يمتلك الجنرال عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، سلسلة طويلة من التصريحات المتناقضة، تظهر أحياناً على مستوى أقواله، وتارات يدحضها بالأفعال!!

الخرطوم: التغيير

يُعد قائد الانقلاب في السودان، قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان أحد القادة الذين مروا على حكم البلاد إثارة للارتباك، بفضل قدرته على بث القول بالشيء ونقيضه.

ويمتلك الجنرال البرهان، سلسلة طويلة من التصريحات المتناقضة، هذه التناقضات تظهر أحياناً على مستوى أقواله، وتارات يدحضها بالأفعال، وعلَّ أبرز ما يجيئ في هذا السياق، هو إطاحته بحكومة انتقالية واعدة بقيادة المدنيين في أكتوبر 2021، رغم أنه قبيل ساعات من انقلابه، كان يؤكد للقادة الغربيين بأنه داعم رئيس للتحول الديمقراطي.

وبالقفز إلى الحرب الجارية بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، منذ منتصف أبريل الماضي، واصل البرهان هوايته في بث التصريحات التي قبيل أن تتخلق إلى مواقف، يسارع ويجهضها بأخرى مغايرة.

في أول خروج صحفي له بعد بدء الاشتباكات مع الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وصف البرهان الحرب الجارية بـ”العبثية” ولكنه رغم ذلك ما فتئ يعلن إصراره على حسمها بصورة عسكرية.

تمتد سلسلة التناقضات، لتضم أقواله بأنه سيقود العملية العسكرية من داخل القيادة العامة، ولن يخرج من هناك إلا منتصراً أو على نعش، ثم بعد عدة أشهر خرج تاركاً القيادة تحت حصار قوات صديقه القديم، وعدوه الحالي، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي).

ولكن أكثر مواقف الجنرال إرباكاً، المتعلقة بأقواله بأن الجيش ماضٍ في حل الأزمة الناشبة عبر عملية قتالية ستستمر حتى آخر جندي من قواته، يتبع ذلك بحديث عن إيمانه بالتفاوض كوسيلة لتجاوز حقيقة أبريل القاسية التي يعاني المدنيون وطأتها لقرابة الستة أشهر.

آخر ظهور

وبعد أشهر من الاختفاء، عوض البرهان غيابه بقائمة طويلة من عمليات الظهور العلاني، بعضها في ثوب القائد العسكري والبعض الآخر في هيئة الرجل السياسي، كان آخرها ظهوره في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، تبع ذلك سلسلة من المقابلات التلفزيونية، ما يطرح تساؤلاً: بأي لسان يتحدث الجنرال حالياً؟ ولماذا؟.

وحاول البرهان في خطابه أمام الجمعية العامة، الظهور بمظهر القائد الحادب على مصالح بلاده ضد مليشيا إرهابية تعمل على طمس هوية وتاريخ السودان، والتأسيس لمشروع استئصالي يقوم فوق جماجم السودانيين.

وينطوي حديث البرهان عن قوات الدعم السريع على بعض الصحة، إذا ما جرى قراءة ذلك بالانتهاكات الفظيعة التي وقعت سيما في إقليم دارفور غربيِّ البلاد، ولكن هذا الحديث يتغافل عن حقيقة تورط الطرفين في الصراع، إذ تتكاثر الاتهامات للجيش بارتكاب جرائم ضد المدنيين، تشمل ضرب أعيان مدنية، وقصف لبيوت المواطنين.

ورغم إنكار الطرفين، للضلوع في الانتهاكات، تقول السجلات بمقتل آلاف المدنيين، وتشريد ما يزيد عن 5 ملايين منهم، منذ بدء العملية العسكرية في السودان.

لسان الخارج

تعكس أحاديث البرهان أمام الجمعية العامة، وما تبعها ميلاً غير خاف لإنهاء الحرب عبر التفاوض.

فمثلاً قال في مقابلة مع (بي. بي. سي)، إنه “مستعد للحوار مع حميدتي لإنهاء الحرب”، ولكنه في ذات المقابلة قال إن “الجيش قادر على حسم المعركة عسكرياً”.

وعلى هذا المنوال سارت بقية مقابلاته، بين التفاوض والحسم.

