كاميليا حسين: هناك شعرة ضئيلة تربطنا بإنسانيتنا وأي شخص قد يتحول إلى قاتل
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
- أميل أكثر إلى التكثيف وقول ما أريده بأقل عدد من الكلمات
- من حين لآخر أنظر إلى الخلف لأفهم بعضًا مما أنا عليه الآن
- لم أتبين أن أحداث الرواية بهذه الدرجة من القتامة حتى سمعت ردود الفعل
- أنتمي لتجربتي الفردية ولا يشغلني سؤال الجيل
- أتابع تجارب كتَّاب جيلي باعتبارها تجارب فردية
- أعتبر نفسي محظوظة فأنا أعيش مع أحد كتَّابي المفضلين تحت سقف واحد
- زوجي أحمد كامل قارئ واعٍ وناقد حاد مخلص للكتابة وغير مجامل
- أعيش بقلق دائم بشأن مدى جودة ما أكتبه وإمكانية أن يكون أفضل
- نحن ندور في دوائر وكأننا نركض إلى ما نهرب منه
الانطباع الأول بعد قراءة رواية الكاتبة المصرية كاميليا حسين "استغماية" التشكُّك في كل شيء، فلا نعرف إن كان ما يدور في ذهن البطلة قد حدث فعلًا أم أنه مجرد صورٍ نسجها خيالُها؟ هل عاقبت الأب بقتله أم أنه مات موتة طبيعية؟ هل تنتقم منه لأنه أهان أمها أم تنتقم لطفولتها الضائعة في بيت يشبه الزنزانة؟ هل جارتها في النافذة المواجهة موجودة في الواقع أم أنها مجرد انعكاس لها في المرآة، وهل أجهضت طفلتها أم أنها كانت تتمنى ذلك؟
الرواية القصيرة مكتوبة بحرفية كبيرة جعلتها تفوز بجائزة "ورشة أصوات وخطوط لرواية الجريمة الأدبية" التي نظمتها "ستوريتل" للكتب الصوتية بالتعاون مع الدار المصرية اللبنانية، ويكتب عنها نقاد وأدباء يشيدون بها ويؤكدون أنها تقدم صاحبتها بأفضل شكل ممكن.
...............................
- أبدأ معك من ملاحظة شكليَّة تتعلَّق بحجم الرواية الصغير جدًا، وصدورها في توقيت يشهدُ اتجاهًا – بسبب الجوائز وغيرها – إلى الروايات الضخمة، ألم تنشغلي بتلك المسألة؟
• لا يمكنني إنكار شعوري بالقلق، لكنه كان قلقًا عابرًا، مرتبطًا بالجائزة تحديدًا، وبأن حجم الرواية الصغير قد يكون عائقًا أمام فوزها، لكن بقليل من التفكير توقفت عن التفكير في المسابقة، أو على الأقل انسحبت الفكرة إلى الخلف، وانشغلت أكثر بالكتابة، كتابة ما أريد أن أقوله بالطريقة التي أفضلها وتناسبني. في نهاية الأمر أنا أكتب لأني أحب الكتابة، لأنها الشيء الوحيد الذي أؤمن بأني أجيد عمله. وفي النهاية أيضًا نحن من نضع القواعد ونحن من نكسرها، الأمر كله مرتبط بنوع من اللعب. والانتباه لأمور مثل عدد الصفحات يصبح قيدًا لا أعتقد أنه سيكون في صالح العمل.
- هل حجم العمل القصير، وكذلك لغته شديدة الإيجاز، له علاقة بفكرة أنك كاتبة للقصة القصيرة في الأساس؟
• أعتقد ذلك. لكن الأمر ليس مرتبطًا فقط بخبرتي، وإنما مرتبط بالطريقة التي أنظر بها إلى العالم، بالطريقة التي أختار أن أعبِّر بها. أعتقد أني أميل أكثر إلى التكثيف وقول ما أريد قوله بأقل عدد من الكلمات، لكن من يدري ربما أجد نفسي في عمل آخر أكتب رواية ضخمة، أتمنى فقط وقتها أن أكتبها بالدرجة ذاتها من التكثيف أيًا كان عدد صفحاتها.
- كتبتِ الكثيرَ من القصص لكنك بدأتِ النشر برواية.. ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لك؟
• أعتقد أن الحكايات تختار الطريقة التي نكتبها بها بشكل أو بآخر، هذه الحكاية بكل تفاصيلها لم يكن لها أن تُكتب كقصة قصيرة، ربما كانت التفاصيل تتناثر في قصة هنا وأخرى هناك لكنها لم تكن لتخرج بهذا الشكل. الأمر كله جاء مصادفة بالطبع، لكني أؤمن أنها مصادفة مُقدرة نوعًا ما.
تجربة كتابة الرواية شكلت تحديًا بالنسبة لي في وقت كتابتها، لكنها منحتني أرضًا جديدة لاستكشافها، وزوايا مختلفة للنظر إلى العالم من خلالها، كأني صرت شخصًا آخر. أظن أننا جميعًا نحتاج لاستكشاف مناطق جديدة من وقت لآخر، وتجربة أشياء لم نكن نعتقد أبدًا أننا نستطيع أن نفعلها. لا أعني ذلك على مستوى الكتابة أو الإبداع فقط بل بشكل عام.
