تكامل اقتصادات آسيا واضمحلال نفوذ أمريكا في القارة
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
قبل سبعة قرون مضت كانت طرق التجارة البحرية التي تمتد من ساحل اليابان إلى البحر الأحمر تعجُّ بسفن الداو العربية والجنك الصينية والجونغ الجاوية الناقلة للسيراميك والمعادن الثمينة والأنسجة حول المنطقة. وفي مركزها ازدهرت محطة تجارية اسمها سنغافورا. لم يختل أداء هذه الشبكة التجارية الضخمة داخل آسيا إلا بوصول البحارة من الإمبراطوريات الأوروبية الصاعدة وظهور أسواق نائية للسلع الآسيوية.
إحياء التجارة البينية
نموذج "آسيا المصنع" الذي تحولت به القارة في أواخر القرن العشرين إلى مصنع ضخم ينتج سلعا للمستهلكين الأمريكيين والأوروبيين أتاح ازدهارا مذهلا للصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. في عام 1990 كان يتم تداول حوالي 46% فقط من تجارة آسيا داخل القارة فيما تتدفق كميات هائلة من السلع إلى الغرب. لكن بحلول عام 2021 ارتفع هذا المعدل إلى 58% مقتربا من المستويات الأوروبية التي تصل إلى 69%. أدى تعاظم التجارة الإقليمية إلى ازدياد التدفقات الرأسمالية أيضا مما قاد إلى تمتين الروابط بين بلدان آسيا. وظهرت حقبة جديدة للتجارة الآسيوية ستعيد تشكيل المستقبل الاقتصادي والسياسي للقارة.
بدأت هذه الحقبة مع نمو سلاسل توريد متقدمة تمركزت أولا في اليابان في أعوام التسعينات ثم في الصين لاحقا. وسرعان ما شرعت السلع الوسيطة (وهي المكونات التي ستصبح في نهاية المطاف جزءا من السلع الجاهزة) في الانتقال عبر الحدود بكميات كبيرة. وأعقبها الاستثمار الأجنبي المباشر. فالمستثمرون الآسيويون يملكون الآن 59% من هذا الاستثمار في آسيا إذا استبعدنا المراكز المالية في هونج كونج وسنغافورة وذلك مقارنة بحوالي 48% في عام 2010. وفي الهند وإندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان ارتفعت حصة الاستثمار الأجنبي المباشر من آسيا بأكثر من 10% إلى ما بين 26% و61%.
بعد الأزمة المالية العالمية 2007-2008 أصبحت العمليات المصرفية العابرة للحدود "أكثر آسيوية." فقبل حلول الأزمة كانت البنوك المحلية تمول أقل من ثلث القروض الخارجية (إقراض ما وراء البحار) في المنطقة. وهي الآن تقرض أكثر من النصف مستفيدة في ذلك من انسحاب الممولين الغربيين. قادت بنوك الصين الحكومية الضخمة هذا التحول. فالقروض الخارجية لبنك الصين الصناعي والتجاري زادت بأكثر من الضعف في الفترة بين 2012 والعام الماضي إلى 203 بليون دولار. أيضا تمددت بنوك اليابان الكبرى إلى الخارج تجنبا لهوامش الربح المحدودة في الداخل. وكذلك البنك المتحد لما وراء البحار السنغافوري والمؤسسة المصرفية الصينية لما وراء البحار. وجود الحكومات الغربية تضاءل أيضا. ففي استطلاع لآراء باحثين ورجال أعمال وواضعي سياسات من جنوب شرق آسيا أجراه مؤخرا معهد آي إس إي أيه إس - يوسف اسحق في سنغافورة (معهد دراسات جنوب شرق آسيا سابقا) يعتقد 32% منهم أن الولايات المتحدة هي القوة السياسية الأكثر نفوذا في المنطقة. لكن 11% فقط قالوا إنها القوة الاقتصادية الأكثر نفوذا هناك. الاستثمار الذي تقوده الدولة والقادم من الصين لباقي بلدان القارة الآسيوية بموجب مبادرة الحزام والطريق اجتذب الاهتمام. لكن المساعدات الرسمية والاستثمار المدعوم بتسهيلات حكومية من اليابان وكوريا الجنوبية يتزايد أيضا. ومن المرجح أن تتسارع هذه التحولات. وفي مواجهة العلاقات المتدهورة بين أمريكا والصين تتطلع الشركات التي تعتمد على المصانع الصينية إلى بدائل في الهند وجنوب شرق آسيا. في ذات الوقت قليلون هم رؤساء الشركات الذين يتوقعون التخلي عن الصين تماما. وهو ما يعني أنه ستكون هنالك حاجة لسلسلتي توريد منفصلتين في آسيا إلى جانب مضاعفة بعض الاستثمارات. وستعجل الصفقات التجارية ذلك. أشارت دراسة نشرت في العام الماضي إلى أن "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" وهي معاهدة عريضة لكنها ليست عميقة أبرمت في عام 2020 ستزيد الاستثمار في المنطقة. بالمقارنة وكنتيجة لتخلي أمريكا عن اتفاقية "عبر المحيط الهادي التجارية" في عام 2017 ليست هنالك فرصة تذكر في توافر إمكانية أكبر للشركات الآسيوية للتصدير إلى السوق الأمريكية.
