لم يكن ونستون تشرتشل – حكيم الانجليز – مخطئاً حين قال:
“يستطيع الأمريكان أن يفعلوا الصواب لكن بعد استنفاد كل الخيارات الأخرى”
Americans will always do the right thing, after exhausting all alternatives.
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر
ضل قومُ ليس يدرون الخبر

أخطأت أميركا في فيتنام وفي العراق وفي اليمن.

لم توفَّق أميركا في حربٍ واحدةٍ خاضتها. وخابت تقديراتها السياسية فيما لا يُحصى من المواقف على نطاق العالم. وذلك لأنها تخطها بناء على مصالح المجمع الصناعي العسكري the Military Industrial Complex المُسيطر عليها . وتبنيها خضوعاً لمجموعات الضغط واللوبيات.

واليوم أصدرت الإدارة الأمريكية قراراً ضد علي كرتي، متهمة إياه ب:
(١) إضعاف الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي وديمقراطي في السودان وزعزعة الاستقرار وعرقلة انتقال السودان إلى التحول الديمقراطي الكامل من خلال تقويض الحكومة الانتقالية السابقة التي يقودها المدنيون وعملية الاتفاق الإطاري، الأمر الذي ساهم في اندلاع القتال الحالي بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في ١٥ ابريل ٢٠٢٣.

(٢) يعمل مع إسلاميين متشددين على عرقلة الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار
(٣) مسؤول بطريقة أو أخرى في أعمال أو سياسات تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في السودان.

– لم تقل لنا أميركا كيف فعل كرتي كل هذه الموبقات. لم تُورد دليلاً واحداً للإقناع من باب احترام عقولنا.

– تتناسى أميركا أنها لم ترفع عقوباتها على السودان حتى حين حكم عملاؤها القحاتة. بل فرضت علينا سداد مبلغ ٣٦٢ مليون دولار رغم ما يعانيه اقتصادنا، ولذلك تداعياته الخطيرة على الأمن والسلام والاستقرار. وهي لا تنفق مالها إلّا على منظمات تعمل على استهداف ثقافتنا وديننا وإبدالها بثقافة المثلية وتبنّى المخازي الثقافية الغربية.

– غضت أميركا الطرف عن مشاركة عملائها في التخطيط للحرب وفي إذكاء أوارها، وتجاهلوا عمداً فظائع المليشيا المتمردة التي ما زالت أميركا تسميها في قرارها الدعم السريع.
– تتجاهل أميركا أن دولة الإمارات هي التي سلَّحت الميليشيا وموّلتها ورعت إعلامها، وما زالت تؤوي عدداً من آل دقلو وحلفائهم الذين اتخذوا من الإمارات منصة انطلاق لكل الأعمال العدائية ضد السودان، وكل الدعاية المغرضة عبر فضائياتها.

لا يخفى على متابع ضلوع اللوبي الإماراتي في خروج هذا القرار المعيب. فالإمارات مصابة بإسلاموفوبيا. بل أن الإمارات تؤجج نيران الإسلاموفوبيا حتى في أوروبا كما كتب الصحفي ديفيد هيرست في ٧ أبريل الماضي:
Why the UAE is stoking European Islamophob

– استجاب الإسلاميون لدعوة الاستنفار أسوة بألوف السودانيين ولم يشاركوا في القتال إلى جانب الجيش إلّا بعد أن أذنت قيادته للمستنفرين الذين كان الإسلاميون من بينهم. فلماذا هذا الاستهداف الانتقائي؟؟

– وأين ومتى وكيف أظهر كرتي وآخرين ما وصفته أميركا بالتشدد؟؟
– وأين هذا التشدد وقد شهدت تقارير CIA عبر سنوات بتعاون الإسلاميين في الحرب ضد الإرهاب بما في ذلك السنوات التي كان فيها علي كرتي وزيراً للخارجية!!! ووقّعت أوروبا معهم “إعلان روما لمكافحة الهجرة غير الشرعية” Rome Diclaration.

– ومن الجلي أن القرار إنما يهدف لإضعاف التيار الإسلامي ونفخ الروح في تنظيم عملائها (قحت)، ولا تعلم حجم الكراهية والرفض الذي أصابهم من السودانيين بعد دعمهم للمليشيا التي قتّلتهم ونهبتهم ودمرت بلدهم واغتصبت نساءهم.

– وإذا كانت أميركا تظن أنها ستوقف الحرب بمثل هذه القرارات الساذجة، فهي إنما تراكم أخطاءها وتضل السبيل. ذلك لأن المظالم التي أوقعتها المليشيا وجناحها السياسي – قحت قد زرعت في نفوس السودانيين وجيشهم، من الألم، ما جعل قرار إيقاف الحرب ليس في يد البرهان.

