لا يكاد يمرّ يوم دون صدور المزيد من التصريحات حول نية الصين إعادة تشكيل النظام العالمي. وفي تقريره الذي نشرته مجلة "ذا ديبلومات" الأميركية، قال الكاتب نيكولاس بيكيلين إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حذّر من أن الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها النية والقوة لإعادة تشكيل النظام الدولي.

وأكدت رئيسة المفوضيّة الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن "الهدف الواضح لبكين يتمحور حول إحداث تغيير منهجي في النظام الدولي الذي ترأسه الصين".

وقد وعد الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا بأن الصين والبرازيل تستطيعان معًا "تغيير الحوكمة العالمية".

ولا يمر أسبوع دون أن يعبر باحثون بارزون في العلاقات الدولية أو زعيم عالمي سابق عن رأيهم حول ما ينبغي القيام به للحفاظ على ما يسمى بـ"النظام القائم على القواعد" الذي تهدده الصين الرجعية، حسب رأي الكاتب.

تقويض النظام القديم

وتتراوح الأدلة التي جُمعت بين تصريحات بكين الخاصة حول طموحها للدخول في "نوع جديد من العلاقات الدولية" من أجل بسط نفوذها الاقتصادي على معظم العالم النامي، وإنجازاتها في توسيع التجمّعات التي تتمحور حول الصين مثل مجموعة بريكس أو منظمة شنغهاي للتعاون، وتفوّقها الذي لا جدال فيه على القوى النظيرة السابقة مثل روسيا والهند، ونجاح المبادرات الدبلوماسية الجديدة مثل الاتفاق بين إيران والسعودية، والانحدار العام للقوى الغربية.

وذكر الكاتب أن الصين أصبحت قوة عالمية عظمى، وبالتالي فهي تريد أن تنعكس تفضيلاتها وقيمها في النظام الدولي بالطريقة نفسها التي فرضت من خلالها الولايات المتحدة بصماتها على مؤسسات ما بعد الحرب. ولكن السؤال الحقيقي هو مدى نجاح بكين حقا في إنشاء نظام جديد بدلاً من تقويض النظام القديم.

ولا يمكن إنكار حقيقة أن الصين دعمت إلى حد كبير طموحها لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية. منذ سبتمبر/أيلول 2021، كشفت بكين النقاب عن نحو 3 "مبادرات عالمية" حول التنمية والأمن والحضارة على التوالي. وإلى جانب مبادرة الحزام والطريق، تشكل هذه المبادئ حاليا الركائز الأربع لمبادرة الرئيس "مجتمع من أجل مستقبل مشترك"، التي أشادت بها بكين باعتبارها خطة لتحقيق "السلام والاستقرار العالميين" و"قوة دافعة قوية للتنمية العالمية".


كما أن نفوذها المتنامي داخل الأمم المتحدة ليس محل نزاع، إذ تعد بكين ثاني أكبر مساهم في ميزانية الأمم المتحدة، وتدير "صندوقها الائتماني للسلام والتنمية" المنفصل بقيمة 200 مليون دولار تحت إشراف الأمين العام مباشرة. ومع ذلك، فإن فكرة أن الصين تسعى بكل إصرار إلى اتباع إستراتيجية متماسكة لا يمكن أن تكون أبعد عن الحقيقة، لأن الدبلوماسية الصينية في الواقع مليئة بالتناقضات وعدم التماسك، والارتباك.

وحسب الكاتب، من الصعب فهم تصوير الصين نفسها على أنها بطلة للجنوب العالمي. فمن ناحية، استثمرت بكين قدرًا كبيرًا من رأس المال الدبلوماسي والاقتصادي مع البلدان النامية في جميع أنحاء العالم، ولا تفوت قط فرصة للتأكيد من جديد على أنها دولة نامية.

