ما بعد حرب ناغورني قره باغ الثالثة
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
ما بعد حرب ناغورني قره باغ الثالثة
انتهت العملية بعد يوم واحد بانتصار الجيش الأذربيجاني وقبول العصابات الأرمنية إلقاء السلاح وفق شروط باكو لوقف إطلاق النار.
باكو وأنقرة ماضيتان قدما لاستكمال مشروع ممر زنغزور الذي يربط أذربيجان جغرافيا بنخجوان التابعة لها، وتركيا بالجمهوريات التركية بآسيا الوسطى.
العصابات الأرمنية الانفصالية بإقليم ناغورني قره باغ كانت خنجرا في ظهر أذربيجان وجاء انتصار أذربيجان فرصة للتخلص منه لتبدأ مباشرة في بسط سيطرتها على كافة الإقليم ومعالجة آثار الاحتلال الأرمني السلبية.
* * *
أطلقت أذربيجان قبل حوالي أسبوع عملية عسكرية لتحرير ما تبقى من إقليم ناغورني قره باغ من العصابات الأرمنية الانفصالية، على وقع إعلان انتخاب رئيس جمهورية جديد للأرمن في الإقليم، وبعد أن ضاقت أذربيجان ذرعا بالهجمات التي تستهدف الجيش وقوات الأمن والمدنيين. وانتهت العملية بعد يوم واحد بانتصار الجيش الأذربيجاني وقبول العصابات الأرمنية إلقاء السلاح وفق شروط باكو لوقف إطلاق النار.
الحرب الأولى في الإقليم كانت ما بين عامي 1988 و1994، وانتهت لصالح الأرمن، إلا أن أذربيجان نجحت في استعادة معظم أراضي الإقليم المحتل في الحرب الثانية التي بدأت في 27 أيلول/ سبتمبر 2020 واستمرت 44 يوما.
ويمكن القول بأنها قامت في الحرب الأخيرة بتتويج الانتصار الكبير الذي حققته قبل ثلاث سنوات. ومن المؤكد أن الظروف الدولية والإقليمية، والتدافع الروسي الغربي، واعتراف يريفان بسيادة أذربيجان على كامل ترابها بما فيه إقليم ناغورني قره باغ، وعدم تدخل الجيش الأرمني في الحرب الأخيرة لحماية العصابات الأرمنية؛ عوامل سهلت مهمة الجيش الأذربيجاني، وأدت إلى هذا الانتصار السريع.
العصابات الأرمنية الانفصالية في إقليم قره باغ كانت بمثابة خنجر في ظهر أذربيجان، وبالتالي، يشكل الانتصار الأخير الذي حققته أذربيجان فرصة للتخلص من ذاك الخنجر المسموم الذي كان يضعف قوتها، لتبدأ مباشرة في عملية بسط سيطرتها على كافة الإقليم ومعالجة الآثار السلبية التي خلّفها الاحتلال الأرمني.
الخاسر الآخر في حرب قره باغ الثالثة هو اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة وأوروبا، وفقدت الجماعات الأرمنية التي كانت تدعم العصابات الأرمنية الانفصالية وتتاجر بمعاناة الأرمن في إقليم قره باغ، إحدى أهم أوراقها.
لذلك، تتهم أذربيجان زورا وبهتانا بارتكاب المجازر والإبادة والتهجير في الإقليم، بل يذهب بعض قادتها إلى أبعد من ذلك، فيتهمون رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان بالخيانة لعدم وقوفه إلى جانب العصابات الأرمنية الانفصالية في قره باغ، ويحثون حراسه على اغتياله "خدمة لقضيتهم الوطنية".
هناك حركة نزوح من إقليم قره باغ، ويعود الآلاف من الأرمن إلى أرمينيا، ومعظم هؤلاء من الذين استوطنوا الإقليم بعد احتلاله. ولا تجبر أذربيجان سكان قره باغ على البقاء أو الرحيل، بل توزع مساعدات على النازحين ليغادروا الإقليم في ظروف إنسانية. كما أنها ستمنح الباقين من الأرمن مواطنتها، وستقدم إلى الإقليم جميع الخدمات التي يحتاج إليها.
باشينيان يسعى إلى الابتعاد عن النفوذ الروسي، والتقارب مع الغرب، وإخراج أرمينيا من العزلة السياسية والاقتصادية. ويدرك جيدا أن طريق تنشيط الاقتصاد في بلاده، وتحسين الظروف المعيشية لمواطنيها، يمر عبر تطبيع علاقات أرمينيا مع أذربيجان وتركيا، ومن المؤكد أن انتهاء أزمة قره باغ سيساعده في الوصول إلى أهدافه.
