(في الرد على المقال السادس للدكتور صديق الزيلعي)
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
abusaeeda1966@gmail.com
نعم لجبهة قاعدية واسعة، تبنى على أساس برنامج الثورة، وترفض الشراكة "نعم لتفكيك التمكين، لا للشراكة معه و إصلاحه"
في مقاله الخامس في الرد على أحد مقالاتي المنشورة، والذي عنونه "أولوية وضرورة تكوين أوسع جبهة لإيقاف الحرب "، ذكر صديقي د. صديق الزيلعي ما يلي:" الرفاق في تيار التغيير الجذري، وفي مقدمتهم الصديق والمفكر الشاب أحمد عثمان يصرون على أشياء في دماغهم، بعيدة عن الواقع، ويبنون تحليلاتهم عليها.
ما ذكره من أسباب لنفي أن قوى الحرية والتغيير (قحت) تعمل على إصلاح التمكين بدلاً من تفكيكه، لا يصلح لرد تهمة إصلاح التمكين بدلاً من تفكيكه لما يلي من أسباب:
1. ما أورده عن تأسيس لجنة التمكين ودورها يؤكد الدور الإصلاحي للتمكين بدلاً من تفكيكه. فاللجنة مكونة إستناداً إلى قانون شرع بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة، التي أسست لشراكة كاملة مع التمكين وذراعه الضاربة اللجنة الأمنية للإنقاذ، وأعطتها اليد العليا و أخرجتها من سلطة الحكومة شبه المدنية، مما يجعل أي كلمات واردة بالقانون نفسه أو حتى بالوثيقة الدستورية مجرد كلمات لا أثر لها في أرض الواقع والتجربة أثبتت ذلك.
2. لجنة تفكيك التمكين لم تستطع تفكيك التمكين الأساسي وهو سيطرة اللجنة الأمنية على السلطة عبر شراكة الدم، وهيمنتها على 82% من الإقتصاد، وسيطرتها على العملية السياسية، والدلالة على ذلك ما نقله د. صديق نفسه من ورشة رئاسة مجلس الوزراء أعلاه "ضرورة ان يشمل التفكيك كل أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة النظامية لإحداث التحول الديمقراطي". فكيف تكون اللجنة للتفكيك وليس للإصلاح وهي لم تشمل الأجهزة النظامية – هذا إذا إعتبرنا أن المصطلح يشمل الجيش والجنجويد و الأمن والشرطة وغيرها- حتى قبل شهر واحد من إنقلاب اللجنة الأمنية للإنقاذ الثاني بعد إنقلاب القصر؟
3. كل ما قامت به لجنة التفكيك تم مسحه والقضاء عليه بأحكام القضاء المسيس غير المستقل التابع للإنقاذ، والذي لم تتمكن لجنة التفكيك من إصلاحه ناهيك عن تفكيك التمكين فيه. وهذا يثبت أن الشراكة مع اللجنة الأمنية للإنقاذ لم تكتف بمنح الهيمنة على السلطة التنفيذية للتمكين، بل سمحت بهيمنته على السلطة القضائية، وبإختطافه للسلطة التشريعية بمساعدة ومشاركة (قحت)، فكيف تكون (قحت) عاملة من أجل التفكيك في هذه الحالة؟ هي في أحسن صورها عملت للإصلاح وفشلت فيه كما أثبتت التجربة العيانية لا بعض النصوص الواردة في وثائق أو ورش لا أثر لها في الممارسة ولا علاقة لها بطبيعة شراكة مقننة بنص الوثيقة الدستورية المعيبة، كل ما هو أدنى منها لا أثر له على الحياة السياسية أو الواقع العملي، ولا يصح معارضتها بأي وثائق أدنى منها أو مقررات واردة في ورش.