الحاجة إلى تأسيس سلاسل توريد جديدة تعني أن النقل واللوجستيات مجال آخر ربما يشهد ازدياد الاستثمار الآسيوي الداخلي، حسبما تشير سابيتا براكاش المدير العام لشركة الائتمان الخاصة "أيه دي إم كابيتال."
مطابقة المستثمرين الباحثين عن دخل مضمون مع مشروعات تبحث عن تمويل (وتلك رسالة شركات الائتمان الخاصة من شاكلة أيه دي إم كابيتال) ظلت هواية مربحة في آسيا. ومن المرجح أن تكون أكثر جاذبية. لقد زاد حجم سوق الائتمان الخاص في جنوب شرق آسيا والهند بنسبة 50% في الفترة بين 2020 و2022 إلى 80 بليون دولار تقريبا. أيضا يتجه مستثمرون آخرون إلى مشروعات البنية التحتية. فصندوق الثروة السيادي السنغافوري (جي آي سي) الذي يدير قسما من الاحتياطيات الأجنبية لسنغافورة ينفق بسخاء على إنشاء المرافق اللازمة لسلاسل التوريد الجديدة. التغيير في المدخرات والتركيبة السكانية الآسيوية سيسرِّع التكامل الاقتصادي أيضا. فالصين وهونج كونج واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان انضمت إلى صفوف مستثمري ما وراء البحار وأصبحت من بين أكبر المستثمرين في العالم. اقتصادات هذه البلدان الأكثر ثراء والأقدم في آسيا صدرت أحجاما لافتة من رؤوس الأموال إلى أجزاء القارة الأخرى. وتدفقت الأموال النقدية عبر الروابط التجارية التي تأسست حديثا. في عام 2011 استثمرت بلدان الاقتصادات الأقدم والأكثر ثراء في آسيا حوالي 329 بليون دولار بقيمة اليوم في بلدان الاقتصادات الأحدث والأفقر كبنجلاديش وكمبوديا والهند وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند. وبعد عشرة سنوات لاحقا ارتفع ذلك الرقم إلى 698 بليون دولار.
تدفقات تجارة طريق الحرير
يقول راجو نارين، مسئول الاستثمار ببنك ناتِكسيس "التوسع الحضري لايزال مستمرا في الهند وجنوب شرق آسيا ورأس المال يتبع خطى هذه التحولات." لا يقتصر الأمر فقط على حاجة المدن الكبيرة إلى الاستثمار في البنية التحتية ولكن الشركات الجديدة الأفضل ملاءمة للحياة الحضرية يمكن أن تزدهر. وحسب نارين نشاط الاندماج والاستحواذ (بين الشركات) عبر الحدود في آسيا يتغير ويصبح أكثر شبها بما يوجد في أوروبا وأمريكا الشمالية. وفيما تباطأت الصفقات من وإلى الصين بقدر كبير أصبح الاندماج والاستحواذ أكثر شيوعا في غيرها من بلدان المنطقة. فالبنوك اليابانية في مواجهة تدني أسعار الفائدة وتباطؤ نمو الاقتصاد المحلي متلهفة إلى عقد الصفقات. وخلال العام الماضي سارعت مجموعة سوميتومو ميتسوي المالية ومجموعة ميتسوبيشي يو اف جيه المالية إلى شراء شركات مالية اندونيسية وفلبينية وفيتنامية.
