«الغيطانى» مراسلا حربيا «إحنا دمّنا كاكي»
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
على مكتبه ظل محتفظاً بذكرياته من حربَى الاستنزاف وأكتوبر المجيدة، ومعها شارة العبور التى كانت «أثمن ما يملك» الروائى جمال الغيطانى الصحفى والمراسل الحربى المقيم والمقاتل على الجبهة فى فترة من أهم فترات التاريخ المصرى، إذ عمل صاحب «التجليات» مراسلاً عسكرياً على الجبهة لـ«أخبار اليوم» فى الفترة من 1969 وحتى 1976 ليشهد ويسجل بطولات الإنسان المصرى خلال التدريبات الشاقة وإعادة بناء القوات المسلحة وعمليات حرب الاستنزاف قبل سنوات من معجزة العبور العظيم فى 1973.
نصف قرن من الزمان مضى على هذه الأحداث التاريخية التى صححت الخريطة وعدّلت مسار التاريخ، ولكن عندما تقرأ كتابات الغيطانى عن هذه الوقائع وحكايات «الغريب» تشعر بالذكرى نابضة ومضيئة وملهمة للمستقبل.
ما يزيد على ست سنوات قضاها الغيطانى على الجبهة المصرية مراسلاً حربياً لمؤسسة «أخبار اليوم»، هو والمقاتلين، فى مواجهة متجددة يومياً مع الموت، ذلك الموت الذى لا بديل عنه إلا النصر واسترداد الأرض والكرامة، خلال هذه السنوات راح الغيطانى يدوّن حكايات الأبطال وبطولاتهم من شتى أرجاء المحروسة على الجبهة، جميعها تكشف دور البشر المنسيين فى صنع النصر وكتابة التاريخ، ليردد على مسامع أبنائه كلمات تحمل الكثير من الدلالات ترديد الخبير الذى رأى عن قرب «إحنا دمنا كاكى».
بطولات المصريين على الجبهة خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، يرويها الغيطانى شاهداً ومقاتلاً حكايات نابضة بالحياة لأبنائه يوثق من خلالها سيرة وطن بأكمله، إذ يسجل بطولات المقاتلين على الجبهة بشكل روائى إنسانى بأبعاد تاريخية وكأنه يُفسح المجال لكل شخص ليكشف عن دوره فى صنع معجزة أكتوبر.
ولا غرابة فى ألا يكتفى الغيطانى بدور المراسل والصحفى، إذ هو فى الأصل يكتب منطلقاً من قاعدة الأدب، الأكثر رسوخاً وعمقاً، فهو كعادة الأديب يتلقى الأحداث بصورة مختلفة، فيكوّن مفرداته لتنضوى الوقائع والشخصيات والأحداث والتاريخ جميعها ضمن مشروعه الإبداعى.
والغيطانى المولود فى قلب صعيد مصر، وتحديداً فى جهينة بمحافظة سوهاج 9 مايو عام 1945، فى اليوم الأخير من الحرب العالمية الثانية، نشأ فى قاهرة المعز التى ارتحل إليها مع أسرته، وبعد أن أنهى دراسته الإعدادية، ورغبة منه فى التخفيف عن كاهل والده، واستعجالاً للاستقلال المادى عن الأسرة، التحق بإحدى المدارس الفنية بقسم فن السجاد الشرقى ومارسه لمدة 6 سنوات.
«عصامياً» بدأ تثقيف نفسه بالقراءة مبكراً بشراء الكتب من باعة الكتب القديمة بجوار الأزهر، فتعرّف إلى التراثين العربى والعالمى من خلال هذه المكتبات الثرية، وفى عام 1959 كتب أول قصة له، واستمر فى ممارسة شغفه فى الكتابة حتى عام 1963، وهو العام الذى نُشرت له فيه أول قصة قصيرة فى مجلة «الأديب» اللبنانية، كما نشر مقالاً فى مجلة «الأدب» التى كان يصدرها أمين الخولى.
