غيّب الموت، يوم أمس الجمعة 29 سبتمبر 2023، أحد القامات الفكرية والأكاديمية والنقدية البحرينية، التي أصّلت وأسهمت في الاشتغال الثقافي إسهامًا كبيرًا. الناقد الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم، ابن الحد، المولود عام 1952، الذي رحل عن عالمنا بعد معاناة طويلة مع المعرض، أحدث باشتغاله الفكري والنقدي ضجيجًا ثقافيًا على المستوى المحلي والخليجي، خاصة في أبرز كتبه الصادر مطلع القرن الحالي «الثقافة وإنتاج الديموقراطية»، وكتابه الصادر في بداية تسعينيات القرن الماضي «الثقافة وإشكالية التواصل الثقافي في مجتمع الخليج العربي» الذي بدأ كتاباته الأولى مع بدايات نشأة الحركة الأدبية، عبر «الخوض في مواجهة نقدية حامية مع رواد التقليد، الذين رأوا في كتاباته خروجًا أو تمردًا عما عهدوه من أساليب وفنون أدبية سائدة منذُ قرون طويلة»، كما يقول صديق دربه الأديب أحمد المناعي.


غلوم الذي لطالما رأى الثقافة بوصفها «بنية متعددة في جماعة»، رفض أن تكون الثقافة محدودة بحدود الشعر، أو الأدب، أو المجالات الأخرى على انفراد، فهي «ليست هندسة، أو اقتصادًا، أو طائفة، أو دينًا، أو سلطة مركزية...». إنها كل ذلك، كما كان يؤكد أستاذ النقد الأدبي الحديث بـ«جامعة البحرين»، وأحد أهم الأسماء النقدية على مستوى المشهد النقدي العربي، تنظيرًا ومنهجًا، وإبداعًا، ليشكل باشتغاله وعطائه «طاقة نقدية عربية بالغة الأهمية، ومبدعًا كبيرًا له الكثير من الإنجازات الثقافية على مستوى المنطقة، ومشاركًا فاعلاً في الحركة الثقافية العربية»، كما سبق للكاتب المسرحي الكويتي، عبدالعزيز السريع وصفه.
هذا المبدع الكبير الذي غادرنا سيشكل فراغًا كبيرًا على الصعيد الثقافي والنقدي، لكن العزاء يكمن في ما تركه من إرث ضخم، أثر من خلاله على الساحتين الأكاديمية والثقافية، فكان له «الأثر العميق في إحداث وعي ثقافي لدى جيل كامل من المشتغلين بالفن والأدب، في البحرين، وفي بلدان الخليج العربي»، كما قال عنه المناعي، الذي رآه واحدًا من «أبرز القادة، في العمل الثقافي، وأكثرهم نشاطًا وعملًا تطوعيًا، فقد أخذ على عاتقه عبء مسؤوليات كثيرة، تنوعت بين تحرير المجلات وإدارة المؤسسات الأدبية واللجان المسرحية والثقافية، فكان فيها المخطط والمشرع لأنظمتها وقوانينها، والمعد لتقاريرها وتوصياتها، وأول من يبادر إلى تنفيذها ويتابع مسيرتها، بجد واهتمام».
هذا التراث يتجلى في إصداراته وما ترك خلفه من مدونات، منذ كتابه الأول في بداية ثمانينيات القرن الماضي، «القصة القصيرة في الخليج العربي» عام 1980، والذي تلاه بكتاب آخر ذات العام، بعنوان «ظواهر التجربة المسرحية في البحرين»، ثم ليغيب عن عالم الإصدارات لسنوات قلال، يعود بعدها بكتاب «المسرح والتغير الاجتماعي في سوسيولوجيا التجربة المسرحية في الخليج العربي»، عام 1986، وكتاب «الثقافة وإشكالية التواصل الثقافي في مجتمعات الخليج العربي» 1989.
