قال الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: عندما ننظر إلى المستقبل ونستحضر مقدمات الحاضر ودروس الماضي، فإننا نحتاج إلى التحمل والصبر كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان من أهدافه بناء الإنسان.

وأضاف خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد: إننا نحتاج إلى خبرات واسعة المدى واستشراف للمستقبل كما فعل أصحاب المذهب الحنفي الذين توسعوا في هذا الباب، وكانوا يضعون المسائل ويجيبون عنها، فأعطانا مساحة أوسع وأرحب؛ ولذا أنشأنا في دار الإفتاء المصرية مرصد الاستشراف الإفتائي، لنُعدَّ العدَّة من الآن -نحن المفتين- لمواجهة تحديات المستقبل وما قد يطرأ من أمور.

وتابع فضيلة المفتي حديثه مؤكدًا أن النبي كان يحب مكة، وطنَه الذي نشأ فيه وضم ذكريات الطفولة؛ لأنها غريزة وفطرة عند كل إنسان أن يحنَّ إلى المكان الذي نشأ فيه، مشيرًا إلى أن السيرة النبوية مليئة بالمواقف التي تؤكد حبَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوطنه، ومنها أنه عندما خرج مهاجرًا إلى المدينة وعندما جاوز أبواب مكة وقف وحنَّ إلى هذا المكان وقال قوله المشهور: "والله لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".

وفي طريق الهجرة عندما كان النبي يمر على مكان له فيه ذكريات كان يحنُّ إلى وطنه، وذكر بعض المفسرين أن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] نزل في هذا الموقف، وكان عندما تأتيه الأخبار من مكة المكرمة يذكرها بحنين شديد.

واستطرد فضيلة المفتي موضحًا أنه عندما أفاء الله على النبي وفتح مكة المكرمة دخلها مطئطئًا رأسه الشريف؛ تواضعًا، رغم انتصاره، في لحظات قد تقذف إلى النفس البشرية حب الانتقام، ولكنه مع ذلك وصف هذا اليوم بأنه يوم المرحمة عندما سأل أهل مكة: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

وفي سياق ذي شأن تحدث فضيلة المفتي عن وثيقة المدينة المنورة، مشيرًا إلى أن الفقيه الدستوري الراحل الدكتور يحيى الجمل، قد أشرف على رسالة ماجستير حول وثيقة المدينة المنورة كدراسة دستورية، انتهى فيها الباحث إلى أن وثيقة المدينة هي أول وثيقة في التاريخ تؤسس للمواطنة الكاملة في مجتمع متعدد الثقافات والأديان والأعراق، وجعل فيها النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- الناس مسلمين وغير مسلمين جميعًا سواسية في الحقوق والواجبات، كأنه يرسل رسالة للتاريخ أن الإنسان في معيشته وفي وطنه يحتاج إلى أن يفهم هذه التعددية وأنها حتمية يجب التفاعل معها.

وأضاف أن خطبة الوداع تُكمل المسيرة المحمدية بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي خطبة جامعة تتضمن المبادئ الجامعة من تعاملات اقتصادية ووصية بالنساء، موضحًا أن الجور على حق من حقوق المرأة كالميراث وغيره مخالف للمنهج والوصية النبوية.

ووجَّه فضيلة المفتي رسالة من دار الإفتاء المصرية لكل رجل في يده مقاليد الميراث، قائلًا: “لا تجعلوا النساء يسألن عن الميراث، بل أنتم قدموا لهن حقهنَّ الذي سيسألكم الله عنه”.

وأشار إلى أن المساواة الإنسانية، ظهرت في الممارسة الحقيقية للشريعة المحمدية في وثيقة المدينة، حيث ساوى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بين كافة المواطنين في الحقوق والواجبات، مهما كانت عقديتهم أو لونهم أو عِرقهم، وكملتها خطبة الوداع، التي أرست مبدأ المساواة، بقول النبي: "كلكم لآدم وآدم من تراب، ولا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى"، وقوله: "استوصوا بالنساء خيرًا" وغيرها من الوصايا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم فضیلة المفتی إلى أن

إقرأ أيضاً:

المفتي يلقي أول خطبة جمعة من رحاب "مسجد مصر الكبير" بالعاصمة الإدارية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور نظير محمد عيَّاد.. مفتي الجمهورية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في خطبته في "مسجد مصر الكبير" بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية بعد ضمه دعويًّا وعلميًّا إلى وزارة الأوقاف، إن من أعظم ما امتن الله تعالى به على هذه الأمة أن خصَّها بهذا الدين القويم الذي اشتمل على الخير للبشرية عامة، و للإسلام والمسلمين على وجه الخصوص، مبينًا أنه قد اشتمل على مقاصد كلية وقواعد ضرورية تدفع إلى تحقيق المصلحة، وتمنع من المفسدة، جلبًا للخيرات للبلاد والعباد، وتحقيقًا لمبدأ الاستخلاف الذي خلق الله الناس له.


ثم انتقل إلى بيان خطورة التكفير الذي يعدُّ من أبرز سمات الفكر المتطرف، موضحًا أنه من أهم العقبات التي ابتليت بها هذه الأمة، وأنه من أهم العوامل التي يمكن أن تقضي على آمالها وتفتح الطريق للآلام، وتساعد الأعداء عليها، ويمكن أن تؤدي إلى هلاك العباد والبلاد.


وأوضح أنه يجب ألا يُحكم على الإنسان بالكفر إلا بقرينة واضحة أو برهان ساطع، ويكون ذلك من خلال العلماء مع انتفاء الموانع كالجهل أو الخطأ أو الإكراه أو التأويل، وهذا منهج الأزهر الشريف. 


