البوابة نيوز:
2025-04-08@15:47:41 GMT

الوسط السّعيد

تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT

(ضع كُتبك المعقدة جانبًا.. لا تكن فخورًا، ولا روحانيًا، ولا حتى مرتاحًا، لأن هذا يمكن أن يُظهرك بمظهر المغرور، خفّف من شغفك، لأنه مخيف. وقبل كل شيء، لا تُقدّم لنا فكرة جيدة من فضلك، فآلة إتلاف الورق ملأى بها سلفًا، هذه النظرة الثاقبة في عينيك مُقلِقة: وسّع حَدَقتَي عينيك، وأرخ شفتيك، ينبغي أن يكون للمرء أفكارٌ رخوة، وينبغي أن يُظْهر ذلك، عندما تتحدث عن نفسك، قلل إحساسك بذاتك إلى شيء لا معنى له: يجب أن نكون قادرين على تصنيفك، لقد تغيّر الزمان، فلم يعد هناك اقتحام للباستيل، ولا شيء يقارن بحريق الرايخستاغ، كما أن البارجة الروسية [أورورا] لم تُطلق طلقة واحدة باتجاه اليابان، ومع ذلك، فقد تم شن الهجوم بنجاح: لقد تبوأ التافهون مواقع التأثير).

كتاب  La mediocratie  هو كتاب صدر باللغة الفرنسية، وقد تناول  فيه الفيلسوف الكندي آلان دونو ما أصبح عليه العالم الذي نعيشه من تفاهة ورداءة شاملة في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، بحيث عرفت الدول والمجتمعات تفككًا وانحطاطًا في قيمها الثقافية جعلت من التفاهة واللامبالاة والتبسيطية نمطًا للعيش بدون عمق إنساني يتوخى بناء الإنسان كإستراتيجية، إنه عالم هيمن فيه التافهون على جميع المواقع المؤثرة في المجتمعات، في غفلة من المثقف وأدواره الإستراتيجية نظرًا لسياسة التهميش الممنهجة له وتقزيم مسؤولياته، وتعويضه بما سمي "الخبير" أو التكنوقراط لتدبير الأزمات فقط، وليس تحليل وتفكيك المجتمع وبنائه على أسس صلبة يجعل من الإنسان كجوهر قيمة أساسية في المعادلات الصعبة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

إن التفاهة تشجّعنا بكل طريقة ممكنة على الإغفاء بدلًا من التفكير، النظر إلى ما هو غير مقبول وكأنه حتمي، وإلى ما هو مقيتٌ وكأنه ضروري - إنها تُحيلنا إلى أغبياء، وتسعى إلى سيطرة وتعميم الرداءة على كل مجالات الحياة، بالاعتماد على التبسيط والسطحية والبهرجة والابتذال.

ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرّف على شخص تافه آخر. معًا، يدعم التافهون بعضهم بعضًا، فيرفع كلّ منهم الآخر. التافه في كثير من الأحيان - يتمثل في مخلوق منحط، يستفيد من معرفته بالأخبار الداخلية والدسائس في أوساط ذوي النفوذ لاستغلال كل موقف لخدمة أهدافه، هو: لم يكن عالمًا ولكنه ذا علاقة بالعلماء، هو: قليل الجدارة ولكنه كان يعرف أشخاصًا ذوي جدارة كبيرة، هو: لم يكن حاذقًا ولكنه كان ذا لسان يجعله مفهوم، وقدمين تحملانه من مكان إلى آخر.

تزيح التفاهة الفكر والمفكرين والمثقفين الذين يتم تهميشهم والاستغناء عن أدوارهم، وتعتمد على الشخص: (التقليدي، الرمادي، الاعتيادي، ذو الكفاءة المتوسطة، المُعاد إنتاجه)، وتطلق عليه الخبير وهو ( تفكيره لم يكن بالأمر الخاص به قط، وإنما هو نظام منطقي تمليه مصالح خاصة، هم يفوّضون قِواهم الفكرية إلى أشخاص أعلى تملي عليهم استراتيجيّاتهم، ويتم إخضاع الشخص المؤهل جديدًا لطقوس عبور ترهيبية مصممة لجعله يفهم أن ديناميكيات السوق لها الأولوية على المبادئ الأوليّة للمؤسسة، وأن المبادئ ينبغي التغاضي عنها....  وبالتالي لا يمكننا أن نتوقع منه أن يقدم مقترحًا قويًا أو أصيلًا، … يقول الدكتور إدوارد سعيد في محاضرته التي ألقاها ضمن محاضرات ريث Reith Lectures السنوية التي أنتجنها قناة BBC  عام ١٩٩٣. فالخبير - هذا السفسطائي المعاصر الذي يُدفع له لكي يفكر بطريقة معينة - إنه ليس مهتمًا بما يتحدث عنه، وإنما يتصرف ضمن إطار ميكانيكي بحت. إنه يتصرف دائمًا وفق ما يعتبرسلوكًا مناسبًا، مهنيًا، فلا تربك الأمور، ولا تشرد بعيدًا عن النماذج والحدود المقررة، مع جعل نفسك قابلًا للتسويق، وقبل كل شيء صالحًا للظهور، ومن ثم غير مثير للجدل، وغير سياسي)، ولمن هم في مواقع السلطة إن هذا الإنسان هو الشخص المعتاد الذي يستطيعون نقل تعليماتهم من خلاله.

