الفنان التشكيلي نبيل السمان.. لوحة معاصرة بنفسٍ تراثي
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
طرطوس-سانا
يرحل الفنان التشكيلي نبيل السمان عبر تقنيات اللون بلوحاته نحو المستقبل، واصلاً ماضي الأزمنة بحاضرها البعيد عبر كيمياء اللون اللامحدودة ومعادلاته غير النهائية.
السمان الذي درس التصميم الداخلي أو ما يعرف بقسم “الديكور” في كلية الفنون الجميلة وتخرج منها عام 1981 يضع أساساً للوحاته، حيث يختار موضوعاته لتكوين حالة درامية تتصارع فيها الألوان الحارة مع الباردة لينتصر فيها لون بعينه على بقية الألوان ليكون نتاج بيئة بصرية عالية.
ويرى السمان في حديث لمراسل سانا أنه ينتمي إلى الجيل الرابع من الفن التشكيلي السوري برحلته الممتدة على مدى 120 عاماً، أسس خلالها رواد ومبدعو هذا الفن هويته، وقدّم كل جيل إضافةً وأثرا بحسب التجربة الشخصية لكل فنان، وليكون لدى كل واحد منهم مشروع فني خاص، ليس فقط مجرد رسمٍ ولوحة فكانوا شهوداً على أزمنة غابرة وأعطوا إضافة ثريّة للمسيرة الثقافية التشكيلية.
وكل لوحة بالنسبة له هي مشروع مستمر ليقول كلمة جديدة في الفن السوري، متحدثاً عن رحلته التي تجاوزت 40 عاماً، تناول خلالها السمان بأعماله أساطير تاريخ سورية القديم منها “جلجامش وعشتار وبعل”، ليبقى كما قال الأثر السوري وإنجازات تلك الحقب الزمنية حاضراً، ويسعى لإتمام مشروعه المندرج تحت هذا التصنيف وهو “المنجز السوري في العصر الهلنستي”.
وحتى يكتمل المشهد ينبغي على كل فنان أن يؤدي دوره ورسالته في الفن التشكيلي سواءً الرسم أو النحت، مشبّهاً لوحاته في مرحلة “الوجه والمدينة” التي يعمل عليها الآن بحالة العمل المسرحي واستنهاض التماثيل، لتصبح كائناً من دمٍ ولحم يستطيع معها وبها تقديم أفكار جديدة وهويته الخاصة في الفن السوري.
ويؤمن السمان بأن لكل فنان بصمته الخاصة وأسلوبه وهو أمر بديهي وهام، لكنه يؤكد على فكرة استثمار واستخدام أساليب وتقنيات الرسم ومدارسه المتعددة كالرمزية والانطباعية، مع قناعته بالعمل المركب والدمج بين أكثر من أسلوب ومدرسة تشكيلية، ومن غير الجائز حسب السمان تصنيف الفنان تصنيفاً تقليدياً إلى لون ونوع ومدرسة تشكيلية واحدة.
ويجد السمان أن الفن أصبح شيئاً وجودياً متاحاً في زمن التواصل الاجتماعي، اتسعت فيه مساحة المعرفة والاطلاع، معتبراً تلك المواقع غير المجدية للفنانين الشباب قد تؤثر عليهم بطريقة سلبية تفقدهم هويتهم ولم يعد لديهم بوصلة في الفن، مؤكداً حرصه على تقديم لوحة محليّة تشبهنا لتكون لوحة عالمية.
عام 1986 كانت بداية مشاركة السمان في المعارض الرسمية، ليشارك بعدها بالعديد من المعارض المشتركة وأقام معارض فردية داخل سورية وخارجها، له كتابات في الدوريات الصحفية بقضايا الفن التشكيلي والشأن الثقافي ودراسات حول فنون الطفل.
وأقام السمان وشارك في ورشات العمل ونفذ دراسات وديكورات لمبان رسمية وخاصة، كما شارك في تصميم وتنفيذ اللوحات الجدارية، وكرمته وزارة الثقافة عام 2022 في ذكرى تأسيسها الـ 64 لما قدمه للمشهد التشكيلي السوري، وأقام هذا العام معرضاً جماعياً لضحايا الزلزال في صالة زوايا في دمشق.