كما أشار إلى جملة من أهم الآثار الخطيرة التي تعود على المجتمعات من جرَّاء التسرع في إصدار الأحكام على الناس وتقسيمهم دون حجة أو بيِّنة، مبينًا أن في هذا انتهاكًا لحرمات الناس، ومؤكدًا أن هذه قضية خطيرة حذَّر منها الإسلام، ونبَّهَ عليها لما يلزم فيها من مفاسد، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا...»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».


و أكد أن هذا الفكر المتطرف يعمل على استباحه المال والعرض تحت مزاعم واهية، وأقوال فاسدة، لا يراد من ورائها إلا التطاولُ على النفس والمال والعرض، وهي مقاصد ضرورية في الإسلام، مستشهدًا في هذا السياق بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وأوضح فضيلته أن المتأمل في هذه الآية يقف على عقوبة تلو الأخرى من جراء استباحة المال والنفس والعرض، كما استشهد أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا»، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».


وبيَّن  أن التكفير والتطرف يتنافى مع طبيعة هذا الدين الذي ينظر إلى الإنسان بكل إجلال وإعظام وإكبار وإكرام، فأقر مبدأ الحرية الدينية، وأكَّدَ أن التنوعَ والاختلاف سنة كونيَّة، ودعا إلى مراعاة الكرامة الإنسانية، وأشار إلى الوحدة في أصل الخلقة، ثم جعل التفاوتَ بين الناس مردَّه إلى تقوى أو عمل صالح، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلَّا بالتَّقْوَى».
وقال المفتي إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذَّرَنا وهو يشير الى هذه العلامات، ويرشد إلى هذه الصفات التي يتصف بها أصحاب هذا الفكر المتطرف؛ ليحذر الإنسان منها في كل عصر، وفي كل مكان، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في بيان أوصافهم: «يَحْقِرُ أَحَدُكُم صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتهم، وصِيَامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّين كما يمرُقُ السهمُ من الرميَّةِ، أينَمَا لَقِيتُمُوهم فَاقتُلوهُم، فَمَنْ قَتَلَهم لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وهو عَنْهُ رَاضٍ». 
و أشار إلى جملة من الآثار الخطيرة لهذا الفكر المتطرف، ومنها: الإساءة للإسلام بعرضه على غير حقيقته، والدعوة إليه بخلاف ما هو عليه، بما يشتمل عليه هذا الفكر من الغلو والتطرف والتشدد واللا مبالاة، وسد اليسر أمام الناس، وهو ما يتنافى مع طبيعة هذا الدين، ويختلف تمامًا عن مقاصده ومآربه، وهذا بخلاف ما فهمه الصحابة والتابعون الذين رأوا فيه الإيمان والعدل وسعة الدنيا والآخرة، ومن آثار هذا الفكر أيضًا: أنه يؤدي إلى الفرقة والاختلاف، ويدعو إلى الانقسام والتنازع، وهو ما يمكِّن أعداءَ هذه الأمه منها، وهو ما يتنافى مع قول الله تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، وقوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
وحذَّر “عياد” مما يتضمنه هذا الفكر الذي يصيب أصحابَه بالخلل في التفكير والسلوك، حيث إنه يُعَدُّ لونًا من ألوان الغش والخداع لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن أبرز صور هذا الغش في الدين: الاعتمادُ فيه على المظهر لا على الجوهر، وهو ما يتناقض مع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».
و شدَّد في التحذير من جميع صور الغش، وأنه جناية على البلاد والعباد، وخيانة لله وللرسول وللمؤمنين، ومخالفة للتوجيهات الإلهية والهدي النبوي الذي يوجه إلى الأمانة والنصيحة الصادقة الخالصة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، موضحًا أن المتأمل يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن بين مَنْ غَشَّ وبين مَنْ حَمَلَ السلاح على المؤمنين الآمنين، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَيْنَا، فَلَيْسَ مِنَّا»، وقال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
واختتم الخطبة بهذه النصيحة الغالية بقوله: "فما أحوجَنا أيها الأحبة إلى أن نتلاقى على هذا التوجيه القرآني وتلك المأدبة المحمدية، ننطلق من خلالها لبناء الإنسان وبناء الأوطان، والمحافظة على هذه المقاصد التي تحقق الخير للبلاد والعباد".

259516f6-910c-454c-8633-97aa533f6971 7036b3eb-2159-48b3-adee-a435a14da4c4 690ea5c0-0f47-44c4-9dcf-bc125c9983ab 201def1c-9668-412c-8ea2-47af5287bbc3 57eca504-7b5f-47fe-aee1-13e64a723ab0 a29f096b-814c-4c11-9528-58a0f2cb1fa7 34100ad4-bab8-4a60-a9da-db6908dfa412 b907ac60-8b56-4a41-bf66-28543a5ad621 a2b29df8-7946-4a3c-8523-ea2095836957 bbe4195c-778f-4b6f-8aeb-9103992771f4

مقالات مشابهة

  • دعاء النبي قبل النوم .. ردد هذه الأدعية النبوية للحفظ من كل مكروه
  • المفتي يلقي أول خطبة جمعة من رحاب "مسجد مصر الكبير" بالعاصمة الإدارية
  • الإفتاء تحدد وقت استجابة الدعاء يوم الجمعة
  • تحذير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التخلف عن صلاة الجمعة كسلًا وتهاونًا
  • في ليلة الجمعة.. صيغ الصلاة على النبي ﷺ
  • 6 آداب شرعية يجب اتباعها عند زيارة المريض
  • أين يقف الإمام في الصلاة على الجنازة؟.. آراء الفقهاء في المسألة
  • هذه الشروط يجب توافرها في المؤذن للصلاة.. تعرف عليها
  • الدعاء للميت على القبر بعد الدفن .. تعرف عليه
  • أمين الفتوى: سيدنا النبي نهى عن ضرب الزوجات