واشنطن تطلب الحلّ السياسي والإصلاحي... ومساعداتها أوكسيجين الجيش
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
كتب مجد بو مجاهد في "النهار": ليس هناك ما يشير إلى ايقاف المساعدات راهناً التي يقدّمها المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية للبنان على مستوى عام كما على نطاق الجيش اللبناني، بل ما يؤكّد أنها ليست متجهة إلى انحسار أو توقّف، استمرار استعداد واشنطن والدول المانحة للمساندة، فيما ستحصل بيروت في غضون الأشهر القليلة المقبلة بحسب تأكيد أوساط مالية لبنانية مطلعة على 500 مليون دولار في سياق تمويل من البنك الدولي منها 300 مليون دولار لاستكمال نفقات برنامج الدعم للأسر الأكثر حاجة و200 مليون دولار ضمن مشاريع زراعية وهادفة إلى مكافحة التغيّر المناخي وتحسين الأوضاع البيئية.
إنّ التعبير عن مدى الأهمية الجوهرية للمساعدات الأميركية للجيش اللبناني وتأثير أي فرضية مسماة "احتمال إيقافها" وإن لم تكن فرضية قائمة حالياً، يكاد يختصره موقف قائد الجيش العماد جوزف عون التنويهيّ في آذار الماضي بالدور الأساسي للمساندة الأميركية في تخفيف الوطأة عن الجيش. وهناك من يذهب أبعد في قوله إنه لولا مساعدات واشنطن لم يكن في مقدور مؤسسة الجيش اللبناني الاستمرار. وانطلاقاً من مقاربة أوساط عسكرية لبنانية خبيرة ومتابعة لأوضاع الجيش اللبناني لـ"النهار"، فإنّ تداعيات أي وقف للدعم المالي المقدّم دولياً للمؤسسة العسكرية - إذا حصل - تكمن في انخفاض الجهوزية العملانية للجيش تدريجاً وتصاعدياً، في اعتبار أن لبنان ليس بمثابة دولة مصنّعة للأسلحة أو للذخائر. وفرضية "الجيش بلا مساعدات" تعني انخفاض صيانة الآليات وغياب إبقائها في جهوزيتها. وفي المنحى العلمي للعبارة، تشمل الجهوزية العملانية جهوزية العناصر وتدريبهم والعتاد الحديث. وتعتبر المعنويات العسكرية أيضاً جزءاً من الجهوزية العملانية. فماذا يعني تقلّص الجهوزية العملانية،؟ يعني ذلك بالنسبة إلى الخبراء العسكريين المعنيين تحوّل الجيش إلى غير قادر على تنفيذ المهمات المطلوبة منه، بدءاً من مهماته الأساسية في الحفاظ على استتباب الأوضاع الأمنية.
إضافة إلى المساعدات التي تقدّمها واشنطن للجيش اللبناني على مستوى العتاد والاحتياجات العينية، تبرز المساعدات المادية المباشرة ومنها "برنامج دعم عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي" الذي أطلقته سفارة الولايات المتحدة في بيروت وبرنامج الامم المتحدة الإنمائي؛ وعلى أثره بدأ صرف مبالغ نقدية للجيش اللبناني بدءاً من 23 من شهر حزيران الماضي في إطار دعم سبل العيش بقيمة 55.5 مليون دولار، ما ساهم في توفير دعم مالي مؤقت لأكثر من 70 ألف عنصر من الجيش اللبناني بقيمة 100 دولار شهرياً لمدة ستة أشهر للمساعدة في التخفيف من بعض الصعوبات الاقتصادية. أما انقطاع أي مساعدات مادية، فإنها فرضية مؤثرة أيضاً بالنسبة إلى المستطلعين العسكريين مع إشارتهم إلى أن استمرار العناصر في الخدمة قائم على طموحاتهم في إمكان إعادة بناء مؤسسات الدولة قريباً. وثمة خبراء عسكريون ينوّهون صراحة بالدور الأميركي في استمرار مؤسستهم ولا يترددون في تحميل مسؤولية انهيار لبنان للتموضع العام الذي يتخذه إلى جانب محور "الممانعة" وسيطرة "حزب الله" على البلاد.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الجیش اللبنانی للجیش اللبنانی ملیون دولار
إقرأ أيضاً:
مناصرة الجيش السوداني بين الكيد السياسي وفهم طبيعة الصراع
في خضم الصراعات السياسية والعسكرية التي يمر بها السودان، يبرز الجدل حول موقع الجيش ودوره في المشهد السياسي والأمني، خاصة في ظل استمرار تفريخ المليشيات المسلحة، وهذه المرة بطابع إسلامي متشدد. ورغم إدراك الجميع لهذه الظاهرة، فإن بعض القوى السياسية والناشطين ما زالوا يمارسون مناصرة غير مشروطة للجيش، لا استنادًا إلى رؤية استراتيجية تحمي الدولة، بل بدوافع الكيد السياسي والمكايدات الظرفية. هذا الانحياز العاطفي، القائم على تصفية الحسابات مع الخصوم، يُعمي كثيرين عن حقيقة الصراع وطبيعته المعقدة.
الجيش السوداني: مؤسسة الدولة أم طرف في الصراع؟
لطالما كان الجيش السوداني مؤسسة قومية، لكن بفعل الأحداث المتلاحقة، أصبح جزءًا من معادلات السلطة، سواء خلال فترات الحكم العسكري أو في ظل الانتقالات الديمقراطية المتعثرة. المشكلة ليست في وجود الجيش كحامٍ للأمن القومي، بل في تداخله مع الفاعلين السياسيين، مما جعله طرفًا في الصراع بدلاً من أن يكون ضامنًا للاستقرار.
