بقلم: نزار بولحية
المغاربة غاضبون من فرنسا، وهم يعرفون جيدا ما الذي يمكن أن يقوله الكي دورسيه، أو قصر الإليزيه، إن سُئل عن الحملة الإعلامية التي تشنها بعض الجهات على المغرب وهي، أن حرية التعبير مكفولة للفرنسيين، ولا دخل للسلطات لا من قريب ولا من بعيد في ما ينشر على أعمدة الصحف أو يذاع على القنوات الإذاعية والتلفزيونية.
إن بعض الأحداث والتجارب مثل تلك التي تحصل الآن في مالي وبوركينا فاسو والنيجر تلهب حماسهم، وتشجعهم على التصعيد والمضي إلى حد قطع شعرة معاوية مع الفرنسيين، لكن الظروف والحسابات بعيدة المدى قد لا تبدو في الحالتين واحدة. فخلافا لما كان عليه الحال في تلك الدول، ليست لباريس قواعد عسكرية في الأراضي المغربية، كما أن نفوذها هناك لا يبدو أنه على النحو الذي كان عليه في منطقة الساحل، وبالتالي فإن عقد أي مقارنات بين الوضع في تلك المنطقة، وواقع منطقة الشمال الافريقي سيكون مختلا وفي غير محله.
ومع ذلك فإن هناك على الطاولة المغربية أكثر من خيار للرد على ما قد تراه الرباط تزامنا مريبا ومشبوها بين التعامل الاستعلائي الذي لم يخل من قلة ذوق وخروج عن الأعراف والتقاليد الدبلوماسية من جانب قصر الإليزيه، والحملة الموجهة التي تقودها بعض الدوائر الإعلامية ضدها، في أعقاب كارثة الزلزال الذي ضرب مطلع الشهر الجاري منطقة الحوز.
لقد استطاع المغاربة وفي ظرف سنوات قليلة فقط أن ينسجوا شبكة علاقات ممتدة وقوية، باتت تسمح لهم بهامش أكبر للمناورة والتحرك بعيدا عن فلك باريس. والسؤال الملح هنا هو، كيف سيتعاملون مع الوضعية الحالية؟ هل سيحاولون القيام بـ"قرصة أذن" محدودة لساكن الإليزيه وحكومته؟ أم أنهم يفضلون التريث والمحافظة على الهدوء وعدم الانجرار وراء أي مواقف حماسية، أو غير محسوبة ردا على الاستفزازات الفرنسية؟ ربما قد يتوقف الحسم في ذلك على عدة اعتبارات قد لا ترتبط وبالضرورة فقط بحجم المصالح الثنائية المتعددة والمتشعبة التي تجمعهم بفرنسا، بل تتصل أيضا بجوانب أخرى محيطة بتلك العلاقات.
وتبدو المفارقة التي ظهرت جليا خلال سنوات حكم ماكرون جديرة بالاهتمام، إذ كلما طغى البرود على علاقة فرنسا بالرباط، استرجعت علاقتها بالجارة المغاربية الأخرى، أي الجزائر بعضا من حرارتها المفقودة والعكس بالعكس. وهذا العامل قد يدفعهم لأن يأخذوا مسافة ما، ويتمهلوا إلى حين اتضاح الصورة، ويتأكدوا من المدى الذي قد تذهب اليه باريس في علاقتها بالجزائر، في وقت تمر فيه علاقتهم معها بفترة من البرود والجمود.
