قال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء إن قطاع الكهرباء شهد تنفيذ استثمارات بحوالي 1.8 تريليون جنيه؛ تمثلت في بناء قدرات حقيقية وتعزيز البنية الأساسية لشبكة الكهرباء، بما يُمكنها من الاستدامة لنحو 30 عامًا قادمًا، مؤكدًا أنه تم رفع القدرات بالفعل حتى وصلنا إلى نحو 59 ألف ميجاوات، نتيجة المشروعات القائمة حاليًا والتي نفذتها الدولة المصرية.

ونوه الدكتور مصطفى مدبولي، في الإطار ذاته، إلى أن الأزمة التي حدثت، بصورة استثنائية ومؤقتة، على مدار الأسابيع القليلة الماضية في قطاع الكهرباء، لا يُمكن أن تنفي ما تم التوصل إليه من إنجازات في ذلك القطاع، حيث أنها تُعزى إلى أزمة عالمية ألقت بظلالها على العالم أجمع. مُضيفًا: نحن نتحدث عن بنية حقيقية أقامتها الدولة؛ لتعزيز القدرة على إنتاج وتوليد الكهرباء.

كما أكد حِرص الدولة على تنويع مصادر الطاقة، في إطار الوعي بضرورة عدم الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، لذلك تعمل الدولة على تطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر والطاقة الجديدة والمتجددة، في ضوء خطة واضحة تقوم الدولة بتنفيذها حتى عام 2030؛ كي تمثل الطاقة الجديدة والمتجددة نسبة 42% من إجمالي الطاقة المُولَدة في مصر. وأوضح رئيس مجلس الوزراء أن كل ذلك ينعكس في "خطط تنفيذية" يُخصص لها مئات المليارات.

وانتقل "مدبولي" إلى قطاع البترول والغاز، موضحًا أنه تم تطوير القطاع بشكل كبير مُقارنة بعام 2014، حيث تمتلك مصر اليوم البنية الأساسية التي تمكنها من أن تصبح مركزًا إقليميًا لتجارة وتداول البترول والغاز من خلال بنية أساسية مُطوَّرة ومشروعات تم التوسُّع فيها بصورة كبيرة، مؤكدًا أنه في غضون العام القادم، ستكون مصر قادرة على إنتاج كل المنتجات البترولية؛ بحيث يتم إنتاج البنزين والسولار داخل مصر، وعلى الرغم من أننا سنظل نستورد الزيت الخام، فإن تكريره سيتم داخل مصر بدلًا من استيراد البنزين والسولار.

وأشار رئيس مجلس الوزراء، في السياق ذاته، إلى المشروع القومي لتوصيل الغاز الطبيعي إلى المنازل، في سبيل تقليل استيراد البوتاجاز، مؤكدًا أنه تم توصيل الغاز لنحو 8.2 مليون وحدة سكنية، بتكلفة بلغت نحو 40 مليار جنيه.

وبالنسبة لقطاع الاتصالات، أوضح "مدبولي" أنه يُعد قطاعًا واعدًا وتستهدف مصر إحداث طفرة كبيرة به، منوهًا إلى أن ذلك القطاع لم يُستغَل في خلق فرص عمل فحسب، رغم كونه من أكبر القطاعات الواعدة لخلق فرص عمل في الوقت الراهن وأقلها تكلفة، ولكن الأهم أننا نستخدمه لـ "تحديث حوكمة وإدارة الدولة المصرية"؛ من خلال الخدمات الحكومية التي يتم تقديمها إلكترونيًا الآن والمنظومات الرقمية؛ مثل كارت الفلاح والتأمين الصحي الشامل إلى جانب التوقيع الإلكتروني الذي نتوسع فيه اليوم، موضحًا أنه قبل عملية التطوير كانت مؤسسات السجل المدني والشهر العقاري ومكاتب البريد في وضع مغاير تمامًا لما هي عليه اليوم في ظل التحول الرقمي والتحسُّن في مستوى الخدمات المُقدَمة. وأكد "مدبولي" أنه ما زالت هناك بعض الخدمات التي تحتاج إلى تطويرها والعمل لتحسينها؛ فما زال هناك نحو 3 آلاف قرية في المرحلتين الثانية والثالثة من حياة كريمة بحاجة إلى تطوير شامل.

وأشار "مدبولي"، في الإطار ذاته، إلى مراكز الإبداع وأهمية تحسين مستوى التعليم وتعزيز الإبداع؛ من أجل دخول مصر إلى عصر الثورة الصناعية الرابعة، وإنشاء مدارس وكليات على أعلى مستوى تؤهل الشباب المصري لأن يكون قادرًا ومؤهلًا للعمل في أرجاء العالم وليس مصر فقط.

وبصدد قطاع التنمية الصناعية، لفت رئيس الوزراء إلى أن مشاركة مصر في سلاسل القيمة على مستوى العالم تركز بالأساس على السلع الأولية، موضحًا أن مصر لم تمتلك الصناعات المتطورة الضخمة، ولكن تمتلك الصناعات الأولية والمتوسطة.


وقال الدكتور مصطفى مدبولي: لكي نبني صناعة حقيقية، نحتاج إلى الوقت والجهد، ويُعد قطاع الصناعة من أكثر القطاعات التي تبذل الدولة فيها جهدًا كبيرًا. مضيفًا: يتطلب بناء المصنع الواحد من 3 إلى 4 سنوات كي يبدأ في الإنتاج، مُشيرًا إلى أن الدولة تحتاج آلاف المصانع؛ لذا تعمل الدولة وفق رؤية واضحة لتطوير ذلك القطاع.

وأوضح "مدبولي" أنه تمت إتاحة عشرات الملايين من أمتار الأراضي، وكان هناك شكاوى من المطورين قامت الدولة، على إثرها، بتخصيص الأراضي بنظم معينة وحوكمة تضمن عدم "التسقيع"، والأهم تحقيق أغراض التنمية.