الحرب الثانية في إقليم قره باغ غيّرت التوازنات في منطقة القوقاز، ثم جاءت الحرب الثالثة لتثبت المعادلة الجديدة التي يُتوقع أن تسهم في تطبيع العلاقات الأذربيجانية الأرمينية من جهة والعلاقات التركية الأرمينية من جهة أخرى، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي بين بلدان المنطقة، وتعزيز السلام فيها، كما منحت باكو فرصة التركيز على إنشاء ممر زنغزور وفقا للاتفاقية الموقعة مع يريفان لإنهاء الحرب الثانية.
أذربيجان قطعت شوطا كبيرا في إنشاء الطرق والسكك الحديدية ضمن مشروع ممر زنغزور الذي سيربط منطقة نخجوان بأذربيجان عبر الأراضي الأرمنية، إلا أن أرمينيا لم تحرك ساكنا حتى الآن للالتزام بالاتفاقية الموقعة قبل ثلاث سنوات.
وبعد الحرب الأخيرة وانتهاء مشكلة العصابات الأرمنية الانفصالية في إقليم قره باغ، ستواجه أرمينيا ضغوطا أكبر كي تقوم بما يقع عليها من أعمال لاستكمال مشروع الممر، ولن تجد مساحة مناورة للمماطلة، في ظل رغبة الحكومة الأرمينية الحالية بتطبيع علاقات يريفان مع باكو وأنقرة.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان زار الاثنين منطقة نخجوان، وشارك مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف في وضع حجر الأساس لخط نقل الغاز من مدينة إغدير التركية إلى نخجوان، وتدشين مجمع عسكري في المنطقة.
ومن المؤكد أن هذه الزيارة رسالة إلى كافة المعنيين بممر زنغزور مفادها أن باكو وأنقرة عازمتان في المضي قدما لاستكمال مشروع الممر الذي سيربط أذربيجان جغرافيا بمنطقة نخجوان التابعة لها، كما سيربط تركيا بالجمهوريات التركية في آسيا الوسطى.
أردوغان أثناء حديثه للصحفيين في طريق عودته إلى تركيا تطرق إلى ملف ممر زنغزور، وذكر أن هناك إشارات إيجابية تأتي من إيران. ولعل ما يقصده رئيس الجمهورية التركي هو اقتراح طهران أن يعبر الممر من الجانب الإيراني للحدود، بدلا من الأراضي الأرمنية.
كما أن تصريحات أردوغان هذه رسالة تحذير إلى أرمينيا ليلفت فيها انتباه يريفان إلى أن إيران تنافس أرمينيا في مشروع الممر الرابط بين أذربيجان ونخجوان، وتسعى إلى الظفر بعبوره من أراضيها، كخطة بديلة في حال فشل جهودها الرامية إلى عرقلته تماما، وأن أرمينيا ستكون الخاسر الأكبر إن لم تلتزم بالاتفاقية التي وقعتها مع أذربيجان وبقيت خارج هذا المشروع الاقتصادي الكبير.
*إسماعيل ياشا كاتب صحفي تركي
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تركيا أرمينيا باشينيان أذربيجان نخجوان إيران ممر زنغزور فی إقلیم قره باغ ناغورنی قره باغ
إقرأ أيضاً:
الأوضاع لن تتغير.. سياسي كردي: الإقليم ليس ضمن أولويات ترامب
بغداد اليوم- بغداد
علق الباحث في الشأن السياسي الكردي لقمان حسين، اليوم الأربعاء (18 كانون الأول 2024)، على احتمالية تغيير نظرة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إزاء الأحزاب الكردية أو الوضع السياسي في الإقليم.
وقال حسين في حديث لـ"بغداد اليوم" إن "الإقليم ليس مهما بدرجة كبيرة بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة وتحديدا الرئيس الجديد دونالد ترامب، فالإقليم جزء من أحداث المنطقة ومتأثر بتأثيرات المنطقة الإقليمية ومتغيراتها، وبالتالي أمريكيا وتحديدا ترامب لا يهتم كثيرا بهذه البقعة الجغرافية".
وأضاف أنه "من الممكن أن يكون الإقليم جزء من تغيرات قد تحصل في العراق، ولكن بالعموم فإن أغلب الأحزاب الكردية هي صديقة لأمريكيا، وربما يحصل عليها ضغط بسيط لتغيير نظرتها وتحالفاتها في المنطقة".
وأشار حسين إلى أن "أمريكا يجب ألا يعول عليها أحد، لان سياستها غير ثابتة وهي تتبع مصالحها واستراتيجيتها العامة وبعيدة المدى"، لافتاً الى أن "كردستان ليست جزءاً من مصالحها الا بمجال محاربة الإرهاب، وربما من المهم أن يبقى عامل استقرار في المنطقة".
وسيتولى ترامب مهماته رئيساً لأمريكا في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، ومنذ فوزه بالانتخابات الرئاسية يطلق بين الحين والأخر تصريحات مثيرة حول التطورات التي تشهدها المنطقة، ومن بينها أنه إذا لم يطلق سراح المحتجزين في غزة قبل تنصيبه فسيكون هناك "جحيم" في الشرق الأوسط، على حد قوله.