بلسان توأمه.. كيف قضى صاحب أصغر جثمان مقدسي محتجز أيامه الأخيرة؟
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
القدس المحتلة- في الـ30 من شهر أغسطس/آب الماضي، كان الطفل المقدسي خالد سامر زعانين (14 عاما) يهم بالعودة إلى منزله عبر القطار الخفيف في القدس، هاتَف والديه لينتظراه في المحطة التالية، لكنها كانت المكالمة والمحطة الأخيرة، حيث أعدمه الاحتلال من مسافة صفر، وتركه ينزف وسط تصفيق وهتاف المستوطنين، الذين قالوا إنهم قتلوا "مخربا" حاول طعنهم.
ورغم امتلاء الموقع بكاميرات المراقبة، لم تحصل عائلة الطفل خالد على تسجيل لمحاولة الطعن المزعومة التي لم تسفر عن أي إصابات، لكنها رأت توثيق عدسات المستوطنين لإعدام نجلها الذي أُطلقت عليه عدة رصاصات حتى الموت، رغم تحييده وعدم تشكيله خطرا على أحد، كما لم تحظ عائلته بوداعه أو دفنه، حيث يواصل الاحتلال احتجاز جثمانه، ليكون بذلك أصغر جثمان مقدسي محتجز.
عائلة زعانين تتمنى أن تجتمع بجثمان نجلها خالد الذي يحتجزه الاحتلال منذ شهر (الجزيرة) شق توأم ثلاثيزارت الجزيرة نت منزل عائلة الطفل الشهيد في بيت حنينا شمالي القدس، والتقت والديه وأشقاءه الخمسة، فخالد كان أخا محبوبا عطوفا وشقا لتوأم ثلاثي (محمود وسديل).
يقول أشقاء خالد إنهم انتظروه ليلتها ليشاهدوا فيلما في المنزل كما اعتادوا، لكنهم فوجئوا باقتحام قوات ومخابرات الاحتلال للمنزل، واعتقال الأم والأب والشقيقة الكبرى يسرا وشق التوأم محمود، بعد أن عاثت خرابا في المكان وصادرت بعض الهواتف.
محمود وتوأمه خالد ربطتهما علاقة قوية وطدها المسجد والرياضة (الجزيرة)روى توأم الشهيد وشبيهه محمود (14 عاما) للجزيرة نت كيف حاصره ملثمان في المطبخ، وهدداه بالزجاج المكسور وإلقاء الثلاجة من النافذة خلال التحقيق الميداني، وهو تحت تأثير الصدمة، اعتقل محمود وشُتم، وحين مرت مركبة الاعتقال بجانب موقع ارتقاء شقيقه، ضحك الجنود وقالوا له "هنا قتلنا أخاك".
جلست العائلة المكلومة على الأريكة التي كان ينام عليها خالد، وبدا عليها الصبر رغم مصابها، وتوضح لنا مصدر قوتها حين تحدثنا إلى آية؛ والدة خالد ومعلمته وصديقته، فقد كان طالبها النجيب في الصف التاسع، وتقول إنه اختير ممثلاً لصفه، بسبب شعبيته بين الطلبة وشخصيته القيادية.
خالد (يسار) تجهّز جيدا لبداية السنة الدراسية لكنه ارتقى قبل يومين من انطلاقها (الجزيرة)تحدثت أم خالد برضا واتزان نفسي كبير، وتذكرت حين دخل عليها حماها قبل وفاته وهي منهمكة بتربية أبنائها وقال لها "ستدخلين الجنة بفضلهم"، ولم يخطر ببالها آنذاك أن أحدهم سيرتقي شهيدا مظلوما، وتقول إنها ربت أبناءها أن سلاحهم هو علمهم ودينهم. وفندت أم خالد مزاعم الاحتلال موضحة أن خالد لديه تشتت منذ الصغر ولا يستطيع التحكم بسكين أو الطعن بها.
سألناها عن خالد، فنظرت إلى ابنتها الكبرى يسرا، التي تفوقت في الثانوية العامة بمعدل 99%، وقالت "هذه التي ربته، كان عمرها 4 سنوات حين وُلد، كان رفيقها دوما، تهتم بدراسته ولعبه ونومه".
