صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-10@08:06:39 GMT

مشكلة السودان مع «الإقصائيين»

تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT

مشكلة السودان مع «الإقصائيين»

مشكلة السودان مع «الإقصائيين»

عثمان ميرغني

في موازاة الحرب الشرسة الدائرة الآن في السودان، هناك حرب أخرى وسط ركامها، تأبى أيضاً أن تضع أوارها، بل تزيد في تأجيج النيران. صحيح أن هناك عوامل داخلية وخارجية عديدة تسهم في إطالة أمد الحرب وتعقيد المشهد، لكن الانقسام العميق في الساحة السودانية والاستقطاب الحاد بين القوى المتصارعة، هما من أهمها في تقديري.

القوى السياسية، وبشكل خاص قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) من جهة، والإسلاميون من الجهة الأخرى، يخوضون معركة ضروسا يحاول كل طرف فيها إلقاء المسؤولية على الطرف الآخر، بدءا من مسألة من أشعل أوار حرب 15 أبريل (نيسان)، ومن المسؤول عن تعثر الفترة الانتقالية، مرورا بالجدل حول نشوء ونمو قوات الدعم السريع، ثم الجدل حول كيفية إنهاء الحرب.

الحقيقة أنه قبل أن تندلع هذه الحرب كانت نذرها لا تخفى على كل ذي عين بصيرة، بل تكررت التحذيرات من كثير من العقلاء من أن الصراعات المستعرة تقود البلد نحو حرب محتومة. الانقسامات كانت عميقة وسط المدنيين ووسط العسكريين وبين المدنيين والعسكريين. كل معسكر يحاول ويعمل لهزيمة المعسكر الآخر وإقصائه من المشهد السياسي، ما أدى إلى تصاعد حالة الاحتقان، وتزايد الاستقطابات السياسية والجهوية التي امتدت من المركز إلى الأطراف، وأججت التوترات. لم يؤد كل ذلك إلى تعثر الفترة الانتقالية وإسقاط حكومتها المدنية فحسب، بل أسهم في تراكم العوامل التي أفضت في النهاية إلى الحرب.

المصيبة أنه بدلا من أن توظف الأطراف الدرس القاسي، وتغير في نظرتها للأمور من أجل مصلحة البلد في هذا المنعطف الحرج، فإنها تواصل اليوم معاركها، وتتمترس في المواقف والرؤى ذاتها، بل أصبحت أشد حدة في بعضها. في صلب هذه الأزمة هناك البعض الذي لا يرى هذه الحرب من منظور الدمار الذي ألحقته بالبلد، والمعاناة غير المسبوقة التي سببتها للمواطن، بل يراها من منظور حسابات سياسية ضيقة فرصة لإقصاء خصمه وإبعاده عن المشهد، أو منصة للعودة إلى السلطة. يبدو هذا واضحا من الخطاب الطاغي على المشهد في الإعلام أو في منصات التواصل الاجتماعي بأنواعها، وهو خطاب تسيطر عليه مجادلات لا تنتهي، ولغة حادة تصل أحيانا إلى تخوين المواقف والأشخاص بسبب التباينات في الرأي.

فالإسلاميون الذين سيطر عليهم هاجس التهميش والإقصاء من المشهد السياسي بعد الثورة يرون في هذه الحرب فرصتهم للعودة إلى المشهد أو للسلطة، ويعدون اليسار وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى المعادية لهم، هي التي تتولى توجيه دفة الأمور في تحالف قوى الحرية والتغيير في ظل الضعف الذي اعترى الأحزاب الكبيرة (الأمة والاتحادي الديمقراطي)، وأنها تعمل على إبعادهم وإقصائهم، ولن يكون هناك مجال لتوافق بين الجانبين.

في الطرف الآخر يرى التيار الغالب في قوى الحرية والتغيير أن الإسلاميين بعد ثلاثين عاما في السلطة تغلغلوا في مختلف مفاصل الدولة، بما في ذلك الجيش وأن هذه الحرب فرصة لتحجيمهم، بعدما تعطلت الجهود السابقة في الفترة الانتقالية لتحقيق هذا الهدف بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وأنه من دون ذلك لن يكون هناك استقرار لأي مرحلة مقبلة بعد أن تنتهي الحرب.

السؤال هو: هل هذا ما يحتاج إليه السودان في هذا المنحنى الخطير؟

الحقيقة أن الإقصاء ظل مشكلة السودان لعقود وتسبب في زعزعة استقراره، وأسهم في حروبه، وفي سلسلة الانقلابات العسكرية التي عصفت بتجاربه الديمقراطية القصيرة. وليس صحيحا أن تسييس الجيش بدأ في عام 1989 مع انقلاب الإسلاميين (الكيزان) الذي كان واجهته العميد آنذاك عمر البشير. التسييس بدأ في وقت مبكر، وتورطت فيه أكثرية القوى السياسية، إن لم يكن كلها بدرجات متفاوتة.

