تتردد مقولةُ «القيم» على كل الألسن، البعض يتحدث عن منظومة القيم الاجتماعية على غرار علماء الاجتماع، والبعض الآخر يتحدث عن القيم الدينية.. وقد أصبح «حلف القيم» محورًا لعمل منظمة اليونسكو.
وفي السياق العربي الإسلامي، برزت مبادرة منتدى أبوظبي للسلم الذي يرأسه الشيخ عبد الله بن بية وترعاه دولة الإمارات العربية المتحدة حول حلف الفضول الجديد الذي هو حلف فضائل وقيم عالمي.
ومع أن مفهوم القيمة ظهر في الأصل في الحقل الاقتصادي، فإنه دخل في التفكير الفلسفي على يد «نتشه» خلال بلورته لمنهج الجينالوجيا الذي يحلل أصول القيم وقيمة الأصول، من منظور نقدي لا يرى في التقويمات الأخلاقية سوى مظهر من مظاهر قوة الضعفاء والعبيد. وقد كاد مفهوم القيم يختفي في الفلسفة المعاصرة، منذ أن أصبح المسلك التفكيكي غالبًا عليها، إلى حد أنها توزعت إلى مسلكين: نتشوي جينالوجي ينظر للمسألة الخُلُقية من زاوية الغرائز الحيوية، وليبرالي يستبدل القيم بالقانون المدني ويعوض الخيرَ بالعدل. ومن الاستثناءات النادرة أطروحة الفيلسوف الألماني هانس جوناس في كتابه «كيف تنشأ القيم؟» الذي صدرت ترجمته الفرنسية مؤخرًا.
في هذا الكتاب يرى جوناس أن مسألة الغيرية التي هي محور التفكير الفلسفي الراهن، تقتضي التصورَ الموضوعي للقيم، أي اعتقاد استقلالها عن الذات وعن المواقف النفسية الفردية والجماعية، والنظر إليها من حيث هي مطلقات كونية تتعالى على التاريخ والسياقات الاجتماعية.
ومن هنا اعتبر جوناس أن القيم لا بد أن تستند إلى مرجعية دينية متعالية، ويمكن لهذا التعالي أن يأخذ أشكالا متعددة، من التعلق العاطفي والمحبة الصافية إلى الانقياد الطوعي والرضى النفسي، بما يعني أن القيم هي التي تمكّن البشرَ من التواصل العمومي الحقيقي وتتيح للإنسان الخروجَ من ذاتيته المغلقة، وليست بالتالي طريقًا للتعصب أو الجمود.
في معجمنا العربي، لا نجد مكانًا للقيم بالمفهوم المعاصر، بل أن المدونة الأخلاقية التراثية تتمحور حول ثلاث مفاهيم محورية هي: الآداب والفضائل والمكارم، وكلها تدور حول معنى التسامي والترقي في السلوك والعمل، بدل معايير الفعل القابلة للتعميم الكوني كما هو تصور كانط للمسألة الأخلاقية. ومن هنا يمكن القول إن ما نعنيه حاليًا بالقيم هو نظام السلوك المتبع اجتماعيًا، أي الفضائل العامة التي لا تستند بالضرورة لمرجعية دينية، حتى لو كان الشرع اعتمدها لاحقًا، كما يستشف من الحديث الشريف «إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق».
وعلى هذا الأساس كان اعتماد «حلف الفضول» السابق على الرسالة المحمدية، بالرجوع إلى مقاصده ومراميه الثابتة. وإذا كان الكثير من المستشرقين الغربيين يرى أن الشريعة الإسلامية لا تتضمن منظومةً أخلاقية (وهو رأي الفيلسوف الألماني هيجل)، فالحقيقة أن تصورها الأخلاقي يختلف عن فكرة المعايير الذاتية المجردة والكونية التي لا ترى في القيم سوى قوانين ملزمة.
