الوطن:
2025-03-16@10:25:23 GMT

الأب بطرس دانيال يكتب: كيف نتعلّم من الأمثلة السيئة؟

تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT

الأب بطرس دانيال يكتب: كيف نتعلّم من الأمثلة السيئة؟

نقرأ فى سفر الأمثال: «فى سبيل الأشرار لا تدخل، وفى طريق أهل السوء لا تمشِ. حِدْ عنه ولا تَعبُرْ فيه، تَحوَّلْ عنه واعبُرْ» (4: 14-15). هل نستطيع أن نتعلّم من المثَل السيئ أو النماذج الرديئة التى نلتقى بها فى حياتنا؟

مما لا شك فيه أننا مدينون لأشخاص لا حصر لهم تركوا بصمة فى حياتنا وأثّروا علينا وتعلّمنا منهم الكثير والكثير، ونعتبرهم القدوة الحسنة والمثال الصالح لنا، وعلى رأسهم والدانا اللذان قاما بتربيتنا وتهذيبنا على أكمل وجه، ولا مقارنة لهما مع أحد، ثم يأتى بعد ذلك المعلّمون والمربّون والأصدقاء الأوفياء وغيرهم.

ولكننا نتوقّف اليوم عند الأمثلة السيئة والقدوة الرديئة، هل نستطيع أن نجزم بأننا مدينون لهم؟ إنهم لم يفعلوا معنا خيراً، ولكن تصرفاتهم أجبرتنا ودفعتنا لتجنُّبها. كل شخص منّا لديه أمثلة ونماذج مُشرّفة وحسنة ومضيئة فى حياته يتعلّم منها الخير والحُب والجمال والصلاح، وهذه نُطلق عليها القدوة الحسنة أو المثال الصالح؛ ومع ذلك نصطدم بآخرين يتصرّفون بطريقة غير لائقة، ولكنهم بدون قصد زرعوا فينا القدرة والطاقة الهائلة لتجنُّب ما يقومون به، وأعطونا التطعيم اللازم ضد هذا الفيروس لندافع به عن أخلاقنا وسلوكنا وتربيتنا التى ترعرعنا عليها.

نستطيع أن نوضّح ذلك ببعض الأمثلة، فمن الشخص الغامض والمتلوّن فى كلامه وأحاديثه نتعلّم معنى الصدق وجمال الحقيقة، ومن الشخص الذى يعتبر نفسه «الكل فى الكل» ويفرض على الجميع أن يخدموه ويكونوا تحت طوعه فى كل لحظة، متخيّلاً أن العالم كله خُلق لتحقيق أمنياته ورغباته، حتى إنه يستغل غناه فى فرض نفوذه على الآخرين ويعتبرهم كأنهم سلعة، والويل لمن يخالف أوامره أو يعارض ما يقول، تعلّمنا فضيلة خدمة الجميع وأهمية المكان الأخير وروعة العمل التطوعى والمجانى، ولا ننسى ذلك الذى يخاف من الأقوياء جاعلاً لهم ألف حساب، ولكنه مع الضعفاء يفرض قوته وسطوته ونفوذه، حتى إنه يظلمهم فى كل شىء، لأننا نتعلّم منه الدرس الأساسى فى الاحترام المقدّس لكل شخص. كما أننا نعترف بالجميل لتلك الجماعة التى نتقابل معها ولكنها تعمل دائماً فى غموض وتتخفّى وراء كل تصرفاتها وتقوم بمكالمات غامضة، لأننا تعلّمنا منها الصراحة والوضوح، وكيفية العيش فى سلام نتيجة أعمالنا فى النور و«على المكشوف» أمام الآخرين دون أى خوف أو حساب. أيضاً لا ننسى أن نشكر الشخص الانتهازى الذى يحمل الأقنعة فى كل مكان يذهب إليه أو مع أى شخص يوجد معه، لأننا بسببه عرفنا المعنى الحقيقى لاحترام كرامة وحرية الغير. حتى الفضولى استفدنا منه الكثير، فكلما ازداد فى اقتحام حياة الآخرين، شعرنا بطعم الرزانة والكتمان وعدم التدخّل فى شئون الغير. كما يجب أن نقدّم الشكر من قلوبنا لهؤلاء الذين لم يتعلّموا أبداً فضيلة الشكر والعرفان بالجميل تجاه الغير، وخاصة الضعفاء والفقراء والمحتاجين والمرضى، لأنهم منحونا الفرصة الذهبية لنشكر فى كل لحظة دون استثناء أو محاباة، ولا ننظر للآخرين حسب الشكل الخارجى أو ما يملكون، فكم هى ثمينة كلمة «شكراً» عندما نتفوّه بها للجميع، وبنوع خاص للذين هم محرومون منها ولا يسمعونها بسبب فقرهم وحرمانهم ومكانتهم الاجتماعية. كما أننا نتعلّم الجدّيّة من السطحى والمستهتر، والابتسامة من الكئيب.