أخطر ما في الأمر أن هذا الجيش، الذي يتم الترويج له كحائط الصد الأخير أمام انهيار الدولة، لم يتمكن من منع انتشار المليشيات المسلحة، بل في بعض الأحيان، استُخدمت هذه الجماعات كأدوات ضمن استراتيجيات عسكرية وسياسية. الآن، مع عودة موجة التفريخ المليشياوي بطابع إسلامي، يُطرح سؤال جوهري: هل مناصرة الجيش تعني دعم استمرارية هذا النمط من التحالفات الخطرة، أم الدفع به ليكون مؤسسة قومية منضبطة خاضعة للقانون؟
تفريخ المليشيات: إعادة إنتاج الفوضى؟
لا يمكن فصل استمرار تفريخ المليشيات المسلحة عن ضعف الدولة وانقسام مكوناتها. فالموجة الجديدة من المليشيات ذات الطابع الإسلامي المتشدد تعكس أزمة داخل المؤسسة العسكرية نفسها، حيث تظهر تيارات تسعى لإعادة تجربة التسعينيات، حينما كان التحالف بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية هو السائد. لكن الفرق أن هذا النهج لم يعد مستساغًا في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، مما يجعل استمراره قنبلة موقوتة ستؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
من ناحية أخرى، فإن استمرار هذا التفريخ يعني أن أي تحول سياسي في المستقبل سيظل رهينة لمجموعات مسلحة لها ولاءات عقائدية أو جهوية. وبما أن هذه المليشيات لا تمتلك عقيدة وطنية جامعة، فإنها قد تتحول إلى أداة لفرض أجندات سياسية معينة، أو حتى إلى فصائل متمردة في حال تغيّرت موازين القوى.
المزايدات السياسية والاصطفافات العاطفية
يمارس جزء كبير من القوى السياسية والناشطين مناصرة الجيش ليس إيمانًا بإصلاحه أو بضرورة تقويته كمؤسسة وطنية، بل كرد فعل على سياسات الخصوم السياسيين. وهذا ما يجعل هذه المناصرة مجرد موقف تكتيكي، لا استراتيجية تهدف إلى بناء جيش محترف بعيد عن التجاذبات.
فالعديد من هؤلاء الذين يناصرون الجيش اليوم كانوا في وقت سابق يطالبون بتحجيم دوره وإبعاده عن السياسة، ولكن عندما تغيرت الظروف السياسية، انقلبت مواقفهم. هذا النفاق السياسي يعرقل أي مشروع جاد لإصلاح القطاع الأمني، ويبقي المؤسسة العسكرية في دائرة الاستغلال السياسي المتبادل.
كيف يمكن بناء جيش بعيد عن التفريخ المليشياوي؟
إذا كانت الغاية الحقيقية من دعم الجيش هي حماية الدولة، فيجب أن تكون هناك رؤية واضحة لإصلاحه، تتضمن:
تفكيك العلاقة بين الجيش والمليشيات: لا يمكن بناء مؤسسة عسكرية مستقرة في ظل استمرار اعتمادها على مليشيات عقائدية أو جهوية.
إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية: عبر تبني عقيدة قتالية موحدة تقوم على حماية الحدود والسيادة، وليس الدخول في الصراعات السياسية.
ضمان الرقابة المدنية: إخضاع الجيش لسلطة مدنية ديمقراطية يقلل من فرص استغلاله سياسيًا، ويمنع إعادة إنتاج تجارب الأنظمة العسكرية السابقة.
التعامل مع القوى السياسية بميزان واحد: بدلاً من أن يكون الجيش أداة لقمع فصيل سياسي وتمكين آخر، يجب أن يحافظ على مسافة واحدة من الجميع.
خاتمة
إن مناصرة الجيش السوداني يجب أن تكون قائمة على رؤية إصلاحية، لا على ردود الأفعال السياسية قصيرة المدى. فالجيش ليس مجرد طرف في معركة سياسية بين قوى مدنية متصارعة، بل هو مؤسسة تحتاج إلى إعادة بناء بعيدًا عن التفريخ المليشياوي، سواء كان بغطاء إسلامي أو غيره. الاستمرار في هذا النهج سيقود السودان إلى إعادة إنتاج نفس الأزمات، ولن يحل المشكلة الأمنية، بل سيوسع رقعتها. السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح: هل نحن نناصر الجيش كقوة وطنية، أم كأداة لتصفية الحسابات السياسية؟
رؤية مستقبلية
لتحقيق إصلاح حقيقي في المؤسسة العسكرية السودانية، يجب أن تكون هناك خطوات عملية وجادة، تشمل:
إصلاح الهيكل القيادي: تعيين قيادات عسكرية على أساس الكفاءة والخبرة، وليس الولاءات السياسية.
تدريب وتأهيل الجنود: تعزيز القدرات العسكرية عبر برامج تدريبية متطورة تركز على الأمن القومي وحماية الحدود.
تعزيز الشفافية: إخضاع المؤسسة العسكرية للمساءلة والرقابة العامة لضمان نزاهتها وفعاليتها.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: بناء شراكات مع دول الجوار والمنظمات الدولية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
في النهاية، فإن إصلاح الجيش السوداني يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية استراتيجية واضحة، بعيدًا عن المزايدات السياسية والاصطفافات العاطفية. ويمكن للجيش أن يستعيد دوره الحقيقي كحامٍ للأمن القومي وضامنٍ للاستقرار، بدلاً من أن يكون طرفًا في الصراعات السياسية.
zuhair.osman@aol.com