⁃ لقد أضحى قرار إيقاف الحرب قراراً يقرره الشعب ، بعد النهب والتشريد والقتل والدمار والاغتصاب الذي ألحقته المليشيا وظهيرها السياسي بالجماهير ، وأنا نفسي من بين هؤلاء المنهوبين ومن وشردت أسرهم في المنافي . فكيف نرضى عن الظالم بقرار أمريكي أماراتي فوقي ؟؟

– وإذا كانت تظن أنها سترجع الميليشيا وجناحها السياسي – قحت ليتحكموا في مصائر السودانيين فهي لا تعلم حجم الرفض لكلا المجرمين لدى السودانيين.

– إن أميركا بقرارها هذا إنما تشجع الإمارات ومجرمي السودان للمضي قدماً في مزيد إجرام، وإطالة أمد الحرب.

– يعرف السودانيون جيداً أن الاتفاق الإطاري إنما هو صناعة أجنبية. ويعرفون أن أميركا والإمارات تسعيان لفرضه قسراً عبر مجموعة قليلة العدد، معدومة السند الجماهيري، بل مكروهة. وهي قبل ذلك ثبت أنها بلا رؤية وبلا تجارب وخبرات، وأنها منبوذة تتقوى بمن يتخذها عميلة بشراء الذمم الرخيصة.

⁃ أليس الحديث عن التحول الديمقراطي مسخرة ، واستخفاف بالعقول حين تسند أميركا أمره للأمارات وأذنابها بالسودان ؟؟ كيف للأمارات أن تقيم ديمقراطية وهي من تسجن مواطنيها – لكتابتهم تغريدة – عشرين عاما !!! .

– ويعلم السودانيون الآن أن أميركا إنما تريد عزل الجيش عن محيطه الجماهيري وسنده الشعبي. وأنها تريد إنقاذ من ارتكب كل الجرائم ( قحت- المركزي ) دون مساءلة أو عقاب.
⁃ ثم إنني أُشهد الله أنني لم أجد في كرتي هذا التشدد والتطرف الذي رميتموه به — وقد كنت وكيلاً لوزارة الخارجية التي كان هو وزيرها — اللهم إلّا تطرفاً في إعانة من قلّ مالهُ وإقالة عثرات الفقراء والمعوزين . وقد أنشأ من مرافق الخدمات للمساكين ما عجز عنه كل المتشدقين زوراً بمساندة البروليتاريا . ذلك رجل – كما أعرفه – ينشد الحق والعدل ، ووهب نفسه للشعب . ولكنكم قومٌ ظالمون .

وأخيراً فمن حقي كمواطن أن أسائل قيادة السودان عن صمتها عن قرار أميركا واستهدافها لرجل يحرض محبيه على الدفاع عن السودان والقتال إلى جانب جيشه، واستشهدوا بجانب جنوده ومقاتليه؟ لماذا لا تدافع عن مواطن كهذا؟ أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟؟

????السفير عبد الله الأزرق
وكيل وزارة الخارجية الأسبق

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الهزيمة العسكرية هي التي أدت إلى أن يتواضع آل دقلو للجلوس مع عبد العزيز الحلو

فقط الهزيمة العسكرية هي التي أدت إلى أن يتواضع آل دقلو للجلوس مع عبد العزيز الحلو ؛ و هو يمثل سودان ٥٦ ليس بأجندته العلمانية أو شعار الهامش الذي يرفعه ؛ بل الحركة العنصرية التي كانت تبحث عن النقاء العرقي و دولة “العطاوة” كانت لتهتم بالتكوين القبلي للحلو أكثر من “المنفستو” الذي يحمله.

فالحلو المولود لأب من المساليت و أم من النوبة يمثل كل شيء حاربته حركة النقاء العروبي في السودان. فبينما أذاقت مليشيا الدعم السريع كل قبائل السودان و مكوّناته الألم و الإذلال ؛ احتفظت لقبيلتيْ النوبة و المساليت بجحيم خاص في حربها. في بداية تمردها ضد الدولة و بينما كانت تحاصر القيادة العامة و تتوقع إسقاطها ؛ لم تصبر على قبيلة المساليت و ارتكبت فيهم أسوأ المجازر و لم يفهم الناس حينها لماذا تتمرد على الجيش لكنها تقتل المساليت بهذه الوحشية من دون الناس.

