من الصعب الجزم إن كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ستنجح قبل بدء موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية في ربيع 2024، في جهودها للتوصل إلى اتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل في ضوء مطالب الأولى، وعدم استعداد الثانية لتقديم تنازلات كافية لتسهيل المهمة.

ومع ذلك، يُرجح أن تستمر إدارة بايدن، وفق تحليل للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في المحاولة نظرًا إلى ارتباطها بصلب المصالح والنفوذ الأمريكي في المنطقة، وبخاصة فيما يتعلق بإبعاد الصين عنها، لافتا إلى تجلي ذلك في مبادرة الممر الهندي الشرق أوسطي الأوربي.

وكان بايدن التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك في خضم جهد دبلوماسي متزايد في الشرق الأوسط تأمل واشنطن أن يقود إلى اتفاق تطبيع سعودي-إسرائيلي قبل نهاية هذا العام.

ويعد هذا اللقاء الأول بين بايدن ونتنياهو منذ عودة الأخير إلى رئاسة الوزراء في ديسمبر/كانون الأول 2022، على رأس حكومة تعد الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل.

وعلى الرغم من حصول اللقاء الذي انتظره نتنياهو طويلًا، فإنه لم يعقد في البيت الأبيض، كما كان يأمل.

اقرأ أيضاً

رويترز: تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مرهون باتفاق دفاعي مع أمريكا

ومع ذلك، جرى توجيه دعوة مشروطة له إلى البيت الأبيض قبل نهاية هذا العام.

وبحسب مصدر في الإدارة الأمريكية، فإن لقاء نيويورك كان اجتماعًا خاصًا من دون حضور مستشارين.

جاء الاجتماع، وفق التحليل، رغم التوتر الذي شاب العلاقة بين بايدن ونتنياهو في الفترة الأخيرة بسبب طبيعة الحكومة التي يرأسها الأخير؛ إذ أعلنت إدارة بايدن أنها لن تتعامل مع الوزراء المتطرفين فيها، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وأنها ستحمّل نتنياهو مسؤولية تصرفاتهما، فضلًا عن الخلاف حول التعديلات القضائية التي يحاول نتنياهو إدخالها، وترى واشنطن أنها تهدد "الديمقراطية" الإسرائيلية.

ومع ذلك، قرر بايدن أن يُسقط تحفظاته واجتمع بنتنياهو.

ووفقًا لوسائل إعلامية أمريكية، أثار طلب نتنياهو لقاء بايدن في البيت الأبيض انقسامًا بين مستشاري بايدن، بين معارض ومؤيد، ما قاد إلى تسوية تتمثل في عقد الاجتماع في أحد فنادق مدينة منهاتن، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

اقرأ أيضاً

بلينكن: التطبيع بين السعودية وإسرائيل يمثل حدثا تحوليا للشرق الأوسط

ويرى المعارضون لدعوة نتنياهو للبيت الأبيض أنها ستكون بمنزلة تراجع من إدارة بايدن عن مطالبها بوقف تعديل النظام القضائي في إسرائيل الذي يدفع به نتنياهو، فضلًا عن أن مثل هذا اللقاء سيفسّر على أنه مكافأة للحكومة الإسرائيلية على سياساتها المتطرفة في توسيع الاستيطان ورعايتها لممارسات المستوطنين التي ترفضها واشنطن.

وثمَّة خشية أيضًا، في حال دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، من إثارة الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي بات يوجه انتقادات شديدة لإسرائيل، وفق التحليل.

في المقابل، يرى المؤيدون ضرورة أن ينحّي بايدن خلافاته مع نتنياهو جانبًا، وهو على مشارف موسم انتخابي صعب في العام المقبل؛ لأن ذلك يضر بحظوظه لدى الداعمين الأمريكيين لإسرائيل.

