تخريمات وتبريمات حول الحل والبديل
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
الحل شِنُو؟...
و البديل منو؟...
سؤالان تقليديان توارثتهما الشعوب السودانية عبر العقود ، و تكثر العودة إليهما و ترديدهما كلما أصبحت الأزمات و الفشل و العجز و الإحباط و ملاحقهم واقعاً يعشعش/يقيم/يستوطن البادية السودانية و الحضر ، و يزداد الإستخدام وتيرةً كلما إدلهمت الخطوب و تعقدت و سآءت الأمور السياسية/الإقتصادية/الإجتماعية في بلاد السودان و جَاطَت ، و يتحول الإستخدام إلى إستنكار و أقرب إلى السخرية من السآئل/السآئلين إذا ما تَخَرمَجَت الأمور و تَلَولَوَت و تَتَلتَلَت.
حاشية:
الفعل تَخَرمَجَ يعني عدم الإنتظام ، أما الفعلين تَلَولَوَ و تَتَلتَلَ فهما مشتقان من اللَّولَوَة و التَّلتَلَة و تفيدان التعقيد المركب و الصعب...
و السؤلان مرتبطان إرتباطاً وثيقاً و مكملان لبعضهما البعض و لا ينفصلان ، و الشاهد هو أن أصل/منبت السؤالين و جذورهما في بؤرة/تربة العجز و الفشل الحآد و المزمن الذي لازم الشعوب السودانية من النخب و الذين من دونهم منذ ميلاد الدولة السودانية المعاصرة ، و الحقيقة هي أن الشعوب السودانية قد عجزت تماماً عن إدارة الدولة السودانية بما يحقق العدالة و السلام و الإستقرار و يقود إلى البنآء و التنمية و من ثم مجتمعات الإنتاج و الكفاية و الرفاه ، و قد ذكرت المصادر العديدة و المؤرخون و المراقبون الكثر أن أمر العجز و الفشل السوداني قد سبق نيل بلاد السودان إستقلالها من المستعمر (الإحتلال) البريطاني ، و أنهما ، العجز و الفشل ، ما زالا يستوطان بلاد السودان إلى يومنا الماثل أمامنا هذا: حرباً و موتاً و دماراً و خراباً و نِقَةً في الفاضي و كمان محاصصات...
و يتجاهل/يجهل الكثير من السودانيين ، أو ربما أنهم لا يعلمون ، أن الحل و البديل لا يأتيان من فراغ ، و أن لا بدَ و لا مناصَ من أن يأتيا من قِبَلِهِم و بتدابيرهم/تدبيراتهم و مبادارتهم الذاتية أي بإيديهم و شديدهم ، و أن من الأفضل أن لا يأتيا بيد/بدبابة العسكري!!! ، فقد أثبتت التجارب أن العسكري و من قَبْلَهُ من الزملآء/الرفاق/الجماعة لا يأتي منهم فايدة أو خير أبداً!!!...
و يعتقد الكثير من السودانيون أن ما يجري و يحدث لهم و لبلادهم من فشل و إخفاقات هو قدرٌ مسطرٌ و مكتوبٌ ، و يستترون في إعتقادهم/عجزهم ذلك خلف ذريعة الإيمان بقضآء الله و قدره:
{ قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ }
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ٥١]
و أن من كُتِبَت عليه خطىً ، في اللوح المحفوظ ، مشاها ، و هذا صحيح ، لكن يبدوا أن كثير من السودانيين لا يعلمون ، أو أنهم حقاً يجهلون بعمدٍ أو بغيرِ عمدٍ ، أن القضآء لا يتم إعتباطاً ، و أنه و كيما يتحقق القضآء و يكون فلابد من أن تكتمل عناصر و أسباب/شروط الأقدار التي خلقها و أوجدها الله الخالق العزيز الحكيم ، و أن إكتمال عناصر الأقدار و المسببات/الشروط لا تتم و تكون إلا في وجود ملكة العقل و ممارسة تمارين التفكر و التدبر و الإدراك و التي هي من الأليات الأساسية لتفعيل قدرات/هبات الإرادة و الإختيار فيما أوجد الله سبحانه و تعالى للإنسان من نعم لا تعد و لا تحصى...