4. الإتفاق الإطاري مفروض على شعبنا من القوى الاستعمارية، وهو وثيقة تم التوصل إليها عبر تفاوض تم ضد إرادة شعبنا وقواه الثورية الذي كان يقدم الشهداء رفضاً لهذا التفاوض ورفضاً للتسوية والشراكة الناتجة عنه حتى حدوث الإنقلاب الأخير. وهو إتفاق سبقته مسودة الدستور المنسوب للجنة تسيير نقابة المحامين والذي نص على الكثير من النصوص التي وردت لاحقاً بالإتفاق، وتم الإثنان برعاية الآلية الدولية برئاسة فولكر ولم يتما عبر نقاش شعبي جماهيري أو بمشاركة الحركة الجماهيرية. وهو مفروض حتى على اللجنة الأمنية للإنقاذ التي إضطر فصيل منها لإشعال الحرب لتفادي الإتفاق الأخير الناتج عنه وشهادة قائد الجنجويد على إصرار الدول الإستعمارية عليه بعد الإنقلاب الأخير توضح من هو وراء هذا الإتفاق. فوق ذلك، هذا الإتفاق ناهضته جماهير واسعة بقيادة لجان المقاومة التي تمثل الثورة، وسعت الآلية الدولية للدول الإستعمارية المهيمنة على مجلس الأمن على تمريره وفرضه، مثلما سعى الأمين العام لفرض إتفاق برهان/ حمدوك المشرعن للإنقلاب الأخير عبر مباركته علناً.
5. نص الإتفاق على أن " السلطة الانتقالية سلطة مدنية ديمقراطية كاملة دون مشاركة القوات النظامية"، لا يعني أنه غير مفروض على شعبنا، لأن هذا النص نفسه غير صحيح متناقض ومخالف لنصوص أخرى واردة بالإتفاق نفسه. فالسلطة الإنتقالية يستحيل أن تكون سلطة ديمقراطية ، لأن الدستور الذي تكونت على أساسه غير ديمقراطي من حيث وسيلة تشريعه (دستور منحة بالحتم)، ولأن محتواه لابد أن يحتوي على شرعية ثورية تفكك وتقصي وتستبعد، ولأن مؤسساته التنفيذية والتشريعية لا تأتي بالإنتخاب، ولأن سلطته القضائية لا يمكن أن تصبح مستقلة إلا بإعادة هيكلة سياسية تمس مبدأ إستقلال القضاء في حال أخذه بشكل أكاديمي. كذلك الإتفاق نفسه نص على جسم دستوري غريب هو مجلس الأمن والدفاع، يرأسه رئيس مجلس الوزراء المدني ويخضع لقراراته حتماً، وهو مجلس سلطاته غامضة ، تهيمن عليه اللجنة الأمنية للإنقاذ وحلفائها ، ويمثل أصل الشراكة المستمرة ومركز السلطة الفعلي بموجب هذا الإتفاق. وهو أيضاً أخرج الجيش والجنجويد من سلطة الحكومة المدنية الإنتقالية، وجعل إصلاحهما في يدهما، وجعل من السلطة مجرد واجهة بلا سلطة فعلية وبلا حق في إحتكار إستخدام العنف الذي بقي فعلياً في يد اللجنة الأمنية للإنقاذ، وكل هذا ضد إرادة شعبنا وقواه الثورية الرافضة للإتفاق بمليونيات إستمرت في تقديم الشهداء. فمن كان يريد فرض هذا الإتفاق المشرعن للجنجويد و المؤسس لشراكة دم جديدة على شعبنا، (قحت) واللجنة الأمنية للإنقاذ وحدهما أم بضغط ورعاية وتوجيه الدول الإستعمارية؟.
ما تقدم يؤكد أن ما ذكره د. صديق من أسباب لنفي أن (قحت) تسعى لإصلاح التمكين بدلاً من تفكيكه غير مقنعة ولا تنهض بهذه المهمة، خصوصاً وأن رغبة (قحت) للعودة للتسوية السياسية أو الحل السياسي (التي تقود حتماً لشراكة دم جديدة) ليست سرية بل معلنة،و لم نسمع من هذا التحالف أنه لن يدخل في تسوية جديدة مع طرفي اللجنة الأمنية للإنقاذ ، أو أنه يدعو لطردهما من الخارطة السياسية. لذلك يبقى قولنا قائماً بأن "قوى التغيير الجذري تسعى لتفكيك التمكين، و(قحت) تسعى لإصلاحه)، لأن التفكيك ببساطة مستحيل في حال الشراكة مع العدو الذي يجب تفكيكه.