ويرى هؤلاء أيضًا أن لقاء نتنياهو سيمنح بايدن الفرصة للضغط عليه بخصوص قضية التعديلات القضائية والمساعي الأميركية للتطبيع بين إسرائيل والسعودية، ما يتطلب تعاون نتنياهو بخصوص العودة إلى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

ويجادل هؤلاء أن دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض في نهاية هذا العام يمكن أن تستخدم أداة ضغط بانتظار ما سيفعله بخصوص التعديلات القضائية، والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه من أجل إنجاز اتفاق مع السعودية، ومستوى "التنازلات" التي يمكن أن يقدمها للفلسطينيين، قبل أن تمضي إدارة بايدن في تحديد موعد فعلي لزيارته إلى البيت الأبيض.

اقرأ أيضاً

تقدير أمريكي: تطبيع السعودية وإسرائيل "صفقة كارثية" لإدارة بايدن

أما نتنياهو، الذي يبذل جهودًا كبيرة كي يستقبله بايدن في البيت الأبيض، فيسعى لإظهار حرصه على العلاقة مع واشنطن في وجه الاتهامات التي توجهها له المعارضة الإسرائيلية بتقويضها، كما يرغب في أن يبقى مطلعًا على سير المفاوضات الأميركية - السعودية حول التطبيع مع إسرائيل، وموقف واشنطن من مطلب الرياض في الحصول على مفاعل نووي سلمي، وعقد معاهدة دفاعية مشتركة مع الولايات المتحدة، والسماح لها بشراء أسلحة أمريكية متقدمة.

كما يريد نتنياهو، وفق التحليل، أن يبقى قريبًا من واشنطن، بحيث يستطيع التأثير في مفاوضات الملف النووي الإيراني بدل أن يكرر خطأه عام 2015، عندما عارض علنًا جهود واشنطن في هذا المجال؛ ما جعله يفقد القدرة على التأثير في سياساتها.

ويذهب نتنياهو بهذا الاتجاه خصوصًا بعد أن نجح البيت الأبيض في عقد اتفاق مع طهران هذا الشهر، بوساطة قطرية، لتبادل السجناء.

وتعددت الملفات التي تطرقت إليها المباحثات الثنائية؛ إذ شملت التعديلات القضائية الإسرائيلية، والملف النووي الإيراني، وتعميق الاستثمار والشراكة في منطقة الشرق الأوسط، والملف الفلسطيني - الإسرائيلي.

لكن المسألة الأهم التي ركزت عليها المباحثات، وفق التحليل، هي المفاوضات التي تقودها واشنطن للتوصل إلى "اتفاقية سلام" بين السعودية وإسرائيل.

اقرأ أيضاً

تقدير أمريكي: تطبيع السعودية وإسرائيل "صفقة كارثية" لإدارة بايدن

ووفق بيان صادر عن مكتب نتنياهو، فإن لقاءه مع بايدن استهدف في المقام الأول مناقشة آفاق الوساطة الأمريكية للتوصل إلى "اتفاقية سلام" بين إسرائيل والسعودية.

وأشار بايدن بوضوح في أثناء الاجتماع إلى أن "بناء شرق أوسط أكثر استقرارًا وازدهارًا.. بما في ذلك (إنجاز) الممر الاقتصادي الهندي - الشرق أوسطي - الأوروبي"، والذي يرتبط إلى حد كبير بالتوصل إلى اتفاقات سلام بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة، وتحديدًا مع السعودية.

وعقب الاجتماع، شدد نتنياهو على أهمية الجهود الأمريكية بهذا الاتجاه، وقال: "يمكننا صياغة سلام تاريخي بين إسرائيل والسعودية، وأعتقد أن مثل هذا السلام سيسهم بقوة، أولًا، للمضي قدمًا في إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي وتحقيق المصالحة بين العالم الإسلامي والدولة اليهودية، وثانيًا في دفع السلام الحقيقي بين إسرائيل والفلسطينيين".