الذئب المحارب

وإلقاء نظرة فاحصة على سلوك الصين على الساحة الدبلوماسية يكشف العديد من التناقضات المماثلة. فبينما تدعي الصين تقديم وجه "ودود" للعالم، لا تزال سياستها الخارجية تهيمن عليها دبلوماسية "الذئب المحارب"، وهي مزيج من التهديد والتضليل والتشهير، والتي اقتصرت في البداية على منصات التواصل الاجتماعي ولكنها أصبحت الآن شائعة في البيئة الدبلوماسية.

وأضاف الكاتب أن كل هذه التناقضات تتضاءل مقارنة بالتناقض الأساسي الذي وصل الآن إلى قلب السياسة الخارجية للصين، والذي يتمحور حول ارتباطها المقدس بمبادئ السيادة والسلامة الإقليمية. ومنذ تأسيسها في عام 1949، جعلت بكين هذه المبادئ حجر الزاوية في دبلوماسيتها على الدوام، وذلك كانعكاس لتاريخ الصين المرير كضحية للتعديات الإمبريالية الغربية واليابانية في القرنين الـ19 والـ20.

وتفترض الصين الآن بشكل فعال وجود "مخاوف أمنية مشروعة" كاستثناءات صالحة لمبادئ السيادة والسلامة الإقليمية عبر جميع دبلوماسيتها، بدءًا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وصولا إلى مبادرة الأمن العالمي، وذلك دون تقديم أي إشارة حول ما يمكن وصفه بالضبط بأنه "مخاوف أمنية مشروعة". ومن سيقرر ما هو "الشرعي"؟ ووفق أي معايير؟ وعلى أي أساس قانوني؟

ويرى الكاتب أنه من الصعب رؤية كيف يمكن لأي دولة أن تستبدل الأمن النسبي الذي يوفره نظام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بنظام عالمي صيني، حيث يتم تقييد سيادتها الإقليمية من خلال "مخاوف أمنية مشروعة" غير محددة قد تكون لدى أي دولة أخرى.

وبعبارة أخرى، تستطيع الصين إما أن تحاول حشد البلدان حول مواقفها بشأن الحوكمة العالمية، كما تؤكد بقوة متزايدة، وإما يمكنها أن تدفع باتجاه رؤية نظام دولي جديد يتسم بتقليص السيادة الإقليمية. ومن الواضح أن الترويج لكلا الأمرين في الوقت نفسه، كما تفعل بكين حاليا، غير متماسك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أن الصین

إقرأ أيضاً:

لبنان تسلم مذكرة إنتربول أميركية لتوقيف مدير المخابرات الجوية السورية في نظام الأسد

سرايا - أفادت قناة الحدث بأن "لبنان تسلم مذكرة إنتربول أميركية لتوقيف مدير المخابرات الجوية السورية في نظام الأسد اللواء جميل الحسن".

وفي هذا السياق، أفاد مصدر قضائي للعربية بأن مذكرة جميل الحسن تسلمها القاضي جمال الحجار.

وأضاف: "مذكرة توقيف مدير المخابرات الجوية السورية تم تعميمها على الأجهزة اللبنانية".





