(عدن الغد)محمد علي ثامر:

تداولت وسائل الإعلام مؤخراً توقيع سفير اليمن في واشنطن اتفاقية حماية التراث وحظر بيع الآثار اليمنية المسـروقة في المزادات الأمريكية، سبق ذلك قرارٌ أمريكي يحظر استيراد ونقل الممتلكات والآثار الثقافية اليمنية إليها، لتعيد إلى الأذهان سلسلة من التقارير والوقائع التي وثَّقت نهب وتخريب وتهريب الآثار اليمنية إلى الخارج.

 قصة التهريب

يقول مركز كارنيغي للدراسات في التقرير الذي نشره للباحث محمد علي ثامر: تعرضت الآثار اليمنية لموجاتٍ أو سلسلةٍ من عمليات التهريب إلى خارج الوطن، يحدث هذا نتيجة أمرين هامين، هما: الحملات شبه المنظمة كحملات المستشرقين في قرونٍ سابقة، أو عمليات التهريب التي تقوم بها عصابات اﻵثار، والتي ازدهرت واشتهرت مؤخراً بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة والحرب اﻷهلية، التي تدور رحاها منذ تسعة أعوام، لتصبح تلك الآثار سلعاً معروضةً في مزاداتٍ عالمية، حيث نظمت مزاداتٍ لشـراء تـمثالٍ سبئي، أو رأس حيوانٍ حميري، أو لوحةٍ حجرية كُتِبَتْ بالخط المسماري (المُسند).

ولعل تقريراً أصدره مركز الهدهد للدراسات الأثرية تحت عنوان: (ذاكرة اليمن الأثرية بين التهريب والتغريب)؛ قد كشف الحقيقة التي تعانيها آثار اليمن وقصة سرقتها من الداخل وتهريبها إلى الخارج، حيث رصد التقرير عدد الآثار اليمنية التي عرضت في أبرز صالات المزادات العالمية خلال الفترة 1991 – 2022 وبيع خلالها نحو 4,265 قطعة أثريةً يمنية في 6 دول غربية، عن طريق 16 مزاداً عالمياً أمريكياً وأوروبياً، كما وضَّح التقرير عملية ازدياد نشاط وتيرة بيع الآثار اليمنية خلال فترة الحرب، حيث بلغت 2,610 قطعة، منها 2,167 قطعة في الولايات المتحدة لوحدها، تجاوزت قيمتها (12) مليون دولار، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وضَّح التقرير احتواء 7 متاحف عالمية على 1,384 قطعةً أثريةً يمنيةً مهربةً ومسروقة. 

من المسؤول؟
نجد من خلال متابعة وسائل الإعلام والتي تركز على موضوع سرقة وبيع الآثار اليمنية بأن العديد من الباحثين والصحافيين يحملون أطراف الصـراع في اليمن؛ سواءً الأطراف اليمنية، أو القوى الإقليمية، كـ(السعودية، والإمارات، وقطر)، وغيرها، مسؤولية تهريب وسرقة ومن ثم بيع الآثار اليمنية في تلك المزادات العالمية؛ الأمر الذي تحاول تلك الأطراف والقوى التهرب منه عن طريق تبادل الاتهامات وتحميل المسؤولية للطرف الآخر. وصل الأمر إلى استغلال بعض منظمات المجتمع المدني التي تقع في مناطق سيطرة هذه القوى، وإلى إعداد التقارير التلفزيونية في القنوات المحلية، والقنوات العربية والغربية، كالقناة الفرنسية الثانية، وقناة الجزيرة القطرية، وقناة العربية السعودية، وقناة سكاي نيوز الإماراتية، وقناة DW الألمانية، بهدف تغييب الحقائق واتهام الأطراف الأخرى بضلوعها في سـرقة الآثار اليمنية وتهريبها وبيعها في المزادات العالمية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبحت المواقع الإخبارية والمتخصصة بالآثار والعلوم وأبرزها موقع لايف ساينس الأمريكي، تعجُّ بمئات الأخبار بشأن هذا الأمر، ليتساءل اليمنيون والمهتمون بالتاريخ والحضارة اليمنية عن دور الحكومة والمنظمات الدولية في حماية الآثار اليمنية، ولماذا لم أو لا يتم تجريم الجهة أو الجهات التي تقوم بهذا العمل الذي يسلب اليمن حقوقه الثقافية والتاريخية، إذ يعتبر اليمنيون سـرقة تاريخ شعبٍ يُعادل تـماماً سـرقة حاضـره ومستقبله.

