ناصر عبدالرحمن يكتب: شجرة الصور
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
شجرة بلا أوراق، لا ظل لها.. الشجرة بين الطرق.. بين بيوت الأهالى وساحة الأطفال، ونظرات الأحبّة.
الكل يهملها.. منهم من يتعمد الإساءة إليها.. ومنهم من يكتب على ساقها حبه المزعوم.. ومنهم من ينتظر كونها شجرة بلا أوراق.. يستقر البشر على قطعها.. لكل بيت جزء.
الشتاء يقترب وحرقها ينشر الدفء.. يجتمع الجميع لأول مرة على حرق الشجرة.
يوافق الجميع على قطع الشجرة.. فما فائدة شجرة بلا ظل!!.
وقبل شق ساق الشجرة.. يظهر شاب صغير ويقف أمام الشجرة.. يرفض قطع الشجرة.
لماذا تعارض قطع الشجرة؟!
قال: لأنها شجرة الصور.. وصية جدى وأبى.
نام الشاب تحت الشجرة وقت الحر.. فما شعر بالحر.
وامتد ظلها حتى كادت تغطيه.. فتحت أبواب الخيال، فدخل من باب الأنهار.. وأصبح يصعد والشجرة تحتضنه.. وكلما يمل من شمسه يغمض عينيه.. فيرى الشجرة تتبدل أوراقها إلى صور.. كلما يلتفت تُغيّر الشجرة أوراقها صوراً.. كلما يشير لصورة تلتصق به وتنطبع حتى أصبح يجمع الصور.
كلما أُعجب بصورة من صور الشجرة تحققت به الصورة فصارت هو وصار هى...
لم يعد يُفرّق بينه وبين الصور حتى أصبح هو الصور وصارت الصور هو..
فلم يعد يخشى الصور.. ولم تعد الصور تستطيع البعاد.
هو الصور.. والصور هو.. والجمع بينهما جمع بين الخضرة والمطر.. بين النظرة والكلمة.
أراد البكاء فجاء المطر.. يمتزج المطر بالناس فى برزخ الصور.
1- سندباد وسمكة النهر
كنت أحب مشاهدة كارتون سندباد فى أيام الإجازة، والنزول صباحاً إلى الشارع لأكل زلابية سعدية.. والذهاب إلى جدى قبل خروجه للدكان.
أفعل كل ما سبق قبل قيام أبى من نومه، كنت أهرب من الذهاب معه.. وأُفضّل الذهاب مع جدى الذى يسير بى على كورنيش النيل من روض الفرج حتى كوبرى أبوالعلا.. مسافة العمر الجميل.. يده الضخمة تخفى يدى، وجلبابه يخفى عنى سيارات الطريق.
لا أرى سوى النيل الذى يكشف لى كنزه الفضى، أضحك وأنا أشير تجاه الكنز الذى يضوى فى عينى.. وجدى يحكى لى عن السمكة التى تصاحبه وهو قادم من الكوامل بسوهاج على ظهر صندل النهر.
يجلس جدى على سور الكورنيش، ثم يلتفت إلىّ: هاورى لك السمكة الفضة علشان لما أموت تبقى تيجى تشوف السمكة.
ما فهمتش حاجة واعتبرت الكلام ده حدوتة زى الحواديت اللى جدى بيكتبها لى كل شوية.
وصلنا لكوبرى أبوالعلا، ووقف كعادته وسط الكوبرى عند كل صباح يكلمها، وأنا آكل السودانى وأبص على فضة النهر وعينى بتدور على السمكة..
المرة دى كانت أجمل مرة خرجت مع جدى.. كان جميل، بشوش.. وكانت الناس بتهل عليه تسلم وتشد فيه علشان يقعد معاها.
وصلنا الدكان وبدأ جدى يرقص على غير عادته وسط النهار.. صوت الذِّكر يحركه.. يدور جدى وسكان الزمالك يتابعونه بشغف.
أيقظتنى أمى وهى ترتدى طرحتها، وينظر إلىّ أبى يدعونى للذهاب معه.
مستشفى اليونانى كالجنة بيضاء اللون بلا جدران.. عالية بلا سقف، الشجر فى كل مكان.
وقفت أمام النافورة أنظر إلى الماء، تذكرت سمكة جدى.
جدى يبطئ فى تنفسه.. جلست بجواره.. كان يبتسم لى فقبّلت يده، لم يحملنى على كتفيه كعادته.
بكيت وحدى أمام فضة النهر.. أتذكّر جدى وهو يخفى كفى فى كفه.
غفوت أمام النهر فخرجت سمكة جدى الفضية تقترب تجاهى كأنها تسير على قدميها فوق النهر، تجمدت كى أتقدم ولا أتراجع.. نظرت فى عينى وهى تعزينى فى جدى.. وتدعونى لأرى ملكه فى النهر.. كالمسحور دخلت فضة النهر.
على كوبرى أبوالعلا لم أجد صباح بائعة السودانى، وانقطعت علاقتى العاطفية بالزمالك، لم أذهب إليها إلا غصباً، كأن مفتاحها مع جدى حمدان.
يحاول أبى إخراجى من حزنى بلا جدوى، كنت أهرب من البيت إلى النهر أجلس بصحبة السمكة الفضية.
تبدل بيت جدى.. كرهته بدون جدى.. وعدت إلى حضن أبى أبكى، لم أخرج من غرفتى لأيام، ويحدثنى أبى ويدعونى للذهاب معه.
وافقت وركبت الفيسبا.. كان يوماً شديد الغرابة.. كأن القاهرة تخرج بالكامل.
وكأننى أصبحت شخصاً آخر.. تعودت على الزحام، على الذهاب إلى دكان أبى، لكننى لم أنسَ جدى حمدان.
أذهب وحدى إلى النيل قبل أبى، قبل أن تستيقظ الشمس، صحبت النيل وصاحبنى.
سر بيننا لم ينتهِ.. خلاصى فى النيل.. وسره معى، سر النيل فى السمكة الفضية التى تجدنى وتصاحبنى.
اقترب من الشاطئ لأجلها.. تضحك عندما أسألها عن جدى.
بدأت أسمع صوتها، بدأت أسمع صوت جدى، بدأت أرى فى نظرتها نظرة جدى.
لم أنسَ يوم وقوعها فى شبكة صياد.. تركت خوفى من الماء، تركت عقلى.. أسمع صوتها يستغيث وهو ينادينى.
تركت قدمىَّ تغوص فى النيل، أصرخ فى وجه الصياد حتى يترك شبكة الصيد.
لم يسمعنى ولم أستطع الوصول إليه.. غاب فى النهر بمركب الصيد وهو يحمل شبكة الصيد وفيها السمكة الفضية.
هذه الصورة تعلقت فى شجرة الصور.
المصدر: الوطن
إقرأ أيضاً:
وفاة رب أسرة بعد سقوطه من أعلى شجرة خلال عملية جني للزيتون بإقليم شفشاون
تحولت عملية لجني الزيتون بجماعة تمورت بإقليم شفشاون، إلى مأساة بعدما لقي ربُّ أسرة، مصرعه إثر سقوطه من شجرة للزيتون بجوار منزله بدوار أمزرة.
وحسب مصادر مطلعة، فإن الضحية أب لسبع بنات، وخلفت نهايته المأساوية فاجعة في المنطقة.
ونقلت جثة الضحية إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي بشفشاون تحت إشراف النيابة العامة المختصة.
كلمات دلالية الزيتون شفشاون