و هكذا فإن للإنسان مطلق الحرية في إستخدام ما وهبه له الله الخالق العظيم من مساحات الإرادة و الإختيار و ما زوده به من العلم و المعرفة و ملكة العقل و الإدراك:
{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِی بِأَسۡمَاۤءِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٣١]
{ وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن صَلۡصَـٰلࣲ مِّنۡ حَمَإࣲ مَّسۡنُونࣲ (٢٨) فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ (٢٩) }
[سُورَةُ الحِجۡرِ: ٢٨-٢٩]
{ إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن طِینࣲ (٧١) فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ (٧٢) }
[سُورَةُ صٓ: ٧١-٧٢]
كما أنه يملك حق الإرادة و الإختيار في تعطيل تلك الهبات الإلهية و الملكات:
{ وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡیُنࣱ لَّا یُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانࣱ لَّا یَسۡمَعُونَ بِهَاۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡغَـٰفِلُونَ }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ١٧٩]
{ أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَسۡمَعُونَ أَوۡ یَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِیلًا }
[سُورَةُ الفُرۡقَانِ: ٤٤]
{ أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبࣱ یَعۡقِلُونَ بِهَاۤ أَوۡ ءَاذَانࣱ یَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِی فِی ٱلصُّدُورِ }
[سُورَةُ الحَجِّ: ٤٦]
و يظن/يعتقد كثيرون أن جذور المشكلة/الأزمة المفضية إلى السؤالين تكمن في حقيقة أن قطاعات مقدرة من الشعوب السودانية قد عَطَّلَت ملكات العقل و التفكير و التدبر و الإدراك بإرادتها و أرادت ثم اختارت الجلوس في خانة عدم الفعل و منصة المتفرج ، و لا أقول الأنعام ، و لعدة عقود من الزمان ، و أن غالبية لا يستهان بها من الشعوب السودانية ما زالت في إنتظار الحل و البديل يأتيان من جهة الأماني أو من الزملآء/الرفاق/الإخوة في القوات المسلحة!!! ، فقد وثقت المصادر و دلت الشواهد على أن الكثير من السودانيين ما زالوا ينتظرون و هم يحلمون صَحيَانِين بقدوم:
١- العسكري المنقذ الحازم العادل القادم آخر الليل و بعد دور السينما التاني من خور عمر أو إحدى الثكنات العسكرية في العاصمة المثلثة!!! ، و على ظهور دبابات و مدرعات و حاملات جنود القوات المسلحة السودانية ليقرأ البيان الأول من إذاعة أم درمان معلناً ثورة الخلاص/الإنقاذ
أو
٢- المعجزة السماوية و سيف سيدنا علي الكرار محمول على أكف و أجنحة الملآئكة ، و ذلك إستجابةً لدعوات المظلومين و المقهورين من الشعوب السودانية
أو
٣- التدخل الأجنبي يجلب العدل و الإستقرار للبلاد و المن و السلوى و كذلك الدولار
و إذا ما رغبنا في الإجابة على سؤالي الحل شنو؟ و البديل منو؟ ، فلا بد من العودة و إعادة النظر و التأمل في قآئمة أمنيات و أحلام الشعوب السودانية لنرى إمكانية ذلك...
١- العسكري المنقذ الحازم العادل:
تجارب الشعوب السودانية مع حكم العسكر لبلاد السودان الذي فاق الستة و خمسون (٥٦) سنة من عمر بلاد السودان المستقلة البالغ سبعة و ستون (٦٧) سنة و زيادة لا تسر و لا تفرح بل أنها تَسَوِّي الهم و الغم و الجلطات و السكتات ، فحكم الطغاة من العسكر القادمين من ”رحم“ مؤسسة القوات المسلحة السودانية لم يورث بلاد السودان و شعوبها سوى: الفشل الذريع و التخلف المريع و التشظي و الأذى و أطنان من المشاكل و البلاوي المِتَلتِلَة...
