طهاة يتنافسون.. طبق البرياني يجمع الهند وباكستان بعد انقسامهما
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
وعند انقسام الهند وباكستان إلى دولتين في عام 1947 بقى طبق البرياني القاسم المشترك بينهما
يتربع طبق "البرياني" على عرش الأكلات الشعبية في جنوب آسيا، التي تحظى بطقوس خاصة تزيد من عراقتها وأصالتها، ليعتبر واحدا من أبرز التقاليد المأكولات الشعبية.
تتنافس مطاعم كراتشي الباكستانية بإبراز جودة وعراقة طبق البرياني، الذي يعتبر واحداً من أبرز الأطباق في جنوب آسيا، حيث يُمكن لعشاق هذا الدمج اللذيذ من الأرز واللحم والتوابل الاستمتاع به، بمختلف أصنافه.
وعند انقسام الهند إلى دولتين في عام 1947، انتقل مئات الآلاف من اللاجئين المسلمين إلى كراتشي، وهذا أدى إلى نمو سكان المدينة بشكل كبير. شهدت العلاقات بين باكستان والهند عداءً قويًا بعد ذلك، وتصاعدت التوترات وحدوث ثلاث حروب ونزاعات دبلوماسية، مما أثر على حركة السفر والتبادل التجاري بين البلدين، إلا أن البرياني كان القاسم المشترك بينهما.
تقاليد مشتركةوعند تأسيس باكستان عام 1947، انتشرت شعبية طبق البرياني بشكل كبير في هذه المدينة الساحلية، أصبح يحتل الطبق المصنوع من أرز ملون يُطهى في أوعية ضخمة مكانة مميزة في قوائم مطاعم العاصمة الاقتصادية لباكستان، والتي تُفاخر بالجوائز التي حازت عليها تؤكيداً لجودته.
تعكس شهرة البرياني التقاليد المشتركة للهند وباكستان، حيث يؤكد المؤرخ المطبخي الهندي بوشبيش بانت أن الاختلافات المطبخية بين البلدين ليست كبيرة بالقدر الذي يظهره تقسيم الحدود. تشير بعض المصادر إلى أن كلمة "برياني" من أصل فارسي، وعلى الرغم من أن منشأ هذا الطبق غير معروف بالضبط، إلا أنه يُعتقد أنه انتشر على نطاق واسع خلال فترة الإمبراطورية المغولية في القرن السابع عشر على شبه القارة الهندية.
ويبلغ عدد سكان كراتشي نحو 20 مليون نسمة ومطاعم متعددة تُقدم أصنافًا متعددة من طبق البرياني. يأتي هذا الطبق بمجموعة واسعة من الوصفات والطرق المختلفة لتحضيره. يسيطر لحم البقر على البرياني في باكستان، في حين يحظى البرياني النباتي بشعبية أكبر في الهند التي تمتلك غالبية هندوسية. أما الدجاج، فيُستخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة. في المناطق الساحلية، يُضاف السمك كمكون إضافي لهذا الطبق.
الوصفة السريةقال محمد ثاقب، صاحب مطعم، إن البرياني الذي يُقدمه مع نخاع عظم البقر ولحمه "فريد من نوعه في العالم"، مؤكدا أن مَن يتذوق هذا الطبق ينتقل إلى عالم من النكهات المميزة.
قال الشاب محمد البالغ من العمر 27 عامًا إن مطعمه كان "السبّاق بإطلاق البرياني"، حيث يستخدمون وصفة خاصة وسرية تتضمن خليط توابل "ماسالا" بكميات كبيرة. ويضيف: "إنها وصفتنا الخاصة والسرية".
"غير إن ما يتفق عليه الإثنان هو أن لا مثيل للبرياني المُعَدّ في باكستان في أي مكان آخر في العالم" قال صاحب مطعم مأكولات شعبية محمد زين إنهم يُقدمون هذا الطبق في الحفلات الكبيرة وفي المناسبات الخاصة.
