قد يصيب طفلك.. ماذا تعرفين عن الجهل التعددي؟
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
هل سبق أن كان طفلك يعلم إجابة سؤال يطرحه المعلم، لكنه أعرض عن رفع يده للإجابة فقط لأن أحدا من زملائه لم يرفع يده؟
ربما يكون صغيرك في هذه الحالة مصابا بما يطلق عليه "الجهل التعددي"، أو ما يسمى بـ"تأثير المتفرج"، وهو عبارة عن حالة من التثبيط والتراجع عن اتخاذ القرارات والأفعال فقط لأن الآخرين لم يفعلوها.
وعادة ما يتخذ المصابون بهذه الحالة قرارا باتباع "القطيع"، فإن لم يفعل الجميع نفس الأمر، لن يقوموا هم بأي فعل وإن كان ضروريا، هكذا يلتزم المرء سلوك المجموعة، ولو كان غير صحيح، ولهذا السبب أيضا لن يقدم طفلك على صداقة طفل معين في الفصل لأن بقية زملائه لم يفعلوا، ويتدرج تأثير المتفرج ليتضمن تطورات لاحقة أكثر خطورة.
ما الجهل التعددي؟في عام 1931 أخضع عالما النفس الاجتماعي الأميركيان فلويد ألبورت ودانييل كاتز مجموعة من الطلبة لتجربة من أجل تقييم ردود أفعالهم تجاه مطالبتهم بتسكين زملائهم من طلاب الأقليات معهم، ورغم أن الطلاب محل البحث لم يعترضوا تقريبا، فقد شاركوا مخاوفهم في دوائر ضيقة، صحيح أن الرأي العام الغالب كان الموافقة، إلا أن الطلاب في الواقع لم يكونوا راضين كليا عن الفكرة.
هكذا صاغ العالمان مصطلح "الجهل التعددي" لوصف الموقف الذي يرفض فيه أعضاء المجموعة معايير معينة على المستوى الشخصي، لكنهم يعلنون دعمها علنا على افتراض خاطئ أن بقية أعضاء المجموعة يقبلون هذه المعايير.
المصطلح الذي يشير إلى تشوه معرفي عام، ليس مقصورا على عالم الدراسة، ولكنه يؤثر على أداء الفرد وقناعاته، وقدرته على التعبير، بداية من علاقاته الشخصية وانتهاء بأدائه كفرد في المجتمع بشكل عام، الأمر الذي يتسبب في عدة أزمات على المستوى الفردي أبرزها:
الشعور بالقلق. الشعور بالتوتر. الشعور بالعزلة. الخوف من رفض الآخرين. تنمر أكثر.. معرفة أقليسهم الجهل التعددي في انتشار التنمر داخل المدارس، ذلك ما توصلت إلى دراسة أشارت إلى أن المتنمر يواصل اصطياد الضحايا وسط صمت زملائهم، حيث حالة من الجهل التعددي التي تمنع الأطفال من الموازنة بين مواقفهم الخاصة الرافضة للتنمر والمتعاطفة مع الضحية، وتصوراتهم لمواقف أقرانهم الذين لم يهبوا للدفاع عن الضحية، ومن ثم يصمت الجميع.
ثلاثون عاما قضتها معلمة العلوم المصرية هدى علاء في سلك التدريس، رأت خلالها صنوفا عديدة من الطلبة، وتابعت كيف تطور أمر "الجهل التعددي" على مدار الأعوام، لدى الطلبة، حتى إنه أعاد تشكيل العملية التعليمية بالكامل.
تقول للجزيرة نت "صار الطلبة يتعاملون مع العملية التعليمية في مجموعات، نادرا ما أجد طالبا يملك تصورا واضحا حول ما يريد ومن ثم يتخذ قرارا واضحا، حتى إن قرارا مهما مثل التخصص في المرحلة الثانوية يتم اتخاذه بناء على رأي المجموعة، وهو ما تكرر كثيرا، حيث صرت أفاجأ بطلاب كانوا يرغبون في التخصص بالقسم العلمي، يدخلون إلى القسم الأدبي، فقط لأن الأغلبية من حولهم اتخذت نفس القرار".
يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، حيث ضربت معلمة المرحلة الإعدادية مثالا للكيفية التي يسيطر بها رأي المجموعة على مستقبل أفرادها في المرحلة الثانوية، وتقول إن "هناك أستاذا للغة الإنجليزية، يعمل داخل مركز شهير للدروس الخصوصية، أرادت ابنتي أن تلتحق بمجموعاته كأقرانها، لكنها فوجئت أن أقل مجموعة لديه تضم 450 طالبا، فيما يبلغ إجمالي الحضور في بعض الأحيان 2200 طالب:
وتضيف أنه "يتم تخيير الطلبة بين الجلوس أمام الشاشة أو الحصول على مقعد مميز أمام المدرس نفسه، يومها عادت ابنتي وأخبرتني أن الأمر لا يستحق العناء، لكنني ظللت أتأمل مشهد مئات الطلبة وهم يجلسون وسط الزحام، فقط لأن الجميع يقول إنه الأفضل من بين جميع مدرسي اللغة الإنجليزية".