وللتوضيح بأن رؤية قوى التغيير الجذري حول الجبهة القاعدية المطلوبة لإيقاف الحرب، و أنها سابقة لمقالات د. صديق ولقوله أن الحديث عن جبهة قاعدية لا يوجد توضيح له وكيفية تكوين تلك الجبهة، أعيد نشر ما ورد بمقالي المنشور بتاريخ 7/6/2023م في عدد من المواقع الإلكترونية ومنها سودانيزأونلاين فيما يلي:
العامل الاساس في ايقاف الحرب ، هو الرفض الجماهيري لها ، وتحويل هذا الرفض الى وعي متكامل ومنظم ، تبنى على اساسه جبهة قاعدية واسعة ، ببرنامح يقصي الطرفين المتحاربين ، ويرفض مشاركتهما في الخارطة السياسية ، وتقديم بديل ثوري مبني على مشروع ثورة ديسمبر المجيدة ، يهزم الدعاية التي تجيش للحرب ونصرة طرف على آخر. وحتى لا يفهم من ذلك ان المقصود هو لملمة المدنيين كيفما اتفق ، يجب ان نؤكد بان هذه الجبهة اساسها البرنامج الرافض للحرب و للسماح برسلمة نتائجها من قبل الطرفين المتحاربين. والحد الادنى لهذا البرنامج الموحد هو ما يلي:
١- رفض وجود الطرفين المتحاربين في الخارطة السياسية ، والتمسك بشعار " العسكر للثكنات و الجنجويد يتحل " ، ويترتب على ذلك رفض اي حوار او تفاوض مع الطرفين او اي منهما ، مع رفض المشاركة في اي عملية تفاوضية تجمعهما.
٢- التمسك بمحاسبة الطرفين على جميع الجرائم التي ارتكباها قبل الحرب بما فيها فض الاعتصام وقتل الشهداء ، وكذلك جرائم الحرب التي تمت اثناء الحرب.
٣- إلغاء الوثيقة الدستورية المعيبة ووضع وثيقة جديدة لسلطة مدنية خالصة.
٤- إعادة هيكلة القوات المسلحة بواسطة مفصولي الخدمة العسكرية بعد إعادتهم للخدمة بقرار سياسي، وحل جهاز الامن ومليشيا الجنجويد.
٥- إعادة هيكلة الاجهزة العدلية ابتداءا بالسلطة القضائية بقرارات سياسية ، تؤسس للتخلص من اجهزة الانقاذ لبناء اجهزة انتقالية قادرة على تنفيذ مهام الانتقال.
٦- تعيين جهاز تشريعي من قبل الجبهة القاعدية ليقوم بمهام التشريع في الفترة الانتقالية.
٧- تعيين سلطة سيادية بصفة مستعجلة لملء الفراغ ، قبل ان تنتهي الحرب ، والبحث لها عن إعتراف دولي كبديل عن سلطة الامر الواقع الانقلابية، ضعيفة السيطرة قبل الحرب ، ومنعدمة السيطرة خلالها.
كل من يقبل بهذا الحد الادنى من غير الاسلاميين و غيرهم ممن يدعمون طرفي الحرب، هو عضو في الجبهة القاعدية العريضة المطلوبة بكل تأكيد.
الجبهة المطلوبة ، تقودها لجان المقاومة ، بعد إعادة هيكلة نشاطها في جميع المدن الاقليمية غير المتأثرة بالحرب ، على ان تبدأ من نشاط درء آثار الحرب ومواجهة مآسيها الانسانية ، وان توسع قاعدتها بإستيعاب كل الناشطين في المجال الانساني والاغاثي ، وان تنفتح على المواطنين جميعا بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية طالما انهم مؤمنين ببرنامج الحد الادنى المذكور أعلاه. يساند اللجان تجمع المهنيين غير المختطف، والنقابات المهنية في فرعياتها الاقليمية ، ومنظمات المجتمع المدني ، وتدعمها الاحزاب السياسية الوطنية. يبدأ هذا النشاط في كل مدينة ، لتفرز قيادة جبهوية للمدينة ، تنسق مع قيادة المدن الاخرى ، لتكون قيادة تنسيقية لكل المدن ، وتجعل من النهوض بالمهام المنوه عنها أعلاه أمرا متاحاً. هذه الجبهة عليها ان تقود النشاط المناهض للحرب بكافة وجوهه ، ابتداءاً من معالجة اوضاع المواطنين بالتعاون مع المغتربين الذين دعموا ثورة ديسمبر المجيدة ، مروراً بوضع تصور لبرنامج اعادة الاعمار وبناء الدولة و انتهاءاً بالعمل الدعائي و الاعلامي المنظم ، والبحث عن الاعتراف الدولي بها.
ووسيلة هذه الجبهة لاسقاط الطرفين المتحاربين ، هي الحفاظ على المدن غير المتاثرة بالحرب بعيداً عن سلطة الطرفين المتحاربين ، وبناء سلطة بديلة ، تفرض نفسها بقوة الجماهير عبر عصيان مدني تستصحب فيه تجربة الحرب والتدابير التي اتخذت لمساعدة المواطنين في ادارة حياتهم ، في حال رفض الطرفين الانصياع للضغط الجماهيري ، ولتسليم السلطة للشعب. تمكن الجبهة في مدن الاقاليم ، يرجح إنضمام عسكريين وطنيين أيضا إليها. وبكل تأكيد ستكون وسائلها (سلمية ضد الحرامية) ، ولن تحتكم الى السلاح.
ما تقدم يوضح المطلوب ، وضرورة التحرك الآن لا انتظار الحرب ان تنتهي او ان يفرض المجتمع الدولي وقف إطلاق نار على الطرفين المتحاربين ، لأن الانتظار يعني ان يفرض وقف إطلاق النار مع شروط سياسية دولية ، ستجعل من الطرفين جزءاً اصيلاً من المعادلة السياسية ، بعد ان تجلب الذين ينادون بالعودة للعملية السياسية من التسوويين ، للاتفاق على شراكة دم جديدة. وهذا يعني ان بناء الجبهة القاعدية يحقق هدفين، هما طرد الطرفين المتحاربين من العملية السياسية ، ومنع التسوويين من الدخول معهما في شراكة جديدة تمكنهما من حماية تمكينهما ، والإفلات من العقاب.
(نواصل الحوار)
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذا الإتفاق على شعبنا
إقرأ أيضاً:
الشيخ محمد صديق المنشاوي.. انطلق من المنشأة بسوهاج إلى المساجد العالمية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
من أين أبدأ الحديث عن الشيخ محمد صديق المنشاوي؟ وكيف يمكن للكلمات أن تفي هذا الرجل حقه وتسلط الضوء على مكانته التي لا تضاهى في تاريخ تلاوة القرآن الكريم؟ فكلما حاولت أن أبدأ سطور التقرير عن هذا الصوت الذي ألهب القلوب وأذرف الدموع، أشعر أنني لا أستطيع التعبير عن عظمة هذا الرجل بما يستحق، وخصوصاً أن الشيخ المنشاوي كان صوتًا يعكس خشوع الروح وصدق الإيمان، ومع كل كلمة أكتبها، يخطر ببالي سؤال: كيف يمكنني أن أصف الصوت الذي سكن القلوب وسافر بين مساجد العالم، وخلد اسمه في ذاكرة الأمة؟ هذا التحدي في الكتابة يكمن في أن الكلمات مهما حاولت أن تعبر، سوف تبقى عاجزة عن احتواء عظمة هذا الشيخ الذي أثر في أجيال وأجيال من مستمعيه.
ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي في مركز ومدينة المنشأة بمحافظة سوهاج عام 1920م (1338هـ)، وكان من أسرة قرآنية عريقة، حيث تربى في بيئة تعشق القرآن الكريم واشتهرت بتلاوته، وأتم حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة، ليصبح أحد أعظم قراء القرآن في تاريخ مصر والعالم الإسلامي، فقد كان والده الشيخ صديق المنشاوي، وجده تايب المنشاوي، من كبار قراء القرآن، وكان هناك أيضًا العديد من أفراد الأسرة حفظوا القرآن وأجادوا تلاوته، مثل شقيقيه أحمد ومحمود صديق المنشاوي.
مدرسة فريدةتأثر الشيخ محمد بوالده، الذي كان له دور كبير في تعليمه فنون قراءة القرآن، وساهم في تشكيل مدرسة تلاوة فريدة من نوعها عُرفت فيما بعد بـ"المدرسة المنشاوية"، التي تميزت بأسلوبها الخاص في تلاوة القرآن، وفي عام 1927، انتقل الصبى محمد صديق المنشاوى إلى القاهرة مع عمه الشيخ أحمد، وأتم فيها حفظ ربع القرآن، قبل أن يعود إلى بلدته المنشاة ليكمل حفظ القرآن ودراسته على يد مشايخ كبار مثل الشيخ محمد النمكي، والشيخ محمد أبو العلا، والشيخ رشوان أبو مسلم، الذي كان لا يتقاضى أجراً عن تعليم القرآن الكريم.