اتساق

ما يمكن وصفه بالتناقض في خطابات البرهان، فسره أحد مستشاريه المقربين، العميد الطاهر أبو هاجة، في وقتٍ سابقٍ بأنه امتثال لمقولة لـ”كل مقام مقال”.

ورأى أبو هاجة أن مخاطبة الجنود التي تقتضي رفع المعنويات ودرجة الحماس تختلف عن الحديث الدبلوماسي للمبعوثين والسفراء، وتختلف عن مخاطبة الساسة.

ويفسر المحلل السياسي، إبراهيم خليفة، بأن تصريحات البرهان التي قد تبدو- للعيان- متناقضة، تتسق مع شخصيته النزّاعة للبقاء في السلطة، من خلال تكتيك يعتمد على حشد الحلفاء.

ويقول: كيف نفسر ما رشح عن عدم ممانعته لإقامة دولة علمانية، فيما يقاتل عناصر الحركة الإسلامية المحلولة في صفوف الجيش، ليس بصورة فردية، ولكن عبر كتائب معروفة للجميع، وضرب مثلاً بكتيبة (البراء بن مالك) التي شارك بعض عناصرها في قمع الحريات والتحركات المطالبة باستعادة الحكم المدني، وتورط بعض قادتها مع تنظيمات إرهابية خارج الحدود.

وعودة إلى السؤال الأبرز، إن كان البرهان مع المفاوضات أمام المضي قدماً في الحرب؟ يقول خليفة إن ذلك يعتمد على أي من الخيارين يبقي الرجل على رأس السلطة أو ضمن هيئاتها، على الأقل خلال الفترة المقبلة.

وختم بالتنبيه إلى نقطة مهمة ذات صلة بأن تارجح البرهان بين الخيارين يعكس عدم قناعة بأن الحل العسكري بعيد المنال، مطالباً باستثمار هذه التصريحات لدفع الرجل إلى طاولات المفاوضات.

قراءة واقعية

لا يخفى على أحدٍ أن البرهان يفضل الحسم العسكري، كونه يضمن له الانفراد بالسلطة، والتخلص من خصومه المؤيدين للحكم المدني، وتحصين كل ذلك بسياج من القوى الخارجية والأحزاب غير المؤمنة بالديمقراطية.

ولكن رغم ذلك، تعكس أحاديث الجنرال الأخيرة، النزاع الداخلي بين الجنرال والسياسي.

ولكن بوضع ذلك كله، في سياق تطاول أمد الحرب وعجز طرفيها عن الحسم العسكري، وتنامي الجبهة المدنية المؤيدة للخيار السلمي؛ زد على ذلك ظهور المحكمة الجنائية الدولية على الخط، وحديثها عن إمكانية ملاحقة قادة الطرفين؛ يمكن القول إن الخيار السلمي بات أقرب من أي وقت مضى، هذا إلا أن أراد البرهان وحميدتي هد المعبد فوق رؤوس الجميع.

الوسومالأمم المتحدة الجيش الدعم السريع السودان الطاهر أبو هاجة عبد الفتاح البرهان محمد حمدان دقلو (حميدتي) نيويورك

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأمم المتحدة الجيش الدعم السريع السودان عبد الفتاح البرهان محمد حمدان دقلو حميدتي نيويورك الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الحل لمواجهة المليشيا هو تعبئة الشعب وتسليحه ليحمي نفسه ويدافع عن أرضه وعرضه

الأرض لا تذهب إلى أي مكان وستعود. الذي لا يعود إن فقدته هو جيشك.
في بداية الحرب كنا في وضع سيء للغاية؛ المليشيا كانت تسيطر على معظم العاصمة بما يغنيها عن مهاجمة أي ولاية وكانت تستهدف تدمير الجيش والسيطرة عليه. في تلك اللحظات لم نكن نملك رفاهية لوم القيادة وتخوينها لأن القيادة كانت محاصرة ويمكن أن تسقط في أي لحظة. كما أننا لم نكن نملك رفاهية التشكيك في الجيش وقدراته. كان الجيش يمكن أن يهزم وتتحقق مخاوف أسوأ المتشائمين؛ تسقط المدرعات والذخيرة والقيادة والمهندسين ووادي سيدنا وبقية المعسكرات وينتهي كل شيء.

