جاء الإسلام على أنقاض جاهلية عاتية جاهلية في العلاقات الاجتماعية وجاهلية في ثنايا المجتمع وفي إطار المواجهات بين القيم الجاهلية والقيم الاسلامية السمحاء .. وأنتصر الإسلام بقيمه وتعاليمه ومثل قوية تغييرية مهمة واليوم ونحن نقف في ذكرى عزيزة و مناسبة عظيمة من حقنا أن نتساءل وأن تضع محددات أمامنا نقل ابرزها :
كان مولده عليه الصلاة والسلام منذرًا عروش الظلم المستبدة أن عصر العدل والحرية والكرامة قادم، وسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، كما خمدت نار المجوس، وتهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت وغار ماؤها تحمل رسول الله في سبيل تبليغ الإسلام وهداية العباد صنوف المشاق وألوان الأذى؛ فكان عاقبة أمره فوزًا ونصرًا إذ أشرقت برسالته الأرض بعد ظلمتها، وهدى الله به من الضلالة وبصر به من العمىمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إيذانًا من الله تعالى بتغيير الأوضاع الفاسدة التي آلت إليها البشرية، والتي تشعبت في جميع مناحي الحياة ، وفي أرجاء المعمورة بين كافة الأمم على السواء.
ومما لاشك فيه أن أيامًا كثيرة وعظيمة في حياة الأمة الإسلامية، فرح بها المتقدمون، ويفرح بها المسلمون المتأخرون إلى يوم القيامة، ومن هذه الأيام يوم المولد النبوي، يوم الإسراء والمعراج، ويوم فتح مكة، ويوم الانتصار في بدر، وأيام أخرى مجيدة.. ولاشك أيضاً أن كل مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد- صلى الله عليه وآله وسلم- رسولاً، وقد يحزن حزنًا عميقًا يوم وفاته- صلى الله عليه وسلم- في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، ويود المسلم المحب لنبيه حبًا حقيقيًا لو أنه خسر ماله وأهله ليحظى برؤية النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ولو ساعة من نهار، كما صح الخبر الذي رواه مسلم في صحيحه عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( من أشد أمتي لي حبًا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله).
فمن البديهي أن تكون لنا دراية عن نبينا صلى الله عليه وسلم (حياته، معجزاته، مولده، أخلاقه، إيمانه، آياته، خلواته وعبادته)، أو ليست هذه المعرفة واجبة على كل مسلم؟؛ فما الذي هو أفضل من الاحتفال وتذكر مولده الذي يمثل أساس حياته كمقدمة لنكتسب المعرفة عن حياته؟ فبتذكرنا لمولده عليه الصلاة والسلام نبدأ بتذكر كل شيء عنه، وبذلك يرضى الله عنا، ونصبح أكثر استعداداً لنجعله مثالاً لنا نصلح به عثراتنا ونقتدي به، ولهذا كان الاحتفال بالمولد فضلاً عظيماً أرسل ألينا، قال البُصيري في بردته واصفًا النبي الكريم:
وكُــلُّ آيٍ أتَى الرُّسْـلُ الكِـرَامُ بِهَا
فــإنمـا اتصَلَتْ مِن نورِهِ بِهِــمِ
فـإِنَّهُ شمـسُ فَضْلٍ هُـم كــواكِبُهَا
يُظهِرْنَ أنـوارَهَا للنـّـاسِ في الظُّلَمِ
وفي منعطفات حياتنا المعاصرة تظل الحاجة قائمة وملحة وضرورية بهذه المناسبات الجليلة أن نضعها نصب اعيننا بما تمثله من قيمة ومن اعماله العظيمة ومن سيرته العطرة من حياتنا المعاصرة وفي مفاصل معيشتنا.
واذا عدنا إلى السيرة النبوية فأننا نعرف أن مولده عليه الصلاة والسلام انه كان جاء منذرًا عروش الظلم المستبدة أن عصر العدل والحرية والكرامة قادم، فقد وُلد في (عام الفيل) العام الذي ديست فيه الكرامة العربية، حيث لم يستطع العرب قاطبة الدفاع عن بيت الله الحرام (الكعبة) فحمى الله تعالى بيته وحَرَمَهُ بإرسال الطير الأبابيل على جيش أبرهة المعتدي الظالم، وسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، كما خمدت نار المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت وغار ماؤها.. عمل الرسول الكريم على بث الحرية والعدالة حتى كانت ثقافة الجندي البسيط في الجيش الإسلامي: (إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة).