و يتسآءل كثيرون كيف لعقلآءٍ التطلع إلى تجريب العسكري المجرب (الطاغي/المتجبر/الفاشل/الفاسد/القاتل... إلخ... إلخ...) ، خصوصاً و هم يعلمون علم اليقين أن المؤسسة العسكرية التي يحلمون/ينتظرون أن تنتج/تخرج لهم منقذاً حازماً عادلاً قد تمت مصادرتها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان من قبل تنظيم جماعةٍ متأسلمةٍ (الكيزان) ذات فكرٍ سياسي ضآل ، جماعة لا تؤمن بالأعراف و القيم الإنسانية و تنقصها الأخلاق ، و أن المؤسسة العسكرية و منذ إستيلآء الجماعة على السلطة في إنقلاب الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ ميلادية قد تمت كَوزَنَتَها (إفسادها) بالكامل ، و أنه قد تم تجريدها تماماً من العقيدة القتالية و كل القيم و المهنية و الإحترافية ، و أنها قد أصبحت مجرد مليشيا باطشة تابعة لتنظيم مهووس بالقتل و الدمار و الخراب و الإفساد...
و بالإختصار المفيد و تقريباً للمعاني و تسهيلاً للفهم فإن فاقد الشيء (القيم) لا يعطيه ، و إذا ما كانت الشعوب السودانية و ما زالت حَارِيَة العسكري المنقذ الحازم العادل فإن وَاضَتَها قد أصبحت مِطَيِّنَة و أمست و بقت سودآء و ذِي السَّكَنْ...
٢- المظلومون المقهورون المنتظرون الإستجابة الإلهية و المعجزة السماوية:
و صحيحٌ أن اللهَ هو المجيبُ المغيثُ:
{ أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَیَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَاۤءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَـٰهࣱ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ }
[سُورَةُ النَّمۡلِ: ٦٢]
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ }
[سُورَةُ غَافِرٍ: ٦٠]
لكنه هو الله عز و جل الذي أمرنا بالعزم و التوكل:
{ فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٥٩]
و أرشدنا إلى الأخذ بالأسباب:
{ وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِی ٱلۡقَرۡنَیۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَیۡنَـٰهُ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ سَبَبࣰا (٨٤) فَأَتۡبَعَ سَبَبًا (٨٥) }
[سُورَةُ الكَهۡفِ: ٨٣-٨٥]
و الأمثلة القرءانية على التوكل و الأخذ بالأسباب كثيرة...
و يبقى السؤال و ماذا فعلت الشعوب السودانية في مسألة الأخذ بالإسباب؟...
خصوصاً و أن التاريخ قد شهدَ و سطرَ و وثقَ أن الشعوب السودانية قد خنعت/سكتت/صمتت دهوراً على ما رأت بأم أعينها من أصناف و أشكال الطغيان و الإستبداد و الفساد و الفشل العسكري من لدن العقيد جعفر النميري إلى العميد عمر البشير ، بل أن قطاعات عريضة منها قد باركت و شاركت في تلك الأفعال المنكرة ، طلآئع خلاص و كتآئب جهاد ، رغم تردديهم و حفظهم لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، و ذلك أضعف الإيمان)
و يرى/يعتقد كثيرون أن الأجدر بالمؤمنين من الشعوب السودانية و الراغبين و أصحاب الإهتمام و عوضاً عن الإستغراق في أضعف الإيمان و الإنغماس في أحلام اليقظة و الأوهام أن يعيدوا قرآءات و تدبر بعض من الآيات القرءانية:
{ وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ }
[سُورَةُ الشُّورَىٰ: ٣٠]
{ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَیۡـࣰٔا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ }
[سُورَةُ يُونُسَ: ٤٤]
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِیُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمࣲ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ }
[سُورَةُ هُودٍ: ١١٧]
{ وَإِذَاۤ أَرَدۡنَاۤ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡیَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِیهَا فَفَسَقُوا۟ فِیهَا فَحَقَّ عَلَیۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَـٰهَا تَدۡمِیرࣰا }
[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ١٦]
٣- التدخل الأجنبي:
و لأن الإطالة في هذا الأمر سوف تؤدي إلى التكرار و الملل فالأفضل الإكتفآء بمقولة:
ما في دولة بتخدم و تساعد دولة أخرى عشان خاطر عيونها أو صدقةً جاريةً أو في سبيل الله أو من أجل الإنسانية...