يلعب الجهل التعددي دورا محوريا في الأحداث الفاصلة، حين يفهم أفراد المجموعة أن عدم تحركهم يضر بالموقف، لكن لأن أحدا ممن حولهم لم يتدخل، فيتم التعامل مع الوضع على أنه ليس طارئا ولا يتطلب تدخلهم وإن كان ضروريا.
في دراسة قديمة نشرت في المجلد 35 من مجلة الجمعية الأميركية لعلم الاجتماع عام 1972، اكتشف الباحث تشارلز كورتي أن المسألة لا تتوقف لدى الطلاب عند التحيز الجذري في تقدير آراء زملائهم حول مختلف القضايا، وبالتالي اتباعها بناء على فهمهم الخاطئ، ولكن الأمر يذهب لأبعد من ذلك، حيث يزداد التحيز بمرور الموقف، ويصير أكثر تطرفا.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق بشأن الجهل التعددي هو أنه يفسح المجال لسيطرة مجموعة بعينها من الأشخاص، هؤلاء الذين يملكون القدرة على أن يكونوا أكثر وضوحا، وأن يخلقوا هالة من الإجماع الزائف لإرغام الناس على الاعتقاد بأنهم جزء من الأقلية ومن ثم عليهم التزام الصمت.
يعد الصمت العنصر الرئيسي الذي يولد الفهم الخاطئ، فيدفع غالبية الأفراد بسرعة إلى التزام الصمت دون الكشف عن معتقداتهم الحقيقية.
ورغم أنها ظاهرة غير صحية، فإنه لحسن الحظ يمكن تجنبها بسهولة، إذ إن كل ما يتطلبه الأمر لتنشئة طفل غير مصاب بالجهل التعددي، هو أن تتبع معه مجموعة من الأمور الأساسية في رحلة التربية على رأسها:
ضرورة مشاركة معتقداته وآرائه الشخصية بشكل علني. عدم الخجل من إثارة انتباه المجموعة. عدم الانصياع للرأي العام أو الخوف من مخالفته. التأكيد على ضرورة التصرف وفق ما يشعر به طفلك لا الآخرون.أشار الدكتور شريف عرفة، المحاضر في مجال التنمية الذاتية وعلم النفس الإيجابي، إلى ضرورة التعامل مع الأمر باعتباره مرحلة من مراحل التطور النفسي للطفل، مع توجيهه حتى يصل إلى مرحلة نضج يصبح فيها مستقلا فكريا ونفسيا، ومسؤولا عن أفكاره، ليس عن جهل ولكن عن ضمير ذاتي وأساس معرفي وفكري وثقافي.
يقول عرفة للجزيرة نت "في كتابي (إنسان بعد التحديث) هناك فصل كامل عن "التفتح الذهني"، يدور حول الرغبة في التعرف على الآراء المخالفة، وضرورة غرس نسبية المعرفة، فالإنسان في مرحلة بدائية من النضج النفسي يتعامل مع الأمور بمنطق الأبيض والأسود، مع أو ضد، هكذا يقرر أن رأي بابا وماما هو الصواب، ورأي الأغلبية هو الأصح، وما سواهم خطأ".
ويشير صاحب كتاب "لماذا من حولك أغبياء؟" إلى دور الوالدين، وكذلك المدرسة في تعليم الطفل أن الأمور ليس بالأبيض والأسود، وأن هناك أفكارا مركبة ووجهات نظر مختلفة، لدينا ولدى الآخرين أيضا، ولتنمية تلك المهارة، يتطلب الأمر:
تنمية الفضول وحب القراءة، خاصة في المسائل الخلافية، وحب التعلم والاطلاع. تشجيع الطفل على الحوار والتعرف على المختلف، مع طرح وجهة نظره الشخصية. تفعيل تدريبات في المدارس على تبادل وجهات النظر في الأمور الخلافية كما كان عليه الأمر قديما في حصص الخطابة، حيث كان يُطلب من الطلبة اختيار مسألة خلافية، وكتابة الأدلة التي تدعم وجهة النظر المغايرة، ثم يتم تقسيم الطلبة إلى فريقين يعبر كل منهما عن وجهة نظر مختلفة.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فقط لأن
إقرأ أيضاً:
التعليم في رمضان .. تحديات واستراتيجيات للتكيف وضمان الجودة
يعد شهر رمضان المبارك فترة استثنائية تمتزج فيها الروحانية بالالتزامات اليومية، إلا أنه يفرض أيضًا تحديات على النظام الدراسي، حيث تتأثر جداول الحصص ومستوى تركيز الطلبة، إلى جانب أساليب تقديم المناهج التعليمية، ومع تقليص عدد ساعات الدراسة، يسعى المعلمون والإداريون إلى تحقيق توازن دقيق بين تخفيف الضغط على الطلبة وضمان استمرار العملية التعليمية بجودة وكفاءة، وبينما تتكيّف المدارس مع هذه التحديات، يظهر رمضان كفرصة لتعزيز مهارات التنظيم والانضباط الذاتي للطلبة، مما يساعدهم على إدارة وقتهم بفعالية والاستفادة القصوى من أوقات الدراسة رغم التغيرات في الروتين اليومي.