إن مواجهة التفاهة تقتضي عودة المثقف إلى الفضاء العمومي لجعله مجالًا للحوار والتواصل ومقارعة الأفكار والبرامج التي تساهم في بناء المواطن والرأي العام وقضاياه المصيرية كالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الأفراد والجماعات والمساواة والسلطة وتوزيع الثروة. كما أن الوضع الحالي للعالم يقتضي العودة إلى الفلاسفة المتنورين كـ"جان جاك روسو" الذي ركز في مشروعه الفلسفي على العقد الاجتماعي، أيضا "مونتسكيو" الذي وضع تصورًا لفصل السلط وتوازنها، وفولتير الذي اجتهد فلسفيًا وأدبيًا للتنظير لحرية التعبير والاختلاف والتسامح وتقبل الآخر واحترام الرأي والرأي الآخر، وكانط الذي يؤكد على ضرورة استعمال العقل في القضايا العامة والشأن العام بكل استقلالية ومسؤولية. هذا بالإضافة إلى الفيلسوف الألماني يورجن هابيرماس الذي ساهم في صياغة تصور فلسفي وسياسي لمشروع مجتمعي يصبح فيه الفضاء العمومي مجالًا مهمًا للفعل التواصلي للمواطن والجمهور وصناعة الرأي العام بالاعتماد على حوار الأفكار والإقناع والتشاركية.

مُقتبسًا ما ورد في دفاتر صديقه الشاعر الفرنسي  “لويس بوييه” أورد الروائي الفرنسي جوستاف فلو بير: (آه أيتها التفاهة المُنتِنة، الشّعر النفعي، أدب البيادق، الثرثرة الجمالية، القيء الاقتصادي، المنتج المُقزّز لأمة مستهلكة، إنني أكرهك بجميع قواي الروحية).

*كاتب مهتم بقضايا التنمية البشرية

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: محمد أبو حامد

إقرأ أيضاً:

“المالية”: صدور قرار مجلس الوزراء بشأن تحديد صلة الشخص غير المقيم لأغراض ضريبة الشركات

أعلنت وزارة المالية، اليوم، عن صدور قرار مجلس الوزراء رقم 35 لسنة 2025، بشأن تحديد صلة الشخص غير المقيم في الدولة لأغراض المرسوم بقانون اتحادي رقم 47 لسنة 2022، في شأن الضريبة على الشركات والأعمال، والذي حل محل أحكام قرار مجلس الوزراء رقم 56 لسنة 2023.

ويحدد القرار الجديد الحالات التي تنشأ فيها للشخص الاعتباري غير المقيم، المستثمر في صندوق استثمار مؤهل أو صندوق استثمار عقاري، صلة في دولة الإمارات، وبالتالي يخضع للضريبة.

ويأتي ذلك في ضوء صدور قرار مجلس الوزراء رقم 34 لسنة 2025 في شأن صناديق الاستثمار المؤهلة والشراكات المحدودة المؤهلة لأغراض المرسوم بقانون اتحادي رقم 47 لسنة 2022 في شأن الضريبة على الشركات والأعمال.

وبموجب القرار الجديد، تنشأ صلة في دولة الإمارات للشخص الاعتباري غير المقيم، المستثمر في صندوق استثمار مؤهل، في حال تجاوز نسبة تملك العقارات المسموح بها، سواءً في تاريخ توزيع الأرباح إذا كان الصندوق يوزع 80% أو أكثر من دخله خلال تسعة أشهر من نهاية سنته المالية، أو في تاريخ الاستحواذ على حصص الملكية إذا لم يكن الصندوق يوزع على الأقل 80% من دخله خلال تسعة أشهر من نهاية سنته المالية، كما تنشأ صلة للشخص الاعتباري غير المقيم في حال عدم استيفاء صندوق الاستثمار المؤهل لشروط تنوع الملكية، وذلك خلال الفترة الضريبية التي لم تُستوفَ فيها هذه الشروط.

أما بالنسبة لصناديق الاستثمار العقاري، فتنشأ صلة للشخص الاعتباري غير المقيم، المستثمر في الصندوق إما في تاريخ توزيع الأرباح إذا كان الصندوق يوزع 80% أو أكثر من دخله خلال تسعة أشهر من نهاية سنته المالية، أو في تاريخ الاستحواذ على حصص الملكية إذا لم يكن الصندوق يوزع 80% أو أكثر من دخله خلال تسعة أشهر من نهاية سنته المالية.

وباستثناء الحالات المذكورة أعلاه، لن يعد للشخص الاعتباري غير المقيم، الذي يستثمر حصراً في صندوق استثمار مؤهل و/أو صندوق استثمار عقاري، وجود خاضع للضريبة في دولة الإمارات.

ويسهل القرار عبء الامتثال للمستثمرين الأجانب كما يعكس التزام حكومة دولة الإمارات بتوفير بيئة استثمارية داعمة لهؤلاء المستثمرين.


مقالات مشابهة

  • الحبس والغرامة.. عقوبة إهمال ذوي الهمم أو التنمر عليهم
  • طبيب يحذر من خطورة آلام الفك الصباحية
  • مصافي الوسط يحرز لقب الدوري العراقي للكرةِ الشاطئية
  • تحفيز الشباب على السعي بالتوكل وليس بالتواكل
  • وزارة المالية: صدور قرار مجلس الوزراء بشأن تحديد صلة الشخص غير المقيم لأغراض ضريبة الشركات
  • منعشون عقاريون كبار بطنجة يتهربون من الضرائب بعقود “النوار” تزيد عن 10 ملايين
  • “المالية”: صدور قرار مجلس الوزراء بشأن تحديد صلة الشخص غير المقيم لأغراض ضريبة الشركات
  • المالية: صدور قرار مجلس الوزراء بشأن تحديد صلة الشخص غير المقيم لأغراض ضريبة الشركات
  • يقترب من دائرة خيالية أوسع من الشخص: هل يمكن التنظير للبورتريه الشعري؟
  • نصائح قبل كتابة وصل أمانة على نفسك.. احرص عليها