قياساً على ذلك، نستطيع أن نسرد أمثلة لا حصر لها فى حياتنا اليومية تساعدنا على تغييرها إلى الأفضل دون قصد منهم. إذاً.. ليس لنا عُذر أو حجة حين نوجه الاتهام لتصرُّف الكبار أو المسئولين الخاطئ، معلنين أنه سبب عثرة وشك لنا، فكل واحد منّا يجب أن يكون مستعداً لانتهاز الفرص، حتى السيئة منها، ليخرج بشىء إيجابى وبنّاء حتى يصير أفضل مما كان من قبل، لأن الإنسان الناضج والمتّزن يتقبّل هذه النماذج والحالات ساعياً إلى تغيير ذاته، فكل شخص يطمح إلى أن يصير أفضل سيجد جميع الوسائل التى تخدمه فى ذلك، مهما كانت المعوقات. لذلك يجب علينا ألا نتذمر من الأمثلة أو النماذج السيئة التى تواجهنا، ولكن نعتبرها فرصةً عظيمة لتُحرّك فينا الطاقة الكامنة الإيجابية لنصير أفضل ونتخلّص من عيوب وسلبيات عديدة فى حياتنا. ونختم بكلمات البابا يوحنا بولس الثانى: «إن أول كتاب دينى يقرأه الأبناء: الوالدان».

المصدر: الوطن

إقرأ أيضاً:

د.محمد عسكر يكتب: أخطاء الذكاء الإصطناعي في آيات القرآن الكريم: الأسباب والتحديات