التكيف مع الوقت
أكد خالد بن سليمان الرواحي مدير معهد عمر بن الخطاب للمكفوفين، أن شهر رمضان يؤثر على النظام الدراسي نتيجة تقليل زمن التعلم اليومي، مما ينعكس على سير المناهج الدراسية، وأوضح أن قصر مدة الحصص يسبب انخفاض تركيز الطلبة وقلة طاقاتهم نتيجة اضطراب النوم، ويتطلب تعديل الجداول المدرسية لتناسب احتياجاتهم.
وأشار الرواحي إلى أن المدارس تعتمد أساليب مرنة للحفاظ على جودة التعليم، حيث يعمل المعلمون على تقديم محتوى دراسي يتناسب مع زمن الحصة، مع التركيز على أهداف الدرس الأساسية، إلى جانب الاستفادة من المنصات التعليمية في شرح بعض الدروس المهمة، كما يتم تقليل حصص النشاط والمواد التي تتطلب مجهودًا بدنيًا، لضمان راحة الطلبة خلال ساعات الصيام.
تعديلات
وأضاف الرواحي: إن بعض المدارس تقوم بتعديل مواعيد الامتحانات والتقييمات لتجنب تعارضها مع أوقات الصيام، إما بتقليل فتراتها أو توزيعها على أوقات أكثر راحة، وفي بعض الحالات، يتم استبدال التقييمات التقليدية بمهام منزلية وتقارير يمكن للطلبة إنجازها في أوقات مناسبة لهم.
إلى جانب التعديلات الدراسية، أوضح الرواحي أن المدارس تحرص على تقديم برامج توعوية تتضمن نصائح حول التغذية السليمة أثناء السحور والإفطار، وأفضل الطرق لإدارة الوقت أثناء الدراسة في رمضان، كما يتم تنظيم فعاليات دينية ومسابقات وندوات تعليمية لتعزيز روحانية الشهر الفضيل، بالإضافة إلى أنشطة خيرية مثل توزيع وجبات على المحتاجين أو المشاركة في حملات تطوعية.
وأشار الرواحي إلى أن شهر رمضان يحمل جوانب إيجابية، حيث يشعر الطلبة بروحانية الشهر، مما يعزز دافعيتهم الدراسية، إلا أن هناك أيضًا تحديات تتمثل في انخفاض التركيز والنشاط نتيجة الصيام.
وأكد أن دور الأسرة أساسي في توفير بيئة داعمة للطلبة، من خلال تنظيم أوقات نومهم، وضمان التغذية السليمة، وتقديم التشجيع النفسي لمساعدتهم على التكيف مع الدراسة خلال الصيام، كما أن التعاون بين المدرسة والأسرة يسهم في تحقيق تجربة دراسية متوازنة، تضمن تحصيلًا علميًا جيدًا مع الحفاظ على صحة الطلبة خلال الشهر الفضيل.
وأكدت خالصة الفلاحية مديرة مدرسة خولة بنت ثعلبة للتعليم الأساسي، أن شهر رمضان المبارك يحمل معه أجواء روحانية ينتظرها الجميع بشوق، لكنه في الوقت نفسه يفرض تحديات على النظام الدراسي بسبب تقليل ساعات الدوام المدرسي، مما يؤدي إلى قصر الحصص الدراسية وانخفاض المحتوى التعليمي الذي يتلقاه الطلبة خلال هذه الفترة.
استراتيجيات
وأوضحت الفلاحية أن تحقيق التوازن بين تقليل ساعات الدراسة وضمان جودة التعليم يتم من خلال توظيف استراتيجيات التعلم النشط، والاستفادة من التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في تقديم الدروس بأسلوب سلس وبسيط، مما يسهل على الطلبة اكتساب المهارات والمعارف بكفاءة.
