الوطن:
2025-01-16@09:06:45 GMT

ناصر عبدالرحمن يكتب: شجرة الصور    

تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT

ناصر عبدالرحمن يكتب: شجرة الصور    

شجرة بلا أوراق، لا ظل لها.. الشجرة بين الطرق.. بين بيوت الأهالى وساحة الأطفال، ونظرات الأحبّة.

الكل يهملها.. منهم من يتعمد الإساءة إليها.. ومنهم من يكتب على ساقها حبه المزعوم.. ومنهم من ينتظر كونها شجرة بلا أوراق.. يستقر البشر على قطعها.. لكل بيت جزء.

الشتاء يقترب وحرقها ينشر الدفء.. يجتمع الجميع لأول مرة على حرق الشجرة.

منشار النجار جاهز.. لكنه يشترط أخذ جزء لورشة النجارة.

يوافق الجميع على قطع الشجرة.. فما فائدة شجرة بلا ظل!!.

وقبل شق ساق الشجرة.. يظهر شاب صغير ويقف أمام الشجرة.. يرفض قطع الشجرة.

لماذا تعارض قطع الشجرة؟!

قال: لأنها شجرة الصور.. وصية جدى وأبى.

نام الشاب تحت الشجرة وقت الحر.. فما شعر بالحر.

وامتد ظلها حتى كادت تغطيه.. فتحت أبواب الخيال، فدخل من باب الأنهار.. وأصبح يصعد والشجرة تحتضنه.. وكلما يمل من شمسه يغمض عينيه.. فيرى الشجرة تتبدل أوراقها إلى صور.. كلما يلتفت تُغيّر الشجرة أوراقها صوراً.. كلما يشير لصورة تلتصق به وتنطبع حتى أصبح يجمع الصور.

كلما أُعجب بصورة من صور الشجرة تحققت به الصورة فصارت هو وصار هى...

لم يعد يُفرّق بينه وبين الصور حتى أصبح هو الصور وصارت الصور هو..

فلم يعد يخشى الصور.. ولم تعد الصور تستطيع البعاد.

هو الصور.. والصور هو.. والجمع بينهما جمع بين الخضرة والمطر.. بين النظرة والكلمة.

أراد البكاء فجاء المطر.. يمتزج المطر بالناس فى برزخ الصور.

 

1- سندباد وسمكة النهر

كنت أحب مشاهدة كارتون سندباد فى أيام الإجازة، والنزول صباحاً إلى الشارع لأكل زلابية سعدية.. والذهاب إلى جدى قبل خروجه للدكان.

أفعل كل ما سبق قبل قيام أبى من نومه، كنت أهرب من الذهاب معه.. وأُفضّل الذهاب مع جدى الذى يسير بى على كورنيش النيل من روض الفرج حتى كوبرى أبوالعلا.. مسافة العمر الجميل.. يده الضخمة تخفى يدى، وجلبابه يخفى عنى سيارات الطريق.

لا أرى سوى النيل الذى يكشف لى كنزه الفضى، أضحك وأنا أشير تجاه الكنز الذى يضوى فى عينى.. وجدى يحكى لى عن السمكة التى تصاحبه وهو قادم من الكوامل بسوهاج على ظهر صندل النهر.

يجلس جدى على سور الكورنيش، ثم يلتفت إلىّ: هاورى لك السمكة الفضة علشان لما أموت تبقى تيجى تشوف السمكة.

ما فهمتش حاجة واعتبرت الكلام ده حدوتة زى الحواديت اللى جدى بيكتبها لى كل شوية.

وصلنا لكوبرى أبوالعلا، ووقف كعادته وسط الكوبرى عند كل صباح يكلمها، وأنا آكل السودانى وأبص على فضة النهر وعينى بتدور على السمكة..

المرة دى كانت أجمل مرة خرجت مع جدى.. كان جميل، بشوش.. وكانت الناس بتهل عليه تسلم وتشد فيه علشان يقعد معاها.

وصلنا الدكان وبدأ جدى يرقص على غير عادته وسط النهار.. صوت الذِّكر يحركه.. يدور جدى وسكان الزمالك يتابعونه بشغف.

