????السفير عبد الله الأزرق: كرتي والإمارات وأميركا
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
لم يكن ونستون تشرتشل – حكيم الانجليز – مخطئاً حين قال:
“يستطيع الأمريكان أن يفعلوا الصواب لكن بعد استنفاد كل الخيارات الأخرى”
Americans will always do the right thing, after exhausting all alternatives.
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر
ضل قومُ ليس يدرون الخبر
أخطأت أميركا في فيتنام وفي العراق وفي اليمن.
واليوم أصدرت الإدارة الأمريكية قراراً ضد علي كرتي، متهمة إياه ب:
(١) إضعاف الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي وديمقراطي في السودان وزعزعة الاستقرار وعرقلة انتقال السودان إلى التحول الديمقراطي الكامل من خلال تقويض الحكومة الانتقالية السابقة التي يقودها المدنيون وعملية الاتفاق الإطاري، الأمر الذي ساهم في اندلاع القتال الحالي بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في ١٥ ابريل ٢٠٢٣.
(٢) يعمل مع إسلاميين متشددين على عرقلة الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار
(٣) مسؤول بطريقة أو أخرى في أعمال أو سياسات تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في السودان.
– لم تقل لنا أميركا كيف فعل كرتي كل هذه الموبقات. لم تُورد دليلاً واحداً للإقناع من باب احترام عقولنا.
– تتناسى أميركا أنها لم ترفع عقوباتها على السودان حتى حين حكم عملاؤها القحاتة. بل فرضت علينا سداد مبلغ ٣٦٢ مليون دولار رغم ما يعانيه اقتصادنا، ولذلك تداعياته الخطيرة على الأمن والسلام والاستقرار. وهي لا تنفق مالها إلّا على منظمات تعمل على استهداف ثقافتنا وديننا وإبدالها بثقافة المثلية وتبنّى المخازي الثقافية الغربية.
– غضت أميركا الطرف عن مشاركة عملائها في التخطيط للحرب وفي إذكاء أوارها، وتجاهلوا عمداً فظائع المليشيا المتمردة التي ما زالت أميركا تسميها في قرارها الدعم السريع.
– تتجاهل أميركا أن دولة الإمارات هي التي سلَّحت الميليشيا وموّلتها ورعت إعلامها، وما زالت تؤوي عدداً من آل دقلو وحلفائهم الذين اتخذوا من الإمارات منصة انطلاق لكل الأعمال العدائية ضد السودان، وكل الدعاية المغرضة عبر فضائياتها.
لا يخفى على متابع ضلوع اللوبي الإماراتي في خروج هذا القرار المعيب. فالإمارات مصابة بإسلاموفوبيا. بل أن الإمارات تؤجج نيران الإسلاموفوبيا حتى في أوروبا كما كتب الصحفي ديفيد هيرست في ٧ أبريل الماضي:
Why the UAE is stoking European Islamophob
– استجاب الإسلاميون لدعوة الاستنفار أسوة بألوف السودانيين ولم يشاركوا في القتال إلى جانب الجيش إلّا بعد أن أذنت قيادته للمستنفرين الذين كان الإسلاميون من بينهم. فلماذا هذا الاستهداف الانتقائي؟؟
– وأين ومتى وكيف أظهر كرتي وآخرين ما وصفته أميركا بالتشدد؟؟
– وأين هذا التشدد وقد شهدت تقارير CIA عبر سنوات بتعاون الإسلاميين في الحرب ضد الإرهاب بما في ذلك السنوات التي كان فيها علي كرتي وزيراً للخارجية!!! ووقّعت أوروبا معهم “إعلان روما لمكافحة الهجرة غير الشرعية” Rome Diclaration.
– ومن الجلي أن القرار إنما يهدف لإضعاف التيار الإسلامي ونفخ الروح في تنظيم عملائها (قحت)، ولا تعلم حجم الكراهية والرفض الذي أصابهم من السودانيين بعد دعمهم للمليشيا التي قتّلتهم ونهبتهم ودمرت بلدهم واغتصبت نساءهم.
– وإذا كانت أميركا تظن أنها ستوقف الحرب بمثل هذه القرارات الساذجة، فهي إنما تراكم أخطاءها وتضل السبيل. ذلك لأن المظالم التي أوقعتها المليشيا وجناحها السياسي – قحت قد زرعت في نفوس السودانيين وجيشهم، من الألم، ما جعل قرار إيقاف الحرب ليس في يد البرهان.
