بوابة الفجر:
2024-11-23@04:31:52 GMT

خطيب الجامع الأزهر: التراحم بين الناس ضرورة ملحة

تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT

ألقى خطبة الجمعة اليوم من الجامع الأزهر الشريف، الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني، بمجمع البحوث الإسلامية، ودار موضوعها حول "صفة الرحمة في القرآن الكريم والسنة".

وقال الهواري: إن الله عز وجل اختصر رسالة النبي ﷺ في قوله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، فالمتأمل لقيمة الرحمة يجد أنها مركزية بين الأخلاق، بل هي جامعة الأخلاق، فالإنسان يرحم فيُكرم، ويرحم فيعفو، ويرحم فيعين غيره، وهكذا، حتى ذكر أبو البقاء الكفوي في كتابه الكليات أربعة عشر معنى للرحمة، وعند تأمل هذه القيمة الكريمة وكيف ترجم لها القرآن الكريم، سنجد أنَّ أول ما يلفت الأنظار في كتاب رب العالمين أنه مفتتح بالبسملة، وأن كل سوره باستثناء سورة التوبة قد صُدِّرت بالبسملة، وأن في البسملة صفتين من صفات الله تعالى هما: الرحمن الرحيم، على ما بينهما من تقارب في المعنى.

وتابع خطيب الجامع الأزهر أنه كان من الممكن أن يجمع الله مع صفة الرحمة صفة أخرى من صفاته كالعظيم أو الحكيم أو السميع أو البصير - ولله الأسماء الحسنى-، أو أن يجمع مع الرحمة صفة أخرى تحمل معنى آخر يحقق التوازن حتى لا تطغى صفة الرحمة، وذلك مثل الجبار أو المنتقم أو القهار، ولكن كأن الجمع بين هاتين الصفتين المتقاربتين في بداية كل سورة يشير إلى أن الرحمة مُقدَّمَة على كل الصفات الأخرى، وأن التخلق بالرحمة هو الأصل الذي لا ينبغي أن يغيب عن أهل الإيمان.

وأضاف: لقد انفردت صفة الرحمة في القرآن بالصدارة، وبفارق كبير عن أي صفة أخلاقية أخرى، فبينما تكررت صفة الرحمة بمشتقاتها ثلاثَمائة وخمسَ عشرةَ مرةً، جاءت الصفات الأخرى دون هذا العدد، وهذا كتاب الله الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، وجاءت السنة لتحول الرحمة من معنى مطلق إلى تراحم عملي، ولم تقصره على فئة من الناس بل أمرت السنة أن يكون تراحما عاما، حتى إنه ﷺ قال محفِّزًا ومرغِّبًا على التَّخَلُّقِ بهذا الخُلُقِ وتلك القيمة النبيلة: «لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ»، موضحا أن كلمة الناس لفظة عامَّة تشمل كُلَّ أَحَدٍ، دون اعتبارٍ لجنس أو دين، وقد أقسم الرسول ﷺ في حديث آخر قائلًا: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلاَّ عَلَى رَحِيمٍ». قالوا: يا رسول الله، كلنا يرحم، قال: «لَيْسَ بِرَحْمَة أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ؛ يَرْحَمُ النَّاسَ كَافَّةً»، فكانت الرحمة التي يخاطب بها الإسلام أهله أن يرحم الإنسان عامة الناس، فلا تقف عند دين ولا جنس، بل هي رحمة تتجاوز الإنسان بمختلف أجناسه وأديانه إلى الحيوان الأعجم، إلى الدواب والأنعام، وإلى الطير والحشرات! فقد أعلن النبي ﷺ أن امرأة دخلت النار لأنها قَسَتْ على هِرَّةٍ ولم ترحمها، فقال صلى الله عليه وسلم: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا؛ فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ ‏ ‏خَشَاشِ ‏‏الأَرْضِ».

وأضاف الدكتور محمود الهواري: أعلن صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى غفر لبغي تحرَّكَتِ الرحمة في قلبها نحو كلب! فقال صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا كَلْبٌ‏ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا‏ ‏بَنِي إِسْرَائِيلَ‏ ‏فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ»، وإننا لنتساءل وما يضر لو ماتت هرة من الجوع أو مات كلب من العطش، ثم ما قيمة كلب ارتوى إلى جانب جريمة زنا؟!.

ولفت إلى أن القضية ليست في هرة أطلقت من قيدها وأطعمت، أو في كلب سقته بغي من البغايا أو حتى صالحة من الصالحات، إنما القضية فيما وراء هذا الفعل، في القلب الذي يحيا به الإنسان هل امتلأ رحمة أو قسوة، والتي على ضوئها تأتي أفعاله وأعماله، ومدى أثرِ وقيمةِ ذلك في المجتمع الإنساني بصفة عامَّة، وهكذا تكون الرحمة في المجتمع الإسلامي.

وبيّن أنَّ التراحم ضرورة للمجتمعات وخاصة في زمن المادية، الذي غدت فيه المدن بلا قلوب، وغدا فيه الناس أجسادًا بلا أرواح، فالرحمة والتراحم قضية الإسلام الأولى، ولذلك وصف بها أصحاب النبي ﷺ على كثرة ما لهم من صفات الخير، قال الله تعالى: «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا"، فلم تقف الرحمة عند الأوامر النظرية بل كانت تطبيقا عمليا، وإن أفلاطون في جمهوريته والفارابي في مدينته الفاضلة وتوماس مور في مدينته الفاضلة الثانية اليوتوبيا، لم يصلوا إلى عشر معشار ما كان عليه المجتمع المسلم من تحقيق الأخلاق.