مولده ثم بعثته عليه الصلاة والسلام كانت بحد ذاتها إيذانًا ببزوغ فجر جديد على البشرية، تحرم فيه عبادة الأوثان وتطفَأ فيه نار المجوس، ويخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد سبحانه، وتبطل فيه الكثير من الأديان المحرفة.. عندما نتكلم عن مولد رسول الله فإن هذا يعني أننا نذكر شمائل هذا النبي وأخلاقه وأوامره ونواهيه وما ينبغي علينا من واجبات نحو هذا كله، إذ من أهم واجباتنا نحوه صلى الله عليه وسلم؛ حبه، فحبه وحب ما جاء به هو عين الإيمان، ورد في الصحيحين من حديث أنس: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار)، وعن أنس أن رسول الله قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) أخرجه أحمد والشيخان.
فالله تعالى أرسل محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، أرسله على حين فترة من الرسل وانطماس من المناهج فهدى الله به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل أوحى الله إليه: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قم فأنذر) سورة المدثر:1،2 فلم يزل صلى الله عليه وآله وسلم قائمًا بأمر ربه ومولاه لا يرده عن ذلك راد، داعياً إلى الله لا يصده عنه صاد ، يبلغ دين الله ورسالته لا يخشى فيه لومة لائم، أوذي في الله أبلغ الأذى في نفسه وماله وأهله وأصحابه ، وكذبه قومه وعابوه وسفهوا رأيه وضللوه ، حاولوا قتله وسجنه ، أخرجوه من بلده طريدًا سليبًا ثم قاتلوه وحاربوه فكسروا رباعيته وشجوا رأسه وأدموا وجهه فكان يقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) رواه البخاري، فتحمل في سبيل تبليغ دين الله وهداية عباد الله صنوف المشاق وألوان الأذى فكان عاقبة أمره فوزًا ونصرًا فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلمتها ، هدى الله به من الضلالة وبصر به من العمى فأنقذ الله به من آمن به ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة الأعراف:157.
ولكي يستطيع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إحداث التغيير، صنعه الله تعالى على عينه، حيث لنا في رسول الله أسوة حسنة؛ فلابد لكل من يريد السير في سبيل التغيير والإصلاح أن يسلك السبيل ذاته في الإعداد والتربية؛ فالرسول الكريم كان على التوحيد منذ ولد، وكان طاهرًا مطهرًا من الأوثان، ولم يأكل ما ذبح على النصب، بعثه ربه ليزكي القلوب ويطهر النفوس من أدناس الشرك والفجور والضلال، وشارك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجتمعه الذي يعيش فيه قضاياه؛ فاشترك في بناء الكعبة، وفي حلف الفضول، وغيرها من قضايا مجتمعه، وكان موضع ثقتهم ومستودع أماناتهم.. كان صلى الله عليه وآله وسلم يحمل الكَلَّ ويَكسب المعدوم، ويُقري الضيف، ويعين على نوائب الدهر، وأجاد رسول الله في عمله فرعى الغنم، وأتقن التجارة، وأبى إلا أن يأكل من عمل يده.. كسب رسول الله حب القلوب التي كان الكفر مرتكزًا فيها فآمنت برسالته- بعد أن أحبته- وهي التي حطمت الأصنام بعد أن كانت هي صانعة الأصنام؛ فالنفوس تزكو بالحبيب المصطفى وسيرته، ومن تزكت نفسه فقد أفلح.
لقد كانت بعثة رسول الله حدثًا كبيرًا من أحداث التاريخ، وكان مولده تمهيدًا لهذه البعثة التي أخرج الله بها الناس من الظلمات إلى النور، وعلى الأمة واجب عظيم نحو هذا النبي يتمثل في تعظيمه وتوقيره وحبه وطاعته واتباع هديه، فقد أرسله الله ليُطاع فقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) (النساء:64)، وجعل الهداية في طاعته، فقال: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)(النور:54)، وجعل الفتنة والعذاب في مخالفة أمره فقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)، فواجب إعطاء النبي العظيم والرسول الكريم حقه من التوقير والتعزير والاحترام امتثالا لقوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفتح:8، 9).