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1686  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 21-12-2024 07:41 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
مدرسة أمريكية تطيح المعلمين لصالح الذكاء الاصطناعي من منا لا يكذب؟ علامات قد تفضحنا بثوانٍ! بالفيديو .. شاهد واحد من أكبر مصانع "الكبتاغون" المخدر في سوريا ارتفاع حصيلة قتلى عملية الدهس في ألمانيا إلى 5 و205 مصابين بينهم حالات خطرة .. (فيديو) بالفيديو .. أبناء الأزرق يناشدون الملك لإنصاف... لحظات الأسد الأخيرة .. هرب مع ابنه وروسيا جعلته... 14 اصابة جراء سقوط صاروخ على "تل أبيب"... "نعى نفسه قبل وفاته بساعات" .. حزن في... "هرباها عبر دلة قهوة من سوريا إلى الأردن"... لحظة دهس سائق سيارة لشرطي لبناني أثناء إيقافه في...خبير عسكري: لهذه الأسباب فشلت إسرائيل في اعتراض...المقاومة: وقف إطلاق النار بغزة أقرب من أي وقت مضىقبل الخروج للأضواء .. ماذا نعرف عن وزير خارجية...الدفاع المدني بغزة: الاحتلال يمنع إجلاء جثامين الشهداءبعد انتقاده إدارة بايدن .. كوشنر: 10 دول ستنضم إلى...تفاصيل جديدة لهروب الأسد .. الأولوية للثروة...مهم من السفارة السورية في الأردن بشأن عودة إلى...إيران تعلن مقتل أحد موظفي سفارتها في دمشق هنا الزاهد تكشف حقيقة زواجها في 2025: هل ستدخل... بطرافته المعهودة .. صلاح عبدالله يطمئن جمهوره على... حذف ياسمين صبري من بطاقة التموين يتصدر الترند بطرافته المعهودة .. صلاح عبدالله يطمئن جمهوره على... بعد سقوط الأسد وغياب 12 سنة .. "الجنرال"... أستون فيلا يبقي السيتي في دوامة الهزائم ليفربول في ورطة .. صلاح قد يغيب 8 مباريات فوز الأهلي على الرمثا بربع نهائي كأس الأردن تعادل منتخب الناشئين مع نظيره البحريني توتنهام يقصي اليونايتد من الكأس بعد مباراة ماراثونية عصابات تخطف البنات .. "كوافيرة" تفجر حالة ذعر ورعب في مصر من الشطرنج لسجون الأسد .. سر طبيبة اختفت مع 6 من أولادها "نعى نفسه قبل وفاته بساعات" .. حزن في مصر بعد وفاة إمام مسجد بالحرم المكي عودة سوبرمان مع كلبه الخارق لإنقاذ أفلام الأبطال الخارقين عائلة من "بابا عمرو" تقيم عزاءً على أكثر من 100 من أبنائها "جريمة مروعة" .. أجبر زوجته على ابتلاع خاتم الزواج ثم قتلها سقط في وادٍ بعمق 150 مترا .. وفاة مؤسس "مانغو" الملياردير إيزاك أنديك جريمة بشعة .. مصرية تقتل زوجها سرقوا مجوهرات من أحد المنازل .. وهكذا كان مصيرهم فوضى كبيرة داخل برلمان .. ماذا حصل بين نواب!

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • فورين أفيرز: لهذه الأسباب لا تخاف بكين من ترامب
  • صبحي: تعزيز النمو المستدام بأفريقيا يتطلب تضافر الجهود لخلق نظام مالي عالمي جديد أكثر عدالة
  • بكين تحذر واشنطن من «اللعب بالنار» بسبب تايوان.. ماذا حدث؟
  • الصين تحذر من تجاوز الخط الأحمر بسبب مساعدات أميركية لتايوان
  • لابيد: الحكومة لا تستطيع منعنا من الاستمرار في إعادة البلاد إلى مسارها الصحيح
  • لبنان تسلم مذكرة إنتربول أميركية لتوقيف مدير المخابرات الجوية السورية في نظام الأسد
  • الأسلحة الكيميائية.. سر نظام الأسد المظلم الذي يخشاه الغرب وإسرائيل
  • الأمم المتحدة: قدمنا أدلة تدين نظام الأسد إلى الجنائية الدولية والعدل الدولية
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات على كيانات إيرانية والحوثيين في تصاعد للتوترات.. العقوبات تهدف إلى تعطيل تدفق الإيرادات التي يستخدمها النظام الإيراني لتمويل الإرهاب في الخارج وللقمع الداخلي لشعبه
  • معهد أمريكي: ما الذي يمكن أن يخلفه سقوط الأسد من تأثير مباشر على اليمن؟ (ترجمة خاصة)