وفي اليوم نفسه، بثت قناة "فوكس نيوز" الأمريكية مقابلة مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قال فيها إن التطبيع بين بلاده وإسرائيل يقترب "أكثر كل يوم"، وإن المملكة منخرطة عبر وساطة أمريكية في "مفاوضات جادة للمرة الأولى".

والتطبيع في الحقيقة زاحف ومتدرج؛ فقد جاءت بعد هذه المقابلة أول زيارة لوزير إسرائيلي إلى السعودية، وهو وزير السياحة حاييم كاتس، الذي وصل إلى الرياض، في 26 أيلول/ سبتمبر 2023، للمشاركة بمؤتمر لمنظمة السياحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة.

اقرأ أيضاً

الجارديان: رغم الزخم.. فلسطينيون يشككون في احتمالية اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي

لكن مثل هذه الاتفاقية، رغم أنها "في متناول اليد"، كما أكد نتنياهو، فإنها تواجه تحديات وعقبات كثير، وفق التحليل.

وترى إدارة بايدن أن الرياض تتعامل مع قضية التطبيع الكامل مع إسرائيل على أنها متعلقة، أساسًا، بتفاهمات أمريكية - سعودية بالدرجة الأولى، تقبل بموجبها واشنطن بجملة من المطالب التي تريدها السعودية.

وتتلخص هذه المطالب في موافقة الولايات المتحدة على مساعدتها في بناء مفاعل نووي مدني يتضمن منشآت تسمح بتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، وتكون تحت إشراف أمريكي، فضلا عن توقيع معاهدة دفاع مشترك بين واشنطن والرياض، على غرار المعاهدات الموقعة مع كوريا الجنوبية واليابان، تلتزم بموجبها الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية أمام أي تهديد عسكري.

كما تطالب السعودية بالسماح لها بشراء أسلحة أمريكية متطورة، مثل نظام الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية.

أما اشتراطات السعودية تجاه إسرائيل كثمن للتطبيع، فهي غير واضحة كثيرًا، إذ قال بن سلمان إنه يريد "تحسين حياة الفلسطينيين"، وهي من عبارات ما سُمي في حينه بصفقة القرن التي صاغتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

اقرأ أيضاً

تطبيع إسرائيل والسعودية.. ما علاقته بالاستبداد والديمقراطية؟

وأشار وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى أن الرياض تتوقع أن تشمل أي اتفاقات في المنطقة إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

وتمثل هذه المطالب السعودية، وفق التحليل، تحديًا كبيرًا لإدارة بايدن ولحكومة نتنياهو على السواء.

فمن جهة، تسعى إدارة بايدن إلى كبح اندفاع السعودية في تطوير علاقاتها مع الصين وتقييد نفوذها المتنامي في الشرق الأوسط، كما أنها تطلب مساعدة الرياض في خفض أسعار النفط قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام المقبل.

ويأمل بايدن أن تسهم صفقة تطبيع بهذا الحجم بين السعودية وإسرائيل في تعزيز حظوظه الانتخابية، وفي أن تُسجل في إرثه الرئاسي، مع أنه لا يوجد أي دليل على أن اتفاقية مثل هذه سوف تزيد من أصواته الانتخابية. فضلًا عن ذلك، يتطلب إنجاز معاهدة دفاعية بين واشنطن والرياض تأييد 67 عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي، في حين أن الحزب الديمقراطي لا يملك سوى 51 صوتًا في المجلس.

هذا إذا افترضنا تأييدهم جميعًا لسياسات بايدن في هذا الاتجاه، وهو أمر غير مؤكد في ضوء تحفّظ كثيرٍ منهم على سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان، وعلى الحرب في اليمن.

اقرأ أيضاً

 هل تؤخر العقبات السياسية والأمنية والدبلوماسية والشروط الاتفاق السعودي الإسرائيلي؟

ومن ثمّ، سيحتاج بايدن، وفق التحليل، إلى دعم من الحزب الجمهوري، إذ يأمل في الحصول على مساعدة نتنياهو لإقناع الجمهوريين.