في الأثناء جعل تزايدُ الاستهلاك الآسيوي الاقتصاداتِ المحلية أكثر جاذبية كأسواق. ففي حين تحصل أوروبا 70% أو نحو ذلك من السلع الاستهلاكية من أسواقها المحلية تحصل آسيا على 44% فقط. ومن المرجح أن يتغير ذلك. فمن جملة 113 مليون مستهلك من المتوقع انضمامهم في العام القادم إلى طبقة المستهلكين العالمية (التي ينفق أفرادها 12 دولارا في اليوم على أساس تعادل القوة الشرائية بقيمة الدولار في عام 2017) سيوجد 91 مليون منهم في آسيا، حسب بيانات شركة الأبحاث "وورلد داتا لاب." وفي حين يتباطأ نمو الدخل الصيني بعد عقود من التوسع إلا أنه سيتسارع في بلدان أخرى. فمن المتوقع أن تشهد أكبر خمس اقتصادات في كتلة الآسيان الإقليمية هي اقتصادات اندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند ارتفاعا في وارداتها بنسبة 5.7% سنويا في الفترة من عام 2023 إلى 2028. وهذه أسرع وتيرة يشهدها نمو الواردات في أية منطقة. أنماط التجارة الإقليمية هذه من شأنها أن تمثل عودة إلى وضع أكثر عادية. فنموذج التصدير إلى شتى أرجاء العالم والذي نقل مستويات المعيشة في العالم المتقدم إلى أجزاء واسعة من آسيا وشجع على قدوم الاستثمار من أصقاع نائية كان نتاجا لظروف تاريخية فريدة.
كميات السلع التي تذهب من المدن الصناعية في القارة إلى أمريكا أكبر بكثير مما يمكن توقعه قياسا إلى الحجم النسبي لأسواق صادراتهما ووارداتهما والمسافة بينهما. وفي الواقع تشير ورقة أعدها معهد الأبحاث الاقتصادية لكتلة الآسيان وشرق آسيا إلى أن صادرات الآلات من شمال شرق وجنوب شرق آسيا إلى أمريكا الشمالية في عام 2019 كانت أكثر من ضعف ما يمكن أن يوحي به هذان العاملان. العلاقات التجارية الوثيقة ستعزز الروابط بين دورات الأعمال في الاقتصادات الآسيوية على نحو أشد متانة. وعلى الرغم من استمرار استخدام الدولار في المعاملات العابرة للحدود وولع المستثمرين الآسيويين بالبورصات الغربية توصلت دراسة أجراها بنك التنمية الآسيوي في عام 2021 إلى أن الصدمات الاقتصادية في الصين أكثر تأثيرا على الاقتصادات الآسيوية من تلك التي تحدث في الولايات المتحدة. لقد كان ذلك واضحا في الشهور الأخيرة مع تأثر المصدرين في كوريا الجنوبية وتايوان بتعثر التجارة الصينية. ويعني تزايد التجارة ليس فقط في السلع الوسيطة ولكن أيضا في السلع النهائية الجاهزة للاستهلاك أنه سيكون هنالك المزيد من الانسجام بين عملات القارة وقرارات سياساتها النقدية. ستترتب عن ذلك تداعيات سياسية. فأمريكا ستحتفظ بنفوذها في مجال الأمن الآسيوي. لكن أهميتها الاقتصادية ستنحسر. وسيكون رجال الأعمال وواضعو السياسات المحليون أكثر اهتماما وترحيبا بجيرانهم وليس بالزبائن البعيدين والبلدان النائية. ومع استمرار تشييد المصانع المحلية ونمو الاستهلاك وتعاظم مدخرات كبار السن المتزايدة أعدادهم والذين يبحثون بشدة عن مشروعات تحتاج للتمويل سيظل المجال متاحا للمزيد من التكامل الإقليمي بين بلدان آسيا. وسيكون العهد الجديد للتجارة الآسيوية أكثر تركيزا على الداخل وأقل توجها نحو الغرب. وستكون القارة نفسها كذلك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وکوریا الجنوبیة شرق آسیا فی آسیا أکثر من فی عام