يعد الذكاء الاصطناعي (AI) من أبرز التطورات التقنية في العصر الحديث، حيث أصبح يستخدم في العديد من المجالات، بما في ذلك معالجة النصوص الدينية. ومن بين هذه النصوص، يأتي القرآن الكريم كأحد أقدس النصوص التي يتعامل معها الذكاء الاصطناعي في محاولة لتسهيل الوصول إليها ودراستها. ومع ذلك، فإن هناك تحديات تواجه الذكاء الاصطناعي عندما يتعلق الأمر بنصوص القرآن الكريم، خاصة عندما تحدث أخطاء في استرجاع أو تقديم الآيات القراّنيه.
فقد شهدت الفترة الأخيرة انتشاراً واسعاً لإستخدامات الذكاء الإصطناعي وتطبيقاتة المختلفة التى جذبت ملايين المستخدمين حول العالم، وقد شاع إستعمال هذه الأدوات بين المستخدمين بشكل كبير وفي وقت قليل جدًّا؛ نظراً لمجانيتها وسهولة وصولها لجميع المستخدمين، وهوما يثير المخاوف من سوء إستخدامها، أو الإعتماد عليها خاصة إذا كان الأمر متعلق بالأمور الدينية. فمع هذه الطفرة التكنولوجية، برزت تحديات خطيرة تتعلق بإستخدام الذكاء الإصطناعي في الأمور الدينية، وهو ما يثير جدلاً واسعاً خاصةً بعد ما تداولت محادثات تُظهر أخطاءً فى أيات القرآن الكريم.
لذا أُحذّر من الإعتماد على الذكاء الاصطناعي أو غيره من التطبيقات الغير الموثوقة في الأمور الدينية، إذ أن التحريف في نصوص القرآن الكريم يعدّ من أخطر المشكلات التي قد تؤدي إلى فتن دينية وطائفية.
الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل رئيس على دقة البيانات المدخلة، وبالتالى فإن البيانات الغير الصحيحة والغير موثوقة تؤدي بالضرورة إلى نتائج خاطئة. إضافةً إلى ذلك فإن برامج الدردشة الآلية مفتوحة المصدر، أو المجانية تسمح لأي شخص بإدخال البيانات؛ مما يزيد من إحتمالية حدوث أخطاء في النتائج، حتى مع النماذج التي تطورها الشركات العملاقة والشهيرة مثل (شركة جوجل ، ميتا،…وغيرها).
لنفرض أن لديك سؤالاً بسيطاً خطر على بالك وأنت تقرأ القرأن وأنك تريد فهم أو تفسير أيه معينة، ماذا ستفعل ؟ في الماضي وقبل ظهورالإنترنت وتطبيقات الذكاء الإصطناعى كنت ستفتح كتب التفسير أو ستذهب إلى عالمِ جليل وفقيه ذو ثقة لتسأله سؤالك. ولكن الآن وبعد ظهور الإنترنت وإنتشار التطبيقات المدعومة بالذكاء الإصطناعى وربوتات الدردشة المختلفة فإنك قد تلجأ إليها سريعاً لمعرفة الإجابة على سؤالك وغالباً ما ستحصل على إجابة تم تأليفها بالكامل من قبل الذكاء الاصطناعي تتضمن تحريف لآيات القرآن الكريم، وتأليف أحاديث غير صحيحة ونسبها إلى الرسول صلى الله علية وسلم، وقد يختلط الأمر على من لا يحفظ كتاب الله عزَّ وجلَّ عن ملاحظة هذا التحريف، ومن ثمّ قد يعتمد عليه في فهمة لدينه أو تساؤلاته عن أمر ما، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشويش عقيدته و إنحرافه عن الدين الصحيح.
لذلك يجب أن ننتبه كمسلمين إلى خطورة الأمر ونعتمد الشريعة الإسلامية السوية منهج حياة لتتوافق مع قيمنا ومبدأنا ومعتقداتنا، كما يجب أن نتذكر دائماً أن الذكاء الاصطناعي ما هو إلا أداة مساعدة، ولكن الفهم العميق للنصوص الدينية يتطلب دائمًا التفسير البشري المبني على العلم والدراية الدينية.
ولكن يبقى السؤال من الناحية التقنية:
لماذا يخطى الذكاء الإصطناعى فى ذكر أيات القرأن الكريم الصحيحة؟
قد يحدث أحيانًا خطأ في ذكر آيات القرآن الكريم لعدة أسباب تتعلق بالطريقة التي يعالج بها الذكاء الإصطناعي اللغة والنصوص. بعض الأسباب المحتملة تشمل:
1.    الاسترجاع التلقائي للمعلومات: يتم تدريب نماذج الذكاء الإصطناعى على معلومات ضخمة جدًا من النصوص، وقد يحدث في بعض الأحيان خلط أو خطأ عند إسترجاع آية معينة، خاصة إذا كانت الآيات طويلة أو تحتوي على تشابه مع أيات أخرى.
2.    التفسير أو الترجمة الغير دقيقة: رغم أن الذكاء الإصطناعي يحاول أن يذكر الآيات بشكل دقيق، إلا أن الإختلافات الدقيقة في الكتابة أو الترجمة قد تؤدي إلى أخطاء. أيضًا قد يكون هناك تقارب في النصوص بين الآيات التي تحتوي على معانى متشابه وقد لا  يستطيع الذكاء الإصطناعى فهمها أو تفسيرها بصورة صحيحة.
3.    قيود البرمجة والتدريب: الذكاء الاصطناعي لا يمتلك الفهم الديني العميق الذي يمتلكه الأئمة والفقهاء فى الدين من البشر. فالذكاء الإصطناعى يعتمد على النماذج الرياضية والإحصائية التي قد تكون عرضة للأخطاء في بعض الأحيان. على الرغم من أنه قادر على معالجة النصوص، إلا أن القيم الدينية والعقائدية تتطلب مستوى عميق من الفهم والتفسير.
4.    الحدود في قواعد البيانات: يمكن أن تكون بعض النسخ من القرآن الكريم التي تم تدريب نموذج الذكاء الإصطناعى عليها ناقصة أو غير مكتملة في بعض الأحيان.
لذا من الأفضل دائمًا الرجوع إلى النصوص القرآنية الدقيقة أو المصادر الموثوقة. إذا كنت بحاجة إلى آيات دقيقة أو تفسيرصحيح، يمكنك الرجوع إلى المصحف الشريف أو إلى مواقع متخصصة في الشرح والتفسير.

مقالات مشابهة

  • د. نزار قبيلات يكتب: «فوات الأوان».. توسّل النصوص وتفلّت الإجابات
  • خلى بالك.. ما هى الموافقة الخطية التى اشترطها القانون لسفر الأبناء؟
  • أحمد النشوقي يكتب: الإفطار الجماعي.. بين روح المحبة وشبهة الرياء
  • بأرقام قياسية.. المغربي حمد الله يكتب التاريخ بالدوري السعودي
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: ثمن الكلام
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: قاموس الأفكار
  • إبراهيم النجار يكتب: اتفاق الشرع قسد.. وماذا بعد؟!
  • د.محمد عسكر يكتب: أخطاء الذكاء الإصطناعي في آيات القرآن الكريم: الأسباب والتحديات
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • المستشار السياسي السابق لـ”حميدتي” يكتب عن مستقبل الدعم السريع في السودان