فاطمة حسين
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: فی الفن
إقرأ أيضاً:
من هو الفنان؟ سؤال يُثير الجدل في عصر الـNFT والفن الرقمي
في العصر الحديث، أصبح مفهوم "الفنان" يتجاوز الحدود التقليدية، ليأخذ أشكالًا متعددة ويدخل في مجالات جديدة تمامًا لم تكن معروفة من قبل. منذ اختراع الفن الرقمي وصولًا إلى ظهور الـNFT (الرموز غير القابلة للاستبدال)، أصبح السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: "من هو الفنان؟" هذا السؤال لا يُثير الجدل فقط داخل الأوساط الفنية التقليدية، بل يعكس أيضًا التغيرات العميقة في عالم الفن، التي تتجسد في التقنيات الرقمية الجديدة التي أضافت بُعدًا آخر لفهمنا للفن وملكية الأعمال الفنية.
الفن، في معناه التقليدي، كان مرتبطًا بالفنانين الذين يتقنون تقنيات محددة، مثل الرسم، النحت، والتمثال، ويعبرون عن أفكارهم ومشاعرهم عبر الوسائط التقليدية. كان الفنان هو الشخص الذي يمتلك المهارة والحرفية في إبداع عمل فني يتم تنفيذه باستخدام أدوات ملموسة كالفرشاة، القلم، الطين، أو الحجر. لكن مع ظهور الفن الرقمي، تغير هذا التعريف التقليدي، حيث أصبح بإمكان أي شخص يستخدم الحاسوب أو البرمجيات المختلفة أن يصبح "فنانًا" وينشئ أعمالًا فنية ذات طابع مبتكر.
الفن الرقمي يُقدمه الفنان عبر وسائط غير مادية، قد تكون مجرد صور أو فيديوهات أو حتى تجارب تفاعلية عبر الإنترنت. وهنا، تطرح أسئلة جديدة حول من يملك الحق في أن يُسمى فنانًا، وهل يجب أن يكون لهذا الشخص خلفية تعليمية أو تاريخ فني طويل؟ أم أن القدرة على الابتكار باستخدام الأدوات الحديثة كافية لتحديد من هو الفنان؟
مع ظهور الـNFTs (الرموز غير القابلة للاستبدال)، أصبح السؤال عن "من هو الفنان؟" أكثر تعقيدًا. الـNFT هو نوع من الأصول الرقمية التي تُمكّن الفنان من بيع أعماله الفنية كرمز رقمي فريد لا يمكن نسخه أو استبداله. تعني هذه التقنية أن الفنان يمكنه تحويل عمله الرقمي إلى "ملكية" حصرية تمتلك قيمة مالية مرتبطة بالرمز الذي يحمل توقيعه الرقمي، مما يفتح المجال لتحول جذري في مفهوم الفن وجوهره.
على الرغم من أن الـNFTs قدمت فرصًا جديدة للفنانين الرقميين، فإن هذا المجال أثار أيضًا العديد من الأسئلة حول من يحق له أن يُدرج ضمن قائمة الفنانين الذين يُنتِجون أعمالًا قابلة للشراء أو التداول كـNFT. فهل يكفي أن يمتلك شخص ما القدرة على تصميم رمز رقمي فريد وبيعه ليصبح فنانًا؟ أم أن هذا المجال يعكس تحولًا جوهريًا في قيم الفن نفسها؟
في الوقت الذي بدأ فيه الفن الرقمي والـNFT في الحصول على القبول والشهرة، ظهرت بعض الأصوات المعارضة التي تتساءل عن قيمة هذا النوع من الفن. على الرغم من أن الفن الرقمي أصبح جزءًا من الحياة اليومية للملايين عبر الإنترنت، فإن الكثيرين لا يزالون يرون أن الفن الحقيقي لا يمكن أن يتجسد إلا في الأشكال التقليدية الملموسة. إذ يعتبر البعض أن الأعمال الفنية التي لا تمتلك وجودًا ماديًا، مثل اللوحات الرقمية أو الصور المنشأة عبر الكمبيوتر، تفتقر إلى الأصالة والتأثير العاطفي الذي تحققه الأعمال الفنية التقليدية.