أكثر من ذلك، فإن سياسات الإقصاء والتهميش التي شاركت فيها مختلف الأحزاب والقوى السياسية بدرجات متفاوتة وفي مراحل مختلفة عطلت الوصول إلى حلول لأزمة الحكم المزمنة، والتوافق حول كيف يحكم البلد وكيف نعالج قضايا الهوية والمواطنة والتأسيس لدولة مستقرة، ولنظام ديمقراطي قابل للحياة.

ما يحتاج إليه السودانيون اليوم للخروج من عنق الزجاجة هو التوافق بدلا من محاولات الإقصاء التي دفعت الأمور نحو هذه المهلكة الراهنة. البلد يواجه أولا تحدي إنهاء الحرب، وبعدها سيكون أمام جبل من المشكلات والتحديات لإعادة الإعمار واستعادة الدولة، وهو ما يتطلب توافقا عريضا يحقق نوعا من الاستقرار الذي من دونه لن تخطو الأمور نحو الأمام، ولن تنجز المهام الكبرى، بل قد يواجه البلد نكسات أخطر، ومهددات أكبر.

غالبية السودانيين همهم الأول الآن هو إنهاء الحرب وعودة الأمن والاستقرار الذي يسمح لهم باستئناف حياتهم. والسؤال الذي يردده كثيرون: ما الأولوية في هذه الفترة العصيبة، الخلاف مع الإسلاميين (الكيزان)، أم أزمة الوطن؟

الأولوية التي تسمعها من الكثيرين حتى الذين يختلفون بشدة مع الإسلاميين، هي مصلحة الوطن، وكيف نعبر به من نفق هذه الحرب التي استنزفته وأرهقت شعبه وتكاد تهدد وجوده.

الخلاف مع الكيزان خلاف سياسي قابل للتأجيل، لكن أزمة السودان الراهنة ليست قابلة للتسويف والمماطلة السياسية. أما الإقصاء فينبغي أن يكون أمره للشعب عبر صناديق الانتخاب متى ما وصلنا إليها.

* نقلاً عن الشرق الأوسط

الوسومإيقاف الحرب الأمة القومي الإسلاميين الحزب الاتحادي الديمقراطي السودان الشرق الأوسط عثمان ميرغني قوى الحرية والتغيير

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إيقاف الحرب الأمة القومي الإسلاميين السودان الشرق الأوسط عثمان ميرغني قوى الحرية والتغيير قوى الحریة والتغییر هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

القمة البريطانية لإنهاء الحرب في السودان (3)

