حميدتي ظل يهدد الشعب السوداني ويبتزه منذ ما قبل سقوط النظام. من مقولاته “زول ما بكاتل ما عنده راي”، “نحن جيش الدولة وقت الدولة تعمل جيش تجي تتكلم” وووو “هديك النقعة والذخيرة توري وشها” هذه كلها عبارات استخدمها قبل سقوط البشير.

أما بعد سقوط النظام فكلنا سمعناه مراراً وهو يهدد سكان الخرطوم بدءاً من كلامه عن أن العمارات ستسكنها الكدايس وانتهاء بتهديده إما المضي في الاتفاق الإطاري أو البلد دي تتفرتق.

تهديداًت كثيرة كلها موجودة ومسجلة وشاهدها كل الناس.

حميدتي كان يظن أنه أرجل من السودانيين ومن ناس الخرطوم بالذات وأنه يمكن أن يخوفهم بالحرب فيخافوا ويتكافوا شره ويعطوه ما يريد. وفي الحقيقة فقد نجح تهديده لبعض الوقت. فالجيش لم يكن مستعداً لقتال الدعم السريع داخل العاصمة نظراً للخسائر المتوقعة وسط المدنيين والدمار المتوقع. ولكن في النهاية عندما حاول حميدتي تنفيذ تهديده والاستيلاء على السلطة اكتشف أن حساباته كانت خاطئة. صحيح الجيش ما يزال يحاول تجنب الخسائر وسط المدنيين وتدمير البنية التحتية، ولكن مع ذلك تمت مواجهة المليشيا وضربها وإفشال خطتها وهزيمتها، وأصبحت تختبى داخل الأحياء السكنية مثل الكدايس ومع ذلك ظل الموت يلاحقها في كل مكان.

الشاهد في هذا الكلام أن حميدتي كان يهدد بالحرب باستمرار وظل يستعد لها طوال هذا الوقت ولم يتفاجأ بها الناس؛ حرب كانت متوقعة تماماً. وأي تحليل موضوعي محترم لأسباب هذه الحرب سينتهي إلى نتيجة أن هذه حرب حتمية كانت ستقع حتماً؛ جيشين متوازيين وصراع على السلطة وأحد الجيشين يقوده شخص جاهل مغرور وطموحه أكبر من جهله.
لذلك فكرة أن هناك رصاصة أولى هي التي أشعلت الحرب هي بحد ذاتها جزء لا يتجزأ من الحرب؛ هي محاولة للتشويش على الأسباب الموضوعية للحرب، وللتغطية على المجرم الفعلي الذي تمرد وسعى للسيطرة على السلطة، ومن بعد ذلم لتوفير غطاء سياسي للاستمراره في الحرب بعد فشل خطة المباغتة الأولية. فكرة أن هذه الحرب هي حرب كيزان وأن الجيش جيش كيزان وضد الديمقراطية ووو هذه ليست تحليلات وإنما هي دعاية من صميم الحرب، دعاية مصممة مسبقاً قبل الرصاصة الأولى.

من يرددون هذه الدعاية مكانهم الطبيعي مع المليشيا وحلفاءها جماعة قحت المركزي ولا يستحقون أي نقاش جدي، هم جزء من الحرب يؤدون دورهم فيها. ويجب التعامل معهم على هذا الأساس.

حليم عباس

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

عندما يلتقي الواقع بالذات.. أنرى الحقيقة أم أنفسنا فقط؟

في خضم الحياة ومجرياتها، نجد أنفسنا بطبيعتنا البشرية بعيدين عن امتلاك حقيقة ثابتة ومطلقة نحتكم إليها ونراها بعين الحياد، فكل إنسان له حقيقة تنبثق منه بما يحمله من تجارب، ومواقف، ومشاعر، وأفكار وقناعات تشكل عدسته الخاصة التي يتسلل النور من خلالها ليرى بها العالم. نحن لا نتفاعل مع الواقع بشكل موضوعي محض بل بمرشحاتنا ونظرتنا الشخصية تجاه الأشياء مما يجعل كل تجربة فريدة من نوعها.