وأضاف رئيس الوزراء: وفقًا للنقص الحاد الذي تعاني منه الدولة، كان لا بد من دخولها في عدد من الصناعات الاستراتيجية؛ لبنائها وتعزيزها بهدف تخفيف فاتورة الاستيراد. مشيرًا إلى بناء مصانع الكلور ومصانع السماد ومصانع الرخام ومواد البناء، وكذا الرمال السوداء، التي لم تحظ من قبل بخطوات حقيقية وجادة للاستفادة منها، في حين تتخذ مصر اليوم خطوات جادة ومدروسة في هذا الصدد.

وقال مدبولي: بالتعاون مع القطاع الخاص وفي إطار الشراكات المتعددة محليًا ودوليًا نفتح العديد من المجالات للتطوير، مُشيرًا إلى قيام مصر بتطوير العديد من المصانع، مثل تطوير مصنع سايلوفودز للصناعات الغذائية، ومدينة دمياط للأثاث، والعديد من المصانع الأخرى، مؤكدًا أن كل تلك المصانع تحتاج إلى وقت حتى تعمل بكامل كفاءتها وطاقتها.

وأضاف رئيس مجلس الوزراء أن مصر لم تتخل عن الصناعات الصغيرة والمتوسطة، مشيرًا إلى أنه كان هناك توجيه بإنشاء مجمعات وتأهيلها بالبنية الأساسية؛ بهدف تسريع الإجراءات والتسهيل على المستثمرين وخاصة الشباب، على أن يتم منح الرخص للشباب للعمل. ولفت "مدبولي" إلى أنه تم تنفيذ نحو 17 مجمعًا صناعيًا، بـ 5 آلاف وحدة إنتاجية، وتم تخصيص أكثر من 3 آلاف منها بالفعل ودخلت حيز التشغيل.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي: ما تم عرضه هو نماذج من البنية الأساسية التي تعمل الدولة على تطويرها، فالدولة لم تترك المصانع التي كانت موجودة؛ حيث أثبتت دراسات الجدوى ضرورة تطويرها. كما حرصت مصر على دحض الاتهامات بتصفية المصانع التي كانت قائمة. وأضاف "مدبولي" أن قرار التطوير والتجديد دائمًا ما يتم اتخاذه وفقًا لأسس علمية، مُشيرًا إلى أنه كان لا بد من تطوير صناعة الغزل والنسيج، مؤكدًا أن الدولة تخصص عشرات المليارات لذلك القطاع حتى ينهض، وبما يسمح للقطاع الخاص فيما بعد بالدخول والاستثمار.

وبصدد المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغير، أكد رئيس الوزراء دعم الدولة لتلك المشروعات، حيث تم توفير قروض بلغت نحو 47 مليار جنيه لتمويل 1.8 مليون مشروع.

ولفت أيضًا إلى قيام السيد رئيس الجمهورية والحكومة بإطلاق حزمة كبيرة من الإصلاحات لقطاع الصناعة، والتي تتمثل في: عدم فرض رسوم جديدة من قِبل أي جهة حكومية، التجاوز عن الغرامات، وكذا تسعير الأراضي الصناعية، حيث تم إقرار تسعير موحد للأراضي الصناعية على مستوى الجمهورية، وتعليق الضريبة العقارية على المصانع لمدة 3 سنوات، وإطلاق مبادرة لدعم القطاعات الصناعية والزراعية في الفترة الحالية بفائدة 11%.

وقال: رؤيتنا اليوم تتمثل في طرح 152 فرصة استثمارية في قطاع الصناعة، وإطلاق حزمة إجراءات وحوافز لدعمها؛ بهدف توطين تلك الصناعات التي تستوردها الدولة بأكثر من 25 مليار دولار، وبالتالي تخفيف فاتورة الاستيراد.

وتطرق رئيس الوزراء إلى جهود تعظيم الاستفادة من المقومات السياحية لمصر، حيث أكد أن قطاع السياحة والآثار لم ير نهضة كما يراها خلال هذه الفترة، حيث تم انشاء وتأهيل 29 متحفاً، وترميم 221 موقعاً أثرياً، وتم الانشاء الجديد والتطوير لعدة متاحف، لافتا الى أن درة التاج لتلك المشروعات هو المتحف المصري الكبير الذي يشهد حالياً وضع اللمسات الأخيرة ليكون جاهزاً لتحديد موعد الافتتاح، كما يتم تنفيذ اكتشافات أثرية في مناطق عديدة، وتم تنفيذ فعاليات أثرية كبيرة مثل احياء طريق الكباش، ونقل المومياوات، وكان لكل منها مدى زمني لترويج السياحة، كما تم أيضا انشاء مقاصد سياحية جديدة، مؤكداً أنه اذا كنا نريد ان نصل هذا العام الى الرقم المخطط له وهو 15 مليون سائح، فخطتنا ان نضاعف هذا العدد خلال 5 سنوات، لنصل إلى 30 مليون سائح مستهدف، وهذا يحتاج الى بنية أساسية كبيرة، ومقاصد سياحية تستوعب تلك الحركة السياحية المستهدفة، وأماكن للزيارة لتنويع المنتج السياحي، وهذا العمل يتم في كل بقعة من مصر، منها مشروع موقع التجلي الاعظم أو مدينة سانت كاترين الجديدة، لافتاً إلى أنه من المخطط أن يكون جاهزاً في الربع الأول من العام القادم، ليكون على اعلى مستوى عالمي في هذه المنطقة، فهدفنا استعادة وتيرة التنمية السياحية لتصبح جزءاً اصيلاً من النمو الاقتصاد المصري.

وتطرق الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى المحور الثالث ضمن محاور تنفيذ الرؤية التنموية لمصر، وهو "الاندماج في الاقتصاد العالمي"، مشيراً الى أن مصر لها موقع استراتيجي محوري حيث تتوسط 3 قارات، ولكن كان الأهم هو كيفية الاستفادة من هذا الموقع الفريد، ولذا كان التخطيط لتحويل مصر إلى مركز لوجيستي عالمي حقيقي يكون به كل الآليات التي تشير الى ان هذه الدولة بها البنية الأساسية اللازمة التي تؤهلها لتحقيق هذا الهدف، لافتاً الى ان تحقيق ذلك يحتاج إلى سشبكة موانئ، ومطارات، وموانئ جافة، ومناطق لوجستية، وشبكة طرق وسكك حديدية على أعلى مستوى، تساعد في تحريك البضائع من أي منطقة إلى أية منطقة بأسرع وقت ممكن.