إقرأ أيضاً:
تواضع النتائج للمنتخبات الوطنية في الدورات الآسيوية والأولمبية.. أين الخلل؟
استطلاع - خليفة الرواحي
"تصوير: نواف البوسعيدي"
اكتفت منتخباتنا الوطنية الستة المشاركة في دورة الألعاب الآسيوية الثالثة للشباب، التي استضافتها مملكة البحرين خلال الفترة من 22 إلى 31 أكتوبر الماضي، بحصد ميداليتين برونزيتين فقط، واحدة في سباق 800 متر عدوًا، والثانية في الرياضات الإلكترونية، فيما لم تُوفّق المنتخبات الأخرى في تحقيق أي ميدالية إضافية، وهذا يضعنا أمام تساؤلات حول الأسباب المتكررة لنتائج البعثات والمنتخبات الوطنية المتواضعة في الدورات الأولمبية والآسيوية، وما الأسباب الحقيقية وراء الخروج بهذه الحصيلة، وما المقترحات التي يراها المشاركون لتعزيز حضور المنتخبات المشاركة؟ وبين طموحات تحقيق إنجازات أكبر وتحديات الإعداد والدعم، نفتح في الاستطلاع التالي ملف مشاركة المنتخبات الوطنية في الدورات والألعاب الآسيوية للوقوف على أبرز الأسباب والمقترحات التي قد تسهم في تحسين الحصيلة في المشاركات المقبلة.
فرصة ثمينة لإعادة التقييم!
حيث قال العميد متقاعد سعيد بن محمد الحجري نائب رئيس البعثة: في ضوء مشاركة سلطنة عُمان في دورة الألعاب الآسيوية الثالثة للشباب في البحرين، والتي تميزت بحصد ميداليتين برونزيتين، واحدة في سباق 800 متر لألعاب القوى، والثانية في الرياضات الإلكترونية، يمكن تحليل هذه النتائج واستخلاص الدروس للمستقبل على النحو التالي: من خلال تحليل الأداء الحالي نجد هناك مواهب واعدة ينبغي الاهتمام بها ورعايتها بشكل أكبر، ومنها لاعب القوى الشامسي الذي حقق برونزية 800 متر، ولاعبو الرياضات الإلكترونية الذين حققوا برونزية المسابقة، وهذان الإنجازان المشرفان يشيران إلى وجود مواهب فردية قادرة على المنافسة على المستوى القاري، ونجاح العداء في هذا السباق بالتحديد قد يعكس عوامل متخصصة، منها أهمية الإعداد التكتيكي الذكي، والظروف المناخية، وطبيعة المنافسة في البحرين التي تلاءمت بشكل أفضل مع قدرات اللاعبين مقارنة بزملائهم في الفعاليات الأخرى.
وأضاف: بالنسبة لنتائج المنتخبات الأخرى، وبالرجوع لواقع الإعداد، نجد أن فجوة الإعداد ظاهرة بقوة، والنتائج المتواضعة في بقية فعاليات ألعاب القوى (100 متر، 200 متر، 2000 متر موانع) والرياضات الأخرى مثل الفروسية والتايكواندو والجولف والسباحة تشير إلى وجود فجوة في الإعداد والتحضير للمنافسات الكبرى مقارنة بالدول الرائدة في هذه الرياضات. وهذه الفجوة تتلخص في التحضير البدني والفني المكثف طويل الأمد، وقلة وتيرة المشاركات التنافسية الدولية قبل الدورة، ونقص الدعم العلمي (التحليل، والتغذية، والطب الرياضي) والمرافق للمنتخبات، مؤكدًا أن دورة الألعاب الآسيوية للشباب تعد محكًا حقيقيًا يضم أفضل المواهب الصاعدة في القارة، والمنافسة فيها شديدة للغاية.