يُفضل بعض الأشخاص الحفاظ على تقليد البرياني الأصلي ويرون أن إضافة البطاطس له يعتبر ابتكارًا غير تقليدي. وهناك نوع آخر من البرياني يُسمى "برياني بولاو" يُطهى في المرق ويُعتبر اختصاصًا لمنطقة دلهي في الهند. تُعتبر هذه الأصناف كلها جزءًا من تراث مشترك بين الهند وباكستان، وتجمع بين تقاليديات المطبخين الهندي والباكستاني. وبالرغم من تنوع وتعدد أصناف طبق البرياني، فإنه لا يمكن لأي مكان آخر في العالم مُضاهاته.
المصدر: رؤيا الأخباري
كلمات دلالية: المطبخ الهند باكستان الباكستان
إقرأ أيضاً:
مسقط.. توازن معماري يجمع بين الأصالة والحداثة
جسّدت مسقط بموقعها الجغرافي الفريد على بحر عُمان، نقطة التقاء تاريخية للعديد من الحضارات والثقافات، وكانت ولا تزال واحدة من أبرز وأقدم المدن العربية التي تمتاز بتوازنها العمراني، الذي أسهم في الحفاظ على طبيعتها وجمالها الطبيعي في مشهد لافت يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ومن خلال سياستها العمرانية المدروسة وتشريعاتها المحكمة، نجحت مسقط في تحقيق عمق هندسي متوازن، حافظ على توازن مظهر تمدد بنيتها المعمارية أفقيًا ورأسيًا، لتصبح امتدادًا جغرافيًا طبيعيًا مستدامًا. وفي هذا الاستطلاع، نتعمق في هندسة مسقط المعمارية وسر تناغمها بين الحداثة والتراث الثقافي.
رؤية متكاملة
قالت شريفة بنت سعود الرحبية، مهندسة تخطيط بقسم إعداد المخططات التفصيلية بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني: تمثل مسقط نموذجًا فريدًا لمدينة تجمع بين الإرث التاريخي العريق والرؤية الطموحة للمستقبل، ولقد استطاعت تحقيق التوازن بين التطور العمراني والحفاظ على الطابع التراثي، ومع تسارع وتيرة التطور العمراني، برزت الحاجة إلى تحقيق توازن دقيق بين تحديث البنية الأساسية والحفاظ على الهوية الثقافية، وفي هذا الإطار، تؤدي وزارة الإسكان والتخطيط العمراني دورًا رئيسيًا في صياغة سياسات تنموية مستدامة تضمن تناغم التطور مع الخصوصية التراثية لمسقط.
مطرح.. أنموذج للتوازن العمراني
وأوضحت الرحبية أن منطقة مطرح تُعد إحدى أقدم وأهم المناطق في مسقط، حيث تتميز بتاريخها الغني وموقعها الحيوي المطل على الميناء، واستجابة لضرورات التطوير، أطلقت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني مشروع التجديد الحضري بمطرح، الذي يهدف إلى إحياء المنطقة وتعزيز جاذبيتها مع الحفاظ على طابعها المعماري المتميز، ويرتكز المشروع على نهج شامل يجمع بين إعادة تأهيل المباني التراثية وتطوير المرافق العامة، بما يضمن تحسين جودة الحياة للسكان وتعزيز الجاذبية السياحية والاستثمارية.
وأضافت: يتم ذلك من خلال ترميم وإعادة تأهيل المباني التاريخية للحفاظ على هويتها المعمارية وضمان استدامتها للأجيال القادمة، ودمج التصاميم الحديثة مع الطابع التراثي بما يعزز التناغم البصري بين الماضي والحاضر، وتحسين البنية الأساسية والمرافق العامة لتوفير بيئة حضرية متطورة دون المساس بالقيم التاريخية للمنطقة.
وأكدت الرحبية أن مشروع تجديد مطرح يُجسد التزام سلطنة عُمان بالحفاظ على هويتها الثقافية، مع المضي قدمًا في مسيرة التحديث والتطوير، وقالت: من خلال هذا النهج المتوازن، تعزز مسقط مكانتها كمدينة تحتضن ماضيها العريق وتستشرف مستقبلًا واعدًا، مما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في التخطيط العمراني المستدام.