وعرض رئيس الوزراء خريطة المخطط الاستراتيجي للتنمية العمرانية والذي حدد مواقع الموانئ المستهدف تنفيذها، ولفت إلى ان اهم مشروع كان يجب البدء به هو ازدواج قناة السويس، والجميع يعلم الآن أن هذا المشروع قضى تماماً على أي حديث عن مسارات بديلة، لأنس زمن الانتظار الذي كان يصل إلى يوم وأكثر، غدا أقل من 11 ساعة لأي سفينة، وبالتالي تكلفة أقل من خلال التوجه إلى محور قناة السويس، كما تم تنفيذ المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي استهدفت استثمار حركة التجارة التي تمر عبر قناة السويس من كل الاتجاهات والمسارات، لتشهد تنفيذ مشروعات وخدمات تجعل هذه المنطقة مركزاً لوجستيا عالمياً، لافتاً إلى أن تلك المنطقة لم يُكتب لها النهوض والتنمية سوى في السنوات التسع الماضية، برغم ان فكرتها موجودة منذ عشرات السنين.

وأضاف مدبولي أن لدينا الان 18 ميناء بحرياً، يتم تنفيذها على أعلى مستوى، بتكلفة تصل إلى 130 مليار جنيه، وأكد ان المنطقة الاقتصادية كان لابد لها أن تضم كافة المناطق الصناعية سواء في منطقة السخنة او شرق بورسعيد، لتحقيق تنمية حقيقية، حتى لا يقتصر الدور على مرور السفن عبر قناة السويس فحسب، لافتاً الى ان ميناء شرق بورسعيد يحتل الان المرتبة العاشرة على مستوى العالم، في ظل الحركة التي تحدث.

وأكد رئيس الوزراء أن الموانئ البرية والجافة كانت مدخلاً جديداً لم يكن يحظى باهتمام في مصر، واليوم ننفذه لتستوعب هذه الموانئ اليوم 6 ملايين حاوية، ويتكامل دورها مع الموانئ البحرية، ليكون لدينا منظومة متكاملة للنقل واللوجستيات، تمنع تراكم وتزاحم الحاويات بالموانئ البحرية، مشيراً في هذا الصدد إلى افتتاح السيد الرئيس ميناء السلوم البري بمطروح مؤخراً، مضيفاً أن لدينا 14منطقة لوجستية نعمل على تنفيذها باستثمارات 33.5 مليار جنيه، كما ان هناك نهضة كبيرة في انشاء شبكة مطارات ورفع كفاءة أخرى، حيث يتم تنفيذ 23 مطاراً بتكلفة أكثر من 45 مليار جنيه، كما نعمل على تطوير كافة الخدمات ولدينا خطط لذلك.

وتطرق الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى المحور الرابع وهو  "الأمن الغذائي"، مؤكداً أننا ندرك أن الدولة التي تمتلك غذاءها تملك قرارها، ولذا كان الشغل الشاغل للدولة المصرية كيفية تحقيق الأمن الغذائي، في هذه الفترة، وأوضح أنه مع الزيادة السكانية، وارتفاع أسعار السلع خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فقد تضاعفت فاتورة الغذاء، بسبب ارتفاع أسعار القمح، والذرة، بصورة كبيرة جداً، مشيراً إلى ان الدولة المصرية بدأت منذ عام 2015 في تنفيذ المرحلة الأولى من مشروعات الاستصلاح الزراعي.

وأضاف: "تم البدء بالمشروعات الأسهل التي تعتمد على مياه النيل او المياه الجوفية، بمناطق مثل توشكي وشرق العوينات والريف المصري، واليوم انتقلنا الى المرحلة الثانية الأكثر تعقيداً وهي معالجة مياه الصرف الزراعي ورفعها ضد الانحدار الطبيعي للاماكن التي نريد زراعتها، وهذه المشروعات من الناحية الهندسية هي الأصعب، ولكن ليس هناك بديل أمام الدولة المصرية للاستفادة من كل نقطة مياه تصل إلى هذه الدولة".

وأكد رئيس الوزراء انه بناء على هذه التقنية يتم اليوم استصلاح الدلتا الجديدة، ومناطق في سيناء، واليوم نتحدث عن 4 ملايين فدان ستضاف الى الرقعة الزراعية في مصر، وقد تم تنفيذ 1.7 مليون فدان منها حتى الان، وهناك 2.3 مليون فدان ستضاف خلال العامين القادمين في كل هذه المشروعات، لتحقيق الأمن الغذائي في دولة تزيد كل يوم مليوني شخص، لافتاً إلى أنه بدون هذه المشروعات كانت فاتورة الغذاء ستتضاعف خلال سنوات بسيطة جداً.

ولفت رئيس الوزراء إلى أن الدولة تستثمر في تلك المشروعات من أجل المواطن لتحقيق فكرة الاكتفاء الذاتي له، ولا تكتفي بالزراعات التقليدية بل اتجهت إلى موضوع الصوب الزراعية، ونحن اليوم واحد من أكبر الدول في العالم التي بها مشروعات صوب زراعية بمساحة نحو 100ألف فدان صوب، يتم تنفيذها ليكون لها إنتاجية، تكفي المواطنين المصريين في كل السلع، هذا إلى جانب تنفيذ الصوامع التي لم تكن قدرتنا التخزينية تتجاوز فيها 1.2 طن، واليوم أصبحت 3.5 طن أي تضاعفت 3 مرات ولدينا خطط لتجاوز رقم 5 ملايين طن خلال الأعوام القليلة القادمة، ليكون لدينا بنية أساسية لتأمين الغذاء المصري.