وحول أهم العوامل التي يراها مهمة لإنجاح مشاركات المنتخبات الوطنية في الدورات والبطولات قال الحجري: لضمان مشاركات أكثر نجاحًا وإنجازًا للمنتخبات الوطنية في البطولات القارية والدولية، نرى الاهتمام بالركائز التالية: أولها اكتشاف الموهبة مبكرًا وتطويرها، وأن يكون هناك برنامج وطني منهجي لاكتشاف المواهب الرياضية في سن مبكرة، والعمل على صقلها من خلال مراكز متخصصة بدلًا من الاعتماد على الاكتشافات العشوائية أو المتأخرة. ووضع خطة إعداد علمي طويل الأمد على أن يبدأ قبل سنوات، وليس أشهر، ويشمل الإعداد برامج تدريبية فردية مصممة خصيصًا لكل رياضي بناءً على نقاط قوته وضعفه، ومعسكرات تحضيرية خارجية في بيئات مشابهة لبيئة البطولة من حيث المناخ والمنافسة، وتوفير طاقم دعم متكامل (مدربون، وأخصائيون في العلاج الطبيعي والتغذية، ومحلل أداء، وداعم نفسي)، كما يتطلب الإعداد تعريض الرياضيين للمنافسة الدولية بشكل متكرر قبل الدورة المستهدفة، كالمشاركة في بطولات أصغر أو ذات مستوى متوسط تمنح الرياضي الخبرة والثقة وتكسر حاجز الرهبة من المنافسات الكبرى.
وأضاف: إن عامل التخطيط الاستراتيجي لاختيار الرياضات مهم جدًا، وعلينا دراسة واقعية للرياضات التي تمتلك عُمان فيها ميزة تنافسية (مثل بعض فعاليات ألعاب القوى)، إلى جانب الرياضات الإلكترونية التي أثبت فيها لاعبونا قدرتهم على المنافسة، لذلك علينا تركيز الموارد عليها بشكل أكبر لضمان عائد استثماري أعلى، دون إهمال تطوير الرياضات الأخرى على المدى الطويل. كما يجب مواصلة تأهيل الكوادر الوطنية من خلال الاستثمار في تدريب وتطوير المدربين والإداريين الوطنيين، فهو استثمار في استدامة الإنجاز، ولا شك أن الكادر الوطني المتمكن هو الأقدر على فهم البيئة المحلية وقيادة المشروع الرياضي برؤية طويلة المدى.
وفي ختام حديثه أكد الحجري أن النتائج الحالية هي مرآة لواقع الرياضة العُمانية في مرحلة الشباب، وتشكل فرصة ثمينة لإعادة التقييم ووضع الأسس السليمة لبناء جيل قادر على رفع علم عُمان عاليًا في جميع المحافل الرياضية.
جوانب إيجابية
من جانبه قال عبدالله بن محمد بامخالف أمين عام اللجنة الأولمبية العُمانية: نُقدّر الجهود الكبيرة التي بذلتها المنتخبات الوطنية المشاركة في دورة الألعاب الآسيوية الثالثة للشباب بالبحرين، ونسجّل اعتزازنا بما تحقق من ميداليتين برونزيتين رغم الطموحات التي كانت أكبر من ذلك، والمشاركة بحد ذاتها تمثل محطة مهمة في إعداد جيل جديد من الرياضيين العُمانيين القادرين على تمثيل سلطنة عُمان في المحافل الآسيوية والدولية القادمة.
وأضاف: النتائج التي تحققت تعكس جوانب إيجابية وأخرى تحتاج إلى مراجعة شاملة، ومن هنا تأتي أهمية تقييم المشاركة بدقة، ودراسة كل منتخب على حدة للوقوف على أسباب التراجع أو القصور سواء من حيث الإعداد أو التخطيط أو الدعم الفني. وتتطلب المرحلة المقبلة تركيزًا أكبر يقوم على بناء قاعدة قوية من اللاعبين الناشئين، والاستثمار في الألعاب الفردية التي تملك سلطنة عُمان فيها فرصًا أفضل للمنافسة، إلى جانب توفير معسكرات نوعية ذات جودة عالية قبل البطولات بفترة كافية، ورفع كفاءة الكوادر الفنية والإدارية عبر برامج تطوير مستمرة، موضحًا أن اللجنة الأولمبية العُمانية بدعم من وزارة الثقافة والرياضة والشباب وبالتعاون مع الاتحادات الرياضية، ستعمل على وضع خطة تطوير متكاملة تستفيد من دروس هذه المشاركة، بما يضمن الارتقاء بالمستوى العام وتحقيق نتائج أفضل في الدورات المقبلة، بإذن الله تعالى.