لكن قبل الحديث عن مدى قبول نتنياهو بالتدخل لدى الجمهوريين لتأييد اتفاق أميركي - سعودي يلبي مطالب الرياض أو بعضها، فإن إدارة بايدن تبدو بحاجة إلى أن تقنع نتنياهو أولًا بتقديم "تنازلات" للفلسطينيين لتوفير غطاء للخطوة السعودية".

وتذهب بعض التقديرات الأمريكية، الى أن الرياض قد تقبل ببعض "التحسينات" في حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية مقابل التطبيع مع إسرائيل، مثل منحهم قدرًا أكبر من الحكم الذاتي، ونقل مزيد من الصلاحيات والأراضي المأهولة بالسكان للسلطة الفلسطينية، وكبح المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية على نحو يمكن التحقق منه، وتحسين ظروف المعيشة والسفر للفلسطينيين، والحفاظ على الأسس التي قد تفضي في المحصلة إلى دولة فلسطينية.

ومع ذلك، فحتى إذا وافق نتنياهو على هذه "التحسينات"، من غير المتوقع أن يوافق أعضاء ائتلافه الحكومي المتطرف، الذين يعارضون حصول الفلسطينيين على أي مظهر من مظاهر السيادة، ويخشون من تحوّل البرنامج المدني الذي تسعى السعودية إليه إلى برنامج عسكري، وبخاصة إذا امتلكت إيران قنبلة نووية.

ومع أن نتنياهو يجادل أنه قادر على إقناع ائتلافه الحكومي بتقديم تنازلات للفلسطينيين في سبيل إنجاز صفقة مع السعودية، فإنه يرفض تحديد طبيعة هذه التنازلات، بل لا يرى حاجة إليها، لأن الفلسطينيين، في رأيه، "سيستفيدون من اتفاق السلام بطرق أخرى".

اقرأ أيضاً

أول سفير سعودي لفلسطين: الأرض مقابل السلام أساس أي اتفاق لتطبيع الإسرائيلي

كما أن فرض قيود على النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية سوف يلقى معارضة من داخل الائتلاف الحكومي، ما يدفع نتنياهو إلى طلب مساعدة من أحزاب المعارضة، وتحديدًا من حزبي "هناك مستقبل"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد، وحزب "المعسكر الرسمي" الذي يتزعمه وزير الدفاع السابق بيني جانتس، لتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وهذا الاحتمال ضعيف ليس بسبب غياب الثقة بين لابيد وغانتس من جهة، ونتيناهو من جهة أخرى، بل لأنهما يعارضان أيضًا أن تملك السعودية برنامجًا نوويًا، حتى لو كان سلميًا.

ومع أن بعضهم يرى أن نتنياهو قد يلجأ إلى السعي إلى إبرام إسرائيل اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة لكسب دعم المعارضة وتشكيل حكومة الوحدة، فإن هذا يبقى خيارًا معقدًا، ومن الصعب تصور حصوله على دعم المعارضة.

ويختتم التحليل بالقول: "سوف يكون من الصعب على السعودية أن تبرّر انخراطها في اتفاق تطبيع مفتوح ورسمي مع إسرائيل من دون الحصول على مطالبها الثلاثة من الولايات المتحدة، كليًا أو في حدود مرضية، وينطبق الأمر نفسه، وربما بدرجة أقل، على التنازلات التي تريد السعودية من نتنياهو تقديمها للفلسطينيين".

يشار إلى أن نتنياهو جعل التطبيع مع السعودية "موضوعًا رئيسيًا" في حملته الانتخابية العام الماضي، ووعد بالبناء على "اتفاقيات أبراهام" التي توسطت فيها الولايات المتحدة و"توسيع دائرة السلام".