وأضاف: من أجل هذه المشروعات الزراعية نعالج مياه الصرف الزراعي بمحطات عملاقة ثم تنفيذ خطوط ناقلة للمياه الى الأماكن المراد زراعتها، ونعالج الآن طاقات تصل الى 13 مليون متر مكعب من المياه/يوم لزراعة ملايين الأفدنة، على رأسها مشروع الدلتا الجديدة الذي تبلغ مساحته 2 مليون فدان، ومعه سيكون هناك أكبر محطة على مستوى العالم -مع اكتمالها- بطاقة 7.5 مليون متر مكعب/يوم، وحتى نستطيع أن نعرف حجم وكبر المشروع، فإن هذا المشروع هو 4 أو 5 أضعاف السد العالي.

وأشار رئيس الوزراء إلى جهود الحكومة في شق قنوات وترع ضد الجاذبية والانحدار الطبيعي لنقل المياه عبرها، وهي أحيانًا ترع مفتوحة، وأحيانًا نكون مضطرين إلى أن تكون خطوط مياه ومعها محطات الرفع العملاقة بواقع 12 محطة، مضيفاً أنه في سيناء، توجد محطة المعالجة في بحر البقر وكذا المحسمة؛ لزراعة 470 ألف فدان، وقد افتتح فخامة الرئيس مشروع معالجة بحر البقر.

كما تطرق مدبولي إلى جهود نقل المياه إلى وسط سيناء من أجل زراعة نصف مليون فدان في سيناء، مشيراً إلى جهود تطوير الثروة الحيوانية وإنتاج الألبان ومضاعفة الثروة الحيوانية ورؤوس الماشية حتى نستطيع تغطية احتياجاتنا من اللحوم والدواجن.

وتناول الدكتور مصطفى مدبولي جهود الاستزراع السمكي، موضحًا أنّ مصر اليوم أصبحت من ضمن أكبر 10 دول على مستوى العالم في إنتاج نوعيات معينة من الأسماك بفضل مشروعات الاستزراع السمكي سواء في غليون أو في سيناء.

كما أشار رئيس الوزراء إلى جهود تطوير البحيرات المصرية التي تضاءلت مساحتها على مدار العقود الماضية مثل بحيرات مريوط وإدكو والبردويل وغيرها من البحيرات، تجري فيها أعمال التطوير على قدم وساق من أجل استعادة القدرة على استخراج الثروة السمكية منها.

كما استعرض رئيس الوزراء جهود الحكومة في تقديم الاحتياجات والخدمات الأساسية، مشيرًا إلى أنه في عام 2014 كان ترتيبنا على مستوى الخدمات الاجتماعية عند مستوى 108 من 187 دولة، وبحسب ما قاله وزير التعليم العالي، الدكتور محمد أيمن عاشور، فإن ما تم إنفاقه في مجال التعليم العالي على مدار 9 سنوات بلغ تريليون جنيه، منها أكثر من 100 مليار جنيه استثمارات جديدة.

كما تناول مدبولي أوضاع المدارس قبل تطويرها، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من الجهود التي تُبذل لاستمرار أعمال تطوير المدارس في القرى وغيرها، كما أن لدينا معدلات كثافة عالية في الفصول، يتطلب منّا مضاعفة بناء الفصول حتى نصل إلى مستهدفاتنا بوجود 30 أو 40 طالباً فقط في الفصل بحد أقصى.

وأشار رئيس الوزراء إلى أنه تم إنشاء 120 ألف فصل بتكلفة 40 مليار جنيه، كما تم تأهيل 4300 مدرسة، وفي مجال محو الأمية تراجعنا بنحو 5 درجات مئوية إلى 20%، كما قلّتْ معدلات التسرب في التعليم، كما أدخلنا منظومة تعليم جديدة بجودة مختلفة مثل مدارس النيل، ومدارس المتفوقين والمدارس اليابانية، والمدارس التكنولوجية، وغيرها.

وفي مجال التعليم الجامعي، قال إن وزير التعليم العالي أعلن أنه كان لدينا 50 جامعة في 2014 واليوم لدينا 96 جامعة بحيث تكفي احتياجات مصر على مدار الـ 20 سنة المقبلة، ولا نزال بحاجة لنوعيات معينة من الجامعات المتخصصة.

وعلى صعيد المستشفيات الجامعية، أوضح رئيس الوزراء أن هذا القطاع شهد طفرة مهمة للغاية، ففي عام 2014 كان لدينا 88 مستشفى جامعيا وفي غضون 9 سنوات أصبح لدينا 125 مستشفى وهو ما يعني إضافة 37 مستشفى جامعيا بطاقة 43 ألف سرير لخدمة أهالينا.

كما استعرض رئيس الوزراء جهود تطوير منظومة الرعاية الصحية، مشيرًا إلى أنه كان لها نصيب الأسد، مستعرضًا صورا للمستشفيات والوحدات الصحية في عام 2014.

 
وقال: برغم كل الجهود المبذولة للنهوض بالقطاع الصحي إلا أنه يتعين على الحكومة بذل المزيد من الجهد من أجل استكمال تطوير المنظومة الصحية.

وأشار إلى أن القطاع الصحي تضاعفت موازنته بنحو 5 أضعاف، حيث تم صرف هذه المخصصات في تطوير المستشفيات وتطوير منظومة الإسعاف وبناء المخازن، فضلًا عن البدء في تطوير تقنيات شديدة التعقيد مثل مشروع البلازما الذي كان بمثابة حلم أصبح حقيقة بالفعل، كما اشتمل تطوير القطاع الصحي على إنشاء مصانع الأدوية ومجمعات اللقاحات.

وتطرق الدكتور مصطفى مدبولي إلى منظومة العلاج على نفقة الدولة، التي كلفت الدولة 87 مليار جنيه خلال السنوات الـ 9 الماضية، فبعد أن كانت تكلفة العلاج على نفقة الدولة تبلغ 3 مليارات جنيه عام 2014، وصلت اليوم إلى 17 مليار جنيه.

وأضاف: تم علاج 17.5 مليون مواطن من خلال منظومة العلاج على نفقة الدولة خلال الـ 9 سنوات الماضية.

كما عرض رئيس الوزراء الجهود المبذولة في منظومة التأمين الصحي الشامل التي تغطي اليوم أكثر من 6 ملايين مواطن بتكلفة 51 مليار جنيه، موضحًا أن المنظومة بدأ تطبيقها في 6 محافظات وبحلول 2030 سيتم تطبيقها في باقي محافظات الجمهورية.

كما استعرض الدكتور مصطفى مدبولي ما تم إنجازه في مبادرات القطاع الصحي بتوجيه من فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي مثل "مبادرة القضاء على قوائم الانتظار" و"مبادرة 100 مليون صحة" ومبادرات المرأة والطفل ورعاية الأطفال والقضاء على فيروس سي بعد أن كانت مصر موصومة بأنها من أكبر دول العالم من حيث نسب الإصابة بفيروس سي، وفي خلال أيام سيُعلن أن مصر خالية تمامًا من هذا الفيروس.  

كما عرض رئيس الوزراء الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية في مجال الرعاية الاجتماعية الذي أولته الحكومة اهتمامًا خاصًا بالتوازي مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث تم إنفاق أكثر 203 مليارات جنيه على جميع أوجه الرعاية الاجتماعية، منذ عام 2014 حتى عام 2023.

واستعرض الدكتور مصطفى مدبولي في هذا الصدد ما تم إنجازه في برنامج "تكافل وكرامة"، موضحًا أن هذا البرنامج بدأ في 2014 بـ1.7 مليون أسرة واليوم تجاوز عدد الأسر التي تحصل على الدعم منه 5 ملايين أسرة، وكانت الموازنة المخصصة له تبلغ 3.7 مليار جنيه وصلت الآن إلى 31 مليار جنيه.

وعزا رئيس الوزراء هذه الزيادة إلى الزيادة السكانية وزيادة عدد الأسر المستحقة للدعم، مشيرًا إلى أن هذا البرنامج مرتبط بمحددات معينة لزيادة التعليم وعدم التسرب منه.


وفيما يتعلق بدعم الخبز، قال رئيس الوزراء إنه بلغ 18 مليار جنيه في عام 2014 فيما وصل إلى 91 مليار جنيه العام الماضي، وكانت تكلفة رغيف الخبز في 2014 لا تتجاوز 28 قرشا واليوم تكلفته جنيه.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الدکتور مصطفى مدبولی رئیس مجلس الوزراء رئیس الوزراء إلى على مستوى العالم البنیة الأساسیة الدولة المصریة هذه المشروعات القطاع الصحی قناة السویس الوزراء أن ذلک القطاع ملیون فدان ملیار جنیه أن الدولة یتم تنفیذ فی عام 2014 ا إلى أنه مؤکد ا أن تم تنفیذ فی سیناء على مدار إلى جهود من خلال أنه کان أکثر من فی مجال من أکبر قطاع ا أن مصر من أجل أنه تم حیث تم أن هذا

إقرأ أيضاً:

المصارف الإسلامية التي أعادت الاعتبار للمال.. ماذا حدث لها؟

في قرية وادعة من قرى دلتا النيل، وُلدت عام 1963 شرارة تجربة مغايرة على يد الدكتور أحمد عبدالعزيز النجار، العائد من ألمانيا وقتها ليس باحثًا عن بديل شرعي للتمويل الغربي؛ بل عن معنى جديد للمال.

لم يكن المال عنده سلعة للبيع؛ بل أمانة لإعمار الأرض، وأداة لاستعادة التوازن بين الإنسان والحاجة. ومن خلال "بنوك الادخار المحلية" في مدينة "ميت غمر"، دشّن النجار نموذجًا مبكرًا لما يمكن تسميته اليوم بـ "اقتصاد المعنى"؛ حيث لم يكن المال يُباع؛ بل يُستثمر بالشراكة، ويتقاسم الناس عوائده وخسائره بوعي ومسؤولية.

ومع خروج التجربة من طورها المحلي إلى فضاء المؤسسات، بدأت تتشكل الملامح الأولى لمنظومة مصرفية إسلامية متكاملة، فتأسس أول مصرف إسلامي مستقل عام 1975 في دبي، تلاه في العام نفسه إنشاء البنك الإسلامي للتنمية في جدة كذراع تنموية تعاونية، ثم جاءت تجربة السودان الرائدة في أوائل الثمانينيات حين أسلمت نظامها المصرفي بالكامل.

وعلى مدى العقود التالية، اتسع حضور المصرفية الإسلامية، وتحوّلت من مبادرة طموحة إلى صناعة مالية في عقدها الخامس؛ لتتجاوز أصولها 4.5 تريليونات دولار، وتشكل المصارف الإسلامية منها أكثر من 70%، وتُصدر سنويًا صكوكًا بأكثر من 200 مليار دولار؛ لتمويل مشاريع في الطاقة والتعليم والتنمية. ومع ذلك، ما زال السؤال الجوهري مطروحًا: هل ما زالت المصرفية الإسلامية وفيّة لرسالتها القيمية، أم تحوّلت إلى نسخة مألوفة بلغة شرعية؟

إعلان

في هذا السياق، يُطرح مفهوم "اقتصاد المعنى" بوصفه إطارًا تحليليًا لفهم المصرفية الإسلامية من الداخل؛ لا باعتبارها منظومة تخلو من الربا فحسب، بل كمحاولة لإنتاج نماذج مالية تتجاوز منطق الربحية إلى غايات تعيد الاعتبار للمال كوسيلة للكرامة والعمران.

