تفكيكُ الجامعة العربية : بيَدِها لا بيَـد عَمْرو
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
(1)
يصادف شهر سبتمبر/أيلول هذا العـام، ذكرى مرور ثلاثة وثلاثين عاماً على تقديــم الشاذالي القليبي استقالته كأمين عام للجامعة العربية ، وهي الآستقالة الأولى والأخيرة في تاريخ جامعة الدول العربية، منذ إنشائها عام 1945م. جاءت فيها العبارات التالية :
(. . الأمر بلغ اليوم ذروة الخطورة ولذلك قرّرتُ أن أعلن قلقي على أملنا القومي من المخاطر المحدقة به ، وأنهي الاضطلاع بمسئوليتي كأمينٍ عام لجامعة الدول العربية ، ذلك أنّه كان لي أمل حتى هذه الأيام الأخيرة ، في إمكان الحلّ الســلمي رغم الصعـوبات.
كانت استقالة الأمين العام مسبّبة بعجـز الدول العربية عن حلِّ ازمــة غزو العراق للكويت بأيدي عربية، وتنمّـرتْ الدول الكبرى بقيــادة الولايات المتحدة لإجبار العراق بالقوة العسكرية الدولية لإنهاء غــزوه لدولة الكويت. لم تفلح مساعي الجامعة العربية، وانتـهى الأمر بحرب الخليج الأولى إلى تحجيمـ قدرات العراق السياسية والاقتصادية والعسكرية إلى حدود العجز .
(2)
لقد كان من البديهي أن تقوم الجامعة العربية وفـق ميثاقها التليـد ، بالعمل على حمايـة الدول الأعضـاء في منظومتها، فتضمن أمنها وسيادتها واستقرارها، بمثلما ظـلّ دورهـا في مختلف الأزمات التي مرّتْ بها بعض الدول العربية، ولعل استقالىة أمين عام الجامعة العربية ، كان بسبب العجز عن القيام بذلك الدور .
لكن – وبالمضاهاة- فإنّ الحرب الدائرة في السودان للخمسة أشهر المنصرمـة، تبـرز سـؤالاً مُلحّاَ : أين دور الجامعة العربية في حلّ أزمة تلك الحرب في السودان ، سِوى ما نرصد من جهد لفـظي لا يسمن ولا يغني مِن جوع. . .؟ ولكن يظـلّ السؤال المؤسـي : أيكون لضعف الاهتمام هذا ، صلة بمكانة عضوية دولة السودان وموقعها في الجامعة العربية، بما يشي بوجود تراتبـية للدول الأعضاء ، فيكون الاهتمام للأهمّ ثمّ إلى الأقلّ أهمية ؟
(3)
من شواهد التاريخ أنّ دولة السّودان ، وعلى اختلاف الأنظمة التي أدارتْ أحوالها، ظلتْ حاضرة في أغلـب المساعي التي بذلتها جامعـة الدول العربية تجاه حلّ كلّ ما نشأ من نزاعات بين الدول العربية، أو من صراعات دولها مع دولٍ أخرى. شارك السودان بقـواتٍ عسكرية في الفصل بين القوات العراقية والكويتية في عام 1961م ، وذلك تنفيذاً لقـرارات الجامعة العربيـة. وتشهد الحقائق التاريخية مشاركة السودان بفعالية محدودة خلال حرب يونيو 1967م، ثـم في حرب أكتوبر 1973م . وتشهد تلــك الحقائق للسودان مشاركة قــواته العسـكرية ضمـن قــوات الردع العربـية المشتركة التي أجـازت تكوينها القمـة العربية عام 1976م لوقــف الحرب الأهلية في لبنان، مثلما كان حضــورا قـوياَ في حــرب الخليج الأولى بين العــراق وإيران.
لا ينكر عربيٌّ واحد ذلك الدور التاريخي الذي لعبته دولة السودان في استضافة القمة العربية التي رفعت رأس الأمة العربية عالياً بعد هزيمتها في حرب يونيو/حــزيران 1967م، وتشـهد لاءات الخرطوم التاريخية، عظمة الأداء السوداني لإنفاذ المقاطعة النفطية على الدول الغربية ، وإقــرار عون الدول العربية النفطية للبلــدان العربية الشقيقة المتأثرة بالحــرب، إضافة إلى الالتزام القـوي بقرار "لا صلح لا اعتراف لاتفاوض" مع دولة إسرائيل.