العين ترى لكن القلب والعقل يفسران: إن إدراكنا للواقع ليس مرآة صافية، بل هو انعكاس لأنفسنا، إذ إنه يتأثر بما نحن عليه من مشاعر وأفكار وتجارب ومعتقدات وذكريات، فمن الناحية النفسية مثلاً يقف شخصان أمام مشهد واحد، فقد يرويان روايتين مختلفتين تماماً، السبب لا يكمن في تغيّر الواقع، بل في اختلاف الداخل، فالشخص المتفائل قد يرى في أزمة ما فرصة، بينما يراها المتشائم نهاية طريق، يحيلنا ذلك إلى أن الإنسان يحمّل العالم الخارجي إسقاطات من داخله، وهذا ما يجعلنا نميل أحياناً إلى سوء الفهم أو الحكم المسبق، ولتوضيح الفكرة، تخيل شخصًا يدخل غرفة ليجد أصدقاءه يضحكون، فيعتقد على الفور أن الضحك موجه إليه وأنهم يسخرون منه، لكن الحقيقة هي أن الضحك كان بسبب موقف طريف لا علاقة له به، هذا التفسير المغلوط يعكس كيف أن مشاعرنا وتجارينا السابقة تؤثر على طريقة إدراكنا للأحداث.

ومن هنا يتبين تأثير الإدراك الذاتي، إذ إن تفسيراتنا للأشياء ليست دائمًا محايدة، بل تتشكل بناءً على ما نحمله من أفكار ومشاعر، إن رؤيتنا للأشياء تتشكل أيضًا من خلال البيئة التي نشأنا فيها، مثل القيم، والعادات، والتقاليد، لذلك قد يرى شخص من ثقافة ما سلوكًا معينًا على أنه عادي، بينما يراه شخص من ثقافة أخرى غير مقبول. وهو ما يؤكد مقولة كارل يونغ، أحد أبرز علماء النفس: «لسنا نرى الأمور كما هي، بل كما نحن مهيؤون لرؤيتها».

كيف نقترب من الحقيقة إذا كنا نرى العالم من خلال أنفسنا؟ يكمن ذلك في فهمنا العميق لذاتنا ووعينا تجاه التجارب والأفكار والمشاعر التي شقت طريقها في تفكيرنا ونظرتنا للواقع. إن فهم الذات يمنح الإنسان التوازن في الإدراك، ويحرره من قيد الأحكام المسبقة، ويساعده في بناء علاقات إنسانية أكثر نضجًا، لأن وعيه بذاته يفتح له الباب لتقبّل الآخرين وفهم اختلافاتهم، دون أن يحكم عليهم من خلال عدسته الخاصة. على مجرى ذلك نجد أن كلما زاد وعي الإنسان بنفسه أدرك أنه لا يملك الحقيقة المطلقة، وأن رؤيته لأي موقف قد تكون مشوهة بعوامل داخلية غير مرئية.

إن تغيير طريقة رؤيتنا للعالم لا يتحقق إلا إذا بدأنا أولًا بتفكيك الصورة التي نحتفظ بها عن أنفسنا، ففهم الذات يعد الخطوة الأولى نحو رؤية أكثر وضوحًا وواقعية، مما يعزز قدرتنا على التفاعل مع العالم من حولنا بطريقة أكثر توازنًا وعقلانية، وهكذا ندرك أن أعيننا ليست سوى وسيلة، أما الرؤية الحقيقية فتنبع من أعماقنا، وما دمنا نرى الأشياء كما نحن، فإن مسؤوليتنا تبدأ من الداخل، فبقدر ما نصلح ذواتنا ونفهمها، بقدر ما نصبح أكثر قدرة على رؤية الواقع كما هو لا كما تلوّنه ظلالنا، فالفهم العميق للذات ليس ترفًا، بل ضرورة لكل من يسعى للعيش بوعي وصدق مع نفسه ومع الآخرين.

مقالات مشابهة

  • وزير التنمية العمرانية: الحرب كانت مدروسة لاستهداف البنية التحتية
  • أولويات ما بعد الحرب في السودان
  • حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
  • عندما يلتقي الواقع بالذات.. أنرى الحقيقة أم أنفسنا فقط؟
  • ثنائي الابادة
  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (تحت أرض الخرطوم) 4
  • بعد إنهاء الإجازة المفتوحة.. عقبات في طريق عودة العمال إلى الخرطوم
  • مجلس السيادة يقدم تعهدات لوالي الخرطوم في قطاعات مهمة دمرتها الحرب
  • رسالة من قلب الخرطوم… حكاية الصامدين في زمن الحرب