- لم أتعامل مع روايتك باعتبارها رواية جريمة وإنما رواية نفسية، حتى إشارتك في حوار إلى أن رواية "الغريب" لألبير كامو هي رواية جريمة ليست مقنعة بالنسبة لي إذ أراها رواية عن الاغتراب النفسي في مدينتك، وإلا لاعتبرنا أي رواية فيها حادثة قتل هي رواية جريمة.. ما تعليقك؟
• أنا نفسي لم أعتد أن أرى "الغريب" بوصفها رواية جريمة قبل مناقشتها في الورشة، وهذه اللحظة كانت الفيصل في فهمي لنوع (الجريمة الأدبية)، أعتقد أن الفارق الجوهري هو في الأسئلة التي يطرحها العمل، في حين تدور أغلب روايات الجريمة بمفهومها البوليسي حول سؤال (من الجاني؟) تنشغل أعمال الجريمة الأدبية بطرح أسئلة أخرى ربما تحاول أن تكون أكثر عمقًا، فالجريمة لا تصبح محور العمل، بل هي مجرد أداة لاستكشاف العالم، ورؤيته من منظور مختلف.
- تستدعي البطلة طفولتها ولامبالاة الأب معها، كما حدث حينما تركها على إفريز النافذة، وقسوته الشديدة مع الأم، فهل تقول الرواية إن الماضي يلزمنا لتفسير حياتنا في الوقت الراهن؟
• في حالة هذه البطلة تحديدًا، لا يمكنك التأكد من صحة ما ترويه حول الماضي، الذكريات مشوشة ومليئة بالثغرات، وقابلة للتشكيك بها، تمامًا كأحداث زمنها الحاضر. ككاتبة لا أعتقد أن لديَّ الحق في الحديث عما تقوله الرواية، أفضل أن أترك التفسير للقارئ. لكن بشكل شخصي، كإنسانة أعتقد أننا نحتاج في مرحلة ما للتوقف قليلًا أمام بعض لحظات الماضي. ربما في ظل إيقاع الحياة اليومي المتسارع لا تتاح لنا المساحة لوقفات مطولة. لكن من حين لآخر أفضِّل أن أتوقف للنظر إلى الخلف، لا لشيء سوى لفهم بعض مما أنا عليه الآن، ربما لا أجد في الماضي تفسيرًا في كل مرة، لكن على الأقل حين أقارن حاضري بما كنت عليه قد يمنحني ذلك إشارة إن كنت أسير في الطريق الذي أرغب حقًا في السير فيه.
- تنظيف البطلة للأب مشهد في منتهى القسوة، هل وجوده يخبرنا كيف يتحول الإنسان في لحظة واحدة من قمة التفاني والإخلاص إلى قاتل؟
• لم أفكر في الأمر من هذه الزاوية، لا يحق لي الحكم على مشاعر البطلة أو تفسيرها بالطبع، لكني أفكر في مدى تعقيد موقف الابنة التي تضطر لتقديم الرعاية لوالد ليس فقط مسيء لكنها تعتقد بأنه تسبب في قتل أمها (سواء كان اعتقادها صحيحًا أو مجرد ذكرى أخرى مشوشة). في هذه الحالة هل من الممكن أن نرى في رعايتها له نوعًا من التفاني والإخلاص؟ صدقًا لا أعرف.
لكني أعتقد أن أي منا يمكن أن يتحول في لحظة إلى قاتل. هناك شعرة ضئيلة للغاية تربطنا بإنسانيتنا، وقد تنقطع في لحظة.
- لماذا كان وجود الزوج في الرواية هامشيًا؟
• أعتقد أن هذا كان نوعًا من العقاب أو الإسقاط، فهو زوج يعمل طوال الوقت ويدير وجهه للحائط، وتقتصر علاقته بطفلته على جلب الحلوى والبالونات، حتى حين ظهر وهو يلاعب ابنته انفرد بالكرة. من جهة أخرى هو الآخر كان لديه الكثير من الأشياء التي أخفاها حول ماضيه، طبقته الاجتماعية السابقة مثلًا والتي ظهر في أكثر من موقف وكأنه يحاول تجميلها أو إخفاءها. أعتقد أن البطلة أيضًا أخفت عنه ماضيها، لا توجد إشارة على نوع من الانفتاح على الماضي، كأن أحدهما لم يعرف الآخر بما يكفي خلال السنوات التي عاشاها سويًا. ولأن الحكاية حكايتها وعلى لسانها جاء خيار تهميشه بهذا الشكل.
- الرواية يبدو وكأنها تريد أن تقول إن الحياة سلسلة متصلة من الأحداث المكررة، فالابنة تركل الكرة في الحائط كما كانت تفعل أمها (البطلة) والزوج يبدو كأنما أخذ مكان الأب اللامبالي.. ما تعليقك؟
• أنا أعتقد أننا ندور في دوائر بالفعل، محكومين بماضينا، وبأحكام الوراثة، وكأننا نركض إلى ما نهرب منه. جميعنا نركض للهرب من شيء أو آخر طوال الوقت، لكن حين نفاجأ بأننا نركض في دوائر، وأن ما نهرب منه ينتظر أمامنا، لا يصبح لدينا حل سوى محاولة كسر الدائرة، وهو حل غير مأمون بالطبع، فقد نسقط في الفراغ أو في دائرة أخرى أضيق، من يدري، لكن ما حيلة الإنسان إلا أن يحاول.
