الوطن:
2025-04-07@15:54:21 GMT

ناصر عبدالرحمن يكتب: شجرة الصور    

تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT

ناصر عبدالرحمن يكتب: شجرة الصور    

شجرة بلا أوراق، لا ظل لها.. الشجرة بين الطرق.. بين بيوت الأهالى وساحة الأطفال، ونظرات الأحبّة.

الكل يهملها.. منهم من يتعمد الإساءة إليها.. ومنهم من يكتب على ساقها حبه المزعوم.. ومنهم من ينتظر كونها شجرة بلا أوراق.. يستقر البشر على قطعها.. لكل بيت جزء.

الشتاء يقترب وحرقها ينشر الدفء.. يجتمع الجميع لأول مرة على حرق الشجرة.

منشار النجار جاهز.. لكنه يشترط أخذ جزء لورشة النجارة.

يوافق الجميع على قطع الشجرة.. فما فائدة شجرة بلا ظل!!.

وقبل شق ساق الشجرة.. يظهر شاب صغير ويقف أمام الشجرة.. يرفض قطع الشجرة.

لماذا تعارض قطع الشجرة؟!

قال: لأنها شجرة الصور.. وصية جدى وأبى.

نام الشاب تحت الشجرة وقت الحر.. فما شعر بالحر.

وامتد ظلها حتى كادت تغطيه.. فتحت أبواب الخيال، فدخل من باب الأنهار.. وأصبح يصعد والشجرة تحتضنه.. وكلما يمل من شمسه يغمض عينيه.. فيرى الشجرة تتبدل أوراقها إلى صور.. كلما يلتفت تُغيّر الشجرة أوراقها صوراً.. كلما يشير لصورة تلتصق به وتنطبع حتى أصبح يجمع الصور.

كلما أُعجب بصورة من صور الشجرة تحققت به الصورة فصارت هو وصار هى...

لم يعد يُفرّق بينه وبين الصور حتى أصبح هو الصور وصارت الصور هو..

فلم يعد يخشى الصور.. ولم تعد الصور تستطيع البعاد.

هو الصور.. والصور هو.. والجمع بينهما جمع بين الخضرة والمطر.. بين النظرة والكلمة.

أراد البكاء فجاء المطر.. يمتزج المطر بالناس فى برزخ الصور.

 

1- سندباد وسمكة النهر

كنت أحب مشاهدة كارتون سندباد فى أيام الإجازة، والنزول صباحاً إلى الشارع لأكل زلابية سعدية.. والذهاب إلى جدى قبل خروجه للدكان.

أفعل كل ما سبق قبل قيام أبى من نومه، كنت أهرب من الذهاب معه.. وأُفضّل الذهاب مع جدى الذى يسير بى على كورنيش النيل من روض الفرج حتى كوبرى أبوالعلا.. مسافة العمر الجميل.. يده الضخمة تخفى يدى، وجلبابه يخفى عنى سيارات الطريق.

لا أرى سوى النيل الذى يكشف لى كنزه الفضى، أضحك وأنا أشير تجاه الكنز الذى يضوى فى عينى.. وجدى يحكى لى عن السمكة التى تصاحبه وهو قادم من الكوامل بسوهاج على ظهر صندل النهر.

يجلس جدى على سور الكورنيش، ثم يلتفت إلىّ: هاورى لك السمكة الفضة علشان لما أموت تبقى تيجى تشوف السمكة.

ما فهمتش حاجة واعتبرت الكلام ده حدوتة زى الحواديت اللى جدى بيكتبها لى كل شوية.

وصلنا لكوبرى أبوالعلا، ووقف كعادته وسط الكوبرى عند كل صباح يكلمها، وأنا آكل السودانى وأبص على فضة النهر وعينى بتدور على السمكة..

المرة دى كانت أجمل مرة خرجت مع جدى.. كان جميل، بشوش.. وكانت الناس بتهل عليه تسلم وتشد فيه علشان يقعد معاها.

وصلنا الدكان وبدأ جدى يرقص على غير عادته وسط النهار.. صوت الذِّكر يحركه.. يدور جدى وسكان الزمالك يتابعونه بشغف.

أيقظتنى أمى وهى ترتدى طرحتها، وينظر إلىّ أبى يدعونى للذهاب معه.

مستشفى اليونانى كالجنة بيضاء اللون بلا جدران.. عالية بلا سقف، الشجر فى كل مكان.

وقفت أمام النافورة أنظر إلى الماء، تذكرت سمكة جدى.