كما أن هذا الإرث الذي خلفه غلوم سيجلي مقدار الهاجس الثقافي الذي شغله لتأصيل البدايات الإبداعية الخليجية، وتوثيقها، وإخضاعها إلى المقاربات الاجتماعية عن النظريات النقدية الغربية، كما تشير الناقدة الدكتورة ضياء الكعربي، فقد أصدر في هذا السياق «مسرح إبراهيم العريض» عام 1996، وكتاب «عبدالله الزايد وتأسيس الخطاب الأدبي الحديث» عام 1996، وكتاب «المرجعية والانزياح: دراسة لبدايات النقد الأدبي في الخليج العربي حول تجربة الشاعر عبدالرحمن المعاودة» عام 1996، بالإضافة لكتاب الخاصية المنفردة في الخطاب المسرحي عام 1997، وكتاب فهد الدويري رائد القصة في الكويت عام 2001.
واستمر عطاء غلوم بإصداره الثقافة وإنتاج الديموقراطية عام 2002، وكتاب عالم روائي في القصة القصير عام 2007، إلى جانب كتاب «المسافة وإنتاج الوعي النقدي»؛ أحمد المناعي والوعي بالحركة الأدبية الجديدة في البحرين عام 2010، هذا بالإضافة للاشتغالات النقدية المسرحية في كتابه المسرح الموازي في سوسيولوجيا البدايات المسرحية والوعي القومي في الخليج العربي 2013، وعبدالرحمن الضويحي وبنية الكوميديا الهزلية عام 2012، وكتاب «مسرح القضية الأصلية» عام 2015.
ولا يقتصر إرث غلوم هذا الجانب، فقد تميز بسيرة ثقافية حافلة بالعطاءات والإنجازات، سيرة يكاد من الصعب اختزالها في عدد قليل من الكلمات، بل يمكن أن نقرأها في ما تأصل من اشتغال ثقافي واجتماعي في البحرين والخليج العربي، فهو مؤلف «الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة في مملكة البحرين»، وهو المشارك في العديد من الكتب التي تكشف تعدديته الإبداعية، ومجالات اشتغاله التي لم تقتصر على النقد الأدبي والمسرحي والفكري، إذ شارك مع كتاب آخرين في إصدار كتاب «رومانسية السخط»، و«التراث الشعبي في دول الخليج العربي؛ ببليوغرافيا مشروحة»، و«الثقافة والمثقف في الوطن العربي»، و«مستقبل الثقافة في العالم العربي»، وغيرها.
كما ألف العديد من النصوص المسرحية التي قدمت على خشبة المسرح، منها «غذابات أحمد بن ماجد»، و«رأيت الذي سوف يحدث» و«الخيول»، وتلك التي لم تقدم حتى الآن، كنص «الانتظار»، و«السقوط»، و«رأس ابو الفرج الاصفهاني»، و«السوّ»، و«انبعاثات»... هذا إلى جانب إشرافه على العديد من المشاريع البحثية، والسلاسل الأدبية والثقافية، وتعمده المناصب، فقد تعمد كلية الآداب بجامعة البحرين، وكلية التربية بالوكالة، وأسس ورئيس تحرير العديد من المجلات، منها «مجلة العلوم الإنسانية»، و«ثقافات»، و«صوت الجامعة».
وعلى صعيد الاشتغال الميداني، شارك في العديد من الأنشطة الثقافة والفكرية، من مؤتمرات، وندوات، وعضويات في المجالس والهيئات الثقافية، ولجان تحكيم الجوائز، كما أسس العديد من المشاريع، وكتب نظمها. وقد حظي بالعديد من التكريمات جزاء ما بذل على مدى أربعة عقود من الاشتغال، أبرزها وسام الكفاءة من الدرجة الأولى من جلالة الملك المعظم، وقلادة تكريم المبدعين في دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة لتكريم الهيئة المصرية للكتاب، والعديد من الجوائز والتكريمات والشهادات التقديرية في حقول الثقافة المختلفة، والدراسات، والاشتغال الأكاديمي.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا فی الخلیج العربی فی البحرین العدید من