(4)
إن الحرب التي أشعلها السودانيون في بلادهم ، وإنْ بدتْ في شكلها الظاهري، قتالاً بين جماعات شعـب واحـد وفي بلـدٍ واحد، لكنها في حقيقة الأمـر معارك قتالية ، تشـارك في إشعال نيرانها أصابعُ غـير ســودانية بالتحـريض تارةً ، وبالدّعم بالسلاح تارات أخـرى. وإنْ لاحظنا تعدّد المساعي الداخلية من كيانات سياسية وعسكرية في السودان ، وما رافقها من مساعٍ خارجية جاءتْ من كيانات إقليمية أو أطرافٍ دولية، فإنّ المسـعى العربي الذي يتوقع أن يصــدر عن الجامعة العربية - دون كل المساعي- لا يظهر للعيان، فيا ترى ما سـبب ذلك..؟
مع كامل التقدير للنوايا الحسـنة من الإتحاد الأفـريقي ، ومن المنظمـة الحكوميــة للتنميــة (الإيقــاد)، بحكم عضوية السودان التاريخية في تلكما المنظمتين ، لكن للسودان أيضاً عضوية تاريخية راسـخة ومنذ عام 1956م في جامعة الدول العربية، وما تستلزمه تلك العضوية من واجبات ومن حقوق.ا.
(5)
للسودان انتماء افريقي وعربي ينبغي أن يكون متوازناً لاعتبارات قد لا يتسع المجـال لذكرها. إلا أن الأنظمة التي تولت إدارة حكم السودان في العقود الماضية ، أخفقت في تحقيق ذلك التوازن المرجـوّ بين مكوّنات أمّـة ســودانية لا تزال هويتها قـيـد التشكّل والإدماج ، وفق تفاعلات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية معـقـدة. من أسفٍ، أنَّ الفشــل في إدارة ذلك الوضع المُعـقـد، أفضى بالبـلاد إلى صـراعات وانقسـامات، كان آخـرها انفصال جنوب السودان إلى دولة خـرجت من رحم السـودان القــديم. الخشــية الآن أن تتواصل متـواليــة الانقسامات والتشـظي على خطوطٍ طائفية وإثـنـية، ولن تقـف بعدها عند حــدود الجغــرافيــا ولا التاريخ.. إنّ المبادرات الإقليمية والدولية، إلى جانب المبادرات التي جاءت من أطراف ثنائية أخرى، هدفت جميعها إلى إيقاف تلك الحرب الدائرة في السودان .إنها مساعٍ - برغم جديتها - فهي تستبطن بطبيعتها أجندات تحمل في طيّاتها مصالحَ يلوّنها الإشـفاق على حال السودان، ولكن قد تحمل من خفيِّ المطامع ما تحمل.
(6)
إن عجز الجامعة العربية لهـوَ من عجز المنظمة الأممية ، والتي أعلن الأمين العام الحالي غوتيريش ، في خطابه الافتتاحي لدورة الأمم المتحدة الثامنة والسبعين في سبتمبر/أيلول هذا العام، أنّ الحاجة باتت أكثر إلحاحاً لمراجعة ميثـاق المنظمة الأممـية من جـديد ، وتهيئـته لتعـديلات سياسـية واقتصادية واجتمـاعيـة وثقافيـة لازمـة ، لها أن تستصحب ما طـرأ من تحوّلات لازمة، ومن تحـدّيات حقيقـية . لكأنّ الحال الآن أصبـح كحـال عصـبة الأمـم التي تضاعف عجزها سياسـياً واقتصاديا فقاد تآكلها العالـم إلى ويلات الحـرب العالمية الثانية بين عامي 1938م و1945م.
استفتح العالم بعد انتهاء الحرب عام 1945م، عهداً دوليا جديدا توافق المجتمع الدولي على ميثاق جديد له، فكانت هيئة الأمم المتحدة التي بلغ عمرها هذا العام ثمانية وسبعين عاما . ولعله من نافلة القول والجامعة العربية والتي في ذات عمر المنظمة الأممية ، لها الآن أن تراجع أوضاعها جميعا ، من ضبط الأهداف إلى إعادة صياغة ميثاقها ورسم هياكلها وهيئاتها ، وفوق كل ذلك وبعده ضبط شروط العضوية بما يضمن ويعزز فعالية تلك المنظمة..