⁃ لقد أضحى قرار إيقاف الحرب قراراً يقرره الشعب ، بعد النهب والتشريد والقتل والدمار والاغتصاب الذي ألحقته المليشيا وظهيرها السياسي بالجماهير ، وأنا نفسي من بين هؤلاء المنهوبين ومن وشردت أسرهم في المنافي . فكيف نرضى عن الظالم بقرار أمريكي أماراتي فوقي ؟؟
– وإذا كانت تظن أنها سترجع الميليشيا وجناحها السياسي – قحت ليتحكموا في مصائر السودانيين فهي لا تعلم حجم الرفض لكلا المجرمين لدى السودانيين.
– إن أميركا بقرارها هذا إنما تشجع الإمارات ومجرمي السودان للمضي قدماً في مزيد إجرام، وإطالة أمد الحرب.
– يعرف السودانيون جيداً أن الاتفاق الإطاري إنما هو صناعة أجنبية. ويعرفون أن أميركا والإمارات تسعيان لفرضه قسراً عبر مجموعة قليلة العدد، معدومة السند الجماهيري، بل مكروهة. وهي قبل ذلك ثبت أنها بلا رؤية وبلا تجارب وخبرات، وأنها منبوذة تتقوى بمن يتخذها عميلة بشراء الذمم الرخيصة.
⁃ أليس الحديث عن التحول الديمقراطي مسخرة ، واستخفاف بالعقول حين تسند أميركا أمره للأمارات وأذنابها بالسودان ؟؟ كيف للأمارات أن تقيم ديمقراطية وهي من تسجن مواطنيها – لكتابتهم تغريدة – عشرين عاما !!! .
– ويعلم السودانيون الآن أن أميركا إنما تريد عزل الجيش عن محيطه الجماهيري وسنده الشعبي. وأنها تريد إنقاذ من ارتكب كل الجرائم ( قحت- المركزي ) دون مساءلة أو عقاب.
⁃ ثم إنني أُشهد الله أنني لم أجد في كرتي هذا التشدد والتطرف الذي رميتموه به — وقد كنت وكيلاً لوزارة الخارجية التي كان هو وزيرها — اللهم إلّا تطرفاً في إعانة من قلّ مالهُ وإقالة عثرات الفقراء والمعوزين . وقد أنشأ من مرافق الخدمات للمساكين ما عجز عنه كل المتشدقين زوراً بمساندة البروليتاريا . ذلك رجل – كما أعرفه – ينشد الحق والعدل ، ووهب نفسه للشعب . ولكنكم قومٌ ظالمون .
وأخيراً فمن حقي كمواطن أن أسائل قيادة السودان عن صمتها عن قرار أميركا واستهدافها لرجل يحرض محبيه على الدفاع عن السودان والقتال إلى جانب جيشه، واستشهدوا بجانب جنوده ومقاتليه؟ لماذا لا تدافع عن مواطن كهذا؟ أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟؟
????السفير عبد الله الأزرق
وكيل وزارة الخارجية الأسبق
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
– لا يستطيع قادة الغرب وكيان الاحتلال إنكار أن هذه الحرب التي تشارف على نهايتها في قطاع غزة، كانت حربهم معاً، وأنه لولا حجم انخراط الغرب مباشرة فيها إضافة إلى التمويل والتسليح والاستنفار وجلب الأساطيل لما استطاع الكيان الصمود حتى هذه الأيام، ولا يستطيع أيّ منهم إنكار أنهم وضعوا ثقلهم معاً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ومالياً للفوز بهذه الحرب التي تدور على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً فقط، ما يعادل حياً صغيراً في أي مدينة كبرى، وأن الضربة الأولى في هذه الحرب يوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م كانت كافية لزعزعة عناصر قوة الكيان، ما أجبر الغرب كله على الهرولة إلى المنطقة بقادته وجيوشه وماله وسلاحه، واستنفار آلته الإعلاميّة والدبلوماسية لضمان أفضل مستويات الدعم والإسناد لجبهة الكيان بوجه غزة.
– تحوّلت الحرب قضية أولى على جدول أعمال الساسة والقادة والإعلام والشعوب على مساحة العالم، ورغم الخذلان العربي والإسلامي لغزة على مستوى الحكومات والشعوب، فقد نجحت غزة باستنهاض حلفاء لها يساندونها بجبهات قاتلت قتالاً ضارياً بلا هوادة، وتحمّلت تضحيات جساماً، خصوصاً في جبهتي لبنان واليمن، حيث تكفلت جبهة لبنان بإنهاء قدرات جيش الاحتلال على خوض حرب برية، وأجبرته على المجيء إلى وقف إطلاق للنار بدون مكاسب وهو يعترف ببقاء المقاومة على سلاحها، وما يعنيه ذلك من قبول مبدأ العودة إلى التساكن مع قوى المقاومة المسلحة على الحدود، رغم دروس الطوفان التي أجمع عليها قادة الكيان لجهة أن هذا التساكن يعني أن الخطر الوجودي على الكيان قائم وأن المسألة مسألة وقت، ومَن يقبل بالتساكن على الحدود الشمالية يقبل مثله على الحدود الجنوبيّة.
