عربي21:
2025-01-31@02:38:38 GMT

خرج وقد لا يعود

تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT

قبل نحو شهر، خرج عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، من قمقم القيادة العامة للجيش في الخرطوم، حيث كان محاصرا من خصومه في قوات الدعم السريع، وطفق يزور كل عاصمة تبدي ترحابا به، وكان آخر محطة زارها هي نيويورك، حيث خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من خمسة أشهر، وشكى وبكى من ظلم ذوي القربى، الذين هم قوات الدعم السريع، التي تولى هو تغذيتها وكسوتها ورعايتها، ثم انقلبت عليه، أي "لّما اشتد ساعِدُها رَمَته"، ويغلب الظن أن البرهان لا يدري أن تلك الجمعية العامة، التي توسل إليها بأن تصِم الدعم السريع بالإرهاب، لا تملك حق إصدار قرارات ملزمة لأي طرف، ولو كانت تملك ذلك الحق لكانت الدولة الفلسطينية المستقلة قائمة منذ نصف قرن.



زار البرهان خلال الأسابيع الأربعة الماضية خمس دول، كما زار ثلاث حاميات عسكرية بعيدة عن مناطق الاشتباك داخل السودان، ولكن لم يعن له، وهو قائد الجيش أن يزور حاميات تتعرض للهجوم والحصار منذ أربعة اشهر في إقليم دارفور، بل لم يسبق له أن زار جنوده على خط النار الملتهب جداً داخل العاصمة السودانية، ولم يعن له أن يواسي قبيلة المساليت في دارفور، والتي تتعرض لعمليات تقتيل منهجية منذ أربعة اشهر على أيدي جنجويد الدعم السريع، وحلفائهم من وسط وغرب إفريقيا، ولكن لم يفت عليه مواساة ضحايا السيول في درنة الليبية والزلزال في المغرب..

اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست أكثر من منبر خطابي، ويحرص بعض قادة الدول على المشاركة فيها في غالب الأحوال، للالتقاء برصفائهم لبحث قضايا معينة مهمة، بينما يؤمها قادة بعض الدول التي لا تهش ولا تنش، فقط من باب إثبات الوجود، ولم يحظ البرهان بفرصة لقاء رئيس أي دولة، حتى التقى بالرئيس الأوكراني زيلينسكي في مطار شانون في أيرلندا، وهو في طريق عودته إلى بلاده، وأبدى تعاطفه مع أوكرانيا في حربها مع روسيا.

بخروجه من الخرطوم خرج البرهان من لعبتي الحرب والسلم، فهو لم يعد محاربا ـ دعك من أن يكون قائدا للمحاربين ـ ومن ثم فهو ليس صاحب قرار وقف الحرب والجنوح للسلم، ولن يكون مفاجئا أن نطالع في الوسائط الإعلامية عن قريب، إعلانا من فئة "خرج ولم يعدومن المؤكد أن البرهان شكر زيلينسكي على غارات بطائرات الدرون نفذها ـ على ذمة شبكة سي أن أن ـ جهاز الاستخبارات الاوكراني على مواقع لمرتزقة فاغنر الروس وقوات الدعم السريع في أطراف مدينة أم درمان خلال الأسبوع الأول من أيلول/ سبتمبر الجاري، وربما كان هذا من باب رد الجميل للبرهان، لأن مصادر استخباراتية غربية سبق أن كشفت النقاب قبل نحو ثلاثة أشهر عن بيع السودان لقذائف دبابات لأوكرانيا، بحكم أن معظم الدبابات السودانية أوكرانية أو روسية الصنع، وربما لم يعن للبرهان أن هناك من سيقارن بين حاله وحال زيلينسكي، فالأخير موجود بين قواته، وهي تواجه واحدة من أقوى جيوش العالم عددا وعتادا، ويتفقد بانتظام أحوال المدنيين الذين يتعرضون للقذائف الروسية، بينما هو ـ البرهان ـ خارج أرض المعركة تماما، ولم يتكلم قط خلال لقاءاته التلفزيونية المتكررة عن العودة إلى عاصمة بلاده حيث المعركة الرئيسة، وحيث الخصم ـ الدعم السريع ـ يسيطر على معظم المرافق والطرق والجسور ويحاصر معسكرات الجيش..

بعد فراغه من إلقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة صار البرهان ضيفا على عدد من القنوات التلفزيونية، وقال في كل واحدة منها كلاما يناقض ما قاله في الأخرى بشأن وقف الحرب، فهنا "لن تقف الحرب إلا بعد سحق قوات الدعم السريع تماما"، وهناك "لا مانع من الجلوس مع حميدتي قائد تلك القوات لبحث وقف القتال"، ولا يفوت عليه أن يشيد على نحو خاص بما يسمى بمنبر جدة، الذي ترعى فيه الرياض وواشنطن مباحثات بين الطرفين المتحاربين في السودان، للتوصل إلى وقف دائم للقتال، ثم يكرّ مرة أخرى ويرفع لاءات الخرطوم الجديدة: لا تفاوض ولا سلام ولا استسلام، والتي هي صدى للاءات القديمة، والتي ثبت أنها من العنتريات التي ما قتلت ذبابة.

بخروجه من الخرطوم خرج البرهان من لعبتي الحرب والسلم، فهو لم يعد محاربا ـ دعك من أن يكون قائدا للمحاربين ـ ومن ثم فهو ليس صاحب قرار وقف الحرب والجنوح للسلم، ولن يكون مفاجئا أن نطالع في الوسائط الإعلامية عن قريب، إعلانا من فئة "خرج ولم يعد؛ أوصافه كالتالي: طويل وعريض، أسمر اللون، يرتدي الزي الإفرنجي كاملا أحيانا، وأحيانا أخرى الزي العسكري الموشى بالنياشين والأوسمة، شوهد مؤخرا في القاهرة وجوبا وأسمرا والدوحة ونيويورك، ويشاع أنه يبحث عن مسكن ومقر في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر"..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه عبد الفتاح البرهان السوداني السودان سياسة رأي مصير عبد الفتاح البرهان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجمعیة العامة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

وضعية قوات الدعم السريع على الأرض في السودان وما التوقعات

الانسحابات وإعادة التموضع

شهدت قوات الدعم السريع خلال الأسابيع الأخيرة تحولات ملحوظة في انتشارها الميداني داخل السودان. انسحبت بعض وحداتها من أجزاء من الخرطوم وولاية الجزيرة، وهو ما يراه المحللون خطوة محسوبة ضمن استراتيجية إعادة التموضع. هذه الخطوة قد تكون استعدادًا لحرب طويلة الأمد بدلاً من الاكتفاء بالمواجهات المباشرة التي قد تؤدي إلى إنهاك القوات.
الوضع في الفاشر ومعارك النفوذ
لا تزال الفاشر نقطة محورية في العمليات العسكرية، حيث تسعى قوات الدعم السريع إلى تثبيت نفوذها في دارفور، والتي تعد معقلًا رئيسيًا لها. تدور المعارك في محيط المدينة وسط تقارير عن تعزيزات جديدة وتحركات تكتيكية، ما يشير إلى أن الدعم السريع يسعى لتأمين موقعه هناك كجزء من خطته للحفاظ على عمقه الاستراتيجي.
التحضير لحرب طويلة الأمد
وفقًا لمحللين عسكريين، فإن الدعم السريع يعيد هيكلة وجوده العسكري بما يسمح له بخوض صراع طويل الأمد. من خلال الانسحاب المنظم من بعض المناطق والتوجه نحو مناطق نفوذه القوي، يحاول حميدتي وقادته تحويل الصراع إلى معركة استنزاف بدلاً من المواجهات المفتوحة مع الجيش السوداني. ويؤكد بعض التقارير أن الدعم السريع يتبنى سياسة "الأرض المحروقة" في بعض المناطق، ما أدى إلى تدمير بنى تحتية واستهداف مرافق حيوية.
الوضع الدولي والقانوني
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أن مكتبه سيطلب إصدار مذكرات توقيف ضد المتهمين بارتكاب فظائع في منطقة غرب دارفور بالسودان. ويعكس هذا الإعلان تصاعد الاهتمام الدولي بالانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع في تلك المنطقة، وهو ما قد يكون له تداعيات على مسار الصراع مستقبلًا.
تأمين مستقبل الحكومة القادمة
في ظل غياب تسوية سياسية شاملة، يبدو أن قوات الدعم السريع تسعى إلى ترسيخ نفوذها على الأرض بحيث تكون جزءًا لا يمكن تجاوزه في أي عملية تفاوضية مستقبلية. تسعى القوات إلى فرض واقع عسكري وسياسي يجعل من الصعب استبعادها من أي اتفاق بشأن الحكم في السودان.
التحسب لخطوات الجيش والقوى السياسية
في المقابل، يراقب الدعم السريع التحركات السياسية والعسكرية التي قد يقوم بها الجيش، خصوصًا فيما يتعلق بتحالفاته مع القوى السياسية والمليشيات المناصرة له. قد يكون أحد أهداف الدعم السريع من إعادة التموضع هو تقليل فرص الجيش في فرض حل عسكري شامل. وفي هذا السياق، قامت قوات الدعم السريع بشن هجمات بطائرات مسيرة على مرافق حيوية، مثل المحطة التحويلية للكهرباء في منطقة الشوك بولاية القضارف، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن عدة ولايات.
معركة ود مدني والتحديات المستقبلية
في 11 يناير الجاري، تمكن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع. وقد أشارت تقارير إلى ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين أثناء هذه العملية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل من الصعب الوصول إلى حل سياسي في المدى القريب.
يتجه الدعم السريع نحو فرض معادلة عسكرية وسياسية جديدة على الأرض، تضمن له موطئ قدم قويًا في أي تسوية مقبلة. ومن خلال إعادة التموضع وتحسين انتشاره في مناطق النفوذ، يحاول الدعم السريع الاستعداد لمرحلة طويلة من الصراع، مع التركيز على تأمين دوره في مستقبل الحكم في السودان. في ظل هذه التطورات، ستظل معارك السيطرة على الأرض وتحالفات القوى المتصارعة عوامل رئيسية في تحديد مسار النزاع خلال الفترة القادمة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو.. مواطن أسيوي يقلد شيخ الدعم السريع الذي قام بخلع سرواله بطريقة مضحكة والجمهور يطالب بتكريمه بعد الحرب
  • وضعية قوات الدعم السريع على الأرض في السودان وما التوقعات
  • في قبضة الجيش السوداني.. عربة مدرعة ومنظومة حرب إلكترونية وتشويش على الطائرات المسيرة للدعم السريع
  • الدعم السريع تغتصب سيدة بريف “أبو قوتة” حتى الموت
  • مستقبل القبائل العربية بعد هزيمة الدعم السريع في السودان
  • تعرف على سبب اغتيال الدعم السريع لقائده جلحة
  • ???? مليشيا الدعم السريع تصفي جلحة احد اشهر قادتها
  • مقتل الجنرال جلحة القيادي في الدعم السريع
  • مرتزقة من 13 دولة يشاركون في الحرب بالسودان نهبت 27 ألف سيارة وسرقوا و26 بنكاً وقوات الدعم السريع تدمر المعلومات والأدلة
  • معارك الخرطوم… انهار «الدعم السريع» أم انسحب باتفاق؟