القمة البريطانية لإنهاء الحرب في السودان (3)
بريطانيا نفسها قلصت ميزانيتها المخصصة للدعم بالخارج
القمة سياسية بحتة لان الحرب قرار سياسي ووقفها يتم بقرار سياسي
السودانيون من سكان هذا الكوكب ولهم إسهامات مقدرة في تطوره
اشرت في المقاليين السابقين عن دور السودانيين في الخارج في وقف الحرب والضغط الذي يمكن أن تتم ممارسته من حيث مواقعهم وفي البلدان التي يعيشون فيها سوا كان ذلك في أوربا وامريكا أو استراليا أو بريطانيا. كما تطرقت لعنصر اساسي هو القوى السياسية السودانية والقوى المدنية وتحديدا قوى ثورة ديسمبر أنه في اتحادها أو على الأقل تنسيقها لوصول صوت القوى المدنية التي بحكم الوضع الحالي هناك أكثر من عامل مشترك يمكن أن يجمعها أو يجعلها تنسق لاجل تحقيق أهداف مشتركة مع احتفاظها بكيانتها وتحالفاتها لان أمر إيقاف الحرب هو أمر حياة أو موت ووطن او لا وطن . لكن يبدو أن القوى السياسية تخطت حد الاندهاش والصدمة فسارت على ماهي عليه وابت أن تقف صاغرة امام الوطن أو لم يطيب لها الجلوس في حضرة الوطن أو غيابه حتى وإن تكالبت عليه الاعداء من كل صوب ،لكن تظل الحقيقة الماثلة في اتفاق السودانيين أو التفافاهم حول هدف واحد وتحديدا قوى الثورة هو إحدى الوسائل التي تقطع شوطا كبيرا في تحقيق هدف إيقاف الحرب .
تطرقت أيضا للدور البريطاني وسعي الحكومة البريطانية في إيجاد مؤطي قدم لها في حل يرضيها ويجعل لها دور بعد أن توارت عن الأضواء لحقب من الزمان وفضلت التعامل من خلف الكواليس مع السلطة في السودان فيما يحقق مصالحها . وبما أن القمة التي دعت لها بريطانيا من داخل جلسات برلمانها وعبر وزير الخارجية ديفيد لامي أهدافها الدعم الإنساني وبالتأكيد الدعم الإنساني في بلد مثل السودان قبل عاما من الآن في منتصف عمر الحرب التي بلغت العامين كانت المجاعة في حينها تهدد ٢٥ مليون نسمة والنزوح فاق ال١٦ مليون نازح وكانت البنى التحتية المتواضعة مازالت يرجى منها . خلافا لما هو الوضع الان وهذا الوضع بالعين المجردة ولم يتم التدقيق فيه فكلنا يشاهد هياكل المآتة التي خرجت من الأسر والمعتقلات ومازالت والتي لوحدها تحتاج إلي مليارات الدولارات ناهيك عن بقية القطاعات التي تحتاج إلي أضعاف تلك المطلوبة للحفاظ على الناس احياء . كل هذا والأزمات الاقتصادية أو الحروب الاقتصادية تدور في العالم والدول الداعمة تقلص ميزانيات كانت تستخدمها في الدعم الخارجي أو تنعدم فبريطانيا سلكت ذات الطريق الذي عبدته الإدارة الأمريكية بسحبها المفاجي لكل الدعم الذي كانت توفره للمساعدة في التنمية في دول العالم فلقد قلصت بريطانيا ميزانية دعمها للتنمية في الخارج وفي اتجاه إلغاء وزارة التعاون والتنمية الدولية وكانها تسير حافر بالحافر مع أمريكا ونسبة لتقليص هذا الدعم في ٢٨ فبراير٢٠٢٥ اي بعد ٣ ايام فقط من نقاش البرلمان مؤتمر القمة البريطانية لوقف الحرب في السودان وضعت الوزيرة العمالية في وزارة التنمية والمساعدات الدولية اناليزا دوت استقالتها على طاولة رئيس الوزراء احتجاجا على تحويل ميزانية المساعدات الخارجية التي كانت تصرف في التعليم والصحة الي ميزانية دعم وزارة الدفاع البريطانية وقالت إن الاتفاق الدولي بعد الحرب العالمية قد انهار ، وهي تعني الاتفاق الذي تم بعد الحرب العالمية الثانية والمختص بالالتزامات الدولية تجاه التنمية ومساعدة الدول الفقيرة . هذا يؤكد أن هذه القمة بين وزراء الخارجية المعنيين بالرغم من تسترها بالغطاء الانساني الا انها قمة سياسية من الدرجة الأولى وانها وصايا دولية يفرضها الواقع الدولي الذي تريد أن تشكله بعض الدول ذات النفوذ من أجل مصالحها .
لذلك هذا يستدعي ويستوجب وحدة القوى السياسية السودانية لتخاطب مثل هذه القمة وتضع رائها بوضوح في مصير شعبها الذي في المقام الأول يخصها قبل اي جهة أخرى ، ويمكن أن تجعل من القمة مصدرا داعما للاستقرار اذا مارست الضغط الشعبي لاجل إيقاف الحرب اولا واسكات السلاح عبر إيقاف الدعم من اي جهة داخلية أو خارجية وفرض عقوبة فعلية وليس شكلية وملاحقة قادة الحرب على. ما قاموا به من جرائم ضد الشعب السوداني . السودانيون من سكان هذا الكوكب ولهم إسهامات مقدرة في نمائه وتطوره وآمنه وهم شركاء مع كل سكانه ولديهم حقوق كما عليهم واجبات . نواصل

abdelrahimhassan299@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • السودان الجديد الذي يسوق له “دقلو” هو ارض جدباء بلا سكان ولا بنى تحتية
  • سودان ما بعد الحرب… أليس هذا هو الطريق؟
  • السودان: المسيّرات والحسابات الخاطئة!
  • (مدير المخابرات المصرية في بورتسودان).. ماذا هناك؟؟!!
  • تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
  • القمة البريطانية لإنهاء الحرب في السودان (3)
  • تصاعد نيران الحرب وضرورة وقفها
  • المقالات التي تعمل على تعزيز السلام والأمن على أرض السودان
  • حسين علي: مشكلة الزمالك «الإدارية والمادية» سبب في عدم انتقالي للأبيض
  • قوات الدعم السريع، من الذي أنشأ الوحش حقًا؟ لا هذا ولا ذاك، بل هو اختراق استخباراتي مكتمل الأركان