محمد قراطاس يتساءل: هل فعلا تم إعدام الطغرائي؟
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
أثير – محمد قراطاس
كان أول بيت سمعته لهذا الشاعر العظيم هو:
أعلّلُ النفسَ بالآمال أرقبها
ما أضيقَ العيش لولا فسحةُ الأملِ
وهو من أشهر الأبيات العربية التي ذهبت مثلاً. والبيت من لامية العجم التي أبدعها مؤيد الدين الطغرائي. وسميت لامية العجم عليه لأنه من أصبهان في إيران، فقد كان فارسي المولد والنشأة. لكن الكثير من الباحثين يقولون أن نسبه عربي.
لامية العجم والتي تبدأ:
أصالة الرأي صانتني عن الخطلِ
وحلية الفضلِ زانتني لدى العطلِ
مجدي أخيراً ومجدي أولاً شرَعٌ
والشمسُ رأد الضحى كالشمس في الطَفَلِ
وهذا النص الخطير شعرا وحكمة يتحدث بشكل واضح عن مظلومية شخصية ذات قدرات استثنائية في القيادة والذكاء، لم يتم وضعها في المكان المناسب لها، وأن الأدنى منها بدرجات كبيرة تم رفعها وتقديمها عليها:
تقدمتني أناسٌ كان شوطهمُ
وراء خطويَ إذ أمشي على مهَلِ
فإن علاني من دوني فلا عجبٌ
لي أسوةٌ بانحطاطِ الشمس عن زحلِ
والقصيدة تضجّ بعزّة النفس وبالثقة العالية لدرجة الغرور. الغريب أن صاحب النص وهو الطغرائي كان وزيرا للسلطان أي أنه الرجل الثاني في الدولة أو لنقل في الطبقة العليا التي تلي السلطان مباشرة. يقول بعض المؤرخين أنه كتبها قبل الوزارة عندما كان فقيرا معدما في مدينة الزوراء، لكن رأيي الشخصي أن الطغرائي كتبها من باب المخيال الشعري ووصف حالته لو أنّه لم يحصل على التقدير، أو ربما كتبها كما فعل الحطيئة في نصه المشهور عن العربي الذي كاد يذبح ابنه لضيفه والتي استهلالها وطاوي ثلاث.. إلى آخر القصيدة.
الطغرائي تولى الوزارة في أربيل ثم الموصل مع السلطان مسعود السلجوقي الذي كان متمردا على أخيه السلطان محمود الذي كان يحكم بغداد. القصيدة طبعا أخذت اهتماماً منقطع النظير للغتها العالية وشعريتها وحكمتها، وتم تأليف كتب فقط في شرحها. وأغلب من يهتمُ بها بعد الأدباء ومتعاطي الأدب هم الطبقة الموجودة في المناصب العليا لأنهم يعتقدون أنها تمثلهم وتمثل كفاحهم مع من يعتقدون أنهم أدنى منهم قدرة ونبل.
أما عن قصة إعدامه التي يتفقُ عليها أغلب المؤرخين فقد ذكروا أنه عندما انتصر السلطان محمود على أخيه السلطان مسعود تم القبض على مؤيد الدين الطغرائي، ولأن شهرته كانت قد فاقت الآفاق سواء في الشعر أو في علم الكيمياء والذي ألف فيه الطغرائي مجموعة من المصنفات العلمية، فقد كان مكروها في بلاط السلطان محمود شاه، ويقال أن السلطان نفسه كان يكرهه. فأذاعوا أنه ملحد كافر بالدين وتم إعدامه. هذه هي القصة المعروفة. لكن يأتي محمد بن إياس الحنفي صاحب الكتاب المشهور ببدائع الزهور في وقائع الدهور وينفي تماما أنه تم إعدامه. فقد أخبر أن مؤيد الدين الطغرائي كان يحبُّ مملوكا للسلطان محمود، وعندما تم القبض عليه أمر السلطان أن يصلب على شجرة وأن يقوم بإعدامه نفس المملوك برميه بالنشاب. ويقول أن السلطان كان ينظر إليهما من مكان خفي ليرى ماذا سيحدث. فقال الطغرائي قبل أن يرمي الشاب المملوك النشاب:
ولقد أقولُ لمن يوفّق سهمهُ
نحوي وأطراف المنية تسرعُ
بالله فتّش عن فؤاديَ هل ترى
فيه لغير هواك أضحى موضعُ
فرّق له السلطان وأمر بالعفو عنه.. وقد مات موتة طبيعة بعد تلك الحادثة بمدة يسيرة. وهنا يظهر لي أمران الأول أن الطغرائي مات لأنه تأكد لديه بفقدان كل ما كان لديه من الجاه والقوّة، فشخصية كالطغرائي لا تستطيع الحياة بعد هذه الهزيمة، فلا عجب أن يموت بسبب ذلك. الأمر الثاني أن شخصية الطغرائي أرفع من أي تهمة تخدش الحياء ويتضح ذلك جليا في لاميته، ولذلك استنتجتُ أنّ الشاب المملوك هو ابن الطغرائي لا محالة. فالقارئ للتاريخ العربي يعلم مدى تعلّق الجواري والمحظيات بالشعراء في بلاط السلاطين والملوك وهناك قصص كثيرة في ذلك. ولربما وقعت علاقة بين والدة المملوك والطغرائي ولذات السبب ربما كان السلطان محمود شاه يكره الطغرائي.
على كل حال مع رأي محمد الحنفي في أن مؤيد الدين الطغرائي لم يقتل.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
تأييد إعدام 3 مواطنين لاتهامهم بقتل الـ دوكش
قررت محكمة النقض رفض الطعن المقدم من المتهمين بقتل محمد رمضان الشهير ب الدوكش في منطقة حدائق المعادي بعد مشاجرة بينهم وتأييد حكم الإعدام.
وقعت أحداث القضية بدائرة قسم شرطة دار السلام حيث اتهمت النيابة العامة 3 أشخاص بقتل المجني عليه عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، بأن بيت المتهمون الأول والثاني والثالث النية وعقدوا العزم على قتله وتبين من خلال المعاينة العثور على جثة الضحية ملقى على الأرض وغارقًا في بركة من الدماء.