وشدد على أن التراحم ضرورة للمجتمعات وخاصة في زمن المادية، الذي غدت فيه المدن بلا قلوب، وغدا فيه الناس أجسادًا بلا أرواح وسادت فيه المنفعة واللذة والفردانية والأنانية، حتى أصبحت الرحمة التي تبُذل طوعا مجالا للتعجب، بل عرضة للسخرية، وحتى صارت مواقف الحياة التي توجب الأسى أو الشفقة أو الفرح والغبطة صارت مواطن توثيق لجلب مزيد من مكاسب الفيديوهات، وأما المشاعر فكبر عليها أربعا.

وختم د. الهواري، حديثه بقوله: إن المجتمع الذي تتنحى فيه الرحمة عن أخلاق الناس مجتمع شقي، وأهله أشقياء، ولو أن التاريخ لم يحفظ لنا من الروايات ما يثبت أن الرحمة ممكنة وأن الرحمة تنقذ المجتمع وقد أورد البخاري أنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أوْ قَلَّ طَعامُ عِيالِهِمْ بالمَدِينَةِ جَمَعُوا ما كانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بيْنَهُمْ في إناءٍ واحِدٍ بالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وأنا منهمْ.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: خطبة الجمعة مجمع البحوث الاسلامية الأمين العام البحوث الاسلامية القرآن الكريم الجامع الأزهر إسلامية مجمع البحوث البحوث خطيب الجامع الأزهر دكتور محمود خطبة الجمعة اليوم الرحمة فی

إقرأ أيضاً:

انطلاق الملتقى الأول للتفسير القرآني بالجامع الأزهر.. الأحد المقبل

يعقد الجامع الأزهر، الأحد المقبل، الملتقى الأول للتفسير ووجوه الإعجاز القرآني، في إطار جهود الرواق الأزهري لفتح آفاق جديدة للتأمل في معاني القرآن الكريم، وتحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.

ويهدف الملتقى، إلى استكشاف وجوه الإعجاز العلمي واللغوي في القرآن الكريم، وتقديم رؤى جديدة تعزز من فهم الدارسين والمهتمين بعلوم الدين، ويشكل الملتقى منصة حوارية تجمع بين العلماء والباحثين وطلاب العلم، لتعميق النقاش حول الموضوعات التي تتعلق بالإعجاز القرآني.

ويحاضر كل من: الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق، والدكتور مصطفى إبراهيم، الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر، ويدير الحوار، د. مصطفى شيشي مدير إدارة شئون الأروقة بالجامع الأزهر الشريف، وذلك في اللقاء الأول والذي يأتي تحت عنوان "أمة النحل في القرآن الكريم بين الإعجاز البلاغي والإعجاز العلمي".

وقال الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، إن هذا الملتقى يعد فرصة مهمة للتفكر في آيات القرآن الكريم وتدبر معانيه، وفتح مجالات جديدة للبحث في الإعجاز، مضيفًا أن الملتقى سيساهم في تعزيز الوعي الديني والثقافي لدى المشاركين والدعوة إلى التفكير العميق في النصوص الدينية.

من جهته، أعرب الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، عن سعادته بانطلاق هذا الملتقى، مؤكدًا على أهمية الإعجاز القرآني في تشكيل هوية الأمة الإسلامية.

وقال مدير الجامع الأزهر: "إن الرواق الأزهري يسعى دائمًا إلى تقديم المعرفة التي تساهم في بناء مجتمع واعٍ ومتعلم، وملتقى التفسير هو خطوة جديدة نحو تحقيق هذا الهدف"، لافتًا إلى أن الملتقى سيعقد بصفة دورية كل أحد، حيث يستضيف نخبة من العلماء والأساتذة المتخصصين، كما سيتم تخصيص وقت للأسئلة والنقاشات المفتوحة بين المشاركين، ما يتيح لهم فرصة التفاعل وتبادل الأفكار.

مقالات مشابهة

  • خطيب الجامع الأزهر: أعداؤنا يريدون شبابنا بلا هوية
  • خطيب الأزهر: أعداؤنا يريدون شبابنا بلا هوية حتى ينالوا من أوطاننا
  • نزع الله من قلوبهم الرحمة.. أميرة بدر تعلق على واقعة الاعتداء على طفلة
  • مدير الجامع الأزهر يتفقد سير الدراسة برواق القرآن الكريم بالغربية ويوصي بانتهاج طريقة المصحف المعلم
  • مدير الجامع الأزهر يتفقد سير الدراسة برواق القرآن الكريم بالغربية
  • انطلاق الملتقى الأول للتفسير القرآني بالجامع الأزهر الأحد
  • انطلاق الملتقى الأول للتفسير القرآني بالجامع الأزهر.. الأحد المقبل
  • الدكتور نظير عياد: التجديد في الخطاب الديني أصبح ضرورة ملحة
  • الهواري خطيبًا.. نقل شعائر صلاة الجمعة غدًا من الجامع الأزهر
  • في ملتقاه الأسبوعي.. الجامع الأزهر يشدد على ضرورة عصمة دماء الأبرياء بالعالم