و بعد كل هذا التخريم و التبريم فلا حل و لا مناص و لا بد من أن تجد الشعوب السودانية إجابة مقنعة للسؤالين و مخرجاً لأزماتها الحآدة و المزمنة بأنفسها و ضِرعَاتِها و إيدها و شديدها ، و أن تكف عن ممارسة أحلام اليقظة (المعجزة السماوية) ، و إستسهال الأمور (التدخل الأجنبي) ، و إختصار الطرق عن طريق قطع الزوايا و سلك الدروب الملتوية (العسكري المنقذ الحازم العادل) ، و أن تعلم أن المؤسسة العسكرية السودانية غآئبة تماماً في الوقت الحاضر ، و لكن يمكن إعادة مهنيتها و إحترافيتها (هيكلتها و إعادة صياغتها) إلا بعد إيقاف الحرب ، و أنها كمؤسسة قومية لم تهزم و لكنها أختطفت و أقعدت فعجزت عن الفعل ، أما مليشيات الجنجويد فإنهم لم و لن يفلحوا أبداً ، و لن يبنوا بلداً ، و ذلك لأنهم لا يعرفون أصلاً ما هو البنآء ، و ذلك لأنهم جبلوا على القتل و الحرق و الإغتصاب و النهب و السلب و الهدم و الدمار و الخراب...
و لقد تأكد و تيقن لكثيرين أن حل الأزمة السودانية الراهنة و إيجاد البديل ليس في البَلْ أو الجَغِمْ من قبل المتعطشين إلى القتل و سفك الدمآء و الخراب و الدمار من رَبَّاطَة مليشيات الجنجويد أو من مهووسي كتآئب البرآء/الجهاد/الظل/الدفاع الشعبي الذين إختطفوا القوات المسلحة ، و لا في الحرب الإلكترونية المستعرة بين غرف الجِدَاد (الدجاج) الإلكتروني الجنجويدية و الكيزانية ، فقد أزهقت أنفس كثيرة و بما فيه الكفاية و زيادة و ضاع من الجهد و الزمن الكثير ، مما جعلهم يتأكدون و يتيقنون أن الحل و إيجاد البديل يبدأ بإيقاف الحرب ، و أن الأمر ليس باليسير أو الساهل ، و أنه جد عسير و يستغرق الكثير من الزمن و يتطلب أطنان من الصبر و الجلد و طولة البال...
و قد مل صاحبنا من الإعادة و من دعواته المتكررة إلى أن الحل الدآئم (قصير و طويل المدى) في التغيير و في إعادة صياغة الإنسان السوداني عن طريق التربية و الفَرمَتَة ، كما أن صاحبنا قد خجل كثيراً و استحى من ترديد المثل الشعبي:
ما فيش حلاوة من غير نار...
و من تفسيراته للمثل القآئل:
ما حكَ جلداً مثل ظفرك...
و يعتقد صاحبنا بأن المثل الأخير و فيما يخص الثورة السودانية يعني أن الحل و البديل لا يأتيان إلا من قبل شباب الثورة أنفسهم الذين هم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير ، و الذين مكتوبٌ عليهم أن يعيشوا المستقبل و أن يُشَكِّلُوه بما يريدون و يشآءون و حسب مزاجهم ، مستخدمين في ذلك ملكات العقول المتوفرة لديهم بكثرة ، خصوصاً و أنهم قد مارسوا من قبل ، و في خجلٍ ، تمارين: العقل و التفكر و التدبر حواراتٍ و مبادراتٍ و وثآئقَ و مواثيق و تحالفاتٍ و أرآء مشهودة و موثقة أبانت وعيً شبابياً عظيماً يسعد القلب كثيراً و يطمئن البال على مستقبل بلاد السودان ، و أنها في أيدي أمينة و فاهمة...
و قد أدرك شباب الثورة من وقتٍ مبكر أن السلام و السلمية قادران على هزيمة أعتى الديكتاتوريات و كل قوى الظلم و الطغيان و الجبروت و البطش ، مما يعني أن الحل و البديل قد يأتيان عن طريق الحوار و السعي في طريق السلم و إيقاف الحرب و التفاوض حول الطرق العملية التي تساعد على خلق الإستقرار و تفعيل القانون و تنفيذ العدالة ثم الإنصراف إلى العمل و الإنتاج ، أما إذا ما فشل مسعى و إستراتيجية:
{ وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ }
[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٦١]
فليس بدٌ و مناصٌ من البحث عن الحل و البديل في دروب القتال و خيارات الكفاح المسلح ضد جميع قوى الظلم و البغي و العدوان دون فرز ، و حديد يلاقي حديد...
