الولايات المتّحدة.. أمّة في تراجع!
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
خلال العقدين الماضيين، دارت نقاشات في الأوساط السياسية والأكاديمية حول ما إذا كانت قوّة وهيمنة ومركزية الولايات المتّحدة في العالم تتراجع أم لا. وبالرغم من أنّ سردية القائلين بأنّ الولايات المتّحدة ليست في حالة تراجع عالمياً طغت خلال المرحلة الأولى ـ مصحوبة بتفسير مفاده أنّه حتى لو كانت قوّة الولايات المتّحدة في تراجع، فهي لا تزال القوّة العظمى الوحيدة في العالم، ولا تزال تمتلك ما يخوّلها تجديد نفسها لمواصلة الصدارة عالمياً ـ، إلا أنّ كل المؤشرات الواقعيّة الحالية تخالف هذه السرديّة.
من الناحية الاقتصادية، فإن المشهد يتغيّر بشكل سريع من دون شك. ولا يتعلق الامر فقط بالولايات المتّحدة، فهناك شبه إجماع على انّ الثروة كانت قد بدأت تنتقل من الغرب الى الشرق بشكل سريع لاسيما خلال العقد الأخير. ويرتبط هذا المنحى بشكل أساسي بصعود الصين السريع وتراجع الولايات المتّحدة، الأمر الذي أدّى الى تجاوز الاقتصاد الصيني لنظيره الأمريكي ـ بالرغم من إنكار البعض لهذا الادعاء ـ وتركيزهم على الترويج لتراجع الاقتصاد الصيني.
علاوةً على ذلك، تظهر أسماء صاعدة وواعدة على المستوى الاقتصادي من بينها الهند والبرازيل، وهذا مؤشر إضافي على أن التوازن الاقتصادي العالمي آخذ في التحول، وإذا ما استمر الإتجاه الحالي على وضعه مستقبلاً، فسيكون هناك تغيير بالتأكيد. الولايات المتّحدة تعاني من عجز شديد في التجارة كما أنّ دولة لا تمتلك المال وديونها هائلة وربما الأكبر على مر العصور، وكل ما هو قائم حالياً فيها اقتصادياً ومالياً إنما يستند إلى موقعها ودورها الدولي وإلى استخدام عملتها النقدية الدولار عل نطاق واسع في العالم. ديونها الهائلة، وعجزها التجاري، بالإضافة إلى تراجعها العالمي كلّها عناصر تؤجّج النقاشات حول مستقبلها الاقتصادي.
وعلى الجبهة السياسية، تبدو الانقسامات في المجتمع الأمريكي اليوم واضحة وعميقة على الرغم من انحصارها ظاهرياً بحزبين فقط الجمهوري والديمقراطي ومحاولات السيطرة عليها. وتبدو الهوة بين الأيديولوجيات المختلفة أوسع من أي وقت مضى، الأمر الذي يؤدي إلى انعدام الثقة المتزايد والمثير للقلق في المؤسسات الحكومية على الصعيد الداخلي ومصداقية هذه المؤسسات على الصعيد الدولي. ويبدو أن المشاركة المدنية، وهي حجر الزاوية في الديمقراطية، آخذة في التراجع بالتوازي مع قضايا أخرى تتعلق بتزايد الاتجاه العنصري في المجتمع، والجدل الدائم حول نتائج الانتخابات منذ عهد بوش الإبن على الأقل وحتى اليوم تساهم في تعميق المشكلة.
أحداث مثل الانتخابات الرئاسية المثيرة للانقسام لعام 2016 وما تبعها من اقتحام لمبنى الكابيتول لم تصدم الأمريكيين فحسب، بل العالم، مما أثار تساؤلات حول استقرار الأسس الديمقراطية في أمريكا. وحقيقة أنّ هناك رئيس يتجاوز عمره الـ 80 عاماً يحكم ما يفترض بها أنّها أقوى دولة في العالم علاوة على ترشّحه لدورة ثانية يشير إلى الخواء السياسي لا إلى التجديد في القيادة. إذا ما أخذنا ذلك بعين الإعتبار نستطيع أن نفهم لماذا تحارب المؤسسات الأمريكية إمكانية عودة أو صعود ترامب إلى الحكم وتحاول تقويض فرصه في الترشّح بأي وسيلة ممكنة، بغض النظر عن الموقف منه كشخص.
تبيّن بأن التواجد العسكري الأمريكي المكثّف في منطقة من المناطق ليس ضمانة بحدّ ذاته كما اتّضح بشكل جلي في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط.التحديات الاجتماعية في الولايات المتّحدة ليست بأقل خطورة هي الأخرى، فالتفاوتات الصارخة في الثروة، والتوترات العنصرية العميقة الجذور، وشبح العنف المسلح الذي يطارد الأمريكيين والمجازر التي ترتكب باستخدام الأسلحة في المدارس والمجمّعات التجارية والأماكن العامة بشكل دوري ترسم صورة لأمة تتصارع مع ذاتها. ومن الصعب لامّة بهذا الشكل أن تستمر في تصدّر قيادة العالم على المدى البعيد.
ومن الناحية العسكرية، وهي الناحية الوحيدة التي لا تزال تدعم إتجاه المتمسكين بمقولة أنّ الولايات المتّحدة ليست في حالة تراجع، فعلى الرغم من أنّ هيمنة الولايات المتحدة ما زالت بلا منازع إلى حد كبير، إلا أن الوضع آخذ هو الآخر في التحوّل وإن بشكل أبطء من الوضع الإقتصادي. التكاليف الفلكية المرتبطة بالحفاظ على مثل هذه القوة العسكرية، جنباً إلى جنب مع التقدم التكنولوجي السريع من قبل الخصوم، تثير مخاوف مشروعة بشأن مستقبل التفوق العسكري الأمريكي.
وقد بدأت الولايات المتّحدة منذ عقدين بإعادة توزيع انتشارها العالمي وتقليص تواجدها في الكثير من الأماكن حول العالم. علاوة على ذلك، فقد تبيّن بأن التواجد العسكري الأمريكي المكثّف في منطقة من المناطق ليس ضمانة بحدّ ذاته كما اتّضح بشكل جلي في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. كما ثبت بأنّ التفوّق العسكري لا يجلب بالضرورة النصر السياسي أو حتى العسكري في بعض المواقف، وأنّ القدرات العسكرية هي مجرّد أوراق من أوراق مختلفة يجب أن تكون متكاملة. الولايات المتّحدة تخضع للمزاحمة في بعض القضايا العسكري لا بل انّ خصومها يتقدّمون عليها في بعض الجزئيات مثل الصواريخ فائقة السرعة، وأسلحة الليزر المضادة للأقمار الاصطناعية وتقنية الجيل الخامس وغيرها من البرامج.
ومؤخراً، يمكن ملاحظة أنّ موازنة الصين العسكرية في ازدياد، كما أقرّ تقرير للبنتاغون بأنّ الصين أصبحت تمتلك أكبر بحرية في العالم وانتزعت المرتبة الأولى من الولايات المتّحدة ليس في هذا المجال فحسب وإنما في مجال صناعة السفن البحرية، وهو مؤشر مهم على استعداد الصين لتوسيع نفوذها بحراً بما يتماشى مع زيادة نفوذها الاقتصادي عالميا.
وعلى المستوى الدولي، سواءً أدركت الولايات المتّحدة ذلك أم لم تدرك، تتغيّر السردية القائمة ويبحث العديد من حلفاء الولايات المتّحدة عن تنويع تحالفاتهم بدلاً من الإعتماد الحصري على واشنطن، وهو مؤشر على إدراكهم بأنّ هناك تغييراً يحصل بالفعل. هناك شعور متنامي بأن النفوذ العالمي الذي كانت تتمتع به أمريكا بلا منازع أصبح مهدداً بالفعل من قبل الصين وآخرين.