همّت يسرا أن تتحدث عن شقيقها فقالت "كان قريبا من الجميع، بحس إنه هو…" ثم أجهشت ببكاء لم ينقطع طيلة المقابلة، التفتت أمها إليها وقالت لها "ضعي يدك على قلبك قولي الحمد لله الحمد لله، سيذهب كل شيء".
التوأم محمد وسديل ينظران إلى صور توأمهما الثالث خالد وقد كانا ينتظرانه قبل إعدامه (الجزيرة) الأيام الأخيرةرحل خالد قبل يومين من بداية العام الدراسي، بعد شرائه قرطاسية وزيًّا وحذاءً جديدا. يروي سامر زعانين والد خالد، للجزيرة نت، إنه أنيق ويختار ملابسه بعناية، وكان ينتعل حذاءه الجديد ساعة استشهاده، وعن تلك الساعة يقول الأب إنه يرفض حتى اليوم رؤية صور نجله وهو مخضب بالدماء، أو رؤية مقطع إعدامه بدم بارد.
كان خالد فتى محافظا على الصلاة في مسجد الدعوة القريب من بيته، يوقظ عائلته لصلاة الفجر، كما روى شقيقه الأكبر نضال، ويطعم بعدها القطط أمام عتبة البيت، حتى إنها بعد ارتقائه استمرت بالمواء فجرا بحثا عنه، وتذكر والدته أنه وقبل 4 أيام من رحيله أصرّ على شراء البيتزا ودعوة كل أفراد العائلة على حسابه الخاص.
الأم آية ونجلها الأكبر نضال يحرصان على سقاية شجرة التين التي زرعها خالد قبل ارتقائه (الجزيرة) تينة خالدأحب خالد رفع الأثقال وتمارين القوى، وأراد أن يصبح كهربائيا، حيث طلب من عائلته أن تسمح له بمرافقة أحد الكهربائيين كي ينهل من العلم الذي أحب، تقول والدته إنه بدأ بمشروع زراعة 100 شجرة، وزرع وحده العديد من الأشتال قرب بيته، وأصرّ في أيامه الأخيرة على زراعة شجرة تين، والتي تعهدت عائلته بسقياها ورعايتها حتى تكبر وتخلّد اسم خالد.
عادت آية معلمة اللغة الإنجليزية إلى التدريس، لكن قلبها ما زال ينفطر كلما نظرت إلى مقعد ابنها الفارغ، وتفجع كلما نادت عليه في المنزل -ناسية- ليقوم بمهامه حسب جدول التنظيف العائلي.
تزدحم الذكريات في عقول أفراد العائلة، التي قالت إن المستوطنين تحرشوا بابنها لأنه عربي فقط، وانهالوا عليه بالضرب، ليطلق عليه أحد الجنود الرصاص دون تفكير، بمجرد أن سمع كلمة "مخرب".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
هل التطبيع السعودي مع الاحتلال ممكن رغم تصريحات ولي العهد الأخيرة؟
يرصد الإسرائيليون في الآونة الأخيرة زيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من انتقاداته لدولة الاحتلال، لاسيما في قمة الرياض الأخيرة، واتهامه بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، وهو في الوقت نفسه، يواصل تدفئة العلاقات مع إيران، ورغم كل ذلك فلا تزال الولايات المتحدة هدفه الرئيسي.
وقال المراسل السياسي لموقع "زمن إسرائيل" ليزار بيرمان: إن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عرض مؤخرا على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك رؤيته لمستقبل مشرق للمنطقة بمجرد إتمام إسرائيل والسعودية اتفاق التطبيع من أجل إنشاء شرق أوسط جديد، استمرارا لاتفاقات أبراهام قبل أربع سنوات، مما يستدعي تحقيق اتفاق سلام تاريخي بين الرياض وتل أبيب".
ووصف بيرمان الصفقة المحتملة بـ"نقطة تحول حقيقية في التاريخ، ستؤدي لمصالحة تاريخية بين المسلمين واليهود، بين مكة والقدس"، مضيفا أن "نتنياهو لم يكن الوحيد الذي بشّر بقرب التطبيع مع السعودية، ففقبل أيام من الانتخابات الأمريكية، حاول وزير الخارجية أنتوني بلينكن الترويج له، عندما قال قبل مغادرته إسرائيل إنه رغم كل ما حدث من حرب دائرة، فلا تزال هناك فرصة غير عادية في المنطقة للتحرك في اتجاه مختلف تماما، حيث ستكون السعودية في قلب هذا الأمر، بما يشمل على الأرجح تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومع ذلك فإن الإشارات القادمة من المملكة تحكي قصة مختلفة".