وفي عام 2020، أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع الإمارات والبحرين والمغرب.

ويبقى الأمل الأمريكي، الذي لم يتحقق حتى الآن، هو أن تحذو دول شرق أوسطية أخرى حذوها، حيث أن توقيع السعودية، قد يدفع الآخرين للسير على ذات الخطى.

اقرأ أيضاً

إيكونوميست: صفقة التطبيع السعودية الإسرائيلية ستقلب الشرق الأوسط رأسا على عقب

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية التطبيع إسرائيل نتنياهو بايدن بن سلمان القضية الفلسطينية بین السعودیة وإسرائیل التعدیلات القضائیة إسرائیل والسعودیة الولایات المتحدة للأمم المتحدة الشرق الأوسط البیت الأبیض بین إسرائیل مع السعودیة إدارة بایدن مع إسرائیل تطبیع بین اقرأ أیضا بایدن فی بایدن أن ومع ذلک إلى أن

إقرأ أيضاً:

مؤرخ تنبأ عام 1999 بمستقبل مرعب لإسرائيل في 2025

نشرت صحيفة "هآرتس" مقالا مطولا كتبه في عام 1999 المؤرخ الإسرائيلي رون بونداك، الذي يعد أحد مهندسي اتفاقيات أوسلو، تضمن توقعات "مرعبة" لمستقبل إسرائيل في عام 2025.

وقالت الصحيفة إن توقعه كان دقيقا إلى حد "مؤلم"، وبدا اليوم قريبا من التحقق على أرض الواقع "بشكل مرعب"، وذلك بعد مرور عقد من الزمن على وفاته.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب أميركي يتوسل إلى الرب بإرغام بايدن على التنحيlist 2 of 2صحيفة إسرائيلية: حان الوقت ليحدد نتنياهو موقفا واضحا من اقتراح الجيشend of list

وقد شاءت الأقدار ألا يعيش بونداك ليتأكد إذا كان توقعه سيصبح حقيقة أم مجرد أضغاث أحلام، فقد وافته المنية في تل أبيب يوم 14 أبريل/نيسان 2014 عن عمر ناهز 59 عاما بعد صراع مع السرطان.

وتخيل المؤرخ الإسرائيلي في مقاله أنه في عام 2025 يستيقظ ذات صباح على وقع سؤال ظل يراوده مفاده: ألم يحن الوقت لأجمع ما تبقى لي من متاع قبل الفرار؟

ولم يكن هذا السؤال يدور في ذهنه من فراغ.. فقد تخيل في مقاله أن الأوضاع في إسرائيل تدهورت بشدة حتى إن "معظم أصدقائي غادروا" البلاد، حسب تعبيره، والمغادرة "تبدأ عادة عندما يهاجر أبناؤهم وأحفادهم، فبعض منهم هاجر إلى أوروبا، ومعظمهم إلى الولايات المتحدة، وآخرون إلى مناطق أبعد من ذلك مثل شرق آسيا".

لقد أُفرغت إسرائيل من أغلب مواردها البشرية في "عدد كبير من الصناعات القائمة على المعرفة، وقد كانت في السنوات الأولى من القرن الـ21 رائدة في هذا المجال"، كما يقول المؤرخ الإسرائيلي.

وانتقد الكاتب حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك الأولى (1999-2001) بسبب ارتكابها العديد من الأخطاء عندما "كان كل شيء جاهزا للتوقيع وتنفيذ الصفقة التاريخية الكبرى مع الفلسطينيين، والتي كان من الممكن أن تغير مجرى التاريخ".

غير أن الحكومة قررت التمسك بالخطة المحدودة التي تفتقر إلى الرؤية، والتي فُرضت على الفلسطينيين وألقت الشرق الأوسط في أتون اضطرابات "ندفع ثمنها حتى يومنا هذا"، كما يقول مهندس أوسلو.

وسرد رون بونداك بعض الملابسات التي صاحبت عملية التفاوض التي أجريت في عام 2000، للتوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين.