إقرأ أيضاً:

أميرة سليم تشارك في حفل ختام الأسبوع الثقافي المصري بقطر.. غدًا

بروفات مكثفة تقوم بها السوبرانو العالية أميرة سليم في الدوحة، حيث تشارك في ختام الأسبوع الثقافي المصري في قطر غدٍ، الجمعة الموافق 31 من يناير، بحفل يقام في درب الساعي بالدوحة في تمام السابعة مساء. 


ويأتي الحفل في إطار تعزيز التواصل الثقافي بين مصر وقطر، من خلال تقديم جوانب متنوعة من الثقافة المصرية، حيث شهد الأسبوع تقديم حفلات موسيقية متنوعة من الموسيقي العربية والإنشاد الديني والغناء الشغبي وغيرها، ويقام الأسبوع تحت رعاية كل من وزارتي الثقافة المصرية والقطرية.


وقالت أميرة سليم : "لقد تم دعوتي من قبل دكتور احمد فؤاد هنو وزير الثقافة للمشاركة في تقديم حفل ختام الأسبوع الثقافي المصري بقطر، والذي سأقدم من خلاله مصر بشكل مختلف عن الألوان التي تم تقديمها خلال الأسبوع ليجمع بين الروح المصرية القديمة وكل ألوان الموسيقي والغناء العالمي ومدي قدرتنا على التواصل مع العالم من خلال تقديم العديد من الأعمال الكلاسيكية والغربية باللغات الفرنسية والإيطالية والإنجليزية". 


وأضافت " الحفل أشارك فيه مع تريو موسيقي من أصدقائي وزملائي الفنانين صلاع عبدالله واحمد عقمان وجمال علاء الدين ما بين البيانو والكونترباص والآلات الإيقاعية، وسيضم البرنامج بالطبع أنشودة إيزيس والتي تطلب مني في كل مكان، وأيضا أغنية الحب الفرعونية "مروت اك"، والاغاني التي قدمتها من قبل للراحل العظيم سيد درويش، بالإضافة إلي العديد من المفاجأت التي سأقدمها للمرة الاولي بطريقة جديدة وتوزيعات مختلفة على طريقتي". 


ويشمل برنامج اليوم الأخير في الأسبوع والذي تقدمه اميرة سليم، ندوة ثقافية بعنوان "50 عامًا على رحيل كوكب الشرق أم كلثوم"، يُقدمها الكاتب الصحفي محمود التميمي، بالإضافة إلي عرض النسخة المُرممة من فيلم "المومياء" للمخرج الراحل شادي عبد السلام.

مقالات مشابهة

  • شركة الخليج العربي للنفط تبحث مع “OMV” خطط تعزيز الإنتاج لعام 2025
  • على هامش صلة الشباب بالمشهد الثقافي الخليجي
  • «الخليج العربي» تبحث خطط تعزيز الإنتاج للعام 2025
  • ختام استثنائي لـ"الأسبوع الثقافي المصري" بقطر
  • من هو الشهيد محمد الضيف؟.. مرعب إسرائيل الذي أرهق الإحتلال لثلاثة عقود
  • قيد ثنائي صفقات الزمالك الجديدة
  • هنو : الإنتاج الثقافي متميز،.. ولدينا جيل رائع في كافة الوسائط
  • هنو: الطموح الثقافي كبير ولا ينتهي.. ولدينا شراكات قيمة مع القطاع الخاص
  • وزير الإعلام يزور البحرين ويرأس مع نظيره البحريني اجتماع لجنة التنسيق في مجالات الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس التنسيق السعودي البحريني
  • أميرة سليم تشارك في حفل ختام الأسبوع الثقافي المصري بقطر.. غدًا