طلقات غادرة، مشبعة بالبغض والكراهية، محملة بسنوات من الخديعة والمؤامرة ونصب العداء للعرب والعروبة والأمة العربية جمعاء، منذ 23 عامًا طالت الطفل الفلسطيني محمد الدرة بتصويب محكم من جتود جيش الاحتلال الصهيوني، وهو في حضن أبيه، في لقطة أثارت تعاطف العالم أجمع، وأظهرت جرائم الاحتلال الغاشم.


استشهاد الدرة

في اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى، 30 سبتمر 2000، استشهد الطفل محمد الدرة صاحب الـ12 عام وهو في أحضان والده برصاص الإحتلال الإسرائيلي، وسط صراخ "مات الولد برصاصة".

ففي شارع صلاح الدين، قرب مستوطنة نيتساريم جنوب مدينة غزة، احتمى جمال الدرة وطفله محمد بحاجز برميل اسمنتي من طلقات كثيفة أطلقت من رشاشات جنود الاحتلال الإسرائيلي نحوهما، رغم التأكد حتى بالعين المجردة من أنهما مدنيان أعزلان.

قال والده جمال، حاولت حماية محمد من الرصاص بجسدي، حتى أنني كنت أرفع كف يدي لتلقي الرصاص الذي أصاب ركبة محمد، وكانت تلك الطلقة الأولى التي تصيبه، لكنه ظل متماسكا، قبل أن أجد رأسه على قدمي اليمنى وفي ظهره فتحة كبيرة بعد إصابته في البطن الذي اخترقته عدة رصاصات.

ومنذ ذلك اليوم ولأكثر من شهر خرجت مسيرات وأقيمت اعتصامات في معظم الدول العربية والإسلامية، وفي العديد من الدول الغربية، استنكارا للجريمة، وانتشرت صور الشهيد محمد في شوارع العالم وميادينه.

وأصبح اسمه علمًا واستشهاده أيقونة في انتفاضة الأقصى، وأطلقت على العديد من المدارس ورياض الأطفال والشوارع في فلسطين والعالم العربي اسم محمد الدرة، كشارع ابن مالك في القاهرة الذي تحول لشارع محمد الدرة، ومستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال في غزة ومدرسة الشهيد محمد الدرة في خان يونس، واستاد محمد الدرة في مخيم النصيرات في غزة، وعلى دورة يوم الطفل العربي في تونس.

وفي بداية الحادثة، أعلنت قوات الدفاع الإسرائيلية تحمّلها المسؤولية، كما أبدت إسرائيل أسفها لمقتل الطفل، ولكنها تراجعت عن ذلك، عندما أشارت التحريات إلى أن الجيش الإسرائيلي ربما لم يطلق النيران على الدرة، وعلى الأرجح أن الفتى قتل برصاص القوات الفلسطينية.

وذكر ثلاثة من كبار الصحفيين الفرنسيين الذين شاهدوا لقطات خام في عام 2004، أنه لم يتضح من اللقطات وحدها أن الطفل لقي حتفه، وأن قناة فرانس حذفت عددًا قليلًا من الثواني الأخيرة، والتي يظهر فيها الصبي وهو يرفع يده عن وجهه.

وفي عام 2005، صرح رئيس تحرير غرفة الأخبار بالقناة أنه لا يمكن لأحد أن يحدد على وجه اليقين من الذي أطلق النيران، ولكن ذهب معلقون آخرون من بينهم مدير مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي إلى القول أن المتظاهرين الفلسطينيين نظموا هذا المشهد.

وبعد إجراءات قانونية مطولة، أُدين فيليب كارسنتي، المعلق الإعلامي الفرنسي، بالتشهير بقناة فرانس2، واتهامها بالتلاعب في مادة الفيلم.

وفي 26 يوليو 2013، أصدرت محكمة الاستئناف بفرنسا حكمها النهائي في قضية التشهير بالقناة الفرنسية، حيث أدانت كارسنتي بالتشهير وألزمته محكمة الاستئناف في باريس بدفع غرامة قيمتها 7.000 دولار.

وجاء الحكم النهائي للمحكمة الفرنسية برفض إصدار كارسنتي، الذي وصف فيه مقتل محمد الدرة بأنه عملية نظمها المتظاهرون الفلسطينيون.