وقال إن الحكومة الإسرائيلية لم تكن مستعدة للسماح للفلسطينيين بإقامة دولة على معظم أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت تهدف من وراء ذلك إلى التقليل من حق عودة اللاجئين إلى دولتهم المستقبلية، وأصرّت على الحفاظ على السيادة الإسرائيلية في قطاع واسع من الأراضي على طول وادي الأردن، ورفضت تمكين الفلسطينيين من أن يكونوا شركاء حقيقيين في إدارة المياه في طبقة المياه الجوفية التي هي تحت أقدامهم.

وأضاف أن المناقشات بشأن القدس تعثرت أيضا عندما طالبت إسرائيل بالسيادة على المدينة بأكملها، بما في ذلك 65 كيلومترا مربعا التي ضمتها من الضفة الغربية عام 1967، فضلا عن السيطرة الكاملة على السكان العرب في المدينة، الذين كان يبلغ عددهم آنذاك 200 ألف نسمة.

وفي نهاية المطاف، بدا واضحًا للحكومة الإسرائيلية أن السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق هو الضغط على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وإجباره على قبول إملاءات "السلام" الإسرائيلية، وهو الذي "كان يدرك أن أيامه باتت معدودة بسبب مرضه، وكان يريد أكثر من أي شيء آخر أن يكون هو المؤسس لدولة فلسطينية مستقلة"، بحسب ما ورد في المقال.

ولكن عرفات استسلم -وفق المقال- للضغوط التي مارسها عليه إيهود باراك والرئيس الأميركي بيل كلينتون، ووافق على الصفقة بعد أن حصل على وعد بأن إبرامها سيجعل بالإمكان استئناف مناقشة القضايا المؤجلة في اتفاق الوضع النهائي على الفور، ومن بينها وضع مدينة القدس واللاجئين، وأراضي الضفة الغربية التي احتفظت إسرائيل بـ40% منها ضمن الاتفاق.

وأشار بونداك إلى أن الحكومة الإسرائيلية بدأت في بناء سياج عالٍ متاخم لطريق مزود بمعدات مراقبة إلكترونية لكشف التسلل، وكانت الفكرة إنشاء حاجز دائم يفصل إسرائيل عن الدولة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، واصلت إسرائيل اتباع سياستها المتمثلة في "خفض عدد العمال الفلسطينيين في البلاد" إلى الحد الأدنى. ولم تشجع الحكومة الإسرائيلية المشاريع التعاونية الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة، "وبدأ الاقتصاد الفلسطيني في التدهور".

وأسهب الكاتب في رصد المحطات الرئيسة التي مرت على اتفاقيات أوسلو ومواقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منها وكذلك الفصائل الفلسطينية لا سيما حركتي المقاومة الإسلاميتين (حماس والجهاد) وحركة فتح والسلطة الفلسطينية.

ومضى المقال في سرده التاريخي ليقف عند أعمال العنف التي شنّها المستوطنون في الضفة الغربية على القرى الفلسطينية "التي كان يُشتبه بأنها تساعد حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وشهدت المنطقة الواقعة بين العفولة ومدينة جنين، على طول الحدود، أعمال عنف نفذها فلسطينيون وإسرائيليون على حد سواء، "مما حدا بالحكومة الإسرائيلية إلى احتلال جنين ونابلس لبضعة أيام".

وأوضح المقال أن الأحزاب الدينية ظلت تستند في حملاتها الدعائية والتسويقية إلى نصوص من التوراة، على غرار ما ورد في سفر التثنية 2 الذي جاء فيه" فأسلمه الرب إلهنا إلينا [سيحون ملك الأموريين] فهزمناه وجميع أبنائه ورجاله في ذلك الوقت، استولينا على جميع مدنه، ودمرنا كل مدينة -رجالا ونساء وأطفالا- ولم نترك أي ناجٍ".