– نجح اليمن بتحدّي القوة الأمريكية والغربية البحرية بكل ما لديها من حاملات طائرات وسفن حربية ومدمرات وغواصات، وفرض إرادته رغماً عنها منجزاً حصاراً بحرياً على ميناء إيلات حتى تمّ إقفاله، وتسببت صواريخ اليمن وطائراته المسيّرة بتأكيد ما فرضته صواريخ لبنان وطائراته المسيّرة، لجهة عجز القبة الحديديّة بكل تقنياتها المتطورة رغم تدعيمها بشبكة صواريخ ثاد الأمريكية، فبقي المستوطنون يهرولون بمئات الآلاف إلى الملاجئ، وسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية، وفشلت كل محاولات إخراج اليمن من موقعه كجبهة إسناد لغزة، بل إن أحد أسباب السير باتفاق ينهي الحرب كان اليقين بأن هذا هو الطريق الوحيد المتاح للتخلص من العقدة اليمنية وما تسببه لواشنطن وتل أبيب من إحراج.
– عوّضت التداعيات التي ترتبت على حرب غزة عالمياً عن الخذلان العربي والإسلامي، مع ظهور حركة الجامعات الغربية بحيويتها وحضورها المميز، وتطورها نحو إطلاق مد ثقافي فكري تاريخي لإثبات الحق الفلسطيني بكامل التراب الوطني الفلسطيني، وتوسّعت حركات المقاطعة الاقتصادية، وتسبّبت بتغييرات هيكلية في شبكة علاقات الشركات العالمية الكبرى بالكيان، وامتلأت شوارع عواصم الغرب بالملايين تهتف بالحرية لفلسطين، كما شهد العالم إعادة تموضع سياسية ودبلوماسية ونهوض حركة مساءلة قانونية بوجه جرائم الكيان ووحشيته، رغم التهديدات الأمريكية بالعقوبات، فقطعت دول علاقاتها بالكيان وأغلقت سفاراتها لديها وسحبت سفراءها من عاصمته، واعترفت دول أخرى بالدولة الفلسطينية، وذهبت دول لمقاضاة الكيان أمام المحاكم الدولية، وتحرّكت المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قادة الكيان.
– عادت القضية الفلسطينية إلى وهجها كقضية دولية إنسانية وقانونية، لكن أيضاً كقضية استراتيجية يتوقف على حلها بصورة يقبلها الشعب الفلسطيني استقرار الشرق الأوسط، وتالياً سوق الطاقة واستقرار العالم، ولم يعُد العالم كما لم تعُد القضية الفلسطينية بعد هذه الحرب كما كان الحال قبلها، وهكذا حقق الطوفان أهدافه، وكانت عيون العالم على الطريقة التي سوف تنتهي من خلالها الحرب، لتحديد سقوف السياسة ومقدار القوة التي سوف ينجح الفلسطينيون في انتزاعها في ظل الضوء الأخضر الممنوح للكيان بتدمير كل ما يتصل بالحياة في غزة، وها هم يفرضون اتفاقاً لا يطال سلاح مقاومتهم، ولا يمنح الاحتلال أي امتيازات أمنية وجغرافية في قطاع غزة، ويجد أنه مجبر على إعلان انتهاء الحرب، وسوف يكون سقف تباهي حكام واشنطن وتل أبيب بما أنجز في غزة ولبنان واليمن هو ما قاله أنتوني بلينكن عن إنجازات أميركا وإسرائيل في لبنان، وسقفها إبعاد حزب الله عن الحدود، وقطع إمداده عبر سورية، لكن قوته باقية ولذلك فالإنجاز كما يقول إنه تمّ حرمان حزب الله من تشكيل تهديد راهن؛ بينما بعض الحمقى والمهابيل في لبنان يحتفلون بأن نزع سلاح حزب الله على الطاولة، وهكذا سوف يقولون عن غزة، تحييد التهديد الراهن؛ بينما يحتفل بعض مهابيل وحمقى الأجهزة في السلطة الفلسطينية بالحديث عن هزيمة المقاومة وحتمية نزع سلاح المقاومة.. ويبقى الأهم ما تقوله واشنطن وتل أبيب لا ما يردده أيتام الوحدة 8200، إن القضية هي منع التهديد اليوم وليس آلة القوة وأسباب القوة، لكن ماذا عن الغد، والاحتلال لن يحلم في أي منازلة مقبلة، وهي مقبلة حكماً، ما يشبه ما ناله في هذه الحرب ولم ينجح بتحقيق النصر؟.
رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية