البوابة نيوز:
2024-10-07@07:17:43 GMT

سنة أولى فى مدرسة العميان!

تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT

كانت لحظات وداع شاقة وصعبة على النفس لشهور الصيف مهما بلغت درجة حرارتها، فأنت تودع أيام المرح واللعب والاستيقاظ متأخرًا لتستقبل عامًا دراسيًا جديدًا بكل ما فيه من مشقة؛ مغادرة مبكرة للفراش الدافئ، دروس صعبة، ومدرسون ليسوا جميعًا ممن تشعر معهم بالارتياح.

ومع ذلك مازلت تحتفظ بالحنين إلى رائحة كتب المدرسة وطرقاتها وبعض الشقاوات السرية بعيدًا عن أعين الناظر أثناء طابور الصباح.

بعض تلك الذكريات يرتبط بمدرسة طه حسين للمكفوفين بشارع ترعة الجبل بمنطقة الزيتون؛ كانت أول أيام سنة أولى ثانوى مختلفة تمامًا عن تسع سنوات سبقتها فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية.

نعم، هناك مشاعر الوداع الطفولية لعطلة الصيف، لكننى أيضًا كنت مقبلًا على مدرسة جديدة.. كل طلابها من المكفوفين وكذلك قسم كبير من مدرسيها.

صحيح أمضيت شهور الصيف فى تعلم طريقة البرايل قراءة وكتابة باللغة العربية والانجليزية والفرنسية على يد معلمى وأستاذى الكفيف النابه محمد درويش؛ لكنه يبقى بالنسبة لى عالمًا جديدًا مثيرًا للفضول ومعتمًا فى ذات الوقت.

أمضيت أغلب سنوات الطفولة أعانى ضعف البصر الشديد وعند نهاية المرحلة الإعدادية آن الأوان لما تبقى من ضوء ليغادر عيناى وأصبحت مدرسة المكفوفين المكان الوحيد الأنسب للدراسة. حينها تبقى بصيص نور يمكّننى بالكاد من ملاحظة المجسمات الكبيرة استخدمته أحيانًا ببراءة الأطفال لخداع الأستاذ درويش الأعمى تمامًا؛ وكان دائمًا يفاجئنى باكتشاف ألاعيبى الصغيرة ويقول: (ستذهب إلى المدرسة بعد أيام قليلة ولو فعلت هذا مع زملائك أو مدرسيك سيكتشفون ذلك سريعًا ولن يغفروا لك ألاعيبك واستغلالك ما تبقى لك من ضوء خافت تعتقد أنه يميزك).

جاء أول يوم دراسة وعلى غير العادة كنت متحمسًا بسبب شغفى لاكتشاف هذا العالم المظلم المعتم، عالم كله من العميان.

من باب الدعابة وأثناء التعارف فى أول يوم أطلق علّى أستاذ اللغة العربية وعازف العود الماهر الأستاذ محمد زكى رحمه الله لقب (صقر الفصل) فقط لأننى احتفظ ببقايا ضوء فى عيني.

لم يكن الأسبوع الأول لطيفًا فكل من حولى يريد اكتشافى ومدى قدرتى على الإبصار ورؤية الأشياء، ومدى قوتى البدنية؛ وانتهى الأسبوع بمعركة حامية الوطيس بينى وبين أغلب طلاب الفصل.

فى هذا الوقت كنت بدينًا وأتمتع برشاقة وسرعة فى الحركة.. وهذا النوع من المعارك تعودت عليه فى مدرسة النقراشى الإعدادية ولما كان ضعف بصرى نقطة ضعفى مع طلاب المدرسة الإعدادية الأشقياء كنت استخدم ألواح المقاعد الخشبية وأضرب بعنف مفرط غير مبالٍ بحجم الإصابات فلا بديل للنصر وإلا المهانة واستغلال نقطة ضعفى طوال العام.

اعتمدت نفس الأسلوب مع زملائى العميان فى بداية المعركة لكنهم تكاثروا وللحظة أدركت أن هزيمة نكراء فى انتظارى بعد لحظات، ولم يكن أمامى سوى الالتحام إلا أننى فوجئت بأن ميزان المعركة يميل لصالحى فقد أصبح الجميع يضرب فى الجميع وما كان منى إلا أن تسللت حتى خرجت من ساحة الوغىَ ثم صرخت ضاحكًا وساخرًا: أنتم تضربون بعضكم البعض، فضحك أحدهم لتتوالى بعد ذلك الضحكات وسرعان ما تصافت النفوس بعد أن سخر العميان من أنفسهم ثم صرنا أصدقاءًا وأصحابًا نتشارك شقاوات التزويغ والهروب من المدرسة والتجول فى الشوارع المحيطة وبعضهم كان يعتمد على بقية الضوء الذى فى عينى لكنه كان سرعان ما يلاحقنى باللعنات مع أول اصطدام بشجرة أو سقوط حر فجائى من أعلى رصيف حجرى شبه مدمر.