و الشاهد هو إن كلا الأمرين الخيارين شآقٌ و شديدُ التعقيد ، خصوصاً و أن الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان و الصراع الحالي قد إتخذتا منحىً شديد اللَّولَوَة (الإلتوآء) ، و سلكت مسلكاً كله تضاريس و ضِرِيسَّة و دِحدِيرَات و حفر مليانة عقارب و دَبَايب (ثعابين) ، و مما يفاقم الأمر كثيراً و يزيده سوءً أن المعيشة و الكِيمَان قد تم فرزهما على خطوط و هدي الجهة و القبيلة و العرق...
و رغم ذلك فإن الصبر مفتاح الفرج ، و أن ليس بعد الضيق إلا الفرج ، و أن الله غالب ، و هو نصير العازمين المتوكلين الآخذين بالأسباب...
و قد يأتي نفرٌ جليلٌ من جماعات الحلول الجاهزة المغرمين بكتيبات دليل الخطوات و سبل الإرشاد و مفتاح الخريطة التي تُفَصِّلُ كيفية الوصول إلى الكنز يقرأون الفقرات أعلاه يبحثون عن بنود الحل و إسم البديل و صفاته ، و ربما يجنح بعضٌ منهم إلى وصف الفقرات بأنها كلام ساكت و خارم بارم ، و أنها لم تقدم حلولاً و تفتقر إلى التفاصيل ، و لهم الحق في ذلك فالأمر عقلٌ و تدبرٌ و إرادة و إختيار ، و التفاصيل ، كما يرى/يعتقد صاحبنا ، هي من صميم مسئولية الثوار و من منطلق و مبدأ أن لا وصاية من أحد على أحد ، خصوصاً إذا كان هذا الأحد المُوَصِّي زمانو فات و غَنَّايُو مات ، كما أنه ليس من المطلوب أو بالضرورة التوافق التآم أو أن يوافق شنٌ طبقة ، فسنة الحياة في الإختلاف:
{ وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ }
[سُورَةُ هُودٍ: ١١٨]
{ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَلَـٰكِن یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ }
[سُورَةُ النَّحۡلِ: ٩٣]
و المغزى من هذا التمرين البسيط هو ممارسة حرية إبدآء الرأي و محاولة لإعادة قرآءة و فهم حكمة اللواري السفرية الخالدة:
العفش داخل البص على مسئولية صاحبه!!!...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوات المسلحة ة العسکری الکثیر من أن الحل ع ل ى ٱل إذا ما من قبل
إقرأ أيضاً:
استراتيجية «السلام بالقوة» وممانعة الشعوب
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية في يناير 2025، اتضح سريعاً أن السياسة الخارجية الأمريكية تسير على نهج أكثر صرامة ووضوحاً في إعادة تعريف مفهوم «السلام»، لا بوصفه، بحسب أدبيات التطبيع، عمليةً سياسية تقوم على التفاوض والتنازلات المتبادلة، بل كأداة للإخضاع وفرض الأمر الواقع. فقد جاء ترامب هذه المرة بفريق أكثر انسجاماً مع فكرته القديمة-الجديدة: السلام بالقوة (Peace by Force)، يتقدّمه وزير خارجيته ماركو روبيو، المعروف بتشدّده حيال قضايا الشرق الأوسط، ومعه نخبة من المستشارين الأمنيين والعسكريين الذين يرون أن الإكراه العسكري والاقتصادي هو الطريق الأقصر إلى الاستقرار.
وبموازاة ذلك، واصل رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمسكه بعقيدة «السلام مقابل السلام»، أي نفي مبدأ المقايضة السياسية، ورفض أي التزامات تجاه الفلسطينيين أو العرب، سواء انسحاباً من الأراضي المحتلة أو قبولاً بحل الدولتين. هذه التوأمة بين ترامب ونتنياهو ـــ في نسختيهما الأشد تطرفاً ــــ هي ما شكّل الموجة الجديدة من «السلام القسري»، التي لا تكتفي بنفي حقوق الشعوب، بل تسعى إلى فرض الاستسلام عليها من بوابة القوة العارية.
لكن هذه الإستراتيجية ـــ وإن بدت ناجحة في ظاهرها من حيث إبرام اتفاقيات أو تحالفات إقليمية ــــ تغفل عاملاً حاسماً: رفض الشعوب للخضوع القسري، خصوصاً حين يمسّ كرامتها وهويتها التاريخية. وهو ما ظهرت مؤشراته بوضوح في فلسطين ولبنان وإيران وسوريا، بل حتى في بعض الدول العربية المطبعة.