جدى يبطئ فى تنفسه.. جلست بجواره.. كان يبتسم لى فقبّلت يده، لم يحملنى على كتفيه كعادته.

بكيت وحدى أمام فضة النهر.. أتذكّر جدى وهو يخفى كفى فى كفه.

غفوت أمام النهر فخرجت سمكة جدى الفضية تقترب تجاهى كأنها تسير على قدميها فوق النهر، تجمدت كى أتقدم ولا أتراجع.. نظرت فى عينى وهى تعزينى فى جدى.. وتدعونى لأرى ملكه فى النهر.. كالمسحور دخلت فضة النهر.

على كوبرى أبوالعلا لم أجد صباح بائعة السودانى، وانقطعت علاقتى العاطفية بالزمالك، لم أذهب إليها إلا غصباً، كأن مفتاحها مع جدى حمدان.

يحاول أبى إخراجى من حزنى بلا جدوى، كنت أهرب من البيت إلى النهر أجلس بصحبة السمكة الفضية.

تبدل بيت جدى.. كرهته بدون جدى.. وعدت إلى حضن أبى أبكى، لم أخرج من غرفتى لأيام، ويحدثنى أبى ويدعونى للذهاب معه.

وافقت وركبت الفيسبا.. كان يوماً شديد الغرابة.. كأن القاهرة تخرج بالكامل.

وكأننى أصبحت شخصاً آخر.. تعودت على الزحام، على الذهاب إلى دكان أبى، لكننى لم أنسَ جدى حمدان.

أذهب وحدى إلى النيل قبل أبى، قبل أن تستيقظ الشمس، صحبت النيل وصاحبنى.

سر بيننا لم ينتهِ.. خلاصى فى النيل.. وسره معى، سر النيل فى السمكة الفضية التى تجدنى وتصاحبنى.

اقترب من الشاطئ لأجلها.. تضحك عندما أسألها عن جدى.

بدأت أسمع صوتها، بدأت أسمع صوت جدى، بدأت أرى فى نظرتها نظرة جدى.

لم أنسَ يوم وقوعها فى شبكة صياد.. تركت خوفى من الماء، تركت عقلى.. أسمع صوتها يستغيث وهو ينادينى.

تركت قدمىَّ تغوص فى النيل، أصرخ فى وجه الصياد حتى يترك شبكة الصيد.

لم يسمعنى ولم أستطع الوصول إليه.. غاب فى النهر بمركب الصيد وهو يحمل شبكة الصيد وفيها السمكة الفضية.

هذه الصورة تعلقت فى شجرة الصور.

المصدر: الوطن

إقرأ أيضاً:

