النكسة تلقى بظلالها على كل عربى فى جميع دول العالم ,وظن كوكاتريكس أن أم كلثوم لن تحيى الحفلتين المتفق عليهما, لكنه فوجئ بإصرارها على إحياء الحفلات,فقد عقدت العزم على التبرع بأجر حفلاتها كاملة للمجهود الحربي.

وبدأ التجهير للحفل ومع الأجر الكبير لكوكب الشرق أضطر مسرح الأوليمبيا لمضاعفة ثمن التذاكر, التى كانت تترواح فى ذلك الوقت مابين 30 ل50 فرنك فرنسي إلى 300 فرنك لتحقيق المردود التجاري.

واِصطَدَمَ كوكاتريكس بأن الغالبية العظمى من العرب المقيمن بفرنسا، لا يستطيعون شراء تذاكر بهذا المبلغ الخيالى بحسابات هذة الحقبة نظرا لمستواهم المادى المحدود.

وبعد مرور شهرين من طرح تذاكر الحفل لم يبع منها إلا عددا قليل، فلم يتوقع أحد أن تغرد الست خارج الوطن أعقاب النكسة، ويستشعر كوكاتريكس خطورة الخطوة التي أقدم عليها بلاِتِّفاق مع أم كلثوم على هذا الآجر الخيالى، واِعتَبَرَها صفقة خاسرة فلم يسبق له طيلة مسيرته الطويلة أن شعر أنه على حافة الإفلاس مثلما شعر بذلك في صفقة أم كلثوم.

لكن وما أن وطأت قدم كوكب الشرق عاصمة النور،وتأكَّدَ إِحيائها الحفلتين حتى بدأ توافد الحضورمن كل الأطياف والطبقات، العمال بجانب السفراء والأمراء بجانب المغتربون العرب الذين يتوافدون من جميع أنحاء أوروبا إلى باريس.

وتم مد جسور جوية خصيصا بين دول الشرق الأوسط وباريس لنقل المريدين لفن الست،والغريب أن الفرنسيون أحتلوا20% من المقاعد رغم حاجز اللغة،وحضر اليهود الشرقيون بكثافة، الأمر الذى أثار دهشة مديرالمسرح فسال أحدهم عن سبب وجوده فى حفل عائده موجه لدعم جيش مصر فأجابه إنها أم كلثوم.

لم تنته رحلة فرنسا عند هذا الحد ولم يتوقف الاِحتفاء بأم كلثوم فى فرنسا طيلة أسبوع بعد حفلتها، وكرمها الرئيس الفرنسي شارل ديجول فى رسالة وصفا فيها الست (بضمير الامة)، وبدلا من الأحساس بالهزيمة كان صوت أم كلثوم تجسيدا لمصر المنتصرة مبددا لأثار العدوان.

انها أم كلثوم التى جمعت بين قوة الصوت وتعدد طبقاته، وبين القدرة المتفردة علي الأداء المتنوع فكانت تؤدى الجملة اللحنية الواحدة بأكثر من طريقة من خلال  طبقات صوتية مختلفة ومقامات موسيقية متباينة، تضفى فيها من إبداعها الكلثومى علي اللحن والكلمة، متمكنة من أَدَواتها التى وهبها الخالق ،فحنجرة قوية وصوت يتلألأ بأداءات متغايرة يضاف إليها الكايزما الساحرة والعبقرية الفطرية التى كانت تتمتع بهما كوكب الشرق.

مقالات مشابهة

  • هراء وتطهير عرقي.. خطة ترامب حول غزة في مرمى نيران العالم
  • خبراء المركز المصري يحذرون من التحولات السياسية في الشرق الأوسط وعودة صعود التنظيمات الإرهابية
  • هلاوس ترامب
  • 800 عارض من 40 دولة في «ميدلاب الشرق الأوسط»
  • «ألحان تتمايل لها السامعين».. أم كلثوم معجزة «الأولمبيا» تجمع العالم حول الأغنية المصرية
  • منى أحمد تكتب: قيثارة السماء الخالدة
  • اقرأ في عدد «الوطن» غدا.. «السيسي»: تثبيت وقف النار يعيد الاستقرار ويمهد لـ«حل الدولتين»
  • السفير نبيل فهمي: يجب أن يكون هناك خطط لمواجهة مقترح ترامب بتهجير الفلسطينيين
  • معا لرفض التهجير.. حزب العدل: الشعب يصطف خلف الرئيس السيسي لحماية أمن مصر
  • وزير الاتصالات: إطار تنظيمى متوازن لحماية الدول العربية من مخاطر الذكاء الاصطناعى