اعتقدت أن مسألة إدارة فصل من العميان أمر شبه مستحيل على مدرس كفيف لكن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق.

كان لكل منهم طريقته الخاصة فى عملية إدارة فصل من الشياطين، بعضهم عمل على اكتساب محبتنا واحترامنا بأحاديثه المتنوعة والشيقة التى يدمجها فى عملية شرح الدرس، وبعضهم كان حاسمًا صارمًا حازمًا حتى أننا كنا نخشى اللهو بصمت مع بعضنا البعض رغم يقيننا أنه لن يرانا. 

اللافت أن التسيب والإنفلات فى الفصل كان يحدث فى حضور بعض المدرسين المبصرين ربما لشفقة فى نفوسهم أو إدراكهم أنهم يستطيعون التحكم فى الأمر إذا خرج عن الحد المسموح.

لا أدرى لماذا تتدافع هذه الذكريات فى عقلى، ليس من سبب محدد، وربما هى نسائم سبتمبر التى تذكرنا ببداية العام الدراسى الجديد لكن ثمة حكمة أو مجموعة من العِبَر تعلمتها فى مدرسة العميان من المدرسين والمدير وزملائى الذين أصبحوا أصدقاء العمر.

التمسك بموقف أو فكرة أو أسلوب ثبت فشله للجميع ويعد من أخطر أنواع العَمىَ، فأنت وحدك من تعتقد فى سلامة موقفك أو فكرتك لذلك أنت أعمى.

النظر لأى مسألة أو موضوع من زاوية واحدة وإهمال بقية الزوايا وعدم الإكتراث بالنظرة الشمولية لإعادة ترتيب وتركيب أبعاد القضية يعميك عن الدرب الصحيح والطريق السليم.

الأنانية والرغبة فى الاستحواذ على كل شىء والإمساك بجميع المفاصل يسمى عمىَ حيثى، أما الشخص الذى يوصف بالأعمىَ القٌح فذلك الذى يستكبر على مشورة من حوله وسؤال السائرين معه على نفس الدرب.

تلك العبر وغيرها تعلمتها فى طابور الصباح وداخل الفصل وأثناء تجوالى مع زملائى فى الشوارع والميادين المحيطة، عندما كنت أرفض السؤال عن اتجاهات الشوارع أو المشى بحذر فوق أرصفة غير معبدة فتكون النتيجة الاصطدام بحدة فى حائط أو شجرة أو السقوط فى بالوعة تركها أحد العمال المهملين مفتوحة بعد إصلاحها.

بعض هذه الحكم والعبر رسختها سنوات عملى فى بلاط صاحبة الجلالة، واليوم وبعد أن رحل عن عيناى آخر شعاع نور أدين بالفضل لمدرسة العميان فبفضلها تعلمت المشى منفردًا وأصبح الاصطدام بالجدران نادرًا وأقل حدة وبات السقوط احتمالًا قائمًا لكن مستبعد.

بعد كل هذه السطور ورغم كل ما ذكرته بقى شىء فى نفسى عبرة لم أقلها، ربما لأنها مازالت فى طور التبلور وربما لأنه لم يحن أوانها بعد.

*كاتب صحفى

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

بير نبالا بلدة فلسطينية يحاصرها جدار الفصل الإسرائيلي

بير نبالا هي إحدى بلدات محافظة القدس، يحيط بها جدار الفصل الإسرائيلي من أغلب جهاتها، ويعزلها عن البلدات والمدن المحيطة بها، ويعيش معظم أهلها على الأنشطة الزراعية.

الموقع

تقع بير نبالا شمال غربي مدينة القدس، وتبعد عنها 8.7 كيلومترات. وترتفع عن سطح البحر 726 مترا.

تحدها من الشرق بلدة الرام، ومن الشمال بلدة الجديرة، ومن الغرب بلدة الجيب، ومن الجنوب بيت حنينا.

التسمية

سميت بير نبالا بهذا الاسم نسبة إلى بئر ماء في البلدة القديمة، كانت هي المصدر الوحيد للمياه لسكان البلدة، ثم أصبحت هذه البئر من أهم الأماكن الأثرية في القرية.

وتعني كلمة "نبالا" في اللهجات العربية القديمة الحوض أو الآنية، وتقول رواية أخرى إن التسمية تحوير لاسم "نبلات" وهي قرية كانت في جوار البلدة واختفت معالمها.

بير نبالا تشكل جزءا من نحو 45 تجمعا قرويا في بادية القدس (الجزيرة) السكان

حسب التعداد العام للسكان والمساكن الذي أجراه الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء عام 2007، فإن عدد سكان بلدة بير نبالا بلغ نحو 6 آلاف نسمة.

وتبين إحصاءات أخرى غير رسمية أن عدد سكان بير نبالا في العقد الثاني من القرن 21 أصبح نحو 15 ألفا، قبل أن ينخفض من جديد بسبب تضييقات الاحتلال وزحف الاستيطان.