كان للشيخ محمد صديق المنشاوي بصمة خاصة في عالم تلاوة القرآن الكريم، حيث امتاز بصوت خاشع ذي مسحة من الحزن، مما جعله يلقب بـ"الصوت الباكي"، وهي صفة عكست عمق تفاعله مع المعاني القرآنية وانفعاله بها، وبدأت رحلته مع التلاوة في سن مبكرة عندما كان يرافق والده وعمه في السهرات القرآنية التي كانت تقام في قرى ونواحى مسقط رأسه بمحافظة سوهاج، وكان له الفضل في إثراء تلك السهرات القرآنية بتلاوته الرائعة، حتى أتيحت له الفرصة لأول مرة للقراءة منفردًا في إحدى هذه السهرات التى رافق فيها والده عام 1952م فى قرية «أبار الملك» بمركز أخميم بسوهاج ونال إعجاباً كبيراً من الحاضرين، ليبدأ بعدها في الشهرة ويصبح اسمه مألوفًا في الأوساط القرآنية.
قصة الإذاعةوقصة اختياره بالإذاعة تستحق أن تُروى، إذ يعتبر الشيخ محمد صديق المنشاوى أول قارئ تذهب الإذاعة إليه ولا يذهب هو إلى استوديوهاتها حيث رفض خوض اختبار الإذاعة المصرية لاعتماده قارئاً كغيره ممن خاض الاختبار، فمجرد أن سمعت الإذاعة بذلك الصوت والجماهيرية التى حظى بها فى محافظته والمحافظات المحيطة بها، حتى انتقلت إليه وهو فى مطلع شبابه بمعداتها لتسجيل قراءاته وتم عرض تسجيلاته على اللجنة المختصة وأقرتها.. وبناء على ذلك، اعتمدته الإذاعة قارئاً للقرآن الكريم، ووصل صوته إلى الملايين فى البيوت، وذاع صيته فى البلاد العربية والأجنبية، وأختير ليكون قارئ الجمهورية العربية المتحدة أثناء الوحدة بين مصر وسوريا، وعقب اختياره كانت الجمعة الأولى له فى القاهرة من مسجد الزمالك كقارئ مكلَّف من قِبَل وزارة الأوقاف، والجمعة الثانية من مسجد «لا لا باشا» بدمشق، وكان الرئيس جمال عبدالناصر يكن له حباً كبيراً ووصفه بصاحب "الصوت العذب"، وكان يدعوه دائماً لتلاوة القرآن فى كل المناسبات.
وسجل الشيخ المنشاوي القرآن الكريم كاملاً في ختمة مرتلة، برواية حفص عن عاصم، كما أن له قراءة أخرى برواية «الدُّورى» بالاشتراك مع الشيخين كامل يوسف البهتيمى وفؤاد العروسى، إضافة إلى ختمة مجودة بثقة وإتقان بإذاعة القرآن الكريم المصرية، ولم يكن الشيخ المنشاوي مقتصرًا على تسجيل القرآن فقط، بل كان له بصمة كبيرة في إحياء المناسبات القرآنية في عدد من الدول العربية والإسلامية، في المسجد الأقصى في القدس، وكذلك في الكويت وسوريا وليبيا، وسجل العديد من التلاوات التي نالت إعجاب جمهور واسع من المسلمين في أنحاء العالم، كما كان له شرف التلاوة في الأماكن المقدسة، مثل المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة.
وتعتبر قراءاته في هذه الأماكن المقدسة بمثابة تتويج لمسيرته، حيث تلا القرآن الكريم في أروع وأقدس مساجد العالم الإسلامي، مما جعل صوته يرتبط في أذهان المسلمين بالروحانية والقدسية، وكانت له زيارات متعددة إلى دول إسلامية أخرى مثل العراق وإندونيسيا وفلسطين والسعودية.
وكان المنشاوى يهتم بما يصله من رسائل من الناس عبر البريد، وفى أحد ردوده، يرد على أسئلة مواطن عراقى، فكتب له أن أول سورة قرأها فى الإذاعة كانت سورة لقمان.. ويسأله المواطن أن يحضر إلى العراق، فيقول له: إن "الجمهورية ترسلنا كل عام للقراءة فى إحدى الدول الإسلامية (خلال شهر رمضان المبارك) وإن شاء الله نحضر لبلدكم الشقيق".
