هل ستطبق فرنسا سيناريو داعش 2014 في غرب أفريقيا
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
قبل 12 سنة، في منطقة الشرق الأوسط أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من العراق في ديسمبر 2011 في عهد الرئيس الديموقراطي الأسبق باراك أوباما، بعد أن احتلت البلاد لمدة سبع سنوات بذريعة "أسلحة الدمار الشامل" بسبب ضغط شعبي أمريكي طالب بالانسحاب من العراق بعد اكتشاف كذبة الأسلحة الكيميائية، بالإضافة ارتفاع فاتورة الاحتلال ماليا وبشريا، وكذلك انكشاف فضائع ارتكبها أمريكيون بحق العراقيين كفضيحة سجن أبو غريب.
وبعد ثلاث سنوات فقط من الانسحاب الأمريكي أفاق العلم على قيام دولة لـ"داعش" لتجتاح الجماعات التكفيرية محافظات ومساحات شاسعة من العراق وسوريا، حتى باتت على أبواب بغداد ودمشق، لتعود القوات الأمريكية مجددا إلى المنطقة وهذه المرة من بوابة محاربة "داعش".
وفي منتصف يوليو 2014 أعلنت واشنطن بداية عملياته العسكرية وبتأييد دولي وداخلي أمريكي فقد رأى الجميع سكاكين "داعش" وهي تذبح مئات الآلاف أمام الكاميرات، علما أن "داعش" تحمل الفكر الوهابي وهو ذات الفكر الذي استخدمته الولايات المتحدة إبان حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ثمانينات القرن الماضي.
وعلى الرغم من الضربات الجوي والإعلان عن عمليات عسكرية لـ "التحالف الدولي" الذي تقوده أمريكا، إلا أن أوباما قال حينها أن بلاده تحتاج "30 عاما" لهزيمة "داعش"، وربما أكثر، فقد كان الوضع على الأرض مختلفا فالجماعات التكفيرية تواصل تمددها، وتشن هجماتها وتحصل على التمويل والسلاح بطرق سلسة وسهلة وبمساعدة "أجهزة استخبارات دولية"، باستثناء الإعلان عن مصرع قيادات لداعش، والذين تخرجوا من السجون الأمريكية، بغطاء إعلامي مكثف خلال فترات الانتخابات الأمريكية.
وبالعودة إلى النيجر، وبمقارنة الوضع في المنطقة العربية وفي غرب أفريقيا نجد تطابقا إلى حد كبير في كونهما مناطق غنية بالثروات المعدنية وكذلك حكوماتها وتحالفاتها موالية للغرب، غير أن أمريكا تهيمن على منطقة الشرق الأوسط كوريث لبريطانيا، فيما تهيمن فرنسا على غرب أفريقيا، وفقا لتقاسم قوى الغرب للعالم عقب الحرب العالمية الثانية.
ويرى محللون أن السيناريو الأمريكي في العراق وسوريا وانتشار الجماعات التكفيرية مرشحة بالعودة بقوة إلى غرب أفريقيا، كما ألمح وزير الدفاع الفرنسي اليوم، وبذلك سيتم إضعاف القوى الوطنية المناوئة للغرب وهز ثقة الشعوب الأفريقية بها، وكذلك وفتح الباب على مصراعيه لفرنسا وحلفاؤها للعودة إلى المنطقة بذريعة محاربة التكفيريين.
ولتجنب هذا السناريو على دول وشعوب أفريقيا الثائرة بداية التوحد في مواجهة الخطر التكفيري، والاستفادة من تجربة العراق وسوريا ومتابعة تمويل وتسليح الجماعات التكفيرية وضرب معاقلها، وليكون لها عبرة في الحشد الشعبي العراقي المحلي من أبناء العراق وبدعم من دولة إيران الجارة استطاع هزيمة داعش في ثلاث سنوات بعد أن كانت واشنطن وحلفاؤها طلبوا 30 سنة، وعلى الرغم أيضا من الغارات التي شنت عليها لصالح داعش، وكذلك في اليمن حيث استطاعت الحكومة في صنعاء المناهضة لأمريكا من القضاع على "داعش" و"القاعدة"، بإمكاناتها المحلية في حين تنتشر تلك الجماعات في مناطق الاحتلال جنوب وشرق البلاد الخاضع للهيمنة الأمريكية وحلفاؤها.