وبهذا يختلف عن مفاهيم قريبة كاقتصاد السعادة، الذي يربط المال بالرضا النفسي، والاقتصاد السلوكي الذي يفسّر السلوك المالي وفق الانحيازات الإدراكية، إذ إن "اقتصاد المعنى" يُعيد تموضع المال في مركز القيمة؛ حيث لا يُقاس النجاح بالربح فقط، بل بما أحدثه المال من نفع، وعدل، وعمارة. فبينما تسأل بعض النماذج: كم ربحت؟، يسأل اقتصاد المعنى: لمن ربحت؟ وبأي أثر؟

كما يتقاطع منهجيًا مع "نظرية المآلات" في الفقه الإسلامي، دون أن يتطابق معها مفهوميًّا؛ حيث يهتم هو بالسياق المؤسسي والرسالة، وليس بعواقب الأفعال فقط.

وبهذا، لا يناقض "اقتصاد المعنى" تلك النظريات؛ بل ينبني عليها ويعمّقها، ويعيد الاعتبار لفلسفة التزكية، والعدل، والاستعمار الأخلاقي للأرض، بوصفها مرجعيات معيارية لأيّ نشاط مالي. وبهذا المعنى، لا ندعو إلى العزلة عن السوق؛ بل إلى الحضور فيها بشروط تُعلي من المقصد، وتُبقي على الإنسان في مركز المعادلة، لا في هامش العائد.

وبناءً على هذا التأصيل، ينطلق المقال عبر ثلاثة محاور مترابطة. فيتأمل، أولًا، في التصوّر الإسلامي لوظيفة المال مقارنةً بالنماذج الاقتصادية الوضعية، ثم يتتبع كيف حاولت المصرفية الإسلامية تجسيد هذا التصوّر عبر هياكلها التمويلية ومؤسساتها التشغيلية، وأخيرًا، يتوقف عند سؤال التحدي والبقاء: هل ما زالت هذه المنظومة تحتفظ بجوهرها الأخلاقي، أم أنها انزلقت إلى تَشييء المال (reification of money) تحت ضغط الامتثال والمنافسة؟

المال في التصور الإسلامي.. أداة لا غاية

من بين المفاهيم التي تتداولها الألسن يوميًّا دون كثير تأمّل، يبرز مفهوم المال، لا كمجرد وسيلة تبادل؛ بل كأحد أكثر المفاهيم التصاقًا بالمصير الإنساني. غير أنّ التباس المصطلح قد يُضيّع دلالته. فـ "المال" ليس هو "النقد" المتداول فقط، ولا هو "الثروة" المدَّخَرة فحسب؛ ولا يقتصر على الممتلكات أو الدخول والهبات.

إعلان

إنه مفهوم أوسع من ذلك؛ إذ يشمل كل ما له قيمة قابلة للتملك والانتفاع، سواء أكان عينًا أم منفعة، أو مادة ملموسة أو حقًا متجردًا. فالنقد فرع من المال، والثروة مظهر من مظاهره، والاقتصاد لا يدور إلا في فلكه.

هذه الحقيقة تبدو بسيطة؛ لكنها تحوّلت عبر التاريخ إلى معركة فلسفية واقتصادية عميقة بين رؤيتين متباينتين: رؤية تُقدّس المال، وأخرى تُقيّده بوظيفة أخلاقية، وتنظر إلى آثاره.

ففي النظام الرأسمالي المعاصر، وامتداده الليبرالي، عُرّف المال في جوهره بأنه «وسيلةٌ للتبادل، ومخزن للقيمة، وأداة لتحديد الأسعار. غير أنّ هذا التعريف المحايد، سرعان ما تلوّن حين تَحوّل المال إلى غاية بذاته.

فمع تصاعد الفردانية، وتراجع المرجعيات الأخلاقية، أصبح المال في الفكر الغربي لا يُعرّف فقط بوظائفه الاقتصادية؛ بل بدلالاته الاجتماعية، مثل: النجاح، والمكانة، والهيمنة.

وربما كان عالم الاجتماع الألماني "ماكس فيبر" أبرز مَن أظهر هذا التحوّل، حين ربط بين الأخلاق البروتستانتية وصعود الرأسمالية، موضحًا كيف أصبح السعي لجمع المال نوعًا من التديّن الجديد؛ "علامة على رضا الرب"، ولكن بلغة الأسواق. فالمال لم يُعَدّ وسيلة؛ بل أصبح دينًا بلا معابد.

وفي المقابل، يتعامل التصور الإسلامي مع المال بوصفه أداة محايدة، لا تكتسب قيمتها من ذاتها؛ بل من طريقة اكتسابها وإنفاقها. فالمال مخلوق، لا خالق، ومنحة لا هوية. قال تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مُستَخلَفين فيه… الآية﴾ [الحديد: 7]، ليؤكد أنّ المُلك الحقيقي لله، وأنّ الإنسان مجرّد وكيل يُحاسَب لا على الكم فقط؛ بل على الكيف.

وتأطيرًا لهذا المعنى الأخلاقي العميق، عبّر عنه النبي ﷺ بقوله: "لا تزولُ قدَما عبد يومَ القيامة حتَّى يسألَ عن عمره فيما أفناهُ، وعن علمه فيمَ فعلَ، وعن ماله من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمه فيمَ أبلاهُ." [أخرجه الترمذي]، ليُحيل العلاقة بالمال من مجرّد نشاط اقتصادي، إلى سؤال وجودي، ومسؤولية أخروية. فالمال في هذا التصور ليس رصيدًا بنكيًّا؛ بل هو أثرٌ في النفس، وأمانة في اليد، ومآل في الحساب.

إعلان

وقد نَظَر العلامة الطاهر بن عاشور إلى المال من زاويتين تكشفان عمق التصور المقاصدي له في الإسلام؛ فهو من جهة "ما بقدره يكون قدر إقامة نظام معاش أفراد الناس، في تناول الضروريات والحاجيات والتحسينيات بحسب مبلغ حضارتهم، حاصلًا بكدح"، ومن جهة أخرى يرى أن المال "حقٌ للأمة عائد عليها بالغنى عن الغير".

فليست الغاية من المال محض التملك أو التراكم؛ بل تحقيق الكفاية والتوازن الاجتماعي، في إطار يجعل منه وسيلةً للكرامة لا أداةً للهيمنة، وشراكةً في الإعمار لا استئثارًا بالمنفعة.