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: غزة وحقوق الإنسان

الهيئات الممثلة لحقوق الإنسان دعمها المادي الذي يمكَّنها من الوفاء بمهامها من قبل دول تسحق ماهية تلكم الحقوق في غزة؛ فما يمارس تجاه الشعب الأعزل يعد عار يتحمله الضمير المجتمعي في تلك الحقبة التي باتت مظلمة في أحداثها؛ من أجل مآرب ومخططات بعينها تغمر قيم من أجلها خلق الإنسان على المعمورة، وهذا بكل تأكيد يشير إلى زيف الشعارات وازدواجية المعايير؛ ومن ثم لن تجد من يثق في منظمات وهيئات تدعي شعارات أضحت بلا قيمة.
مُمَولي حقوق الإنسان دون مُواربة يدعمون الظلم ويعضدونه؛ لذا لن تجد نصرة مستحقة حقيقية على أرض الواقع لشعب غزة المكلوم؛ لكن التاريخ لن يرحم والذاكرة لن يتم محوها، وما تحمله الصدور سوف ترثه أجيال تلو أخرى؛ فالحق دومًا يعود لصاحبة مهما تغيرت المعادلات وسنحت الفرص لاغتصاب الحقوق والنيل من ماهية العدالة؛ فما يضمره المستقبل بيد العادل سبحانه وتعالى.
غزة وحقوق الإنسان متخاصمتان؛ فهناك دعوة من قبل منظمات حقوق الإنسان تحث على غرس قيم الكرامة والعزة وتعضيد الهوية، وتعظيم مقومات الوطنية، والحفاظ على النفس والذات من كل ما قد يؤثر سلبًا على وجدان الفرد ويؤدي إلى إحباطه؛ لكن ليس لهذا الادعاء حقيقة على أرض غزة؛ فشعبها يباد ويذل وتمارس ضده صور التنكيل التي لا يتقبلها من لديه ذرة من رحمة وقلب يحتضن جزءًا من الإنسانية.
الدول التي ظننا في لحظة ما أنها حافظة لكرامة الإنسان بدت اليوم تمارس الهيمنة المقيتة التي تساعد الظالم على ظلمه، بل وتسمح له بإسالة الدماء دون ورع أو توجس؛ فالخصوبة أضحت فاجرة على أرض محروقة، والتعاطي مع ما آلت إليه الأمور يصب في صالح ومصلحة المعتدي الذي تُعزِّز قدراته ويتعالى بَطشه من قبل الدول المناحة لهيئات ومنظمات ما تسمى بحقوق الإنسان؛ لكن يمكننا أن نصفها بمنظمات وهيئات ظلم الإنسان.
غزة وحقوق الإنسان متباعدتان؛ فمن يسلب منه حقه التاريخي، ومن يجار على أدني حقوقه التي منحها الخالق له، ومن تقوض حريته على أرضه، ومن يجبر على هجر تراب بلده، ومن تدمر له مقومات تنميته، وتدحر مخططات مستقبله نحو النهضة؛ فهو دون شك محبط من ادعاءات هيئات ومنظمات حقوق الإنسان، بل كاد لا ينتظر نصرة من مؤسسات باتت موجهة وتدار حركتها من قبل داعمي الظلم وسبل القهر والجور.
رغم الصورة الحالكة التي نشاهدها؛ لكن نترقب انتصار حقوق الإنسان من قبل أجيال استوعبت الدروس وأدركت أن فلسفة الحقوق تقوم على ماهية الحفاظ على الوطن وتجنب التفريط به جراء دعوات كاذبة من أبواق تحمل غايات سيئة تستهدف تفكيك نسيج الشعوب وتحدث الفرقة وتخلق النزاعات التي من شأنها تضعف لحمة الشعوب وانتفاضتها ضد كل عدوان وظلم.
حقوق الإنسان عبر الهيئات والمنظمات لا تساعد في رفع راية الحق والعدل؛ لكن لها أدوار محدودة وموجهة يدركها أصحاب الألباب؛ فمن يدعي نزاهة تلك المؤسسات فهو واهم دون مواربة، وهنا نؤكد أن ازدهار الدول ونهضتها يقوم على مسلمة رئيسة فحواها وحدة الراية والكلمة والغاية واستبعاد كل ما من شأنه يفرق ويمزق النسيج الوطني.
الدعوة الآن واضحة في كليتها، لا حقوق تنالها الشعوب في خِضَمِّ التفرقة والتشرذم، وليس هناك مرامي لوطن غابت عنه شمس المصلحة العليا، وبات يبحث مكونه عن مصالح ضيقة، لقد بذلت الجهود المضنية من قبل مصر الفتية وقيادتها السياسية تجاه توحيد الصف؛ لكن تيارات مخططات التفرقة أضحت عاتية وحققت مآربها التي نشهد عواقبها اليوم.
البحث عن حقوق الإنسان في غزة صار ضربًا من المستحيل؛ لكن أمل الوحدة والتلاحم يشكل سفينة النجاة؛ فهل هناك عقلاء؟ يقدمون المصلحة العامة دون غيرها ويحققون المعادلة الصعبة في لَمِّ الشمل، وهل هناك رغبة في التنصل عن أجندات أودت بالقضية الأم؟، هذا ما نتطلع إليه وما ننشده بقلوب تحمل المحبَّة والخير والسلام.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

مقالات مشابهة

  • شجرة البان العربي تاريخ يعكس الثقافة الخليحية والعربية… وتفتح أفاق اقتصادية للمجتمع المحلي
  • من تاريخ الغياب إلى واقع الإحياء.. شجرة الفرفارة أمل جديد للصحاري العراقية
  • من تاريخ الغياب إلى واقع الإحياء.. شجرة الفرفارة أمل جديد للصحاري العراقية - عاجل
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: غزة وحقوق الإنسان
  • العراق.. اكتشاف منظومة ري جنوبي البلاد تعود إلى 600 سنة قبل الميلاد (صور)
  • محافظة عراقية تطلق حملة لزراعة 70 ألف شجرة (صور)
  • نقابة الصحفيين اليمنيين ترفض التحريض ضد الزميل عبدالرحمن أنيس وتجدد الدعوة للتضامن المهني
  • العراق: نوبة صرع تنهي حياة رجل غرقاً في النهر
  • صدمة .. السمكة الفضية تهدد مباني هذه الدولة| ما القصة؟
  • عبدالرحمن بن نافع: ماحد يشبه أدائي حتى عالميًا.. فيديو