إلى أي مدى سيكون باستطاعة واشنطن تغيير هذه الحقائق، أو إلى أي مدى سيتغيّر الوضع لصالح أمريكا من خلال أخطاء يرتكبها خصومها أو من خلال تعثّر صعودهم الاقتصادي، يبقى أمراً غير معروف، لكن المراهنة عليه لتبرير سردية أن لا تراجع أمريكي على المستوى الدولي سيكون بمثابة مقامرة في جميع الأحوال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه امريكا رأي سياسات مكانة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المت حدة فی العالم فی منطقة
إقرأ أيضاً:
«آي صاغة»: 35 جنيهًا تراجعًا في أسعار الذهب بالأسواق المحلية خلال أسبوع
تراجعت أسعار الذهب بالأسواق المحلية بنسبة 0.8 % خلال تعاملات الأسبوع المنتهي مساء أمس السبت، في حين تراجعت الأوقية بالبورصة العالمية بنسبة 1.5 %، خلال تعاملات الأسبوع المنتهي مساء الجمعة الماضية، مدفوعة بعمليات بيع مكثفة لجني الأرباح للبحث عن السيولة، وتراجع رهانات خفض أسعار الفائدة، وفقًا لتقرير منصة «آي صاغة».
قال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت، إن أسعار الذهب بالأسواق المحلية تراجعت بنحو 35 جنيهًا خلال تعاملات الأسبوع الماضي، حيث افتتح سعر جرام الذهب عيار 21 التعاملات عند مستوى 4385 جنيهًا، ولامس مستوى 4445 جنيهًا، واختتم التعاملات عند 4350 جنيهًا، في حين تراجعت الأوقية بالبورصة العالمية، بقيمة 47 دولارًا، حيث افتتحت التعاملات عند مستوى 3085 دولارًا، ولامست مستوى 3168 دولارًا يوم الخميس 3 أبريل كأعلى مستوى في تاريخها، واختتمت التعاملات عند 3038 دولارًا.
وأضاف، إمبابي، أن جرام الذهب عيار 24 سجل 4971 جنيهًا، وجرام الذهب عيار 18 سجل 3729 جنيهًا، فيمَا سجل جرام الذهب عيار 14 نحو 2900 جنيه، وسجل الجنيه الذهب نحو 34800 جنيه.
ووفقًا للتقرير اليومي لمنصة «آي صاغة»، فقد تراجعت أسعار الذهب بالأسواق المحلية بنحو 25 جنيهًا خلال تعاملات أمس السبت، حيث افتتح سعر جرام الذهب عيار 21 التعاملات عند مستوى 4375 جنيهًا، واختتم التعاملات عند مستوى 4350 جنيهًا، وذلك تزامنًا مع العطلة الأسبوعية للبورصة العالمية.
أوضح إمبابي، أن أسعار الذهب بالأسواق المحلية أعلى من الأسواق العالمية بنحو 30 جنيهًا، بعد أن سجلت الفجوة السعرية في تعاملات أمس 61 جنيهًا.
أضاف، أن أسعار الذهب المحلية لم تتراجع مع تراجع الأوقية بالبورصة العالمية، وسط رغبة من تجار الذهب الخام للاستفادة من فروق الأسعار، نتيجة الطلب المحتمل من قطاع التجزئة عقب انتهاء إجازة عيد الفطر المبارك.
أضاف، أن أسعار الذهب خلال الشهور الماضية كانت أقل من السعر بالبورصة العالمية، نتيجة تراجع الطلب وتوجه السوق المحلي للتصدير لتوفير السيولة جراء عمليات إعادة البيع المكثفة.
أشار، إمبابي، إمبابي، أن شركات تصنيع المشغولات مستمرة في خفض الأوزان، للتغلب على انخفاض الطلب الحاد، نتيجة تراجع القوة الشرائية للمواطنين، لاسميا مع ارتفاع أسعار الذهب لمستويات قياسية.
أضاف، أن شركات التمويل الاستهلاكي حاولت أن تلعب دورًا في تحفيز المبيعات عبر تقسيط الذهب، لكن ارتفاع نسبة الفائدة بنحو 30 % من سعر الذهب، دفع المواطنين للعزوف عنها، لاسيما مع وجود حالات تعثر وتعرض المتعاملين للسجن.
لفت، إمبابي، إلى إقبال المواطنين وراغبي الاستثمار على سبائك الفضة بدافع التحوط، بعد ارتفاع أسعار المعدن الأصفر لمستويات غير مسبوقة.