هوية ثقافية فريدة
من جانبه، قال المهندس وضاح بن غالب بن سالم الراشدي، معماري ومخطط حضري: لقد شكلت السياسات والمعايير التخطيطية العمرانية التي انتهجتها مسقط أساس التوازن العمراني، مما خلق توازنًا عميقًا بين المباني الحديثة والطابع التراثي، وكان لهذا التوازن أثر واضح في التجانس بين النسيج العمراني التقليدي ومتطلبات واحتياجات التطور العمراني الحديث؛ فالعمران الحديث لم يأتِ لينقض التراث القديم، بل جاء متجانسًا معه بطابع عماني فريد وتمازج معه ليولد نسيجًا معماريًا بهوية ثقافية راسخة.
وأشار الراشدي إلى أن ولاية مطرح تتميز بنسيج عمراني كثيف حافظ على الهوية المعمارية القديمة برسوخ وثبات، وقال: منذ انطلاق النهضة الحديثة، ساد التناغم بين العمران القديم والحديث بما يلبي احتياجات المجتمع، ولقد راعى الانسجام العمراني الازدهار الاقتصادي والنمو المجتمعي واحتياجات المستقبل، وارتبط معمار مسقط الحديث بالنسيج المعماري الثقافي والتاريخي الذي راعى خصوصية المكان وحافظ على أنماط الحياة التي يعيشها أهل البلد.
وقالت بِهان بنت حمد بن سالم الراسبية، مصممة معمارية ومخططة حضرية: في قلب الخليج العربي، تقف العاصمة العُمانية مسقط شامخة بين ماضٍ أصيل ومستقبلٍ طموح، لقد نجحت في الحفاظ على روحها القديمة وطابعها التراثي، وتمكنت من تحقيق التوازن المثالي بينها وبين تطورها العمراني الحديث بفضل رؤية مدروسة تأخذ بعين الاعتبار تاريخها العميق واحتياجاتها المستقبلية.
وأضافت: لم يكن الحفاظ على هوية مسقط العمرانية مجرد صدفة، بل جاء نتيجة قرارات واعية وتشريعات مدروسة هدفت إلى صون طابعها المميز، فقد وُضعت قوانين تخطيطية تُحدد ارتفاعات المباني، وتُلزم باستخدام ألوان وخامات تتناغم مع البيئة المحلية، مما يحافظ على التناسق البصري بين العمارة الحديثة والتقليدية.
وأشارت الراسبية إلى أن المشاريع المعمارية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة تُعد من الركائز الأساسية في مسعى تطوير المدينة، وقالت: من خلال إنشاء قرى تراثية وأسواق تقليدية مطورة، يمكن إظهار الجمال التاريخي للمدينة مع تعزيز جاذبيتها كوجهة سياحية، وهذا النوع من المشاريع لا يعزز السياحة فحسب، بل يعيد إحياء الثقافة العمانية، مما يسهم في جذب الاستثمارات.
مشاريع مبتكرة
واختتمت الراسبية حديثها قائلة: مع تقدم مسقط نحو مرحلة جديدة من التطور العمراني، تبرز أهمية الشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص لضمان تنفيذ مشاريع مبتكرة تحقق توازنًا بين الحفاظ على التقاليد وتحقيق التقدم المعماري، ومع الالتزام بالهوية التراثية والتخطيط المستدام، ستظل مسقط نموذجًا حيًا على كيفية دمج الحداثة مع الأصالة، مما يجعلها وجهة متميزة على خارطة السياحة العالمية.
رؤية شبابية للمستقبل
من جهته، قال عبدالله بن إبراهيم بن عيسى الراشدي، طالب عمارة وتخطيط حضري بالجامعة الألمانية في سلطنة عُمان: إن النمط المعماري الحديث في مسقط لم يتغرب كثيرًا، بل استمد قوته من العمارة العمانية الأصيلة، واستوحت النهضة العمرانية الحديثة معمارها من التراث والثقافة العمانية السائدة، وهذا الأمر شكّل حالة من التوازن بين التطور العمراني الحديث والحفاظ على الطابع التراثي والهوية المعمارية العمانية في البناء.
وأضاف: ابتعدت مسقط عن ناطحات السحاب التي غالبًا ما تظهر في عواصم الدول، فبقيت محافظة على طابعها بسنّ سياسات تحدد ارتفاع المباني بما يتوافق مع سياسة خصوصية البيئة والإنسان، وحققت السياسة العمرانية لمسقط الكثير من التوازن واستمدت بعض عناصرها من مرحلة الانفتاح المعماري وأهمية مواكبة التطور السياحي والاستثماري.