تتالت مرات النشر فى الصحف المصرية والعربية، إلى أن أصدر الغيطانى أول كتاب له فى مارس 1969 «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» وكان يضم خمس قصص قصيرة كُتبت كلها بعد النكسة، وهو الكتاب الذى أحدث ضجة، فكتب عنه محمود أمين العالم، وكان يرأس مجلس إدارة «أخبار اليوم» فى ذلك الوقت، ذهب إليه الغيطانى ليتعرّف عليه، فعرض عليه «العالم» العمل فى الصحافة، ومن هنا دخل الغيطانى إلى عالم الصحافة، إلى أن طلب منه موسى صبرى العمل فى التحقيقات الصحفية، ليسافر إلى الجبهة فى العام نفسه ويكتب عن الوضع فى السويس فى ذلك الوقت، وقرر موسى صبرى أن يكون الغيطانى مراسلاً حربياً لجريدة الأخبار فى العام نفسه.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حرب الاستنزاف أخبار اليوم على الجبهة
إقرأ أيضاً:
إفطارهم في الجنة محمد مبروك.. صوت الحق الذى لم يسكت
في قلب الصمت ووسط الظلال الخفية، ظل الشهيد البطل محمد مبروك يشع بنور الحقيقة، كان صوتًا صامدًا في وجه الظلام، وعينًا ساهرة على أمن الوطن، فبقدر ما كانت حياته بعيدة عن الأضواء، كانت إنجازاته تضيء دروب الأمن، وتكشف عن شخصيته الفذة في عالم مليء بالتحديات والخفاء.
كان "الصندوق الأسود" الذي كشف الجماعة الإرهابية، تلك اللقب الذي منحته له أروقة الأجهزة الأمنية، وهو لقب يليق بشخص أدرك أهمية المعلومة وسبل حفظها وحمايتها في عالم مليء بالأسرار والتهديدات.
ولد محمد مبروك في عام 1974، وأصبح منذ تخرجه من كلية الشرطة في عام 1995 أحد أبرز الوجوه في جهاز أمن الدولة، الذي تحول لاحقًا إلى جهاز الأمن الوطني.
كان بعيدًا عن الإعلام، لا يبحث عن الأضواء، بل كان يرى أن واجبه الأسمى هو حماية وطنه بصمت، وكان جهازه الأمني هو سلاحه الذي يحارب به الأعداء، إلا أن هذه العزلة عن الأضواء لم تمنع الجماعات الإرهابية من استهدافه، فهو كان على رأس قائمة اغتيالاتهم، نظرًا لدوره المحوري في العديد من القضايا الأمنية التي أجهضت مخططاتهم، مثل قضية التخابر الشهيرة. وفي يوم 18 نوفمبر 2013، عندما كان يستعد للذهاب إلى عمله، اغتالته يد الإرهاب الغادرة، لتتساقط عليه اثنتا عشرة رصاصة، ويصعد إلى الرفيق الأعلى شهيدًا.
لقد كان محمد مبروك يشرف على قضايا محورية، بدءًا من تقديم شهاداته في قضايا التخابر مرورًا بالإشراف على تحريات هروب محمد مرسي من سجن وادي النطرون، وصولًا إلى مشاركته الفاعلة في القبض على القيادات الكبرى لجماعة الإخوان الإرهابية بعد ثورة 30 يونيو.
كانت دماؤه الزكية ثمنًا للسلام، وصوته الذي حاولوا إسكاته، هو الصوت الذي ظل ينادي بالحق والعدالة حتى آخر لحظة.
إن استشهاد محمد مبروك ليس مجرد فقدان لشخص، بل هو فقدان لصوت وطني صادق، عز نظيره، ورمز للوفاء لهذا الوطن الذي لم يتردد في أن يضع نفسه في قلب معركته.
مشاركة