- لا يمكن الجزم بأن هناك شيئًا حدث فعلًا في هذه الرواية، لا قتل الأب، ولا إجهاض الطفلة، ولا غيرهما.. لماذا جعلت الأحداث مشكوكًا فيها؟
• من منا يمكنه الجزم بأن ذكرياته كلها حدثت كما يتذكرها؟ الذاكرة بطبيعتها مراوغة، حتى لو لم يمر الشخص بأحداث قاسية، ما بالك بما مرت به البطلة؟ أعتقد أن حادثًا واحدًا من هذه الحوادث كفيل بإحداث صدمة نفسية كبيرة، من الممكن بعدها أن يختل توازن المرء النفسي والعقلي بما يكفي ليتشكك في كل ما يحدث.
- لماذا استغرقت الرواية في استبطان الشخصيات ولم تهتم بالوصف أو الحوار؟
• يرتبط ذلك الخيار بطبيعة الشخصيات، الشخصية الرئيسية منشغلة أكثر بأفكارها الداخلية، العالم ما هو إلا محيط ربما تمر أيام دون أن تفكر في تأمله أو النظر إليه، حتى في طفولتها، ستجد وصفًا للجدار وخربشاته مثلًا، لكن حتى هذا الوصف يبدو وكأنه انعكاس لخيالاتها عنه لا وصفًا حقيقيًا له. هناك أيضًا وصف لمكتبها الجديد الذي ركبت أجزاءه بنفسها، وكأن تلك المحاولة كانت محاولة لفتح عينيها والنظر إلى خارجها بشكل أو بآخر. حتى محاولات الأب لوصف المكان تتعلق بذاكرة المكان التاريخية البعيدة، الذاكرة التي لم يعش أحداثها، لكنه يتبناها كأنه ينتحلها، حتى وصفه للشجر هو مجرد رصّ للأسماء بلا معرفة حقيقية. حاولت أن تكون المشاهد الوصفية قليلة ومعبِّرة عن الشخصيات قدر الإمكان وعن طريقة رؤيتها للعالم.
بالنسبة للحوار، الرواية كلها تقريبًا تدور في ذاكرة البطلة، لذلك جاءت جمل الحوار مختزلة بعض الشيء، كثيرًا ما يحدث ذلك حين تحاول استدعاء الذكريات (أو على الأقل هذا هو ما أعرفه أو هذه هي تجربتي مع الذاكرة) أنت لا تتذكر الحوار الحرفي بحذافيره، لكنك تتذكر المعنى الإجمالي للحوار، تتردد الجمل في الذاكرة مختزلة، وعارية من الإضافات، وأحيانا يحل إحساسنا أو فهمنا لما قيل محل العبارات التي سمعناها بالفعل.
- الرواية بحجمها الصغير وأحداثها الصعبة تبدو أقرب إلى كبسولة الدواء المُرَّة.. لماذا لم تفكري في تخفيفها بأي حيلة كاستخدام السخرية مثلًا؟
• حاولت أن أستخدم السخرية بالفعل في بعض المقاطع، لكنها كانت سخرية عفوية داكنة بعض الشيء، لم أفعل ذلك بشكل متعمد لتخفيف حدة الأحداث، لم أتبين أن الأحداث بهذه الدرجة من الحدة حتى سمعت ردود الفعل.
- متى بدأتِ الكتابة ولماذا قلتِ إنها كانت أقرب إلى مسبَّة أو وصمة في البدايات؟
• بدأت الكتابة في الطفولة، كنت طفلة وحيدة بلا أشقاء أو شقيقات، خجولة وانطوائية للغاية وأجد صعوبة في تكوين الأصدقاء، كانت القراءة في ذلك الوقت هي البديل والمنقذ، ومع القراءة جاءت الكتابة، في الطفولة تقلد ما تقرأه بشكل شبه مباشر، تقرأ شعرًا فتحاول أن تكتب الشعر، تقرأ قصة فتحاول أن تكتبها. ألاحظ ذلك مع ابنتي أيضًا، لا تجيد الكتابة لكنها كلما شاهدت فيلمًا تتقمص حياة أبطاله وتعيشها لعدة أيام حتى تشاهد آخر.
في هذا الوقت لم أكن أعرف في محيطي من يهتم بالقراءة سوى عدد قليل من الأصدقاء لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، ربما تعرضت للسخرية حين ذكرت أني أكتب ذات مرة، لا أذكر جيدًا، لكن رافقني في وقت الطفولة شعور بأني مختلفة، لم يكن شعورًا بالتميز بل على العكس، كان الاختلاف وقتها يعني النقص بالنسبة لي، أردت أن أشبه الجميع، وأقضي الوقت في اللهو والمرح والحديث عن قصص الحب المبكرة، لكني فشلت وقتها في عيش الشكل التقليدي للطفولة والمراهقة، لم أجد سعادتي سوى في العزلة، وهو ما جعلني أشعر بنوع من الخجل من القراءة والكتابة كأنها وصمة، كأنها أمور تجعلني أقل طبيعية من الآخرين. ثم كبرت بطبيعة الحال، وفهمت أن ما كنت أعتبره نقصًا هو في الواقع أكثر شيء يسعدني في العالم.