(7)
فإن أقرّت الأمم المتحدة مراجعة ميثاقها وأهدافها ، خاصة ترتيـب أمر عضوية مجلـس أمـنهــا، الدائمة والمؤقتة ، فإنّ أول ما ينتظر أن تعالجـه الجامعة العربية كذلك ، هو مراجعة أمر شروط عضوية جميع المنتمين إلى عضويتها ، وما يقتضي ذلـك من تشاورات معمّـقــة وتدارس وتمحيـص ومـداولة ، حول الأهــداف والمفاهيم والمصطلحات واللغة. إن صياغات الميثاق التأسيسي لجامعة الدول العربية في الاسكندرية في مارس عــام 1945م ، تمّ عــلى عجل ودون عصف فكـري حصيف وشامل، وفي غياب إرادة الشعوب، فإنّ علـى الأمانـة العامـة لجامعة الدول العربـيـة أن تتجه بجُـرأة وإقــدام لمعالجـة كلّ تلك النـواقـص بشـفافية وموضوعية، تراعي أول ما تراعي، متطلبات القوانيـن الدوليــة، ثم التقاليـد والأعـــراف التي جرى اعتمادها خلال سنوات التحوّلات التي شـهدتها البشرية في العقود السبعة الأخيرة. .
إنْ كان مُقـدَّراً للمجتمع الدولي أن يُقـدِم على مراجعـة تراتبياتٍ حكمتْ عضــوية مجلس الأمن وفق توازنات تخصّ أقطابا أقوياء، ومنذ سنوات طويلة، فإنّ الحال قد تبدّل والتحالفات لم تعد هي التحـالفـات ، والأقـوياء لم يعودوا هم الأقـوياء وحدهم ، والضعـفاء أكثـرهم مـا عـادوا ضعـفاء. يحيـلـني كلّ ذلـك إلى النظر في حـال الجامعـة العـربيـة ، والتي لا منـاص مِـن أن تبـادر- وقبل أن تمتد إليها يد عمرو الذي تعرفون- لمراجعة أهـدافها ووثائقـها وهياكلها جميعا. لربمـا تبرز الحاجـة إلى أن تتفكك الجامعـة العربية إلى أكثر من منظـمة أو اتحاد، على نســق ما فعلـت دول الخليـج في مجلس تعاونـها، ودول المغــرب الكبيرفي اتحادها المغاربي، فتتقـوّى أحـوالهـمــا إلى أقـوى ممّـا علـيه حاليهـما الماثليـن، وأن تنشـيء بقـية "الــدول الأفروعربية"، مثل السودان وموريطانيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر وإريتريا ، كياناً جديداً. للجامعة العربية أن تبادر قبل أن يبادر عمرو الذي تعرفون.
"العربي الجديد "
27/9/2023
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الجامعة العربیة الدول العربیة فی السودان
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية تحذر من مخاطر حظر عمل «الأونروا»
القاهرة (الاتحاد)
أخبار ذات صلة البنك الدولي: 100 ألف وحدة سكنية تضررت في لبنان المستوطنون يكثفون اعتداءاتهم على المزارعين الفلسطينيينوجَّه الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أمس، رسالتين إلى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بشأن القانون الذي أصدره «الكنيست» الإسرائيلي مؤخراً، والقاضي بحظر نشاط وكالة «الأونروا».
وأوضح المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، جمال رشدي، أن الرسالتين حملتا تحذيراً من مخاطر تقويض عمل «الأونروا» في الأراضي الفلسطينية.
وأشار إلى أن «القوانين الجديدة التي تبنتها إسرائيل تهدد بانهيار كامل لمنظومة الاستجابة الإنسانية في غزة، في وقت يعيش فيه السكان على حافة المجاعة».
وتعمل «الأونروا» في الأراضي الفلسطينية، حيث تقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، خاصة في مجالي التعليم والصحة.
ويحظر التشريعان على المسؤولين الإسرائيليين العمل مع الوكالة الأممية ويمنعها من العمل داخل إسرائيل، بما يشمل القدس الشرقية.
ومن المقرر أن يدخل التشريعان حيز التنفيذ خلال ثلاثة أشهر.
وأكدت الرسالتان، أن «الجامعة العربية تعتبر الأونروا دعامة للاستقرار ليس فقط في الأراضي الفلسطينية، بل في المنطقة بأسرها، وأن تفكيكها سيشكل ضربة قاسية لكل من لا يزال يؤمن بإمكانية تحقيق السلام في الشرق الأوسط».