زيادة الدعم المالي والفني
أما بدر بن علي أولاد ثاني مدير البعثة العُمانية في دورة الألعاب الآسيوية للشباب بالبحرين فقال: بداية نبارك لأبطالنا تحقيق ميداليتين برونزية في هذه الدورة، ونثمّن الجهود الكبيرة التي بذلتها جميع المنتخبات المشاركة رغم قوة المنافسة ومستوى التحضير العالي للدول الأخرى، موضحًا أن المشاركة أكدت الطاقات والمواهب الواعدة التي نمتلكها وأنها تستحق الدعم والمتابعة، مؤكدًا أن تحقيق نتائج أفضل في الدورات المقبلة لا بد من العمل المبكر على بناء قاعدة قوية من المواهب في مختلف الألعاب، خصوصًا الفردية منها لما تملكه من فرص أكبر لتحقيق الإنجازات. وبطبيعة الحال، مشاركة المنتخبات في الدورات الآسيوية تحتاج إلى زيادة الدعم المالي والفني للاتحادات المشاركة، لتمكينها من إعداد منتخباتنا بإقامة معسكرات داخلية وخارجية نوعية ذات قيمة مضافة تسبق البطولات بفترات كافية، تتيح للمنتخبات الوصول إلى أعلى درجات الجاهزية والانسجام، مؤكدًا أن الاستثمار في الإعداد الطويل المدى هو الطريق الأمثل للوصول إلى منصات التتويج مستقبلًا.
خارطة طريق لتصحيح المسار
شارك الدكتور علي بن عبدالله المرزوقي نائب رئيس الاتحاد العُماني لألعاب القوى إداري وفد ألعاب القوى الرأي بقوله: على الرغم من الحماس والتفاؤل الذي صاحب أفراد البعثة العُمانية، إلا أن الواقع التنافسي أظهر فجوة واضحة في الجاهزية الفنية والبدنية مقارنة بالمنتخبات الآسيوية الأخرى التي كانت أكثر استعدادًا واحتكاكًا. وما حققته المنتخبات الوطنية من نتائج متواضعة مقارنة بالطموحات المعقودة على المشاركة من وجهة نظري يعود إلى عدة عوامل، في مقدمتها ضعف الإعداد المسبق وقلة المشاركات الخارجية، مما أفقد اللاعبين فرصة الاحتكاك واكتساب الخبرة قبل هذا الحدث القاري، إلى جانب غياب البرامج التطويرية طويلة المدى للفئات العمرية، والاكتفاء بالإعداد القصير قبل الدورة، أسهم بشكل كبير في ظهور المنتخبات المشاركة بمستوى دون المأمول، مضيفًا إنه تلاحظ خلال المنافسات تأثير الضغط النفسي على اللاعبين صغار العمر الذين يخوضون أولى تجاربهم القارية، إلى جانب نقص الكفاءات الفنية المتخصصة في تدريب فئة الشباب، وضعف التجهيز البدني والذهني بشكل عام.
وعن المقترحات للتحسين في المشاركات القادمة قال المرزوقي: لتجاوز هذه التحديات، توجد مجموعة من المقترحات التي من شأنها رفع مستوى منتخبات الشباب مستقبلًا، أبرزها تفعيل برامج تطوير طويلة الأجل للفئات العمرية تشمل التدريب والمتابعة والتقييم، إلى جانب تكثيف المشاركات الدولية والمعسكرات الخارجية لفئة الشباب لرفع مستوى الجاهزية والاحتكاك لديهم، مع التركيز على الجوانب النفسية والتكتيكية لديهم، بالإضافة إلى توفير الدعم المالي واللوجستي الكافي لهذه الفئة المهمة في المنتخبات الوطنية، وتهيئة بيئة تدريب متكاملة لهم، والعمل على إنشاء مراكز دائمة لإعداد الشباب في المحافظات المختلفة بسلطنة عُمان لضمان استمرارية التدريب واكتشاف المواهب، وتعزيز الشراكة مع المدارس والأندية لضمان قاعدة أوسع من المواهب.