- ما الفارق بين القصة والرواية بعيدًا عن فكرة التكثيف التي يتحدَّث الجميع عنها؟
• في تعريفي الشخصي يرتبط الأمر بالزاوية التي ينظر من خلالها النص إلى العالم، الأسئلة التي يختارها، ما الذي نعنيه بالتكثيف؟ هل نعني محدودية عدد الكلمات؟ أم كثافة العبارة؟ قد تمتد رواية إلى مئات الصفحات بلغة أكثر تكثيفًا وتركيزًا من قصة قصيرة مكتوبة في صفحتين مثلًا. أنا شخصيًا لا تشغلني التعريفات كثيرًا، وأعتقد أنها تتغيَّر بتغير الزمن والتجارب والأشكال الأدبية التي تظهر في كل يوم.
- من الأقرب إلى ذائقتك من الكتَّاب المصريين والعرب ولماذا؟
• أخشى ألا تكفي المساحة لذكرهم جميعًا، وأخشى أن أنسى اسمًا من الأسماء التي أحبها.
- وما جيلك؟
• إذا كان السؤال يعني المرحلة العمرية فأنا أنتمي إلى ما يعرف بـ(مواليد الثمانينيات)، هل هناك تعريف جامع لجميع الكتاب من مواليد الثمانينيات؟ لا أعتقد، لكل منا تجربته الخاصة، وإن جمعتنا جميعًا تجارب غامرة بحكم الأحداث السياسية التي شغلت ما يقارب نصف عدد السنوات التي عشناها، ثورة يناير بكل ما حملته من أمل وما تلاها من إحباط. لكن حتى هذه الأحداث التي شملت الجميع عاش كل منا تجربته الفريدة خلالها. على مستوى الكتابة لم يشغلني سؤال الجيل من قبل، أنتمي لتجربتي الفردية، وأتابع تجارب الكتَّاب في جيلي باعتبارها تجارب فردية أيضًا لا باعتبارها تجارب جيل. أعتقد أن السؤال الخاص بالجيل الأدبي أو بسماته يخض الناقد أكثر من الكاتب، أو ذلك هو رأيي في الوقت الحالي على أي حال، فمن يدري ربما أصل لرأي آخر فيما بعد.
- ما الذي يعنيه لك الميلاد من خلال ورشة أدبية؟
• الورشة كانت فرصة مهمة للغاية بالنسبة لي، تعلمت الكثير من خلالها، سواء من منصورة عز الدين التي كان اسمها حافزًا لي على المشاركة. وأيضًا من النقاش مع الزملاء.
- أنت زوجة الكاتب أحمد كامل.. ما الذي يمنحه كل منكما للآخر في الكتابة؟
• أعدّ نفسي محظوظة، أعيش مع واحد من كتابي المفضلين تحت سقف واحد، وبالإضافة لذلك أحمد قارئ واعٍ وناقد حاد للغاية مخلص للكتابة وللفن أكثر من أي شيء وغير مجامل، وهو أمر يحتاجه أي كاتب، عين أخرى واعية ومحبة لا تشوبها المجاملة والتي قد تسقطك بدلًا من أن تساعدك. أحمد هو أول قارئ لمسوداتي.
من ناحية أخرى تحتاج الكتابة والإبداع بشكل عام إلى مساحة أوسع من التحرر، وتقبل لمختلف تقلبات المزاج والأحوال، هذه المساحة ربما يندر وجودها إذا لم يتفهم كل من الشريكين طبيعة عمل الآخر. وأظن أن هذا البراح والمساحة من أهم الأمور التي يحاول كل منا منحها للآخر.
- هل تفاجأت بنجاح الرواية وتأكيد الجميع على أنها تجاوزت عثرات البدايات؟
• تفاجأت تمامًا، إذا كان السؤال بخصوص الفوز في المسابقة فبمنتهى الصراحة قدمت الرواية بدون أي ثقة في الفوز، الرواية صغيرة كما أشرت، في ظل توجه عام ناحية الروايات الكبيرة. توقفت لفترة خلال الكتابة لظروف شخصية قاسية، أعيش بقلق دائم بشأن مدى جودة ما أكتبه، وإمكانية أن يكون أفضل. لذلك فاجأني خبر الفوز، وفوجئت أكثر بردود الفعل والقراءات. أعتقد أنها منحتني قدرًا كبيرًا من الثقة، لا زلت أحتفظ بقلقي بشأن الكتابة بالطبع لكني يمكن أن أسميه الآن (قلقًا صحيًا).
- أخيراً ما خطوتك المقبلة؟
بعد صدور الرواية فكرت في العودة إلى قصصي القصيرة والعمل عليها، بعضها يحتاج إلى التحرير والبعض الآخر إلى إعادة كتابة، أعمل أيضًا على نص طويل لم أحدد بعد صورته النهائية، سواء كان رواية أو عملًا غير تخييلي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بالنسبة لی أعتقد أن ما الذی ا تجارب ا أعتقد
إقرأ أيضاً:
أدب الأسرى بمؤتمر لرابطة الكتاب الأردنيين.. الرواية تقود المشهد وقصائد مسكونة بالهوية والحرية
عمّان- طالبت قامات أدبية وثقافية وفنية أردنية وفلسطينية وجزائرية ولبنانية وعراقية مشاركة في المؤتمر الأول لأدب الأسرى في سجون الاحتلال -الذي نظمته رابطة الكتاب الأردنيين- بإطلاق تسمية "أدب الحرية" بدلا من "أدب أسرى السجون الإسرائيلية".