وهنا يُعاد ترتيب الوظائف الأساسية للمال: لا قيمة للمال إلا بقدر ما يحقق من كرامة للإنسان، وعدالة للمجتمع، وتعمير للأرض. فالمال ليس سلعةٌ تُباع مستقلة؛ بل قيمة أخلاقية تؤسس لعلاقة متوازنة بين الفرد والآخر، بين الغاية والوسيلة، وبين السلطة والمسؤولية.

ذلك التباين العميق بين "المال كوسيلة" و"المال كغاية"، هو ما يفتح الباب لفكرة "اقتصاد المعنى"؛ حيث لا تُقاس الثروة بالعائد وحده؛ ولكن بوظيفتها الأخلاقية ومآلاتها المجتمعية.

ومن هنا، جاءت المصرفية الإسلامية كتجربة مؤسسية تسعى لتجسيد هذا التصور، عبر نماذج تمويلية تقوم على المشاركة والإنتاج لا الربا، وعلى تقاسم المخاطرة لا ضمان العائد.

ومع التوسع في أكثر من 80 دولة، وبلوغها نطاق المؤسسات السيادية، باتت هذه المصرفية جزءًا من السوق العالمية؛ لكنها في ذلك تواجه سؤالًا وجوديًا متجددًا، ألا وهو: هل لا تزال تُعَبّر عن جوهرها الأخلاقي، أم أنها تحوّلت إلى نسخة مألوفة.. بلغة مأذونة؟

فبين صكوك تُسَوَّق باسم الاستدامة، ومؤسسات رقمية تتزيّن بلغة الشريعة، يتأرجح المشروع بين الوعد والمراوحة، وبين المعنى الذي أطلقه الرواد، والواقع الذي تفرضه قواعد البورصة.

المصرفية الإسلامية: محاولة لبناء مؤسسات ذات معنى

حين نخرج من الحبر إلى الحجر، ومن التنظير إلى البناء، تتجلّى المصرفية الإسلامية كمحاولة لاختبار فكرة "اقتصاد المعنى" في الواقع المؤسسي. فلم تأتِ هذه المصارف لتبدّل الأسماء، ولا لتلوّن المعاملات بلغة دينية؛ بل جاءت لتمنح المال وظيفة أخلاقية، وتجعل من كل عقد مرآةً لقيمة، ومن كل صيغة بابًا لكرامة. ففي هذا المشروع، لم يكن المال هدفًا؛ بل جسرًا، ولم يكن المصرف مؤسسة لتكديس الأرقام؛ بل لبناء حياة تستحق أن تُعاش.

إعلان

وقد بدأت هذه الفكرة من تلك الشرارة الأولى في مدينة "ميت غمر"، حين أراد النجار أن يُحرّر المال من منطق الجشع إلى أفق المشاركة، ومن لغة الربح فقط إلى منطق التنمية بالمعنى.

لقد غُرست البذرة هناك، في مشروع بدا متواضعًا في حجمه، لكنه كان جسورًا في روحه. وما أن خرجت الفكرة من الضيق إلى السعة، حتى بدأت تنمو بهدوء، من السودان إلى الخليج، ومن إسطنبول إلى جاكرتا، ومن كوالالمبور إلى نواكشوط، ومن لاهور إلى لاغوس. في كل محطة، كانت التجربة تحمل ملامح السياق؛ لكنها تعود لتتغذى على الجذر ذاته: المال ليس سلعة، بل أمانة.

ولأن الرؤية مهما علت لا تثمر إلا حين تُترجم، حاولت هذه المصارف أن تخلق من داخلها نموذجًا يعكس فلسفتها. فكان التمويل التشاركي قلبًا نابضًا لهذا الجسد المؤسسي.

ففي عقد المشاركة، يُعيد الطرفان تعريف العلاقة من "دائن ومدين" إلى "شريكين في البناء والمصير". وكل طرف يضع من ماله قدرًا، ويتقاسمان الربح وفق اتفاق مسبق، ويتحملان الخسارة بقدر المساهمة من رأس المال.

أمّا المشاركة المتناقصة، فهي صيغةٌ تحمل في طيّاتها فكرة التمكين التدريجي؛ حيث يبدأ العميل شريكًا، ثم يشتري حصص المصرف حتى ينفرد بالملكية، ما يجعل العقد أشبه بسُلّم تصاعدي نحو الاستقلال.

وفي المضاربة، يستثمر المصرف المال، ويستثمر العميل الجهد، في علاقة تُبنى على الأمانة لا الضمان، وعلى الثقة لا الفائدة. أمّا الإجارة المنتهية بالتمليك، فقد كانت جسرًا ثالثًا يتيح للعميل استخدام الأصل والانتفاع به، ثم امتلاكه بعد سداد الأقساط، مع وضوح الشروط، وضبط الالتزامات، دون أن يُفضي إلى تداخل يُربك المقاصد، أو يختلّ به حدّ الفصل بين العقود.

ليست هذه الصيغ مجرد أدوات تمويلية؛ بل هي تجسيد عملي لمفهوم "اقتصاد المعنى" الذي يربط العقود بالثقة، والمسؤولية، والإنتاج الحقيقي.

إعلان

فقد سعت المصرفية الإسلامية في بداياتها لإحياء الغايات لا مجرد أسلمة العمليات. لكن مع الوقت، تقلصت بعض الصيغ إلى إجراءات شكلية، وظهرت أدوات تحاكي الربا شكلًا دون تسميته، فيما غلب في بعض المؤسسات الصوت الكَمي على الرؤية المقاصدية، فصار التقييم ينشغل بالتوافق مع المعايير لا بتحقيق العدالة والمعنى.

وهكذا، اتّسعت الفجوة بين اقتصاد الامتثال واقتصاد المعنى، وباتت بعض المؤسسات تتحدث لغة الأرقام بدقة؛ لكنها تهمس بلغة القيم بخجل. لا لخلل جوهريّ؛ بل لأنّ السوق يُكافئ النمو السريع أكثر مما يُكافئ الانسجام الأخلاقي.