من »صفقة القرن« إلى »سلام الأمر الواقع«
لم تكن إستراتيجية «السلام بالقوة» وليدة الولاية الثانية لترامب، بل تعود جذورها إلى «صفقة القرن» التي طرحها في ولايته الأولى، والتي صاغها صهره جاريد كوشنر. إلا أن الفرق الجوهري أن فريق ترامب الجديد في 2025 لم يعد يتحدّث بلغة الصفقة ولا حتى التسوية، بل بلغة فرض المعادلة الجديدة بالقوة، من دون الحاجة إلى أي تغليف ديبلوماسي.
فماركو روبيو، الذي تولى وزارة الخارجية، دائماً ما عبّر عن موقفه الرافض لحل الدولتين، ودعوته إلى تعزيز «الردع الإسرائيلي»، مؤكّداً أن «السلام لا يأتي بالمفاوضات بل بإسكات الطرف الآخر». إلى جانبه، وقف مستشارو الأمن القومي الجدد الذين يميلون إلى الصقورية الكاملة، ناظرين إلى أن الشرق الأوسط لا يفهم سوى منطق القوة، وأن دعم إسرائيل في سحق معارضيها، سياسياً أو عسكرياً، هو الطريق الأقصر لترسيخ الهيمنة الأمريكية.
وقد انعكست هذه العقيدة في دعم مطلق لحملة نتنياهو في غزة ولبنان وسوريا، ورفع الغطاء عن أي نقد دولي للجرائم المرتكبة بحق المدنيين، بوصفها «أثماناً ضرورية» لتحقيق الاستقرار.
السلام مقابل السلام
منذ منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، ومع صعود نتنياهو، تخلّت إسرائيل عملياً عن منطق «الأرض مقابل السلام» الذي شكّل أساساً لمؤتمرات مدريد وأوسلو، لتنتقل إلى معادلة أكثر تطرفاً: «السلام مقابل السلام»، أي تطبيع العلاقات دون تقديم أي شيء في المقابل. هذه المعادلة ما كانت لتترسّخ لولا الغطاء الأمريكي الصلب، والذي بلغ ذروته مع إدارة ترامب الثانية، حيث لم تعد واشنطن ترى في الاحتلال أو الاستيطان عوائق للسلام، بل تحسبهما من عناصر السيادة الإسرائيلية.
تراهن واشنطن وتل أبيب على أن الشعوب منهكة، وأنها باتت تفضّل الخبز على الكرامة، والصمت على المقاومة، ولكن الوقائع تثبت غير ذلك
ووفقاً لهذا المنطق، لم تعد إسرائيل ملزمة حتى بإطلاق مفاوضات شكلية مع الفلسطينيين. فالمطلوب ليس سلاماً سياسياً، بل إخضاع تام يفرضه تفوق عسكري – اقتصادي مدعوم أمريكياً. وهذا هو جوهر السلام بالقوة. وقد طبّق الكيان الإسرائيلي عقيدته السياسية القائمة على أساس السلام بالقوة، في غزّة ولبنان وسوريا.
غزة.. سحق الإرادة بالصواريخ
بعد العمليات التي شنّتها المقاومة الفلسطينية في 2023، شنّت إسرائيل واحدة من أعنف الحروب على غزة، بدعم أمريكي غير مسبوق من إدارة ترامب الجديدة. الحملة لم تكن تستهدف فقط الردع، بل سحق الإرادة الشعبية، وتدمير أي بنية تحتية يمكن أن تُبقي على المقاومة حيّة.
منطق هذه الحرب لم يكن عسكرياً صرفاً، بل نموذجاً عملياً لإستراتيجية السلام بالقوة: أن يُجبر سكان غزة على الرضوخ بسبب انعدام الخيارات، وأن يُفرض على الفلسطينيين «سلام الأمر الواقع» بعدما يُمحى كل أثر للمقاومة. لكن النتيجة كانت مغايرة. فرغم الدمار الهائل، لم تنهَر الروح الجمعية، بل أثبت المجتمع الفلسطيني أن الكرامة لا تُشترى بالقصف، وأن الذاكرة التاريخية لا تموت تحت الأنقاض.