إتقان المقاماتإحدى السمات التي جعلت الشيخ محمد صديق المنشاوي يتميز عن غيره من القراء كانت قدرته على إتقان المقامات القرآنية بشكل رائع، فكانت كل كلمة وكل حرف يخرج من فمه مشبعا بالمعاني، مما جعل المستمعين يشعرون بعلاقة وثيقة بينه وبين النص القرآني، كما كانت له طريقة فريدة في التعبير عن الآيات، تتناغم مع الأصوات التي تخرج من قلبه وتعكس روحانية متجددة.
ولا يختلف اثنان على أن الشيخ المنشاوي جمع في قراءته كل ميزات الجمال، وكان يقرأ آيات التبشير بفرحة القلب. فقد كان المنشاوي يبدأ قراءته من مقام البياتي كباقي القراء، وكذلك مقام نهاوند، وينتقل منه إلى نهاوند المرصّع، ثم إلى أي مقام يتراءى له، حسب دلالة ومعنى الآية التي يقرأها، بينما كان يؤدي الأذان من مقامي راست والحجاز.
ولقد ذاع صيت الشيخ المنشاوي ابن مدينة المنشأة بمحافظة سوهاج وأصبح واحدًا من أبرز القراء في مصر والعالم الإسلامي في الخمسينيات من القرن العشرين، حيث شارك زملاءه القراء الكبار مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في إحياء فن التلاوة في تلك الحقبة، واستطاع أن يحتفظ بمكانة مرموقة في قلوب المستمعين لما كان يقدمه من تلاوة فريدة تريح النفس.
وكانت أول رحلة خارج مصر للشيخ المنشاوى فى إندونيسيا عام 1955، ومنحته الحكومة الإندونيسية وساماً رفيعاً، كما نال العديد من الأوسمة والتكريمات من عدة دول على مدار مسيرته، فحصل على أوسمة من دول مثل سوريا ولبنان وباكستان وليبيا والمغرب، وذلك تقديرًا لإسهاماته العظيمة في نشر وتلاوة القرآن الكريم، وكانت هذه الجوائز تعبيرًا عن إعجاب العالم الإسلامي بصوته وبأدائه الذي لامس قلوب المسلمين من مختلف البلدان.
وكثيرون أشادوا بصوت محمد صديق المنشاوى، منهم الشيخ محمد محمود الطبلاوى، فعندما سئل فى أحد البرامج التليفزيونية عن القارئ الذى يرى أن له شعبية طاغية، أجاب سريعاً: "إنه المنشاوى بلا شك". وقال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي، في تصريح شهير "من أراد أن يستمع إلى القرآن فليستمع لصوت المنشاوي. إنه ورفاقه الأربعة (يقصد الشيوخ محمود البنا، وعبدالباسط عبدالصمد، ومصطفى إسماعيل، ومحمود الحصري)، يركبون مركبًا، ويبحرون في بحار القرآن الزاخرة، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله - سبحانه وتعالى - الأرض ومن عليها".
وقال عنه الموسيقار محمد عبدالوهاب: "المنشاوي يمثل حالة استثنائية يحار أمامها الذائق الفاهم، من يتأمل مخارج الحروف عنده يصعب أن يجد لها وصفًا، وذلك لما منحه الله من حنجرة رخيمة، ونبرة شجية تلين لها القلوب والجلود معاً، ويتجلى ذلك عند ختامه للتلاوة، فتراه يستجمع كل إبداع التلاوة في آخر آيتين، بحيث يجعلك تعيش معه أشد لحظات الخشوع على الإطلاق، وما عليك إلا أن تتأمل استرساله ما بين السرعة والتلقائية العجيبة، كما في سورة الإسراء، وبين الهدوء وخفض الصوت كما في سورة العلق، عند قراءته (كلاَّ إنَّ الإنسان ليطغى أنْ رآه استغنى، إنَّ إلى ربك الرجعى)".