أيقظتنى أمى وهى ترتدى طرحتها، وينظر إلىّ أبى يدعونى للذهاب معه.

مستشفى اليونانى كالجنة بيضاء اللون بلا جدران.. عالية بلا سقف، الشجر فى كل مكان.

وقفت أمام النافورة أنظر إلى الماء، تذكرت سمكة جدى.

جدى يبطئ فى تنفسه.. جلست بجواره.. كان يبتسم لى فقبّلت يده، لم يحملنى على كتفيه كعادته.

بكيت وحدى أمام فضة النهر.. أتذكّر جدى وهو يخفى كفى فى كفه.

غفوت أمام النهر فخرجت سمكة جدى الفضية تقترب تجاهى كأنها تسير على قدميها فوق النهر، تجمدت كى أتقدم ولا أتراجع.. نظرت فى عينى وهى تعزينى فى جدى.. وتدعونى لأرى ملكه فى النهر.. كالمسحور دخلت فضة النهر.

على كوبرى أبوالعلا لم أجد صباح بائعة السودانى، وانقطعت علاقتى العاطفية بالزمالك، لم أذهب إليها إلا غصباً، كأن مفتاحها مع جدى حمدان.

يحاول أبى إخراجى من حزنى بلا جدوى، كنت أهرب من البيت إلى النهر أجلس بصحبة السمكة الفضية.

تبدل بيت جدى.. كرهته بدون جدى.. وعدت إلى حضن أبى أبكى، لم أخرج من غرفتى لأيام، ويحدثنى أبى ويدعونى للذهاب معه.

وافقت وركبت الفيسبا.. كان يوماً شديد الغرابة.. كأن القاهرة تخرج بالكامل.

وكأننى أصبحت شخصاً آخر.. تعودت على الزحام، على الذهاب إلى دكان أبى، لكننى لم أنسَ جدى حمدان.

أذهب وحدى إلى النيل قبل أبى، قبل أن تستيقظ الشمس، صحبت النيل وصاحبنى.

سر بيننا لم ينتهِ.. خلاصى فى النيل.. وسره معى، سر النيل فى السمكة الفضية التى تجدنى وتصاحبنى.

اقترب من الشاطئ لأجلها.. تضحك عندما أسألها عن جدى.

بدأت أسمع صوتها، بدأت أسمع صوت جدى، بدأت أرى فى نظرتها نظرة جدى.

لم أنسَ يوم وقوعها فى شبكة صياد.. تركت خوفى من الماء، تركت عقلى.. أسمع صوتها يستغيث وهو ينادينى.

تركت قدمىَّ تغوص فى النيل، أصرخ فى وجه الصياد حتى يترك شبكة الصيد.

لم يسمعنى ولم أستطع الوصول إليه.. غاب فى النهر بمركب الصيد وهو يحمل شبكة الصيد وفيها السمكة الفضية.

هذه الصورة تعلقت فى شجرة الصور.

المصدر: الوطن

إقرأ أيضاً:

كاريكاتير ناصر الجعفري

#سواليف

#كاريكاتير ناصر الجعفري

وكيف لا تكون #مفاوضات_صعبة ؟!

مقالات ذات صلة كاريكاتير عماد عواد 2025/01/15

مقالات مشابهة

  • آل باعبدالله وآل باجميل يحتفلون بعقد قران عبدالرحمن
  • رسميًا.. قطر تعلن بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة من الأحد
  • صور| جامعة الإمام عبدالرحمن تُطلق "معرض برامج الدراسات العليا الأول"
  • كاريكاتير ناصر الجعفري
  • زراعة البن .. إرث أصيل ومحصول واعد
  • بالصور.. ظفار يفوز بـ"كأس السوبر" على حساب السيب بعد مباراة مثيرة
  • «النهر الصناعي» يواصل إصلاح أضرار السيول بخطوط نقل المياه بين خليج السدرة وسرت
  • عاجل - معلومات الوزراء: 5.8 مليون شجرة زيتون في الإسماعيلية
  • آيات الله في تابوت طالوت واختبار النهر.. دروس في الطاعة واليقين
  • حلول ترقيعية تعيد مصب نهر أم الربيع إلى نقطة الصفر