إن الفكرة السائدة في الفن التقليدي ترتبط بالجمالية الملموسة والتفاعل الحسي مع العمل الفني، بينما في الفن الرقمي، يمكن أن يكون العمل الفني مجرد صورة أو كود معروض على الشاشة. هذا التحول يثير تساؤلات حول معنى "الجمال" و"الإبداع" في هذا العصر الرقمي، وهل الفن الرقمي قادر على أن يكون بنفس المستوى من القيمة الجمالية أو الثقافية كما كانت الفنون التقليدية؟
عندما تفتح السوشيال ميديا ومنصات مثل "إنستجرام" أو "تيك توك" أبوابًا للفنانين لعرض أعمالهم، تصبح المنافسة أكبر ولكن أيضًا تصبح الفرصة متاحة لكل شخص ليقدم نفسه كفنان. في السابق، كان الوصول إلى جمهور واسع يتطلب سنوات من التدريب أو التواجد في معارض فنية محترمة، لكن اليوم، مع أدوات مثل الفوتوشوب أو برامج تصميم أخرى، يمكن لأي شخص لديه فكرة مبتكرة أن يخلق عملًا فنيًا رقميًا يعرضه للجميع.
هذا التوسع في مفهوم "الفنان" قد يزعج أولئك الذين يرون أن الفنان يجب أن يكون شخصًا خضع لعملية تعليمية صارمة، ويمتلك مهارات تقنية عالية، بينما يراه آخرون أنه يجب أن يكون هذا التعريف أكثر شمولية، حيث يكمن الإبداع في القدرة على التعبير والتواصل مع الآخرين من خلال أي وسيلة فنية، حتى لو كانت هذه الوسيلة رقمية.
لا يمكن إنكار أن الـNFT قد منح الفن الرقمي قيمة سوقية هائلة، حيث بيع بعض الأعمال الفنية الرقمية بأرقام فلكية. في هذا السياق، يظهر سؤال جديد: هل الفن الرقمي والـNFT مجرد ظاهرة تجارية، أم أن له قيمة فنية حقيقية؟ هل البيع الضخم لعمل فني رقمي يعني أنه فني وجميل بقدر الأعمال التقليدية التي تُعرض في المعارض الشهيرة؟ وهل يمكن مقارنة القيمة المادية للعمل الفني الرقمي مع الفن التقليدي الذي يقتني المتاحف؟
في ظل هذه التحولات، بدأ بعض النقاد والفنانين أنفسهم في التشكيك في ما إذا كان الفن الرقمي في شكل الـNFT يمثّل إبداعًا حقيقيًا أو مجرد وسيلة لرفع الأسعار على حساب الأصالة الفنية. البعض يرى أن فكرة امتلاك رموز رقمية قد تكون نوعًا من البازار الرقمي الذي يفتقر إلى المعنى العميق، مقارنة بالأعمال الفنية التي تحمل تاريخًا طويلًا من الإبداع والتطور.
مع تسارع التطورات التكنولوجية وتوسع الفن الرقمي، يصبح من الصعب تحديد من هو الفنان في ظل هذه التحولات. هل يجب على الفنان أن يمتلك تاريخًا طويلًا من الأعمال الفنية الملموسة ليُعترف به؟ أم أن العالم الرقمي قد أتاح للجميع فرصة لتقديم أنفسهم كفنانين، وأن الإبداع الحقيقي يكمن في القدرة على خلق عمل مؤثر، بغض النظر عن الوسيلة؟
العديد من الفنانين الرقميين والـNFT يرون في هذه التقنيات وسيلة لتوسيع آفاق الفن وكسره لقيوده التقليدية. ربما يصبح "الفنان" في المستقبل هو الشخص القادر على تحويل الأفكار إلى أشكال جديدة، سواء عبر الشاشات أو الرموز الرقمية. ومع ذلك، يبقى السؤال الأساسي هو: هل هذه التطورات تعني تحولًا في قيمة الفن نفسه، أم أن هناك شيئًا جوهريًا في الفن التقليدي لا يمكن الاستغناء عنه مهما تغيرت الوسائل؟
في نهاية المطاف، يظل مفهوم "الفنان" في عصر الـNFT والفن الرقمي غامضًا ومثيرًا للجدل. يمكن القول إن الفن أصبح أكثر ديمقراطية وتنوعًا مما كان عليه في الماضي، حيث يمكن لأي شخص أن يخلق عملًا فنيًا في العصر الرقمي. ولكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيظل "الفنان" هو نفسه في المستقبل، أم أن مفهوم الفن سيكون أكثر مرونة وشمولية مع تطور الوسائط والابتكارات الرقمية؟