روايات غامضةوتعددت الروايات التي قيلت حول وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي، وكانت بعض هذه الروايات محاطة بالغموض والتساؤلات، بينما البعض الآخر يتسم بمسحة من الشكوك، ومن بين هذه الروايات، قيل إن هناك رجلاً كان يكن حقدًا كبيرًا على الشيخ المنشاوي، وكان يطارده بشكل مستمر، وفي إحدى المرات، قال هذا الرجل عن تلاوة الشيخ محمد صديق المنشاوي: "له حنجرة يرى منها الماء"، وبعد أن نفخ هذا الرجل في الهواء، حدث ما كان يراه البعض بمثابة نذير شؤم، حيث خرج دم من فم الشيخ محمد صديق المنشاوي، وتم نقله إلى المستشفى، وتوفي بعدها بأيام.
وهناك رواية أخرى تشير إلى محاولة قتل الشيخ المنشاوي عمدًا، وهي تتعلق بقصة شخص ثري توفي وقرر الشيخ المنشاوي إحياء "الذكرى الأربعينية" لهذا الشخص، ووفقًا لتلك الرواية، كان قد تم دس السم للشيخ المنشاوي في طعامه، إلا أن الطباخ اكتشف الأمر قبل أن يتناول الشيخ المنشاوي الطعام وأخبره، فامتنع عن استكمال الطعام رغم أنه قد تناول بعض اللقيمات منه، وبعد فترة قصيرة من هذه الحادثة توفي الشيخ المنشاوي، وعلى الرغم من تعدد الروايات حول وفاة الشيخ، فإن الرواية الأكثر ترجيحًا هي أن الشيخ محمد صديق المنشاوي قد أصيب في عام 1966 بمرض دوالي المريء، وكان يتلقى العلاج لفترة طويلة من هذا المرض، وتعتبر هذه الإصابة أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تدهور صحته، حتى توفي في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ الموافق 20 يونيو 1969، ليرحل صاحب الصوت الخاشع والحزين، الذي تأثر به المستمعون في أنحاء العالم الإسلامي.
حديث ابن شقيقه"الشيخ محمد صديق المنشاوي لم يأخذ حقه قبل ظهور السوشيال ميديا".. بتلك الكلمات بدأ الشيخ صديق محمود صديق المنشاوي، نجل شقيق الشيخ الراحل، نقيب قراء الصعيد وأمين عام نقابة القراء على مستوى الجمهورية، حديثه لـ"البوابة نيوز"، وقال إن عمه الشيخ محمد صديق المنشاوي، كان دائم الزيارة لأسرته في الأعياد والمناسبات، حيث كان يزور والده ووالدته وأهل زوجته في مسقط رأسه بالصعيد.
وأشار الشيخ صديق، إلى أنه قد زار نحو 60 أو 70 دولة، بسبب شهرة ومكانة عمه الشيخ محمد صديق المنشاوي، ووالده الشيخ محمود وجده صديق المنشاوي، مشيراً إلى أن عمه لم يكن قد نال حقه الكامل من الشهرة قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الشيخ المنشاوي كان شخصية استثنائية،
وأضاف الشيخ صديق معبراً عن إعجابه البالغ بتلاوة عمه الشيخ محمد صديق المنشاوي، حيث قال: "محدش قرأ القرآن ولا خشع للقرآن، ولا بكى في آيات القرآن، ولا تناول الآيات القصصية في القرآن، ولا تفاعل مع معاني الآيات بهذه الطريقة التي كانت تجسدها نبرات صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي، وأن الشيخ كان يجسد الأحداث القرآنية بكفاءة مميزة، قائلاً: "أعتقد أن الشيخ محمد صديق المنشاوي هو من استطاع تجسيد المشاهد القرآنية أكثر من غيره، وكأنه خُلِق ليقرأ القرآن ثم يموت وهو في سكينة وصوت مبارك".
وأوضح الشيخ صديق أن هذه القدرة الفائقة على التأثر في التلاوة جعلت الشيخ المنشاوي واحداً من أبرز قراء القرآن في العالم الإسلامي، حيث استطاع أن يصل إلى قلوب المستمعين ويجذبهم بتلاوته التي تحمل روحاً من الإيمان والخشوع.
رسائل من الشيخ المنشاوى رداًعلى ما يتلقاه من المواطنينالمنشاوى الأب يتوسط صورة عائلية وعلى يمينه محمد صديق المنشاوىمع أبنائهأثناء زيارة ليبيا المنشاوى وعبدالباسط فى إندونيسيامحمد صديق المنشاوى واقفاً مع والده وابنهفى لحظة تأمل بمنزلهرده على رسالة مواطن