ونتذكر كيف تخبط قادة أمريكيا بعد هزيمة "داعش" في إيجاد عنوان بديل لتبرير وجود قوات بلادهم في المنطقة، فقد قال الرئيس الجمهوري الأسبق دونالد ترامب صراحة أن التواجد هو لحماية آبار النفط، قبل أن يعود عنوان محاربة "الإرهاب" مع مجيء الرئيس الديموقراطي الحالي جون بايدن في ظل تقارير إعلامية واستخباراتية تتحدث عن محاولات أمريكية لتدوير الجماعات التكفيرية، التي لا تظهر ولا تحارب إلا في أماكن الثروة في العالم وفي الأماكن الاستراتيجية التي تريد قوى الغرب أن تضع يدها عليها.
المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الجماعات التکفیریة غرب أفریقیا
إقرأ أيضاً:
أمريكا والإرهاب في الشرق الأوسط.. اليمن نموذج لمقاومة الهيمنة والفوضى
يمانيون/ تقارير استخدمت الولايات المتحدة شعار “الحرب على الإرهاب” أداة دعائية لتبرير تدخلاتها العسكرية في الشرق الأوسط، لكن الوقائع أثبتت أنها لم تحارب الإرهاب يوما، بل كانت صانعته.
فمنذ أن رفعت واشنطن هذا الشعار، تحولت إلى الراعي الأول للجماعات الإرهابية، مستغلة وجودها لخلق الفوضى، وإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة، ونهب ثرواتها، وتبرير احتلالها العسكري لدول الشرق الأوسط.
لم تكن استراتيجية الولايات المتحدة تهدف إلى محاربة الإرهاب، بل إلى استخدام الجماعات الإرهابية كأدوات لتبرير تدخلاتها العسكرية، فبدلاً من القضاء عليها، كانت واشنطن تساهم في نموها وتمويلها لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية.
من خلال هذه السياسات، أصبحت الجماعات الإرهابية أداة بيد أمريكا لإعادة رسم الخارطة السياسية وتوسيع نفوذها، ومع مرور الوقت، اتضح أن الإرهاب لم يكن عدواً لأمريكا، بل كان وسيلة لفرض السيطرة على الدول ونهب الثروات تحت ستار محاربة خطر صنعته بنفسها.
على مدار عقود، أثبتت الأحداث أن أمريكا المستفيد الأول من انتشار الإرهاب، حيث تتبنى استراتيجية مزدوجة تقوم على توظيف الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، ثم التدخل بحجة مكافحتها، فلم يكن ظهور الجماعات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، مجرد نتيجة لصراعات محلية، بل كان امتداداً لسياسات أمريكية بدأت منذ الحرب الباردة، عندما استخدمت واشنطن الجماعات المتطرفة لمحاربة الاتحاد السوفيتي، ثم أعادت توظيفها لاحقاً لإعادة تشكيل الخارطة السياسية وفق مصالحها.
في العراق، مثّل الغزو الأمريكي عام 2003 خطوة لإعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري، حيث أدت هذه الحرب إلى تفكيك الدولة، وخلق بيئة خصبة لظهور الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، الذي شكل امتدادا مباشرا للسياسات الأمريكية في المنطقة.
بعد انسحابها من العراق، تركت أمريكا فراغاً أمنياً سمح لداعش بالتمدد بسرعة غير منطقية، ما دفع واشنطن إلى العودة مجدداً تحت ذريعة مكافحته، لكن الواقع كشف أن توسع داعش لم يكن إلا مبرراً للتدخل العسكري، وليس نتيجة ضعف الحكومة العراقية وحدها.
أما في سوريا، فقد دعمت الولايات المتحدة الجماعات المسلحة تحت مسمى “المعارضة المعتدلة”، لكن هذه الجماعات كانت مجرد غطاء للفصائل الإرهابية التي استخدمت الدعم الأمريكي والخليجي لإشعال الحرب وتدمير البنية التحتية للبلاد، ذلك الدعم ساهم في تحويل سوريا إلى ساحة للفوضى، خدمة للمصالح الأمريكية والصهيونية، حيث أصبح التدخل العسكري الأمريكي جزءاً من استراتيجية أوسع لتوسيع نفوذ واشنطن في المنطقة.