وأيد الناقد رشيد النجاب مؤلف كتاب "فلسطين في النثر العربي الحديث" مقترح "أدب الحرية"، وقال إن الأسير كميل أبو حنيش ابتكر في روايته "الجهة السابعة" بأبوابها الثلاثة خروجا من نطاق الأسر وسعيا نحو الحرية وهو في الزنزانة، حيث عاش مع القارئ أيام الشباب والحب والدراسة والمقاومة خارج الأسر.
وقال النجاب للجزيرة نت إن "إخواننا الأسرى يسألون: رجاء، لا تعاملونا بعطف في توجيه النقد، بل بما من شأنه رفع قيمة ما يكتب في أدب الحرية، فروايتا باسم خندقجي السابقتان "مسك الكفاية" و"خسوف بدر الدين" تتسمان بالحداثة، فهما تتحدثان عن الإنترنت وما يحتويه، والأهم أنهما تتميزان بالمواجهة المباشرة بين السردية الفلسطينية والصهيونية".
ودعا النجاب إلى تدريس "أدب الحرية" في المدارس والجامعات كمادة أساسية في اللغة العربية.
ومن أبرز توصيات المؤتمر عقب 6 جلسات اختتمت الخميس وتناولت مواضيع الشهيد وليد دقة كرمز وأيقونة ودراسات في الأعمال الإبداعية والفنية ودور المؤسسات العربية والدولية في دعم الأسرى وتجليات السجن في أدب الأسيرات منح جائزة سنوية باسم "أدب الأسرى" تبرعا من الدكتور فتحي أبو عرجة، وتحديد يوم الأسير الفلسطيني "يوم الوفاء" في 17 أبريل/نيسان كموعد لعقد المؤتمر الثاني، واختيار اسم أسير عنوانا له، ومتابعة أعمال درامية من كتب الأسرى أو من وحيها، والتواصل مع اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية لتسليط الضوء على المنجز الإبداعي للأسرى، ومتابعة الجهود مع دول صديقة مثل فنزويلا وكوبا لتوفير منح دراسية لأبناء الأسرى.
إعلانمن جهته، أشار الأديب عفيف طاووق (لبنان) إلى خطأ شائع وقضية فكرية وسياسية لاقت استحسان المشاركين والضيوف مفادها "عندما نطلق على المعتقلين صفة الأسرى، فالأسير هو الذي يعتقل على أرض الغير، أما هؤلاء فالحقيقة أنهم ليسوا أسرى، بل مخطوفون على أرضهم ووطنهم، وقد احتجزت حريتهم وأودعوا المعتقلات".
حسن عبادي: لكل أسير كتابوأبلغ المحامي الحيفاوي حسن عبادي كما يحب أن ينسب إلى عروس البحر الأبيض المتوسط الجزيرة نت أنه بدأ التواصل مع "أسرى يكتبون" في نيسان (أبريل) 2019، وقد قام بـ400 زيارة تطوعية للأسرى الكتاب والأسيرات حتى 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وقال إنه لمس أن الكتابة بالنسبة للأسير تعد متنفسا والرئة التي يستنشق من خلالها الحرية، وقد وصفتها الأديبة المحررة عائشة عودة بأنها "فكرة ولادة".
وأضاف أنه استطاع أن يزودهم بآلاف الكتب تحت شعار "لكل أسير كتاب"، مشيرا إلى أن الأسرى كانوا يعتقدون أن الأدب توقف عند الراحل محمود درويش وغيره، نتيجة لانقطاع تواصلهم مع الكتاب خارج الوطن، ونتيجة لتعميم مبادرة "لكل أسير كتاب" بدأ كتاب من الوطن العربي يسألون عن كتابات الأسرى، مثل أحمد أبو سليم وصفاء أبو خضرة.
وأوضح عبادي أن فكرة "أسرى يكتبون" انطلقت من هنا بالتعاون مع رابطة الكتاب الأردنيين، ومن خلالها عقدت 29 ندوة تناولت كتابات الأسرى بمشاركة أحد أقارب الأسير، إلى جانب مساعدة أسرى ليس لهم حاضنة في إصدار كتبهم، إذ موّل عبادي وزوجته طباعة 40 كتابا.
وفي رده على سؤال، قال عبادي "أدب الحرية في تطور مستمر، فقد انتقلوا إلى الأدب الحداثي بعد مغادرتهم قضبان المحتل، ولم يكتبوا عن جدران السجن فحسب، بل تناولوا وضع السجن برؤية فكرية متقدمة ومنفتحة، الكتّاب أصبحوا أكثر ثقافة وانفتاحا على القضايا المطروحة، والبنية الفنية أصبحت أقوى من حيث الموضوع والأسلوب، إنهم يقولون -أي الأسرى- لا نريد منكم شفقة، احكموا على كتاباتنا كي نتعلم ونتطور، لا تطبطبوا علينا".