ولكن رغم تفوق المليشيا صمد الجيش وتحطمت المليشيا. وذلك لم يكن نصرا مجانيا. هناك أرتال من الشهداء بذلوا أرواحهم. من يسخرون من تحرير قلب أم درمان والتحام المهندسيين وكرري يتجاهلون المئات من الشهداء الذين ارتقوا من أجل ذلك.

الجيش يقاتل في الفاشر وفي الأبيض وفي بابنوسة وفي الجزيرة وسنار وسيظل يقاتل في مكان حتى النصر بإذن الله.

نخسر المعركة والحرب ونخسر البلد عندما نخسر الجيش؛ عندما لا يكون لديك جيش يقاتل تكون قد خسرت كل شيء.

المليشيا تظل مجرد مليشيا من الأوباش المرتزقة والخونة تستغل الثغرات والنقاط الرخوة ومكامن الضعف.

موجة الاستياء والغضب على الجيش سببها الأساسي هو حالة الذعر من انتشار المليشيا في المدن والقرى والتنكيل بالمواطن الأعزل. المليشيا تهاجم المناطق الأضعف وتحدث حالة من الهلع والرعب في المواطنين ينتج عنها تهجير ونزوح جماعي ينتج عنه ضغط وسخط على الجيش؛ وليس خسارة الجيش لمعركة أو لموقع في حد ذاتها. بمعنى، لو لم يكن الضرر الذي تسببه المليشيا في المواطن الأعزل بهذا الشكل لما كانت ردة الفعل ضد الجيش كما هي الآن.

وعلى أية حال؛ يجب أن نبدأ من نقاط القوة التي لدينا ونبني عليها، لا من نقاط الضعف. على العكس مما يبدو للبعض، أهم نقطة قوة نملكها الآن هي هذا الجيش الذي يقوده القائد العام الفريق البرهان. حب البرهان أو كراهيته والتشاؤم به أمور عاطفية لا قيمة لها. نعم يمكن ويجب توجيه النقد للبرهان وللقوات المسلحة ولكن نقد موضوعي ومعه تصورات للحلول. ما يجب أن نبدأ منه هو الشيء الملموس والذي يمكن التعامل معه وهو قيادة الدولة والجيش نفسها ممثلة في البرهان. أضغط عليها طالبها بخطوات وإجراءات عملية لكي تقوم بها وتترجم إلى انتصار. ولكن مجرد التشاؤم بكون البرهان زار هذه المنطقة إذن ستسقط أو البرهان خائن يريد تسليم البلد هذه طفولية لا تقدم أي شيء.

الحل لمواجهة المليشيا هو تعبئة الشعب وتسليحه ليحمي نفسه ويدافع عن أرضه وعرضه. كل المدن والمناطق المهددة يجب أن يتم تسليحها لتصمد وتدافع. هذا ما يجب أن يفعله البرهان أو أي قائد لو حل محله. وكذلك تكوين حكومة تنفذ وتقود استنفار وتعبئة الشعب وتسليحه بالإضافة إلى عملها في إدارة الدولة.

بالنسبة للجيش وإدارة المعركة من الناحية العسكرية هذا أمر يفهمه قادة الجيش وضباطه الذين يملكون المعلومات والمعرفة اللازمة لتقييم الوضع. إذا كان الرأي العام داخل الجيش وبناء على معطيات حقيقية هو أن المشكلة في قيادة البرهان بالذات، ففي هذه الحالة من الناحية السياسية يجب تكوين مجلس عسكري جديد يمثل كل وحدات الجيش وبشكل سلس بدون مغامرات غير محسوبة.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الكلام ده اكبر من البرهان واكبر من حميدتي … لكن الله اكبر
  • سيحاصرك الموت غدا!!
  • “إلا بعزة”.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • سيحاصرك الموت غدا !!
  • البرهان يحدد شروطا للتفاوض مع الدعم السريع.. وتوسع في خطة مساعدة السودان
  • الحل لمواجهة المليشيا هو تعبئة الشعب وتسليحه ليحمي نفسه ويدافع عن أرضه وعرضه
  • تعامل الفريق البرهان والقيادات العسكرية المحيطة به مع أزمات السودان الحالية لن تفلح قطعاً
  • إلا بعزة.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • ???? الجيوش والفرق التي لا يزورها البرهان هي التي تنتصر
  • بعد أن يسدل الستار علي الحرب العالمية الثالثة في السودان يمكن اجراء مناظرة سياسية بين الجنرالين