وفي هذا السياق، لم يكن صعود الجولاني إلى قمة المشهد السوري مجرد تطور داخلي، بل جاء نتيجة دعم أمريكي مباشر وغير مباشر، حيث وفرت واشنطن وحلفاؤها الغطاء السياسي واللوجستي لتحركات الجماعات المسلحة، وسهلت حصولها على الأسلحة تحت مسمى “المعارضة المعتدلة”، ما سمح لها بالتمدد والسيطرة على الأرض.
أصبح الجولاني قائداً لجميع الأراضي السورية عبر عصابة “هيئة تحرير الشام”، التي تحولت إلى القوة الحاكمة للبلاد، ومارست أبشع الجرائم بحق المدنيين، في إطار مشروع أمريكي لإعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة.
لم يقتصر دعم الولايات المتحدة للإرهاب على الجماعات المتطرفة، بل كانت شريكاً أساسياً في رعاية الإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين، فمنذ احتلال فلسطين، قدمت أمريكا للكيان الصهيوني كل أشكال الدعم العسكري والسياسي، وأصبحت شريكة في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، من خلال تمويل جيش الاحتلال، وتزويده بأحدث الأسلحة، وتوفير الغطاء الدبلوماسي في الأمم المتحدة لتمكينه من مواصلة جرائمه دون مساءلة.
لم تكتفِ واشنطن بدعم الكيان الصهيوني عسكرياً واقتصادياً، بل كانت الحامي السياسي له، مستخدمة حق الفيتو عشرات المرات لإجهاض أي قرار يدين جرائمه في مجلس الأمن، وهذا الدعم جعل إسرائيل تمضي في انتهاكاتها دون خوف من أي عقوبات دولية.
على مدى العقود الماضية، استخدمت واشنطن ملف “مكافحة الإرهاب” كذريعة لإسكات أي صوت مقاوم، فكل من يرفض الهيمنة الأمريكية، أو يواجه الاحتلال الإسرائيلي، يوصف بالإرهاب، بينما تصنف الجماعات المتطرفة، التي تخدم المصالح الأمريكية، بأنها “معارضة مشروعة” تستحق الدعم، هذا الانحياز الأمريكي الفاضح كشف زيف ادعاءاتها حول محاربة الإرهاب، وكشف أن واشنطن لا تكافح الإرهاب، بل تحميه، وتستخدمه أداة لتحقيق أهدافها الاستعمارية.
لم يكن اليمن بمعزل عن هذه المشاريع الأمريكية، فقد ظلت واشنطن لعقود تستخدم النظام السابق أداة لتمرير مخططاتها، وتثبيت وجودها العسكري، من خلال قواعد سرية، وسياسات تدميرية، أسهمت في إضعاف الدولة، وفتح المجال أمام الجماعات الإرهابية للنشاط بحرية في بعض المناطق، لتكون أداة ضغط يتم استخدامها عند الحاجة.
غير أن المعادلة تغيرت مع ثورة 21 سبتمبر 2014، التي شكلت ضربة قاصمة لمشاريع واشنطن، حيث تمكن الشعب اليمني من إسقاط الوصاية الأمريكية، وطرد الأدوات العميلة، وإنهاء النفوذ الأمريكي الذي كان متغلغلا في مؤسسات الدولة.
هذه الثورة مثلت تحولاً استراتيجياً أفقد واشنطن واحدة من أهم ساحات نفوذها في المنطقة، وجعل اليمن نموذجاً فريداً في مواجهة المشاريع الأمريكية، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى شن حرب عدوانية، عبر أدواتها في المنطقة، بهدف إعادة اليمن إلى مربع الهيمنة، لكن هذه الحرب، رغم قساوتها، لم تحقق أهدافها، بل زادت من صلابة الموقف اليمني، وأثبتت أن الشعب قادر على الصمود، وإفشال كل المخططات الخارجية.
اليمن اليوم ليس مجرد ساحة مواجهة، بل نموذجاً حياً لإفشال الهيمنة الأمريكية، حيث تمكن من كسر أدواتها وفضح زيف شعاراتها، ومع استمرار صمود الشعوب الحرة، يتضح أن المشروع الأمريكي في المنطقة يواجه نهايته المحتومة، وأن الهيمنة التي بنيت على الإرهاب ستنهار أمام إرادة الشعوب ووعيها المتزايد.