إعلانواعتبر المحامي الحيفاوي المؤتمر خطوة كبيرة ورافعة لأدب الحرية، داعيا الكتّاب والناشرين إلى الاهتمام بقراءة مؤلفات الأسرى والكتابة عنها والحديث عنهم.
وتحت عنوان "الشهيد دقة رمز وأيقونة" تحدث رئيس نادي الأسير السابق عيسى قراقع عن الأبعاد الفكرية والفلسفية في كتابات الشهيد وليد دقة، فأطلق عليه لقب "فيلسوف الحرية"، إذ خط مشروعا ثقافيا وفكريا وإنسانيا ونضاليا طوال 3 عقود، مما شكّل مفارقة في أدب وثقافة المقاومة عندما ناضل من داخل معتقله من أجل تحرير الأحرار، قائلا "نحن سُجنا لنحرر لا لنتحرر".
وخاطب قراقع القامات الثقافية والأدبية قائلا "وليد اتخذ السجن خندقا وميدانا للمقاومة الثقافية، حيث تمحورت كتاباته حول السجن والوطن والحياة والمستقبل، وليد يبقى عصيا على التصنيف منظرا وباحثا سياسيا وروائيا رساما ومسرحيا"، وكما وصفه أحدهم "هنا جامعة اسمها وليد دقة".
ووصف قراقع الكتابة في السجن بأنها مقاومة قائلا "أكتب حتى أتحرر من السجن على أمل أن أحرره، إننا نكتب عن السجن لننفيه، نؤكده لننفيه، فتأكيده يظهر غياب الحرية، المعنى الجديد للسجن يمكن تلخيصه بالصمود في معركة: ثقف نفسك بنفسك لتصل إلى نتيجة: حرر نفسك بنفسك".
وعلى لسان الشهيد وليد يورد قراقع "إن التحرر هو السبيل الوحيد للحرية، وهو فعل خارجي (هدم)، في حين الحرية هي القيمة التي تسعى الشعوب لتحقيقها، وهي فعل داخلي، فإذا كان التحرر من الاحتلال شرطا ضروريا لتحقيق الحرية فإن الحرية هي الشرط الكافي للحفاظ على إنجازاته، فكم من بلد تحرر، لكن شعبه لم يحظ بالحرية بصفتها قيمة غير خاضعة لحسابات موازين القوى وغير قابلة للمساومة".
وتحدث وليد -وفق قراقع- عن مجتمع السجن، خاصة ظاهرة "الكابو" التي يدعمها المحتل، وهم الأسرى المتعاونون مع السجان ضد زملائهم، حيث نجحت سلطات السجون في صنع هذه الظاهرة وتحويل حياة الأسرى إلى إقطاعيات أو إمارات منفصلة تسودها الشللية والفردية والفساد وغياب النضال الجمعي والوحدوي، فالمفتاح الناظم بين الأسرى أصبح الجغرافيا والبلديات.
ويقول وليد "لا أريد العودة إلى فلسطين الماضي، فلسطين الانتدابية، أنا أريد فلسطين المستقبل التي لا بد أن تتطابق فيها الهوية الوطنية الجامعة مع جغرافيا الوطن الكامل، أوسلو تنازلت عن جزء من الوطن مقابل الدولة، واستعاض أصحابها عن العودة بحكاية العودة، وبهذا المعنى أصبحت العودة فلكلورية والدبكة الشعبية بديلا عن برنامج العودة، واختزل الوطن إلى ما يشبه الوطن".
وتطرق وليد في كتابه "حبر الوعي" إلى التعذيب الجسدي كما ورد في اتفاقية مناهضة التعذيب، فطالب مؤسسات حقوق الإنسان بتعريف جديد للتعذيب يشمل النظم غير الحسية وغير المباشرة التي تهدف إلى التدخل في تفكير الأفراد، في عملية "مسح دماغي زاحف ومتدرج"، في محاولة لما سماها "هندسة الجماعة والسيطرة عليها"، حيث يعيش الأسير حالة من الاغتراب تجاه الزمن الحقيقي، وتقاس الأشياء لا بعقارب الساعة، بل بالأحداث داخل جدران السجن، حيث يتعمد الاحتلال بناء ستار حديدي بين الأسير والزمن.
إعلانولم يغب الانقسام الفلسطيني عن نتاجات الشهيد وليد دقة، وفق ما طرحه قراقع "السجان إسرائيلي، ولكن من يصنع له المزيد من الأقفال هو الانقسام الفلسطيني، نقولها لمن ضلوا الطريق نحو الحرية: الحالة الفلسطينية المنقسمة سياسيا ألقت بظلالها الثقيلة على شقيقتها الأسيرة، الانقسام الذي طال أنتج اقتصاد الانقسام وثقافته، هناك تخوف حقيقي من أن تتحول هذه الثقافة إلى هوية".
صراع المفاهيم وتغيرهاوتحدث الأسير المحرر الدكتور عزمي منصور -الذي قضى 18 سنة في السجن بعد حكم بالمؤبد- عن إضرابات السجون وتغير المفاهيم بعد اتفاق أوسلو، متسائلا "ما هو الاحتلال؟ هل هو فلسطين التاريخية أم الضفة وغزة؟ ما هو التعذيب؟ ما هو الفصل العنصري؟"، مشيرا إلى المقولة "ما حصل في غزة لا نريده أن يحدث في الضفة الغربية" وإلى فتح مول في رام الله "والشعب يذبح في غزة"، معتبرا أن ما سماه "التنافر المعرفي" يقود إلى الفوضى في الأفكار والمفاهيم.