والجدير بالذكر أن محمد الدرة ولد في 22 نوفمبر 1988، ودرس حتى الصف الخامس الابتدائي وعاش وسط أسرة بسيطة لاجئة من مدينة الرملة، والده يعمل نجارًا ووالدته ربة منزل، لاحقًا بعد استشهاده رزقت عائلته بطفل أطلقت عليه اسم محمد تيمنًا بشقيقه.

وكان جمال الدرة خرج ذلك الصباح من منزله في مخيم البريج بقطاع غزة مع طفله محمد إلى مزاد للسيارات حتى يقتني واحدة، قبل أن يجد نفسه محاصرًا تحت نيران جنود الاحتلال الاسرائيلي في شارع صلاح الدين.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: محمد الدرة استشهاد محمد الدرة الدرة محكمة الاستئناف صهيوني العالم العربي جنود الاحتلال

إقرأ أيضاً:

محمد المكي شاعر الأكتوبريات.. أيقونة الأدب السوداني

محمد المكي إبراهيم شاعر وأديب سوداني وُلد عام 1939 بمدينة الأبيض بشمال كردفان، ودرس فيها مراحله الأولية، ثم التحق بمدرسة خور طقت الثانوية، واستكمل دراسته العليا في جامعة الخرطوم في كلية القانون، وواصل تعليمه في العاصمة الفرنسية باريس.

عُرف محمد المكي بلقب "شاعر الأكتوبريات" نظرا لمشاركته في الحركة الشعرية التي تأثرت بثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964. وكان من أبرز مؤسسي تيار "الغابة والصحراء"، الذي سعى إلى التعبير عن الهوية السودانية.

ألّف عدة دواوين شعرية، منها "أمتي" و"بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت"، وأصبحت قصائده جزءا من الذاكرة الثقافية والسياسية في السودان، وترجم بعضها إلى الإنجليزية والفرنسية. توفي يوم 29 سبتمبر/أيلول 2024 عن عمر ناهز 85 عاما.

مولد محمد المكي ونشأته

ولد محمد المكي إبراهيم -المعروف أيضا بـ"ود المكي"- عام 1939 في مدينة الأُبيض بولاية شمال كردفان وسط السودان لعائلة بسيطة، وعمل في أثناء نشأته مع والده في الزراعة.

بدأ كتابة الشعر في مرحلة دراسته المتوسطة، وكان يشارك ما كتب في الجمعية الأدبية التي تقيمها المدرسة كل أسبوع.

بعد التحاقه بالثانوية، أحرق محمد المكي ما كتبه لأنه رأى أنه غير مجد، وسعى لكتابة الأفضل.

محمد المكي إبراهيم ألّف عددا من القصائد والمقالات عرفت بـ"الأكتوبريات"، أبرزها "أكتوبر الأخضر" (الصحافة الأجنبية) الدراسة والتكوين العلمي

تلقى محمد المكي تعليمه الأولي في الأبيض، ثم درس الثانوية في مدرسة خور طقت، ثالث أهم الثانويات في السودان في عهده.

التحق عام 1959 بكلية القانون في جامعة الخرطوم قبل أن يغادر إلى ألمانيا في أبريل/نيسان 1962 إثر تعرضه لمضايقات سياسية في الجامعة، وعاد بعد عام ليكمل دراسته الجامعية.

كما درس اللغة الفرنسية وماجستير العلوم الدبلوماسية بجامعة السوربون في العاصمة الفرنسية باريس.

التجربة الشعرية لمحمد المكي

عقب تخرجه عمل محاميا لمدة عام قبل أن ينضم إلى وزارة الخارجية السودانية عام 1966، وتدرج في وظائفها متنقلا بين العديد من الدول.

فقد عمل ممثلا للسودان في منظمة التعاون الإسلامي في جدة، وتشيكوسلوفاكيا وباكستان، كما عمل مسؤولا في الدائرة الأفريقية بالوزارة.

تقدم محمد المكي باستقالته عقب اندلاع ثورة الإنقاذ الوطني المحسوبة على التيار الإسلامي، وانتقل بعدها للعيش في الولايات المتحدة الأميركية، وهناك واصل عمله الأدبي الذي ذاع صيته في النصف الأول من ستينيات القرن العشرين.