وليكن في الخاطر أن ليس من محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شيء الغلو فيه؛ لأن الغلو فيه مضادة لشرعه، ومحادة لله ورسوله، ومخالفة لأمره نواصل القراءة بإذن الله تعالى من كتاب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله الطاهرين
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
كهاتين في الجنة
في زيارة جميلة لجمعية إنسان بمدينة الرياض كانت من أجمل الزيارات، ذاك اليوم شعرت بالسعادة والفخر عندما سمعت لغة الأرقام تتحدث والأثر الملموس لجمعية تجاوز عمرها 25 سنة وتجاوز عدد مستفيديها 41 ألف مستفيد، وحصلت على ما يزيد عن 35 شهادة تميز، وتنوعت أنشطتها ما بين رعاية وتمكين واحتواء وترفيه وصناعة كوادر للوطن،
وهذا ليس بمستغرب فقد تعاقب على رئاستها قادة بلادنا الأجلاء الملك سلمان بن عبدالعزيز ثم ابنه الأمير سلطان بن سلمان ثم الأمير فيصل بن بندر وينوبه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، وهذا الدعم والتمكين من القيادة الحكيمة جعل تلك الجمعية ثابتة شامخة وعطاءها ممتداً، عندما تتأمل الشريعة الإسلامية حين حثت على كفالة وتبني الأيتام وترى المقاصد الشرعية لذلك؛ تجدها تراعي مشاعر الانكسار الذي يعيشه ذلك اليتيم ومن يعوله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم “أنا وكافل اليتيم كهاتين”،
وفي رواية أخرى: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا”، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى – رواه البخاري ومسلم، و الآيات القرآنية حثت على حفظ مال اليتيم قال الله تعالى “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا، وسيصلون سعيرًا”، الله عز وجل عندما خلقنا لم يخلقنا عبثًا وهو مطلع على كل صغيرة وكبيرة لا يخفى عليه شيء فعندما يُفقد الأب فذلك من أقدار الله وهو من يتكفل بعباده ورعايتهم و هو الرزاق ذو القوة المتين، عندما يموت الأب وتفقده العائلة هنا تصعب الحياة من كل جانب فالأب ركيزة أساسية وعمود ثابت في المنزل وفقده أليم إذا كان في وقت مبكر،
فالأم تبدأ بالتفكير في ماذا تفعل بنفسها وأبنائها، والأبناء يبدؤون بالتغير لعدم وجود سند ورقيب وموجه لهم فهم على مفترق طرق، ولذلك إذا لم يُحسن توجيههم وكفالتهم ورعايتهم من أقاربهم أو من المحاضن الأبوية كجمعيات الأيتام وبمساندة الأم العظيمة أو قد يتحولون إلى ما لا تحمد عقباه، قد يظن البعض أن الأمر يسير واليُتم سهل ولكن من عاش ذلك ورأى الدنيا كيف كشرت عن أنيابها بوفاة ركنها الأساس عرف معنى مانقول، النبي صلى الله عليه وسلم عندما جمع بين أصابعه لكفالة اليتيم وأنَّ من كفل يتيمًا يكون معه صلى الله عليه وسلم في الجنة إنما يدل على عظم ذلك الأمر،
كما رأينا وسمعنا من قصص لأيتام أصبحوا نوابغ وقادة للأمة كالإمام أحمد بن حنبل وغيرها من القصص، كم رأينا من كوادر وطنية فقدوا آباءهم في الصغر ولكن حفظهم الله ومكنهم في الأرض وأصبحوا من كبار القوم، اليتم ليس وصمة عار والحياة لا تتوقف بموت أحد بل هي مستمرة حتى يأخذ الله الأرض ومن عليها، رسالتي لكل يتيم لا تقنط من رحمة الله كن كما يريدك أبوك واثق الخطى رافع الرأس، مليئًا بالعلم والمعرفة مؤثرًا في وطنه ملتزمًا بتعاليم دينه مبتعدًا عن كل رذيلة مقتنصاً كل فضيله واصلاً لرحمه رفيقاً بوالدته وإخوته،
رسالتي إلى كل من فقدت زوجها وتحملت أعباء أبنائها أخلصي النية واجتهدي في تربيتهم وابذلي ما تستطيعين ولن يضيع الله تعبك وسوف تجنين ثمارهم في الكبر فهم أمل المستقبل، ورأينا من المؤثرين من كان آباؤهم قد توفوا في وقت مبكر وكانت تربية والدتهم مؤثرة حتى أصبحوا مباركين وذوي أثر عظيم فالأم مدرسة من الأخلاق والقيم النبيلة، قال الشاعر حافظ إبراهيم ،
الأم مدرسة إذا أعددتَها
أعددتَ شعبًا طيب الأعراق
ورسالتي الأخيرة إلى جميع من يقرأ المقال بادر بكفالة الأيتام ولا يفوتك ذلك الأجر وبلادنا المباركة قد يسرت كفالتهم من خلال جهات موثوقة كجمعية إنسان وغيرها من الجمعيات التي كرست جهودها في بناء الإنسان والأخذ بيده إلى ضفاف الأنهار ورسم الابتسامة على شفتيه وأن يأخذوا دور الأب، نسأل الله أن يحفظ علينا بلادنا وقادتنا وعلماءنا وأبناءنا وبناتنا وأن يغفر لموتانا وموتى المسلمين.