وكان الشعار الذي أوصل رئيس الوزراء التالي إلى السلطة هو: "تذكروا ما فعله بكم عماليق. فعرب الداخل وعرب الخارج خطر على دولة إسرائيل".

ويمضي مقال "هآرتس" إلى التأكيد أن محاولات المجتمع العربي للاندماج في الحياة المدنية بدولة الاحتلال، وأن يصبح أفراده مواطنين يتمتعون بحقوق متساوية تماما، قد باءت بالفشل. ولم يتمكن النظام السياسي الإسرائيلي من التعامل مع المشاكل والفوارق التي ظهرت، ونشأت حالة من الغليان بين جيل الشباب العربي.

وتطرق المقال إلى ما كان يدور من أحاديث عن حكم ذاتي عربي داخل إسرائيل. وفي ذلك يقول الكاتب إن الحكم الذاتي الذي طالب به أنصار هذا النهج لم يكن جغرافيا بالضرورة؛ بل كان ذا طبيعة ثقافية ووظيفية.

وأيّد بعض اليهود الإسرائيليين هذه الفكرة، ومن بينهم أشخاص من اليسار عدّوها السبيل الوحيد لتطبيع العلاقات داخل البلاد "التي كانت على شفا انهيار كارثي"، وكذلك بعض المعتدلين الدينيين الذين كانوا يطمحون ببساطة إلى الحفاظ على إسرائيل. لكن الحكومة اليمينية عارضت هذه الفكرة بشدة.

ونتيجة للتوترات السياسية والدبلوماسية بين إسرائيل والولايات المتحدة، توقفت واشنطن عن تحويل التمويل المدني والأمني إلى إسرائيل، كما بدأ الحوار مع يهود الشتات يتلاشى، بحسب المقال الذي يضيف أن الجيل اليهودي الجديد في الولايات المتحدة وأوروبا لم يعد معجبا بالتحول الذي بدأ يتشكل في المجتمع الإسرائيلي.

ثم لم تلبث الأمور في إسرائيل "اليهودية" أن بدأت بالانهيار، حيث فاقم التدهور الاقتصادي في البلاد من ظاهرة كراهية الأجانب "التي توشك أن تكون عنصرية الطابع".

ولفت بونداك إلى أن أعداد العمال الأجانب في إسرائيل آخذة في الازدياد بعد أن توقف أرباب العمل الإسرائيليون عن توظيف العمال من "الدولة الفلسطينية"، ومن عرب إسرائيل.

الكاتب توقع أن تبدأ إسرائيل بالانحدار، من عام 2017، إلى أتون الفوضى، على الصعيدين المحلي والدولي، مما سيدفعها إلى إطلاق نداء يدعو إلى "استعادة الأمل الذي لاح مع مطلع القرن"

ولعل الأسوأ من ذلك -برأي مهندس أوسلو- أن المواجهة بين الأقلية العلمانية الليبرالية والمؤسسة الدينية في إسرائيل باتت أشد حدّة، واضطر الائتلاف اليميني الهش إلى الخضوع لإملاءات الحاخامات، وأصبحت الدولة أقل يهودية من الناحية الديمغرافية وخاضعة لقيود دينية صارمة.

وتوقع الكاتب أن تبدأ إسرائيل بالانحدار، من عام 2017، إلى أتون الفوضى، على الصعيدين المحلي والدولي، مما سيدفعها إلى إطلاق نداء يدعو إلى "استعادة الأمل الذي لاح مع مطلع القرن".

وستكون السنوات السبع التالية هي الأصعب التي تمر على إسرائيل منذ تأسيسها؛ إذ سيشن جيشها حربا "صعبة ومعقدة" على الفصائل الفلسطينية في الأراضي المحتلة.