وأشارت إلى أهمية الاستعداد المسبق للشهر الكريم عبر تقديم النصائح والإرشادات للطلبة وأولياء أمورهم، مثل تنظيم أوقات النوم، وأهمية وجبة السحور، ووضع جداول مناسبة للمذاكرة، مما يساعد الطلبة على التركيز والتفاعل الإيجابي داخل الصفوف الدراسية.
وأضافت: إن المدارس تراعي في هذا الشهر تقديم دروس لا تتطلب مجهودًا بدنيًا كبيرًا، وتقليل الامتحانات والتقييمات دون الإخلال بالخطة الزمنية المقررة، بحيث تتناسب مع ظروف الطلبة دون التأثير على مستواهم.
وأكدت الفلاحية أن المدارس تستغل أجواء رمضان في تنظيم محاضرات دينية وتوعوية، ومسابقات قرآنية وثقافية متنوعة، مع إشراك أولياء الأمور في هذه الأنشطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز روح المشاركة والتفاعل بين المدرسة والمجتمع.
كما لفتت إلى التأثيرات الإيجابية للشهر الفضيل على الطلبة، حيث يشعرون بالطمأنينة والاستقرار النفسي والالتزام والانضباط، مما ينعكس إيجابيًا على أدائهم الدراسي.
دور الأسرة
واختتمت الفلاحية حديثها مؤكدة أن الأسرة تؤدي دورًا جوهريًا في دعم الطلبة خلال الشهر الفضيل، من خلال تهيئة بيئة منزلية هادئة ومحفزة للتعلم، وتشجيعهم على تنظيم وقتهم والتوازن بين الدراسة والعبادات، مما يساعدهم على الاستفادة القصوى من أجواء الشهر الكريم بإيجابية ودافعية نحو تحقيق النجاح.
وسائل محفزة
أكدت زينب بنت سليمان الحوسنية مساعدة مديرة مدرسة مدينة السلطان قابوس للتعليم الأساسي (1-4)، أن المدارس تسعى إلى تحقيق التوازن بين تقليل ساعات الدراسة وضمان جودة التعليم خلال شهر رمضان، وذلك من خلال استخدام أساليب تفاعلية ومبسطة، وتقليل الأنشطة التقليدية، وتعزيز التعلم التعاوني، إلى جانب الاستفادة من التقنيات الحديثة التي تساعد الطلبة على استيعاب الدروس بشكل أسرع.
وأوضحت أن المدرسة تحرص على تقديم برامج توعوية للطلبة حول أهمية التغذية السليمة والنوم الكافي، وتنظيم أوقات المذاكرة، بما يسهم في تحسين تركيزهم وأدائهم الدراسي خلال الشهر الفضيل.
وحول آلية التعامل مع الامتحانات، أوضحت الحوسنية أن الاختبارات عادة تُجرى في الأسبوع الثاني أو الأسبوع الثالث من رمضان، حيث يكون الطلبة قد تأقلموا مع أجواء الصيام، كما يتم جدولة الامتحانات في الحصص الأولى من اليوم الدراسي لضمان تحقيق أعلى مستوى من التركيز، مع إشعار أولياء الأمور بمواعيدها مسبقًا ليتمكنوا من دعم أبنائهم في الاستعداد لها.
التأثيرات الإيجابية والتحديات
وأشارت الحوسنية إلى أن للصيام أثرًا إيجابيًا في سلوك الطلبة، حيث يضفي عليهم السكينة والهدوء، ويعزز لديهم الصبر وتحمل المسؤولية ليس فقط في الصيام، وإنما أيضًا في أداء واجباتهم المدرسية، ومع ذلك، يواجه بعض الطلبة تحديات مثل الإرهاق وقلة التركيز، التي تعود في الغالب إلى عدم انتظام النوم.
ولمواجهة هذه التحديات، يعتمد المعلمون على استراتيجيات تدريس تفاعلية مثل استخدام الأنشطة الجماعية، وتفعيل الوسائل التقنية الحديثة في تقديم المحتوى التعليمي، كما يتم دعم الطلبة الذين يعانون من قلة التركيز من خلال وسائل مشوقة، مثل الألعاب التعليمية والأنشطة الجماعية، التي تساعد على جذب انتباههم وتعزيز تفاعلهم مع الدروس.
وأوضحت الحوسنية أن تشجيع الطلبة على اتباع نمط حياة صحي، من خلال شرب كميات كافية من الماء، وتناول وجبات غذائية متوازنة خلال الإفطار والسحور، وأخذ قسط كافٍ من النوم، يساعدهم بشكل كبير على تحسين تركيزهم ومساعدتهم في تحقيق أقصى استفادة من يومهم الدراسي خلال رمضان.