محمد المكي عرفت أشعاره بنضارة الأسلوب ونقاء الخيال وجمال الصورة (الصحافة الأجنبية) شاعر الأكتوبريات

خلال زيارة محمد المكي لألمانيا برفقة زميله الشاعر النور عثمان أبكر، تأثر بالحياة هناك وتغيرت وجهة نظره تجاه الثقافة والأدب، وتبلورت لديهما فكرة تأسيس اتجاه جديد في الشعر السوداني والتعريف بالهوية السودانية، وأطلقا ما عُرف بتيار "الغابة والصحراء"، الذي ساهم في تأسيسه أيضا الشاعران محمد عبد الحي ويوسف عايدابي.

عقب اندلاع ثورة 21 أكتوبر/تشرين الأول 1964 التي أطاحت بنظام الرئيس الفريق إبراهيم عبود، ألّف محمد المكي عددا من القصائد والمقالات عرفت بـ"الأكتوبريات"، وأبرزها قصيدة "أكتوبر الأخضر" التي تغنى بها الفنان السوداني الراحل محمد وردي.

رأى محمد المكي أن ثورة أكتوبر كانت حدثا كبيرا أبدع فيه المبدعون، إلا أن منجزها السياسي لم يكن بحجم التضحيات والتطلعات، "بل كان بائسا"، حسب قوله.

أما بشأن ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، فقد قال محمد المكي إنها امتداد لثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964، وإنها استعادت أغنياتها وأشعارها.

وقال محمد المكي خلال جلسة حوارية بالعاصمة السودانية الخرطوم "أنا مؤرخ معاناة الشعب السوداني وضمن قلة قليلة تعرف متى بدأت هذه المعاناة، ومثل الجميع لا أدري متى تضع أوزارها".

محمد المكي إبراهيم نال وسام الآداب والفنون عام 1977 (الصحافة الأجنبية) مؤلفاته وإنجازاته

ألّف محمد المكي -وهو أحد أبرز الشعراء السودانيين في العصر الحديث- مجموعة من القصائد والكتب التي تجسد رؤيته الاجتماعية والسياسية، كما كتب العديد من المقالات، وعرفت أشعاره بنضارة الأسلوب ونقاء الخيال وجمال الصورة. ومن أبرز أعماله الشعرية أربعة دواوين هي:

أُمتي (1968). بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت (1972). يختبئ البستان في الوردة (1984). لا خباء للعامرية (1988).

ومن الكتب التي ألفها أيضا:

الفكر السوداني.. أصوله وتطوره. ظلال وأفيال. في ذكرى الغابة والصحراء.

نال محمد المكي وسام الآداب والفنون عام 1977، واختارته لجنة المحكمين بالاتحاد العالمي للشعراء شاعرا للسودان لعام 2024، كما رشح لجائزة شاعر العرب.

محمد المكي ألّف عددا من الكتب منها "الفكر السوداني" و"ظلال وأفيال" و"في ذكرى الغابة والصحراء" (الصحافة الأجنبية) وفاته

توفي الشاعر محمد المكي إبراهيم يوم 29 سبتمبر/أيلول 2024 بأحد مستشفيات مدينة الشيخ زايد غرب العاصمة المصرية القاهرة، عن عمر يناهز 85 عاما، بعد صراع طويل مع المرض.

ونعته شخصيات أدبية وسياسية منها رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي وصفه بـ"رائد القصيدة الثورية"، إضافة إلى أحزاب عدة من بينها حزب المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي والأمة القومي السوداني.

مقالات مشابهة

  • حركة فتح الانتفاضة: نبارك الرد الإيراني الذي شكل لحظة تاريخية في مسار الصراع مع الكيان الصهيوني
  • "فتح الانتفاضة": الرد الإيراني منعطف تاريخي في سياق الصراع مع الاحتلال
  • بعد 24 عاماً على استشهاد محمد .. جمال الدرة يشيّع أحفاده
  • محمد المكي شاعر الأكتوبريات.. أيقونة الأدب السوداني
  • شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على قطاع غزة
  • الاحتلال يغتال أيقونة الإعلام الأجنبي بغزة
  • ورود روحانية في ذكرى القدّيسة تريزا الطفل يسوع
  • آلام الذاكرة العربية.. 24 عامًا على وفاة محمد الدرة
  • ذكرى استشهاد محمد الدرة: رمز معاناة الشعب الفلسطيني
  • أسباب بكاء الرضيع أثناء الرضاعة.. ما الذي يزعجه وكيف يمكنك تهدئته؟