ولعل البيان القصير الذي أصدرته الخارجية الجزائرية، الخميس الماضي، بعد استئناف الاتصالات الرسمية التي كانت شبه متوقفة بين الجزائر وباريس، من خلال عقد اجتماع دوري في باريس للمشاورات السياسية بين الجانبين، على مستوى الأمينين العامين للخارجية في البلدين، الذي جاء فيه أن «هذه الدورة سمحت للطرفين بإجراء تقييم مرحلي استعدادا للاستحقاقات الثنائية المرتقبة، مع التركيز على الملفات ذات الأولوية في مجال التعاون الثنائي.. وأن المباحثات تركزت أيضا حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة ذات الاهتمام المشترك»، يطرح بنظرهم جملة من نقاط الاستفهام. فهل كان اختيار توقيت عودة المشاورات التي كانت مجمدة ومتوقفة بين العاصمتين بريئا، ولم يحمل في طياته، أي خلفيات أو رسائل مبطنة إلى طرف ثالث هو المغرب الذي لا تبدو علاقته بالاثنين في أفضل حالتها؟ كما أن الإشارة الأهم التي جاءت في ذلك البيان، وهي التطرق إلى القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك بين الفرنسيين والجزائريين تبدو مفتوحة على عدة فرضيات وتأويلات. فهل كان ملف الصحراء الذي يرى كثيرون أنه هو السبب الأصلي لحالة البرود بين الرباط وباريس واحدا من بينها؟ وإن ثبت ذلك فما الذي يمكن أن تقدمه باريس للجزائر على ذلك الصعيد؟ أم أن كل ما يطلبه الجزائريون هو ألا تخرج فرنسا من المنطقة الرمادية، وألا تحدد موقفها من النزاع بالوضوح الذي فعلته دول غربية أخرى مثل أمريكا وإسبانيا وألمانيا؟ والثابت أن الفرنسيين لن يجازفوا بالاقتراب كثيرا من وجهة النظر الجزائرية، ولن يحاولوا أيضا أن يجعلوا الكفة تميل وبشكل واضح نحو المغرب. إنهم يدركون أن لعبة الغموض التي لطالما استهوتهم لم تعد مقبولة من جانب المغرب، لكنهم يتحسبون لما قد يحصل في المستقبل القريب من تطورات قد تفقدهم دور القيادة، الذي ما زالوا يطمحون له في منطقة الشمال الافريقي. ومع علمهم بالأهمية الشديدة التي يمثلها ملف الصحراء للجارتين المغاربيتين، فإنهم لا يرغبون بوضع كل بيضهم في سلة واحدة منهما. وهذا بالطبع ما يرضي نسبيا الجزائريين أكثر من المغاربة.
ويبدو جليا أن واحدا من بين أهداف التقارب الفرنسي الجزائري الأخير هو الضغط على الرباط. وذلك ما تعيه الأخيرة جيدا وتحاول الالتفاف عليه، فهي لم تقبل فقط المساعدات التي عرضتها عليها إسبانيا، بل بادرت الأسبوع الماضي وفي حركة لا تخلو من دلالات إلى القيام بمناورات بحرية وصفها موقع «ديفينسا» الإسباني بـ"نادرة الحدوث" بين بحريتها والبحرية الإسبانية، وذلك تحت مظلة حلف شمال الأطلسي. وهذا ما يؤكد أن اقترابها المتزايد من مدريد يحمل وفي جزء منه رسالة إلى باريس مفادها، أنها لم تعد المفتاح الحصري للمغرب إلى أوروبا والحلف الأطلسي، وأن هناك دولا أخرى على استعداد لأن تحل مكانها وتلعب ذلك الدور.
ومن الواضح أن توجيه البوصلة المغربية نحو القضية الوطنية الأولى، أي قضية الصحراء، التي أكدها العاهل المغربي حين اعتبرها «النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم،» يجعل المغاربة يضعون كل المستجدات والتطورات التي تحدث من حولهم في سياق واحد وهو، البحث عما سيعود عليهم أي تحرك دبلوماسي أو موقف من عوائد على تلك القضية. وفيما تكتفي وسائل إعلامهم بتوجيه الاتهام إلى الرئيس الفرنسي بالمسؤولية عما وصلت إليه العلاقة بين البلدين دون السقوط في فخ القذف والتشهير والتحامل، لا يبدو أن الشجب والتنديد والصراخ، أو حتى فرض التأشيرات على الفرنسيين، قد لا يحقق لهم الآن ما يبحثون عنه. ولأجل ذلك فإن الاستمرار في تجميد العلاقات مع فرنسا والتعامل بحذر مع تجاوزات إعلامها قد لا يبدو في حد ذاته دليل ضعف ما دامت العبرة بالخواتيم.