وأوضح أن "خطاب ابن سلمان أمام الزعماء العرب والمسلمين في الرياض، اتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ودعاه لعدم انتهاك سيادة إيران، وأخبر القادة المجتمعين أنه يجدد إدانته ورفضه المطلق لعمليات القتل بحق الشعب الفلسطيني، وراح ضحيتها 150 ألف من القتلى والجرحى والمفقودون، معظمهم من النساء والأطفال، مما يجعل من اتهاماته القاسية، وفي منتدى عام واسع، التصعيد الأبرز في انتقادات الرياض لتل أبيب، وأصبحت أكثر وضوحا منذ هجمات حماس في السابع من أكتوبر".
واستدرك بالقول إن "هناك أسباب للتقليل من أهمية هذه الانتقادات، لأن القمم التي يستضيفها ابن سلمان في الرياض غالبا ما تستخدم كمنصات للمظاهرات والتصريحات الفارغة، بحسب زعم جون حنا، زميل بارز في معهد الأمن اليهودي الوطني الأمريكي، وابن سلمان لا يرغب بأن ينأى بنفسه كثيراً عن الخط العام للشعوب العربية التي تشاهد الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام".
ونقل عن سايمون هندرسون، زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، أن "هناك مؤشرات على حدوث تغييرات جوهرية في الاتجاه السعودي تجاه إسرائيل، فقد شهدنا نشاطا دبلوماسيا متزايدا حول القضية الفلسطينية، آخرها إطلاق دول أوروبية وعربية وإسلامية مبادرة، بقيادة السعودية، لتعزيز الدعم لإقامة دولة فلسطينية، وصوّتوا لصالح منح العضوية الكاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة، مما يعني أن اتجاه اللجوء للمجتمع الدولي يكتسب زخما".
وأضاف أن "هناك اتجاه سعودي آخر يقلق الاحتلال، انعكس في كلمات ابن سلمان، وهو الدفء المستمر في علاقاته مع إيران، حيث زارها قائد الجيش السعودي فياض الرويلي على رأس وفد عسكري رفيع المستوى، والتقى بنظيره الإيراني محمد بكري، كما شاركتا في مناورة بحرية، مما يؤكد أن التغيير في الموقف السعودي تجاه إيران ينبع من اعتبارات سياسية واقعية تتعلق بأمن المملكة، وإبقاء إيران على مسافة منها، ومنعها من الإضرار بمصالحها".
وأوضح أن "هذا قد يتغير بسرعة نسبيا عندما تتغير الظروف، والتغيير الذي يبحث عنه السعوديون هو اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة تتضمن ضمانات رسمية لأمنهم، حيث حاولت إدارة جو بايدن إدراج التطبيع مع إسرائيل في إطار اتفاق ثلاثي، ويتوقع أن يروج الرئيس القادم دونالد ترامب لاتفاق مماثل، لكن ثمن مثل هذه الصفقة بالنسبة لإسرائيل مع السعوديين سيكون مرتفعاً ويتمثل بالمطالبة علناً بإحراز تقدم كبير نحو إقامة دولة فلسطينية".
وأضاف أنه "في ظل إدارة أمريكية أكثر دعماً لإسرائيل وفي وضع تضعف فيه إيران بشكل كبير بسبب فقدان أذرعها في المنطقة، والعقوبات التي قد تفرض عليها، قد يخفف ابن سلمان من مطالبه بشأن القضية الفلسطينية، خاصة إذا هدأ القتال في غزة".
وختم بالقول إنه "إلى أن يتولى ترامب منصبه في يناير 2025، يدرك السعوديون أن فرص تحقيق تحالف دفاعي مع الولايات المتحدة ضعيفة، لذا فإن الهجمات العلنية على إسرائيل في المنتديات الإسلامية تشكل وسيلة مريحة لتخفيف التوترات، لأن المرحلة الانتقالية ذات الثلاثة أشهر في الولايات المتحدة، لا يُتوقع خلالها تحقيق أي تقدم دبلوماسي ملموس".