وعلى الرغم مما شهدته التجربة من تحولات، لا تزال جذوة المعنى مشتعلة في مؤسسات صامتة لكنها صادقة، تُعيد الروح للمصرفية الإسلامية من خلال التمويل الأصغر، والمبادرات الوقفية، والشراكات المجتمعية. فالمعنى لا يُكتب في اللوائح؛ بل يُترجم في الضمير، ويتجلى في النية، وليس فقط في تجنّب الفائدة. فالتساؤل الأهم هو ليس عن حجم الأصول؛ بل عن جوهر الرسالة.

فهل تجرؤ هذه المؤسسات، وقد بلغت من النضج ما بلغت، أن تعود لتسأل نفسها: لماذا وُجدنا؟ وهل ما زلنا نحمل هذا المعنى الذي لأجله وُلدنا؟ ذلك هو السؤال الحقيقي.. وكل الباقي تفاصيل.

التحدي البنيوي.. ضغوط السوق وسؤال البقاء

بكل هدوء واتزان، تأتي تلك اللحظة الفاصلة بين الفكرة وتجربتها، بين الرؤية وواقعها؛ لتطرح السؤال الأصعب: هل ما زالت المصرفية الإسلامية تحفظ "المعنى" الذي وُلدت من أجله، في عالم تملي فيه السوق شروطها، وتُحاصر لوائح الامتثال هامش الاختيار؟

فبعد أن انطلقت من تصور يرى المال أمانة لا غاية، ووسيلةً للإعمار لا للاحتكار، تجد اليوم نفسها أمام اختبار وجوديّ عسير، لا يقف عند حدود التنظير؛ بل يتطلب إعادة مساءلة الأساس الذي عليه بُنيت؛ ليستقيم التصوير.

ففي بيئة مصرفية عالمية تحكمها الربحية والكفاءة، تواجه المصرفية الإسلامية ضغوطًا من ثلاث جبهات: الامتثال التنظيمي، والمنافسة السوقية، ومتطلبات العائد.

إعلان

لم يعد يُنظر إليها من زاوية قيمتها الأخلاقية، بل بقدرتها على التكيّف مع مؤشرات الأداء والرقابة. وبدل ابتكار أدوات تعبّر عن رؤيتها، انزلقت بعض المؤسسات إلى "أسلمة الأدوات التقليدية"، فغدت المرابحة تُشابه الفائدة، والإجارة تضمن الأرباح دون تقاسم للمخاطر، والمشاركة تُفرغ من معناها التمكيني.

وامتد التحدي من الأدوات إلى العقل المؤسسي؛ حيث تغلب الحسابات الكمية على الاجتهاد المقاصدي، وتُدار الصيغ بلغة الجداول لا بروح الغايات، فتُختزل فكرة التمويل القيمي إلى توافق شكلي.

فالمطلوب إذن، ليس رفض السوق؛ بل استعادة التوازن بين الامتثال والمقصد، وبين المنافسة والرسالة. فالمصرفية الإسلامية وُجدت لا لتُقلد؛ بل لتُعبّر عن رؤية تُعيد للمال قيمته، وللمؤسسة معناها. والسؤال الذي ينبغي طرحه اليوم، هو: هل نملك الشجاعة لبناء أدوات تعبّر عن رؤيتنا.. لا تُشابه غيرنا؟

ما بعد القول.. وما قبل الإجابة

في المصرفية الإسلامية، لم يكن الغرض يتمثل في إنتاج أدوات مالية فحسب؛ بل إعادة صياغة العلاقة بين المال والإنسان. فقد وُلدت هذه التجربة قبل خمسة قرون في لحظة حضارية حرجة، لتقدّم بديلًا أخلاقيًّا في عالم يُعامل المال كأداة سيطرة لا وسيلة إعمار. لم تكن مجرد تعديل تقني على نموذج رأسمالي؛ بل دعوة لإعادة الاعتبار للإنسان والعَقد والقيمة، ضمن ما يمكن تسميته باقتصاد المعنى.

لكن مع مرور الزمن، تآكلت بعض هذه الرؤية تحت ضغط الامتثال ولوائح السوق، فانزلقت مؤسسات إلى تكرار أدوات تقليدية بأسماء شرعية، وابتعدت عن المقاصد إلى حسابات الربحية وحدها.

فقوة المصرفية الإسلامية لا تُقاس بعدد الصكوك ولا بحجم الميزانيات؛ بل بقدرتها على الوفاء برسالتها بأن تكون أداة تحرير لا تدوير، ومؤسسة تعيد للمال معناه، لا تسلبه روحه. ففي زمن تجتاحه الأشكال، تبقى المعاني وحدها قادرة على البقاء.

إعلان

والسؤال الجوهري الذي يظل يُلحّ على الضمير المهني والأخلاقي معًا،هو: هل يكفي ألا تكون المصرفية الإسلامية ربويّة أم يجب أن تكون رحيمة وعادلة أيضًا؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مدبولي يلتقي رئيس جمهورية أوغندا.. صور
  • أبرز محطات الكهرباء التي تعرضت للاستهداف في السودان
  • رئيس وزراء لبنان: ماضون في ردم الفجوة مع الأشقاء
  • وزير البترول يلتقي رئيس الوزراء البريطاني ووزير الدولة لأمن الطاقة بالمملكة المتحدة
  • مدبولي يتابع مع وزير الصحة مؤشرات تنفيذ المبادرات الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار
  • عاجل - مدبولي: تطبيق فورى لتوجيهات الرئيس السيسى من أجل توفير مناخ استثمارى
  • عاجل - مدبولي يرأس اجتماع الحكومة ويؤكد التزام الدولة بدعم الاستثمار وتطوير الخطاب الديني في ذكرى تحرير سيناء
  • مدبولي يهنئ الرئيس السيسي بذكرى عيد تحرير سيناء
  • المصارف الإسلامية التي أعادت الاعتبار للمال.. ماذا حدث لها؟
  • اليوم.. مدبولي يترأس الاجتماع الأسبوعي يعقبه مؤتمر صحفي