وقد حاول الفقيه الأزهري المرحوم محمد عبد الله دراز في كتابه الشهير «دستور الأخلاق في القرآن الكريم» تأصيل أخلاق الواجب الكانطية من منظور إسلامي، إلا أنه لم يدرك أن مساحة التشريع السلوكي في الإسلام لم تتجاوز الحدود القصوى في الفعل وفق سلم متدرجة من المنع إلى الوجوب مرورًا بالكراهية والترغيب، مما حدا بالإمام أبي حامد الغزالي إلى اعتبار الفقه علمًا من علوم الدنيا غرضه منع الظلم وضمان الحقوق.
القيم إذن هي الفضائل التي يعتمدها النسق المعياري العام للمجتمع، والأخلاق هي التسامي إلى أعلى درجات هذا السلم القيمي. ولقد أدرك الأصوليون هذا المنحى في القيم الشرعية من خلال أطروحة مقاصد الشريعة التي اعتبر الشاطبي أنها مشتركة بين الملل والأديان، أي أنها إنسانية كونية.
ومع أن الفكر الغربي تخلى عن نظرية الفضائل الأرسطية منذ عصور الحداثة، فإن العديد من المقاربات الفلسفية الراهنة أعادت الاعتبار لهذه النظرية باعتبار أن قوانين الواجب لا يمكن أن تغني عن ما سماه بول ريكور «القصدية الأتيقية» التي هي مصدر التقويمات الجوهرية أي تحديد معايير الخير والعدل. ما نخلص إليه هو أن القيم لا تكون إلا كونية، ومن ثم خطورة وعقم كل المقاربات النسبية للقيم من منطلق التعددية الثقافية والعقدية أو من منظور التفكيك النقدي. وهكذا يمكن القول إن الحوار المطلوب مع الثقافات الأخرى لن يكون بالضرورة إلا في نطاق هذه القيم الكونية.
*أكاديمي موريتاني
نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
حسن المستكاوي: مواجهة العودة للأهلي أمام صن داونز مصيرية
أشاد الناقد الرياضي حسن المستكاوي بأداء النادي الأهلي في مباراة ذهاب نصف نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام فريق صن داونز الجنوب إفريقي، والتي انتهت بنتيجة إيجابية للفريق الأحمر.
وأكد أن الأهلي نجح في تحييد القوة الهجومية لصن داونز، وهو ما يُحسب للجهاز الفني واللاعبين على حد سواء.
مباراة العودة في القاهرة.. تحدٍ صعب ومجهود مضاعف
وأكد المستكاوي، خلال مداخلة هاتفية في برنامج “مساء dmc” الذي يقدمه الإعلامي أسامة كمال، أن لقاء العودة في القاهرة سيكون صعباً للغاية على الأهلي، نظرًا لطبيعة المباراة التي تتطلب من الفريق الجمع بين الدفاع والهجوم. وأوضح أن على الأهلي تقديم مجهود بدني وفني كبير لضمان التأهل، مشيرًا إلى أن الفريق مطالب بالتسجيل دون أن تهتز شباكه.
الفرق بين صن داونز وأورلاندو.. ومقارنة مع بيراميدز
وفي سياق متصل، تحدث المستكاوي عن الفرق بين صن داونز وأورلاندو الجنوب إفريقي، موضحًا أن صن داونز يملك منظومة فنية أقوى وأكثر استقرارًا، ما يجعل المواجهة أمامه أكثر صعوبة. وأضاف أن فريق بيراميدز، رغم أنه كان أكثر خطورة في بعض الفترات خلال مبارياته ضد الفرق الجنوب إفريقية، إلا أن صن داونز يظل فريقًا مختلفًا من حيث القوة والانضباط.
ختامًا: الأهلي أمام اختبار حقيقي
واختتم المستكاوي تصريحاته بالتأكيد على أن الأهلي أمام اختبار حقيقي في مباراة العودة، وأن حسم بطاقة التأهل يتطلب تركيزًا عاليًا، وقتالًا حتى اللحظة الأخيرة من المباراة