ووصف الشهيد وليد دقة بأنه من أبرز مفكري الحركة الأسيرة، وقال للجزيرة نت إن المحتل عمل من خلال نظرية "التنافر المعرفي" على نوع من غسل الدماغ وضرب الاتجاهات الفكرية وتفكيك مفاهيم الوطن والشعب والمقاومة والتضامن الاجتماعي وكسر عزة النفس، مما أوجد اتجاهين في الواقع الفلسطيني: الأول: لا يعترف بالعدو، ويعتبر فلسطين من البحر إلى النهر، ويرى الكفاح المسلح طريق التحرير.
والثاني -وفق منصور- يرى أن فلسطين هي "الضفة وغزة"، وبالتالي يعترف بالعدو ولا يقاومه إلا عبر المقاومة السلمية انطلاقا من تغيير بنود في الميثاق الوطني الفلسطيني، لذلك يميل إلى الاستكانة مع العدو تحت مسمى "إدامة التفاوض"، حسب تعبيره.
وفي قراءة لكتاب "صهر الوعي" لوليد دقة شهيد الوعي كما وصفه رامي ياسين في مداخلته قال "اعتبر شهيدنا الأسر فعلا ذاتيا داخل العقل، وتجرد من ظلال الأسر، وكتب بعين العارف بحثا علميا سياسيا فلسفيا يقدم فيه مفهوما جديدا لقضية الأسر وكيفية فهم الصورة الشمولية، ومهمته الأولى هي صهر الوعي الجمعي، وعي المقاومة، ليس فقط للأسرى، بل لنا جميعا كشعوب باعتبارنا جميعا أسرى".
إعلانولا يبحث وليد دقة عن الحرية كحالة رومانسية، بل كمعادلة شاقة ومعقدة، الحرية ليست فقط كسر القضبان، بل كسر الفكرة التي صنعت القضبان، لذلك، فليس أخطر أشكال الأسر تلك التي تمارس على المفاهيم والمواقف والرغبات، وليد لا يكتب من أجل الأسرى فقط، بل بهم، يكتب عن معنى أن تكون الذاكرة محاصرة، والمقاومة مصنفة على أنها خلل عقلي أو شذوذ أخلاقي أو مشروع انتحار جماعي.
ويقول الروائي رامي ياسين "وليد حوّل الزنزانة إلى مختبر فكري والتجربة القاسية إلى نص مقاوم، لا يتوسل العطف، بل يصفعنا بالفهم، ويقول للذين خارج القضبان إن حريتكم مشروطة بالوعي والقدرة على الرفض والنقد والفهم، المقاومة هنا ليست فقط بندقية، بل كلمة، فكرة، موقف، تنظيم، والأهم ألا نعتاد القمع، الإبادة، الاحتلال".
بدوره، يرى الروائي عبد السلام صالح أن كتابات الأسرى تنوعت، فمنهم من كتب عن تجربته الذاتية وظروف اعتقاله ومعاناته في التحقيق والسجن، ووصف بشكل تفصيلي ما يعيشه الأسرى، ومنهم من كتب الشعر والقصة، لكن الانفجار الإبداعي كان في الرواية، حيث اكتشف كروائي بين 8 و12 روائيا حقيقيا مبدعا يقدمون روايات ذات سوية عالية ومحققة لكافة الاشتراطات الفنية والإبداعية.
وقال صالح للجزيرة نت إن الرواية في كتابات زهدي شاهين وكميل أبو حنيش ووليد دقة وباسم خندقجي وعاهد نصاصرة وسائد سلامة تمتعت بلغة إبداعية عالية تنحو إلى السرد وتمتاز بالوصف الرائع والجميل وتقدم حوارات ذكية وبناء فنيا متينا ومتماسكا.
واستعرض مهدي نصير نماذج من قصائد الشاعرين ناصر الشاويش وأحمد عارضة، وقال إن الشعر هو القدرة على التعبير عن الأسير ومعاناته وهمومه وأحلامه وطموحه، وهو القوة السحرية التي تمنح الأسير قوة وعنفوانا وصمودا.
ومن قصيدة "أناشيد المعنى" لناصر الشاويش:
قذفت في وجه العدا أمعائي
حربا تقض مضاجع الأعداء
وجعلت أمعائي سلاح إرادتي
سيفا يعيد كرامتي وإبائي
ورفضت خبز الذل حتى أسترد
الحق بالأمعاء أو بالدماء
ومن قصيدة أحمد عارضة "الوردة البيضاء":
للوردة البيضاء جندي غريب
ولها من الحزن الكثير من النمو
ولها القليل من المياه المعدنية
ولها افتقار النازحين لبندقية
وحسب نصير، فإن القصائد عموما مسكونة بالهوية والتحدي والانتماء للأمة العربية التي وإن تخلت عن فلسطين لكنها هي وطن وانتماء.