التاريخ

في أعقاب النكبة عام 1948، وبعد اتفاقات الهدنة لعام 1949، أصبحت بير نبالا تحت الحكم الأردني، لكنها بعد النكسة عام 1967 سقطت بيد الاحتلال الإسرائيلي.

شهدت البلدة في عام 1994 حادثة اختطاف الجندي الإسرائيلي نحشون فاكسمان، في عملية عسكرية نفذتها كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- ردا على مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل.

أسرت كتائب القسام الجندي فاكسمان عند موقف للجنود الإسرائيليين داخل أراضي الـ1948، ثم أخذوه إلى منزل أُعِدّ سلفا في قرية بير نبالا، وانتهت العملية بعد اقتحام قوات الاحتلال مقر الوحدة القسامية الآسرة للجندي في محاولة لتحريره.

لكن المحاولة أدّت إلى قتل الجندي الأسير إضافة إلى قائد الوحدة المقتحمة وجندي ثالث كما أصيب نحو 20 جنديا.

اتسمت قرية بير نبالا منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى بناء جدار الفصل الإسرائيلي عام 2004 بجذب السكان إليها، إذ يمتاز موقعها الجغرافي بتوسطه بين الشمال والجنوب، وبين مدينتي القدس ورام الله، كما تمتاز بوقوعها من الشرق إلى الغرب قريبا من مدن الرام وحزما وشعفاط عبر الجيب، وقرى غرب القدس إلى يافا عبر طريق رئيسي إلى الساحل، وبسهولة التنقل منها إلى مدن الداخل المحتل، وكانت أسواقها كفيلة بسدّ حاجات سكانها وزوارها.

في مطلع عام 2006 أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي شارع فلسطين الذي يتوسط قرية بير نبالا، بعد عامين من بدء بناء الجدار العازل الذي أحاط بالقرية من أغلب الاتجاهات وفصلها جغرافيا عن محيطها الممتد حتى مدينة القدس المحتلة.

الاقتصاد

تتمتع قرية بير نبالا بالأراضي الخصبة الملائمة لزراعة الزيتون والخضراوات، ولكثرة المياه اهتم أهالي البلدة بالزراعة.

أما من حيث المنشآت والمؤسسات الاقتصادية والتجارية، فيوجد في التجمع مصانع مواد تنظيف، ومحلات للحرف اليدوية مثل الحدادة والنجارة، فضلا عن المحلات التي توفر الحاجات اليومية للسكان.

ويهدف الاحتلال إلى تدمير الاقتصاد في بلدة بير نبالا ليعزز اقتصاد مستوطنة عطروت الصناعية التي لا يفصلها عن البلدة سوى الجدار، وأصبحت مدينة صناعية كبيرة يعمل الاحتلال جاهدا لتسهيل العمل فيها ووصول التجار إليها، رغم أنها كانت في الماضي تنافس أسواق بلدة بير نبالا.

أهم معالم بير نبالا

يوجد في بلدة بير نبالا مسجدان هما: مسجد الحاج توفيق النبالي ومسجد بير نبالا القديم. كذلك توجد بها بعض الأماكن والمناطق الأثرية، منها: بيوت قديمة وبئر الماء التي سميت باسمها البلدة.

وفي بير نبالا بقايا أثرية من العصور المختلفة مثل الحقبة البيزنطية وبقايا برج من الحقبة الصليبية ومباني البلدة القديمة التي تعود إلى الحقبة العثمانية.

الاستيطان في بير نبالا

في عام 2007 لم يكتف الاحتلال بمحاصرة قرية بير نبالا من الجهة الشرقية التي تربطها بالقدس فقط، بل أكمل بناء الجدار ليحيطها من كل جوانبها ويبقيها على اتصال مع العالم من خلال مدخلين فقط، أحدهما يتصل بقرى شمال غربي القدس المحاصرة أيضا بالجدار، والمدخل الآخر يغلقه الاحتلال أحيانا بالحواجز العسكرية ويربط بين هذه القرى ومدينة رام الله.

وقد انخفض عدد السكان في البلدة بعد بناء الجدار بشكل مباشر من 15 ألف مواطن إلى أقل من 5 آلاف.

مقالات مشابهة

  • مدير مدرسة في الأفلاج يبادر بتوصيل الطلاب لمنازلهم.. فيديو
  • تغيير أسماء الشوارع.. دلالات سياسية أم معركة في غير معترك
  • حبشي: نعم لفتح المدارس
  • في يومه العالمي.."رمضان أبو العلمين وحضرة المتهم أبي".. أعمال فنية جسدت المعلم
  • تلاميذ مدرسة الشهيد إبراهيم السقا بالبحيرة يحيون ذكرى انتصار أكتوبر
  • لا لتغيير أسماء الشوارع
  • بير نبالا بلدة فلسطينية يحاصرها جدار الفصل الإسرائيلي
  • فخ لانش بوكس المدرسة يهدد صحة الأطفال في العراق
  • غرق فناء مدرسة في مياه الصرف الصحي ببورسعيد.. صور
  • عضة كلب (4)