وأكد المرزوقي أنه برغم التحديات، فإن المشاركة في مثل هذه الدورات تمثل تجربة تعليمية ثمينة للمنتخبات الشابة، وتضع أمام المسؤولين خارطة طريق واضحة لتصحيح المسار وتحقيق النتائج التي تليق بطموحات المنتخبات العُمانية مستقبلًا، لذلك نحن بحاجة إلى مضاعفة الجهود في مجالات التدريب، والتأهيل، والتغذية الرياضية، والتجهيز الذهني، إلى جانب زيادة عدد البطولات المحلية ورفع مستواها الفني بما يمنح لاعبينا فرصًا أكبر للاحتكاك، كما أننا نحرص على تأهيل الكادر الفني والإداري بشكل يعزز جودة العمل مع الفئات السنية. موضحًا أن المنتخبات واجهت بعض التحديات، أبرزها قِصر فترة الإعداد وقلة المشاركات الدولية السابقة للبطولة، وهذا أمر نضعه بعين الاعتبار ضمن خططنا القادمة، ولا يمكن بناء منتخب قادر على التتويج القاري دون برنامج تطوير مستمر يبدأ من القاعدة، وهذا ما نعمل عليه حاليًا من خلال مراجعة شاملة لهيكلة برامج إعداد الناشئين والشباب، وتفعيل الشراكات مع المدارس والأندية الرياضية لاكتشاف وصقل المواهب مبكرًا.
ملاحظات تحتاج لتصحيح المسار
أكد طلال بن محمد البلوشي رئيس اللجنة العُمانية للتايكواندو، أن المشاركة في الدورة لها عدة جوانب إيجابية وأخرى ملاحظات تحتاج إلى تصحيح مسارها، لذلك ينبغي دراستها والوقوف أمامها بشكل جاد. ففي الجانب الإيجابي شكّلت المشاركة للاعبين فرصة ثمينة للاحتكاك واكتساب الخبرة، حيث ظهر لاعبونا في المنتخبات بعزيمة ومستوى جيد رغم الفارق في الإعداد والجاهزية بين المنتخبات المشاركة التي خاضت برامج ومعسكرات خارجية طويلة قبل البطولة، وهذا ما افتقرت إليه المنتخبات الوطنية.
وأضاف: لتحسين مشاركتنا في الدورات الآسيوية القادمة لابد من تحليل النتائج ومعرفة الأسباب التي حالت دون الوصول إلى ما نأمله من هذه المشاركات، وعلى المنظومة المسؤولة عن الرياضة أن تعمل معًا بجهد أكبر حتى تكون مشاركاتنا في المستقبل ذات قيمة أكبر وحصيلة أفضل من النتائج. ومن أهم الجوانب التي ينبغي أن تسبق مشاركاتنا القادمة إعداد مبكر للمنتخبات بإقامة معسكرات داخلية وخارجية منتظمة توفر فرصًا للاحتكاك القوي وتُسهم في رفع اللياقة البدنية وتطوير المهارات الفنية والتكتيكية في جميع الرياضات، مع أهمية تنويع بيئة التدريب لتشمل (المرتفعات، والبحر، والصالات المغلقة لبعض الرياضات التي تحتاج إلى ذلك) بهدف تحسين التحمل البدني والتكيف مع ظروف مختلفة، إلى جانب المشاركة المنتظمة في البطولات الدولية للاحتكاك بمستويات أعلى في المنافسة وبالتالي رفع الثقة بالنفس والاحتكاك بمدارس فنية مختلفة. والعمل على تطوير الجانب الذهني والنفسي عبر برامج إعداد نفسي لمواجهة الضغوط في البطولات، وتحسين التغذية والاستشفاء لضمان الجاهزية البدنية المستمرة، إلى جانب العمل وفق منظومة علمية واضحة تعتمد على تحليل الأداء بعد كل بطولة، واستخدام التحليل بالفيديو لمراجعة تفاصيل الأداء الفني لتحديد نقاط القوة والضعف والعمل على تطويرها.