إعلان أكتب كي أتحررمن جهته، أورد اللبناني عفيف طاووق ما قاله وليد دقة في روايته "سر الزيت" "أكتب كي أتحرر من السجن على أمل أن أحرره مني"، وفي هذا يلتقي مع الكاتب والأديب وليد الهودلي بقوله "إن أدب الحرية في السجون يرمي إلى تعزيز ثقافة الحرية"، في حين يقول الروائي رائد الشافعي "نحن نكتب حتى نتخلص من أعبائنا ما دمنا نعيش في حقل ألغام لا نعلم متى تصدر عنا كلمة تفجر لغما تحت أقدامنا، أو ننهي علاقتنا بالآخرين ممن يخشون الحرية والنقد والرأي الآخر".
وحسب رأيه، فإن بعض الكتّاب نجحوا في تقديم روايات مستوفية لشروطها الفنية، من حيث الحبكة أو تقنية الاسترجاع وتنوع أساليب السرد والشخصيات والموضوعات المثارة، مثل كميل أبو حنيش ووليد دقة وعائشة عودة.
وقد توج باسم خندقجي بجائزة البوكر العربية 2024 عن روايته "قناع بلون السماء"، كما تطرق إلى رواية "وهكذا أصبح جاسوسا" لوليد الهودلي، والتي تتناول انزلاق بعض الأسرى وسوء تقدير الثقة المفرطة بالآخر والإفصاح عن معلومات وطبيعة نشاطه.
وفي رواية "مريم.. مريام" لكميل أبو حنيش -التي تعالج إرباكات وطرحا فكريا وسياسيا- تتحول مريم الفلسطينية من مواطنة إلى لاجئة في بلدها، في حين تتحول مريام من شريدة أوروبية إلى مستوطنة ومغتصبة لبيت مريم الفلسطينية.
بدوره، ترى الأديبة ديمة جمعة السمان (فلسطين) أن الكتابة بالنسبة للأسرى ليست ترفا أو لتمضية الوقت، بل فعل مقاومة وشهادة وتمسك بالهوية والكرامة، وقد اتسمت كتاباتهم بالعمق والتنوع والرسالة الإنسانية والسياسية، كتب الأسرى عن الحب والأم والحنين والقهر، وحتى الحياة اليومية.
وقالت الروائية سامية عطعوط للجزيرة نت إن أدب الأسرى فعل مقاوم في مواجهة المحتل يمنح الأسير القوة والتواصل مع العالم لتخطي جدران السجن، داعية إلى نشره وترجمته، مضيفة "أقل ما يمكن تقديمه لمن ضحى بحريته وحياته من أجل وطنه".
إعلانوفي هذا الصدد، ترى الروائية صفاء أبو خضرة أنها استفادت من اطلاعها على أدب الأسرى ومكابدتهم أسوأ الظروف، ومع ذلك يصرون على صناعة نافذة في الظلام ليستنشقوا الحرية، وأن القضبان التي يحشرون خلفها هشة أمام حب الحياة والإرادة والحق.
وقالت للجزيرة نت "لمست من إبداعاتهم لغة جميلة خرجت بطريقة عجيبة كسرت أنف المحتل، إنه انتصار كبير"، معتبرة أن الكتابة هي متنفس وأكسجين، وتعلمت منهم أن الكتابات بمثابة تأريخ لما يحدث داخل السجون، وأن السجن مجرد وهم يكمن داخلنا، لذلك يكتبون لأن الكتابة حرية.
من جانبه، تحدث الدكتور علي أبو هلال عن دور التحالف الأوروبي في مساندة الأسرى الفلسطينيين، فقال "نعمل الآن على توسيع قاعدة التحالف ليضم دول أميركا اللاتينية والأفريقية، ونحضر لعقد المؤتمر التاسع في بروكسل في 3 أيار (مايو) المقبل بمشاركة جنوب أفريقيا ودول أفريقية"، مؤكدا أن "الحرية خير علاج للأسرى".
فنانون تحت الأرضأما نزار سرطاوي فتحدث نيابة عن صالح حمدوني تحت عنوان "فنانون تحت الأرض.. تجربة فنية من داخل الأسر" عن تجليات التحدي والصمود في أعمال زهدي العدوي، قائلا "لم يتمكن السجان من انتزاع إنسانيته، لذلك أصر على التعبير عن ذاته بالكتابة والفن والدراسة، إضافة إلى مواجهة السجان وسياسته القمعية وإهماله الطبي".
وأضاف "لقد أفرغ زهدي مشاعره وأحاسيسه على مناديل ورقية وتفل الشاي والقهوة ووجوه المخدات، تهرب خارج السجن وتروي حكاية السجن والحلم بالحرية، كما وقف أمام سؤال الحرية، وتقاطعت تجربته مع زميله محمد الركوعي ليشكلا تجربة فنية سمياها "فنانون تحت الأرض"، و"الرسم منفذ للتعبير والتحدي.. كنا نحيا ونحلم بالحرية".
وبشأن الفن التشكيلي، يرى الفنان غازي إنعيم أن "الأسير حاول الخروج من أسوار السجن، فكان الرسم المتنفس الذي يخلخل إيقاع الزمن، ويخرج للتأمل والبحث عن الذات في حركة تحرر من الزنزانة والسجان، الفن هو الحرية".
إعلان