لبنان.. تصفية معادلة الردع
على الجبهة الشمالية، سعت إسرائيل ــــ مدفوعةً بمنطق ترامب وروبيو ــــ إلى إسقاط معادلة الردع مع حزب الله، التي ثبتت منذ 2006، فشنّت سلسلة اغتيالات وهجمات جوية، واستعدت لمعركة قد تكون شاملة. الهدف هنا لا يتوقف عند حدود الردع العسكري، بل يمتد إلى تغيير المعادلة السياسية في لبنان، وإنهاء أي قدرة على الممانعة، وفرض منطق الهيمنة الكاملة.
لكن المجتمع اللبناني، رغم انقساماته، لا يزال يتمسك بفكرة السيادة، وأن الانهيار الاقتصادي لم يلغِ الوعي بأن ما يُراد للبنان ليس السلام، بل استسلام باسم الاستقرار.
سوريا.. هندسة شرق أوسط جديد بالنار
في سوريا، استغل الكيان الإسرائيلي الغطاء الأمريكي المطلق لتصعيد غاراته، وتصفية كل ما يعدّه «تهديداً إستراتيجياً». وسكتت إدارة ترامب عن كل تلك الهجمات، بل وفّرت لها غطاءً سياسياً في المحافل الدولية. الغرض من ذلك لم يكن مجرد منع التموضع الإيراني، بل إعادة هندسة الخريطة الجيوسياسية لسوريا والمنطقة، عبر إرغامها على البقاء خارج «محور المقاومة»، والقبول بوضعية خاضعة. ليس مستغرباً أن تكون 200 غارة إسرائيلية على سوريا خلال يومين لا صلة لها بحوادث السويداء، بحسب الإعلام العبري.
لكن هذا الهدف لم يتحقق بالكامل، نظراً إلى تشابك المعادلات الإقليمية، وصعوبة فصل سوريا عن محيطها المقاوم، رغم كل الضغوط.
ممانعة الشعوب.. العامل الحاسم
تراهن واشنطن وتل أبيب على أن الشعوب منهكة، وأنها باتت تفضّل الخبز على الكرامة، والصمت على المقاومة. لكن الوقائع تثبت غير ذلك. فالشعوب التي قد تقبل مؤقتاً بالحرب الناعمة، لا تلبث أن تثور حين يُطلب منها القبول بالإذلال، وهذا ما حصل في غزة، ولبنان، وسوريا، وما يلوح في الأفق حتى في المجتمعات المطبّعة.
فالسلام القسري لا يبني شرعية، بل يعمّق الاحتقان، ويحوّل الهدوء الظاهري إلى قنبلة موقوتة، ولا يمكن لقوة عسكرية، مهما بلغت، أن تُخضع الذاكرة الجمعية لشعب، أو أن تطمس معنى الحق.
سوف يكتشف المراهنون على «القوة العارية» لفرض الاستسلام فشل رهانهم، وهذا الفشل يعود إلى عدم إدراك المعنى الثقافي والحضاري والنفسي العميق للكرامة. حين يُفرض «الاستسلام» من طرف واحد، وتُجرد الشعوب من كرامتها وتاريخها، فإنه قد يتحول إلى تهدئة شكلية، أو إلى هدنات مؤقتة تنهار عند أول اختبار.
إنّ إدارة ترامب، في ولايته الثانية، تُعيد إنتاج منطق استعمار القرن التاسع عشر، القائم على «جلب الحضارة بالقوة»، ولكن هذه المرة تحت مسمّى «السلام». وهو منطق تجاوزه التاريخ، ولا يمكن أن يصمد أمام عناد الشعوب.
إنّ العقيدة الجديدة التي تبنّتها إدارة ترامب الثانية، بالتحالف مع اليمين الإسرائيلي، تقوم على وهم كبير: أن السلام يمكن أن يُفرض من فوهة البندقية، وأن الشعوب يمكن أن تُروّض بالقهر الاقتصادي والعسكري. لكن التاريخ في منطقتنا، من فلسطين إلى لبنان وسوريا، علّم الجميع أن الكرامة لا تموت بالقوة، وأن الهوية لا تُستبدل بصفقات.
وقد يحقّق الكيان الاسرائيلي انتصارات تكتيكية، وقد تنجح إدارة ترامب في توقيع اتفاقيات شكلية، ولكنها لن تصنع سلاماً حقيقياً. لأن هذا السلام، في جوهره، استسلام. وإنّ قدر شعوب هذه المنطقة المقاومة.