وعزا المقال تراجع إسرائيل إلى جملة أسباب؛ من بينها إنفاقها مبالغ طائلة للتصدي للتوتر المستمر على حدودها. ومن ناحية أخرى، اضطر الجيش إلى التعامل مع آلاف الأشخاص الذين رفضوا التجنيد، وتلاشى التماسك الوطني الإسرائيلي اليهودي تدريجيا.

وعلى الصعيد الدولي، وصل التدهور في إسرائيل إلى أعماق جديدة. وأعلنت الدول الأوروبية فرض عقوبات مختلفة على إسرائيل، مع سماح الاتحاد الأوروبي لكل دولة أن تقرر بنفسها طبيعة علاقاتها التجارية والثقافية مع إسرائيل.

سيناريوهات

ويتساءل المقال: ماذا سيحدث من الآن فصاعدا؟ ويجيب الكاتب راسما بعض السيناريوهات الرئيسة "السلبية"، منها تراجع عملية السلام إلى الحد الذي يضع الدول العربية على حافة حرب من "نوع أو آخر"، وربما تعود مصر والأردن إلى دائرة العداء أو العنف ضد إسرائيل، وأن تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لعملية "لبننة".

وتوقع بونداك اندلاع انتفاضة بأشكال مختلفة إذا لم تحسن إسرائيل التعامل مع "مواطنيها" العرب.

وسوف تتعزز القوى القومية إلى الحد الذي قد يجعل حكومة تتبنّى توجهات محافظة بل حتى فاشية تصل إلى السلطة وتضم عناصر دينية متطرفة.

وفي هذه الحالة ستكون النتيجة مجتمعًا ممزقًا من الداخل. وفضلا عن ذلك، سيشتد الصراع بين "الدولة" وأقليتها العربية وكذلك الصراع بين الحكومة والقوى التقدمية والليبرالية.

وهنا ستجد إسرائيل نفسها معزولة دوليا، وسوف يضعف اقتصادها بشكل كبير وسيتبع ذلك هروب النخب ورجال الأعمال، ويمكن أن يحدث هذا السيناريو بشكل منفصل أو بالتزامن مع السيناريو المذكور سابقا، وفقا للكاتب.

وبغض النظر عن أي عملية دبلوماسية يتم اختيارها، من المرجح أن يتصاعد الصراع بين الطوائف الدينية والعلمانية داخل المجتمع الإسرائيلي ويتفاقم بشدة إلى حد العنف الذي قد يؤدي إلى ظهور جيوب لحرب أهلية.

في مثل هذه الحالة، يختم الكاتب يتوقع حدوث عملية انفصام داخل الجمهور الإسرائيلي وربما تبرز فيه "كانتونات" مختلفة لكل منها مجموعة سكانية منفصلة جغرافيا ووظيفيا على أساس أنظمة تعليمية وثقافية مختلفة، وقد يصل هذا السيناريو إلى حد الانفصال فتصبح هناك "يهوذا وإسرائيل".

مقالات مشابهة

  • التهدئة في غزة مفاوضات تحت الضغط
  • مسؤول أممي: جموح الكيان الإسرائيلي يعرقل فتح المعابر وإرساء الهدنة
  • عام 1999 .. مؤرخ تنبأ بمستقبل مرعب لإسرائيل في 2025
  • مؤرخ تنبأ عام 1999 بمستقبل مرعب لإسرائيل في 2025
  • ماذا لو تورطت السعودية في عدوان جديد على اليمن؟
  • خبراء: نتنياهو يمعن في إذلال بايدن وتعمد إفشال المفاوضات قبل أن تبدأ
  • صحيفة إسرائيلية: حان الوقت ليحدد نتنياهو موقفا واضحا من اقتراح الجيش
  • مختص بالشأن الإسرائيلي: التظاهرات بإسرائيل تزيد من حالة الضغط على حكومة نتنياهو
  • صفقة الرهائن.. شروط نتنياهو تثير "استغراب" فريق التفاوض
  • صفقة الرهائن.. شروط نتنياهو تثير "استغراب" فريق التفاوض