عرب العطاوة الذين أحضرتهم المليشيا شرسون جدا ضد النوبة. و هما يطلقون كلمة “أنباي” لكل ذي بشرة داكنة في السودان. و عند دخولها لمدينة الفولة مثلا، و رغم أنها لم تكن في مزاج الإنتهاكات لإعتقادها أن إقتحام المدينة كان بهدف تأديب بسيط لأبناء العمومة الضالين و الذين لا يوافقونها على مشروعها ، إلا أنها

أخرجت من بين صفوف المواطنين عشراتٍ من المنتمين للنوبة و قتلتهم رمياً بالرصاص فقط لأنهم من النوبة. و لذا إنضم المئات من جنود و ضباط جيش الحلو نفسه من إلى أبناء عمومتهم داخل مناطق الجيش السوداني لإدراكهم بطبيعة هذه الحرب التي يريد الحلو إنكار عدواتها للنوبة بعد عامين من العداء المطلق و العلني و المفضوح و هو يستوطن بلاد النوبة و يثري من رفع ظلاماتهم.

آل دقلو المهزومين عسكرياً استدعوا الحلو ليعلمهم فضيلة “التمرد لأجل التمرد” دون مشروع أو مطالب محددة. الحلو هو ملك الخندقة. و هو أولى من يعلمهم كيف لهم أن يتراجعوا إلى ركنٍ قصيٍّ من البلاد للعق جراحهم و الإكنفاء على أنفسهم دون محاولة السيطرة على الثور الهائج في الخرطوم . الحلو هو أنسب من يعزي آل دقلو عن مصابهم و يكشف عنه الندوب و الحروق في جسد الذين حاربوا سلطة الخرطوم و يقص على مسامعهم حكاوي شهداء التمرد من المغامرين الذين إغتالتهم ٥٦ أو شردتهم طوال عمرهم لمحاولة السيطرة عليها بالقوة ؛ قرنق و يوسف كوة و بولاد و القائمة تطول.

لم يكن متوقعاً من دقلو صاحب مشروع النقاء العروبي أن يسعى للقاء الحلو لولا فشل مشروعه . دقلو الجريح يقلّب الآن في دفاتر مليشيات السودان القديمة عن شركاء في الهزيمة و النواح ؛ و عن مشروع يتيم كي يتبناه. دقلو يحاول إقامة مشروع مزدحم يقيه غضب ٥٦ و صيادها المترصد و الغاضب . يحاول خلط الأوراق مخافة الإستفراد به بينما ٥٦ في أفضل أحوالها عسكرياً بعد أن أخذ هو “عرضته” الراقصة ثم وهن و انكسر و تراجع.

ظهور عبد الرحيم دقلو بالبدلة خارج السودان بينما ما زال العطا و كباشي مثلاً لا يظهران بغير الكاكي ، و بينما يصفي الجيش ما تبقى من مغامرات دقلو العسكرية بالخرطوم و كردفان يكشف هو أولوياته الجديدة. إنتهت عنتريات القائد الميداني إلى فضاء المعارض السياسي صاحب المشروع. لا خطة للإنسحاب تشغل باله و لا توجيه بإنقاذ جنوده المحاصرين و إستبقاء حياتهم. بل غسل اليد من دمائهم و الإبتعاد مسافة حتى لا يسمع آلة الجيش الهائلة تطحن أجسادهم إلى العظم. إنهم بعض الماهرية “الشهداء” و كثير من الحبش و الجنوبيين الذين لا بواكي لهم و يستحقون أي مجازفة لإنقاذهم.

عمار عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • جائحة مؤامرونا التي تجتاح السودانيين
  • هل نحن على مشارف صدام حتمي بين أميركا والصين؟
  • الخارجية تستدعي السفير.. السودان يجدد مطالبته للرئاسة الكينية بالتراجع عن تشجيع واحتضان مؤامرة تأسيس حكومة لمليشيا الإبادة الجماعية وتابعيها
  • بعد حظر قناة الشرق للأخبار.. نقابة الصحفيين السودانيين تحذر من الإستهداف
  • مئات الإصابات بالكوليرا في النيل الأبيض وسط السودان
  • الهزيمة العسكرية هي التي أدت إلى أن يتواضع آل دقلو للجلوس مع عبد العزيز الحلو
  • ترامب يواصل هجومه وزيلينسكي يراهن على براغماتية أميركا
  • علي كرتي: حملنا أمانة الذود عن ديننا وعرضنا وأرضنا خلف قواتنا المسلحة الباسلة
  • على ذمة الخارجية السودانية السفير الايطالى ينتقد إنحراف تنسيقية  تقدم وتحولها لمناصرة التمرد
  • قنصلية السودان في جدة تعلن عن فرص عمل للأطباء السودانيين