كاتب وصحافي من تونس
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
تطور جديد في العملية سيرلي التي نفذتها فرنسا لتصفية مدنيين في مصر
أعلنت المحكمة الأوروبية عن خطوات جديدة لتقدم قضية ضد "عملية سيرلي" إلى المراحل الأولى من الإجراءات، عقب نشر المحكمة إخطاراً على موقعها الرسمي بشأن خطوات قضية قدمت لها للتحقيق في "جرائم مزعومة ضد المدنيين" ارتكبتها فرنسا بالتعاون مع السلطات المصرية.
كما أبلغت المحكمة فرنسا بالقضية وطرحت عليها مجموعة من الأسئلة منها ما هو حول التزام الجمهورية الفرنسية بالتحقيق في القتلى المدنيين بسبب "عملية سيرلي"، إضافة إلى مدى كفاية وفعالية الإجراءات للتحقيق والفصل الكامل في الشكوى.
المحامية الدولية ديكستال توضح ما معني وما اهمية قبول قضية العملية سيرلي المقدمة ضد الحكومة الفرنسية و النظام المصري في المحكمة الأوروبية بعد أن رفضتها فرنسا !
اليوم بإذن الله الاثنين العاشرة مساء بتوقيت القاهرة علي صفحة حزب امل مصر @amlmasr2011 موعدنا علي تويتر مع الفريق… pic.twitter.com/fMgRpSJOoJ — Mohamed Ismail (@Mohamed71935373) November 11, 2024
وطالب مقدمو القضية بتحديد المسؤولين الفرنسيين والمصريين عن هذه العملية، ومحاكماتهم في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية استمرت لسنوات، وتحديداً في الفترة من 2015 إلى 2019.
ما هي "عملية سيرلي"؟
بدأت "عملية سيرلي" في شباط/فبراير 2016 كنتيجة لاتفاق سري بين الحكومة الفرنسية للتعاون في مكافحة الإرهاب. وكشف موقع "ديسكلوز" في عام 2021 عن تفاصيل العملية، حيث كانت تركز على المراقبة الجوية على الحدود المصرية.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام، كشف الموقع عن استخدام العملية بشكل رئيسي من قبل السلطات المصرية لاستهداف المدنيين في عمليات تهريب وتنفيذ إعدامات خارج نطاق القانون، بدلاً من محاربة الإرهاب.
وقد أظهرت بيانات تحديد المواقع تورط مشغلي العملية في استهداف المدنيين، مما أسفر عن مقتل وإصابة مئات الأشخاص.
رغم التحذيرات المتكررة من قبل المشغلين الفرنسيين لرؤسائهم بين عامي 2016 و2019 بشأن الاستخدام غير القانوني للعملية، استمر اهتمام فرنسا بتطبيقها لمكافحة الإرهاب.
وأعلنت وزارة القوات المسلحة الفرنسية في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2021 عن تحقيق داخلي حول المعلومات التي تم كشفها، إلا أن نتائجه ظلت سرية، وخلصت إلى عدم تحميل الوزارة أي مسؤولية.
اعتقال صحفية
وفي أيلول/سبتمبر 2023 تم احتجاز الصحفية المستقلة أريان لافريو من قبل عملاء المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي، وذلك بعد نشرها تقارير حول عملية سيرلي عبر موقع "ديسكلوز" في تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
????"C'est une technique de manipulation des services de renseignement pour vous faire passer à table."@AriaLavrilleux sort de 39h de garde vue par la DGSI pour avoir enquêté sur les exportations d'armements de la France vers les dictatures. @Disclose_ngo
Elle témoigne pour RSF ↓ pic.twitter.com/WJlL3wZxEC — RSF (@RSF_inter) September 21, 2023
وقد تم استجوابها لمدة 48 ساعة، رغم أنها لم تُتهم بشكل رسمي. ومع ذلك، قدمت وزارة القوات المسلحة الفرنسية شكوى قانونية ضدها بتهمة "انتهاك أسرار الدفاع الوطني".
وقوبلت هذه الخطوة بانتقاد واسع من قبل جماعات حقوقية، التي اعتبرتها هجومًا خطيرًا على حرية الإعلام وتعرضًا لسرية مصادر الصحفيين، حيث وصفها "مراسلون بلا حدود" بأنها خطوة تقوض حرية الصحافة بشكل جاد.