مطالب بحماية الآثار

يذهب ناشطون وباحثون إلى لوم الحكومة اليمنية بشأن استمرار عمليات تهريب الآثار وسرقتها، على رأس هؤلاء الباحث الآثاري عبدالله محسن، والذي تعج صفحاته في التواصل الاجتماعي بأخبار بيع الآثار اليمنية في المزادات العالمية، والصحفي أحمد عاشور، الذي أعدَّ تحقيقاً استقصائياً بعنوان: (أثرٌ بعد عين) وثَّق سـرقة قطع أثرية ثمينة من اليمن وتهريبها عبر الحدود وبيعها عبر مواقع تسويق الآثار وفي مزاداتٍ أوروبية، كانت الحكومة اليمنية طيلة فترة الحرب الطويلة مغيبةً تـماماً عن موضوع الآثار؛ ربما بمحض إرادتها أو بفعل تدخل قوى خارجية مؤثرة عليها، إذ تبادر إلى اتخاذ إجراءاتٍ حازمة في هذا الشأن، إلا بعد حملة شعبية لمطالبتها بالتدخل العاجل لإنقاذ الآثار اليمنية واتخاذ خطواتٍ أكثر حسماً لمنع تهريبها، وبفرض العقوبات على مرتكب هذه الجرائم. حينها بادرت الحكومة اليمنية إلى دعوة الدول الأوروبية إلى وقف إجراءات بيع الآثار اليمنية، كما رحبت بالقرار الأمريكي الآنف الذكر، وأعلنت استعادتها 77 قطعة أثرية ومخطوطة قرآنية مهربة من أمريكا، ليتوج ذلك توقيع الاتفاقية مؤخراً مع الولايات المتحدة الأمريكية. في هذا السياق، يأمل اليمنيون بأن مثل هذه الإجراءات وغيرها قد تؤتي أُكلها في المستقبل القريب وتُعاد معظم القطع والآثار اليمنية المهربة إلى وطنها.

 



 

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: بیع الآثار الیمنیة فی المزادات

إقرأ أيضاً:

بثينة عليق: المُسيرة يافا.. واليمن الجديد

يبدو واضحاً أن يمناً جديداً يولد منذ تفعيل أنصار الله دورهم في الحياة السياسية اليمنية. وقد جاء اتخاذ قرار إطلاق جبهة الإسناد لغزة من صنعاء كمؤشر لإضافي على التحولات الكبرى التي يعيشها اليمن.

شكلت هذه الجبهة علامة فارقة في معركة طوفان الأقصى، إلا أن استهداف مسيرة يمنية لـ”تل أبيب” خلال الأسبوع الماضي اعتبر حدثاً مفصلياً، إلى درجة أن مصدراً في الجيش الإسرائيلي وصف هجوم المسيرة التي سميت يافا بأنها “بمنزلة 7 أكتوبر جديد لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي”، وأن هذه العملية تنذر بانتهاء عصر “السماء الصافية”، في إشارة إلى طبقات أنظمة الدفاع الجوي التي تحمي “إسرائيل”.

قبل طوفان الأقصى، لم يكن اليمن بعيداً عن الاهتمام الإسرائيلي ربطاً بالاستراتيجية الإسرائيلية التي تنص على الهيمنة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

الأطماع الإسرائيلية التي تُرجمت خلال سبعينيات القرن الماضي بسيطرة “إسرائيل” على عدد من الجزر الإثيوبية جنوب البحر الأحمر، دفعت اليمنيين إلى نشر قوات في جزيرتي حنيش الكبرى وجبل زقر عام 1977.

العام 1995 شهد تطورات لافتة على هذا الصعيد. قامت البحرية الإريتيرية، وبإشراف خبراء إسرائيليين، بمهاجمة جزر حنيش اليمنية بزوارق بحرية إسرائيلية وطائرات إسرائيلية. وقد سجل أن تحركات أرتيريا في البحر الأحمر تأتي بالتنسيق مع “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية، وصولاً إلى تحول منطقة جنوب البحر الأحمر إلى مجال نفوذ أميركي إسرائيلي.

في تلك المرحلة، لم يصدر أي رد فعل يمني كبير إزاء هذه الإجراءات الإسرائيلية. بقيت الأمور على حالها إلى حين دخول أنصار الله إلى المشهد السياسي اليمني، والذي وصل إلى ذروته عام 2014.  لم يكن إطلاق أنصار الله صرختهم الشهيرة “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل” مجرد عمل إعلامي استعراضي. أدرك الإسرائيليون أن اليمن يمر بتحولات كبيرة.

مع بداية العدوان السعودي على اليمن، تعاطى الإسرائيليون كأن الحرب حربهم. كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت في تلك الفترة أن الحرب في اليمن تدخل في “مصلحة إسرائيل، وهي فرصة لقطف الثمار”.

في آب 2020، نُشرت دراسة في مجلة “معراضوت” الإسرائيلية تظهر الاهتمام الإسرائيلي باليمن وحيثياته. ذكرت الدراسة أن المعركة في اليمن جزء من الصراع الإقليمي على الهيمنة على الشرق الأوسط بين إيران و”الائتلاف العربي السني”، و”أن انتصار الحوثيين سيمنح طهران سيطرة على معبري المياه الاستراتيجيتين من مضائق هرمز ومضائق باب المندب”.