ونصح، إمبابي، المواطنين من محدوي الدخل وكذلك صغار السن بشراء بشراء الجنيه الفضة، والذي يتراوح بين 500 و 600 جنيه حسب العيار.
وارتفعت أسعار الذهب بالأسواق المحلية بنسبة 18 %، وبقيمة 680 جنيهًا خلال تعاملات الربع الأول من عام 2025، في حين ارتفعت بالبورصة العالمية بنسبة 19 % وبقيمة 502 دولارات،كما سجل الذهب أفضل أداء ربع سنوي له منذ 39 عامًا، مدعومًا بعمليات شراء من البنوك المركزية، وتدفقات صناديق الاستثمار المتداولة، والطلب على الملاذ الآمن.
أشار، إمبابي، إلى أن الرسوم الجمركية الشاملة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أدت إلى زعزعة استقرار التجارة العالمية، وسط مخاوف ركود اقتصادي عالمي.
أضاف، أن الذهب لا يزل قادرًا على أداء دوره كوسيلة للتحوط، فعلى الرغم من من تراجعه الأسبوعي، إلا أنه لا يزال يتفوق على أداء أسواق الأسهم.
لفت، إلى أن تراجع أسعار الذهب الحاد جاء بعد ارتفاع الأوقية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق مدفوعًا بتدفقات الملاذ الآمن، مع إعلان الرئيس ترامب عن رسوم جمركية جديدة شاملة، حيث أدى رد الصين الانتقامي بفرض رسوم جمركية بنسبة 34% على السلع الأمريكية إلى تفاقم المخاوف من ركود عالمي، وعندما انهارت الأسهم، لجأ المستثمرون إلى الذهب للحصول على السيولة، وامتد البيع القسري إلى المعادن الثمينة، مما أوقف سلسلة ارتفاعات الذهب.
وأشار رئيس الفيدرالي الأمريكي، إلى أن الرسوم الجمركية قد تُعيد تسارع التضخم، مما يُهدأ من رهانات خفض أسعار الفائدة، ويُؤثر سلبًا على أسعار الذهب.
و حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، من أن التضخم قد يشهد ارتفاعًا جديدًا بسبب التعريفات الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، مشيراً إلى احتمال بقائه عند مستويات مرتفعة لفترة ممتدة.
وقال باول في تصريحات صحفية: «نواجه آفاقًا اقتصادية غير مؤكدة للغاية، مع مخاطر مرتفعة تتعلق بزيادة معدلات البطالة والتضخم، وبينما يُرجَّح أن تؤدي التعريفات إلى ارتفاع مؤقت في التضخم، فمن الممكن أيضاً أن تستمر آثارها لفترة أطول».
أوضح، إمبابي، أن الرسوم الجمركية الأمريكية، والحرب التجارية المتنامية التي أشعلتها، أدت إلى أكبر اضطراب في سلسلة التوريد العالمية منذ أن اضطر العالم إلى الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19، كما تمثل أكبر اضطراب للتجارة العالمية منذ 100 عام.
أضاف، أن أسواق الأسهم شهدت تراجعات حادة، وسط اضطرار المستثمرين تقليص استثماراتهم في مواجهة تباطؤ النشاط الاقتصادي وارتفاع التضخم.
أشار، إلى أن العوامل التي دفعت أسعار الذهب لتجاوز مستوى 3000 دولار للأوقية لا تزال قائمة، فحالة عدم اليقين مستمرة، والحروب التجارية، وسياسات البنوك المركزية، والمخاطر الجيوسياسية كلها عوامل داعمة، كما أن ضعف أسواق الأسهم الأمريكية سيدعم أيضًا الذهب كأداة تحوط مهمة لتجنب المخاطر.
وفي سياق متصل، تترقب الأسواق خلال الأسبوع الجاري بيانات محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة للسياسة النقدية لشهر مارس يوم الأربعاء المقبل، ومؤشر أسعار المستهلك الأمريكي يوم الخميس، ومؤشر أسعار المنتجين الأمريكي يو الجمعة.