وفي سياق الربط بين أنصار الله وحزب الله، طرحت الدراسة السؤال التالي: “ماذا يستطيع الحوثيون تعلمه من حزب الله؟ وماذا يستطيع حزب الله أن يتعلم من تجربة اليمن؟”

مجالات الاستفادة والدروس المستقاة من قبل الطرفين تتعدد وتتوزع بحسب الدراسة الإسرائيلية بين “الساحة البحرية واستخدام المسيرات والدفاع الجوي”. وتقول المجلة الإسرائيلية: “إضافة إلى المعلومات والتجربة التي راكمها حزب الله، تراكمت تهديدات مباشرة لإسرائيل ومصالحها من جانب الحوثيين”.

وتخلص الدراسة إلى أن المعركة على الهيمنة على الشرق الأوسط في اليمن قد تجر “إسرائيل” إلى داخل قلب المعركة، وتوصي أصحاب القرار في “إسرائيل” بأن يتابعوا التطورات في ساحة القتال في اليمن.

ولكن يبدو أن المتابعة لم تؤتِ ثمارها. يظهر الأداء الإسرائيلي، كما التطورات اللاحقة، أن الفهم الإسرائيلي لليمن لم يكن دقيقاً، ما يشير إلى ضعف في التحليل وفي تفهم المعطيات اليمنية. سوء الفهم والتقدير وصل إلى ذروته بعد طوفان الأقصى.

أفاد تقرير نشره معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة “تل أبيب” في شهر كانون الأول من العام الماضي بأنَّ “عدة عوامل قد تجعل الحوثيين يقلصون استهدافهم لإسرائيل”، وأضاف أن المسافة بين اليمن و”إسرائيل” التي تصل إلى نحو 2000 كلم حتى إيلات في أقصى جنوب “إسرائيل” هي العامل الأول الذي سيدفع بهذا الاتجاه.

التقدير ذاته تكرر في موقع ماكو العبري الذي حسم أنّ “جماعة أنصار الله غير مهتمة بفتح جبهة مع إسرائيل”. أما صحيفة معاريف، فذهبت إلى حد طمأنة الجمهور الإسرائيلي إلى أن “مدى الطائرات التي يمتلكها الحوثيون يبلغ 800 كيلومتر، وأنها لن تتمكن من حيث المبدأ من استهداف إسرائيل”.

جاءت الطائرة يافا لتظهر الخلل في التقديرات الإسرائيلية. قد يكون أحد أسباب عدم الفهم هو التغيرات الكبيرة التي شهدتها الساحة اليمنية. لقد أخرجت الرمال اليمنية المتحركة الكثير من المفاجآت، وصولاً إلى تحول قضية التخلص من التبعية الخارجية إلى خيار شعبي ومصيري.

أظهر اليمنيون شجاعة في الدفاع عن أرضهم وكرامتهم، ما أطاح الكثير من التصورات والمسلمات التي سادت في العقود الماضية.

خاض اليمنيون ما يشبه حرب التحرير الوطنية التي أدت إلى خلق ديناميات أهلية ولدت الكثير من عناصر القوة والاقتدار، وأثبتوا أن العداء لإسرائيل ودعم القضية الفلسطينية مسألة ترقى إلى مستوى الالتزام العقائدي والأخلاقي والوطني، وأن قرار دعم غزة لا تراجع عنه، وأن سقوف الدعم أعلى مما يتوقعه كثيرون.

 

*إعلامية لبنانية

مقالات مشابهة

  • تماثيل “أسُود ووعُول” أثرية منهوبة تعرض في متاحف عالمية
  • باحث يكشف عن جانب من آثار اليمن المعروضة في قصور ومتاحف أوروبية بينها أسود برونزية
  • عرض تماثيل يمنية في المتاحف الأوروبية
  • آثار اليمن المنهوبة.. تماثيل "أسُود ووعُول" في متاحف عالمية أشهرها في بريطانيا وأمريكا وإسرائيل
  • المسيَّرة يافا… واليمن الجديد
  • مسيّرة يافا.. أيّ رسائل من نار تبعث بها اليمن لـ “إسرائيل”؟
  • البديوي يشيد بجهود تحقيق السلام والأمن في اليمن
  • الحوثي تبث مشاهد توثق لحظات إطلاق المسيرة يافا نحو الاحتلال (شاهد)
  • خبير يكشف تفاصيل ومعوقات استعادتها: تمثال ملك قتبان ضمن 16 قطعة أثرية يمنية مهربة إلى باريس
  • بثينة عليق: المُسيرة يافا.. واليمن الجديد